عرض مشاركة واحدة
  #298  
قديم 20-10-2022, 06:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(284)
الحلقة (298)
صــ 255إلى صــ 262






أو يكون خطابا لأهل الإيمان بمن قبل محمد صلى الله عليه وسلم من الأنبياء المصدقين بهم ، وبما جاءوا به من عند الله المنكرين محمدا ونبوته ، فقيل لهم : " ادخلوا في السلم " ، يعني به الإسلام ، لا الصلح ؛ لأن الله عز وجل إنما أمر عباده بالإيمان به وبنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به ، وإلى الذي دعاهم دون المسالمة والمصالحة . بل نهى نبيه صلى الله عليه وسلم في بعض الأحوال عن دعاء أهل الكفر إلى الصلح فقال : ( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ) [ ص: 255 ] [ محمد : 35 ] وإنما أباح له صلى الله عليه وسلم في بعض الأحوال إذا دعوه إلى الصلح ابتداء المصالحة ، فقال له جل ثناؤه : ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ) [ الأنفال : 61 ] فأما دعاؤهم إلى الصلح ابتداء ، فغير موجود في القرآن ، فيجوز توجيه قوله : " ادخلوا في السلم " إلى ذلك .

قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : فأي هذين الفريقين دعي إلى الإسلام كافة ؟

قيل : قد اختلف في تأويل ذلك .

فقال بعضهم : دعي إليه المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وما جاء به .

وقال آخرون : قيل : دعي إليه المؤمنون بمن قبل محمد صلى الله عليه وسلم من الأنبياء المكذبون بمحمد .

فإن قال : فما وجه دعاء المؤمن بمحمد وبما جاء به إلى الإسلام ؟

قيل : وجه دعائه إلى ذلك الأمر له بالعمل بجميع شرائعه ، وإقامة جميع أحكامه وحدوده ، دون تضييع بعضه والعمل ببعضه . وإذا كان ذلك معناه ، كان قوله : " كافة" من صفة"السلم" ، ويكون تأويله : ادخلوا في العمل بجميع معاني السلم ، ولا تضيعوا شيئا منه يا أهل الإيمان بمحمد وما جاء به .

وبنحو هذا المعنى كان يقول عكرمة في تأويل ذلك .

4016 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة قوله : " ادخلوا في السلم كافة " ، قال : نزلت في ثعلبة ، وعبد الله بن سلام وابن يامين وأسد وأسيد ابني كعب وسعية بن عمرو [ ص: 256 ] وقيس بن زيد - كلهم من يهود - قالوا : يا رسول الله ، يوم السبت يوم كنا نعظمه ، فدعنا فلنسبت فيه! وإن التوراة كتاب الله ، فدعنا فلنقم بها بالليل ! فنزلت : " ياأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان "

فقد صرح عكرمة بمعنى ما قلنا في ذلك من أن تأويل ذلك دعاء للمؤمنين إلى رفض جميع المعاني التي ليست من حكم الإسلام ، والعمل بجميع شرائع الإسلام ، والنهي عن تضييع شيء من حدوده .

وقال آخرون : بل الفريق الذي دعي إلى السلم فقيل لهم : "ادخلوا فيه" بهذه الآية هم أهل الكتاب ، أمروا بالدخول في الإسلام .

ذكر من قال ذلك :

4017 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس في قوله : " ادخلوا في السلم كافة " ، يعني أهل الكتاب .

4018 - حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قول الله عز وجل : " ادخلوا في السلم كافة " ، قال : يعني أهل الكتاب .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله جل ثناؤه أمر الذين آمنوا بالدخول في العمل بشرائع الإسلام كلها ، وقد يدخل في"الذين آمنوا" المصدقون بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وبما جاء به ، والمصدقون بمن قبله من الأنبياء والرسل ، وما جاءوا به ، وقد دعا الله عز وجل كلا الفريقين إلى العمل بشرائع الإسلام وحدوده ، والمحافظة على فرائضه التي فرضها ، ونهاهم عن تضييع [ ص: 257 ] شيء من ذلك ، فالآية عامة لكل من شمله اسم"الإيمان" ، فلا وجه لخصوص بعض بها دون بعض .

وبمثل التأويل الذي قلنا في ذلك كان مجاهد يقول .

4019 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : " ادخلوا في السلم كافة " ، قال : ادخلوا في الإسلام كافة ، ادخلوا في الأعمال كافة .
القول في تأويل قوله تعالى ( كافة )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله " كافة " عامة ، ، جميعا كما : -

4020 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قوله : " في السلم كافة " قال : جميعا .

4021 - حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " في السلم كافة " ، قال : جميعا .

4022 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع " في السلم كافة " ، قال : جميعا وعن أبيه ، عن قتادة مثله .

4023 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع بن الجراح ، عن النضر ، عن مجاهد ، ادخلوا في الإسلام جميعا .

4024 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال ابن عباس : " كافة " ، : جميعا . [ ص: 258 ]

4025 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : " كافة " ، جميعا وقرأ . ( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ) [ التوبة : 36 ] جميعا .

4026 - حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد ، قال : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " ادخلوا في السلم كافة " ، قال : جميعا .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ( 208 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه . بذلك : اعملوا أيها المؤمنون بشرائع الإسلام كلها ، وادخلوا في التصديق به قولا وعملا ودعوا طرائق الشيطان وآثاره أن تتبعوها فإنه لكم عدو مبين لكم عداوته . وطريق الشيطان الذي نهاهم أن يتبعوه هو ما خالف حكم الإسلام وشرائعه ، ومنه تسبيت السبت وسائر سنن أهل الملل التي تخالف ملة الإسلام .

وقد بينت معنى"الخطوات" بالأدلة الشاهدة على صحته فيما مضى ، فكرهت إعادته في هذا المكان .
[ ص: 259 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم ( 209 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : فإن أخطأتم الحق فضللتم عنه ، وخالفتم الإسلام وشرائعه ، من بعد ما جاءتكم حججي وبينات هداي ، واتضحت لكم صحة أمر الإسلام بالأدلة التي قطعت عذركم أيها المؤمنون فاعلموا أن الله ذو عزة ، لا يمنعه من الانتقام منكم مانع ، ولا يدفعه عن عقوبتكم على مخالفتكم أمره ومعصيتكم إياه دافع "حكيم" فيما يفعل بكم من عقوبته على معصيتكم إياه ، بعد إقامته الحجة عليكم ، وفي غيره من أموره .

وقد قال عدد من أهل التأويل : إن" البينات " هي محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن .

وذلك قريب من الذي قلنا في تأويل ذلك ؛ لأن محمدا صلى الله عليه وسلم والقرآن ، من حجج الله على الذين خوطبوا بهاتين الآيتين . غير أن الذي قلناه في تأويل ذلك أولى بالحق ؛ لأن الله جل ثناؤه ، قد احتج على من خالف الإسلام من أحبار أهل الكتاب بما عهد إليهم في التوراة والإنجيل ، وتقدم إليهم على ألسن أنبيائهم بالوصاة به ، فذلك وغيره من حجج الله تبارك وتعالى عليهم مع ما لزمهم من الحجج بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن . فلذلك اخترنا ما اخترنا من التأويل في ذلك .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر أقوال القائلين في تأويل قوله : " فإن زللتم " :

4027 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في قوله : " فإن زللتم " ، يقول : فإن ضللتم . [ ص: 260 ]

4028 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " فإن زللتم " قال : الزلل : الشرك .

ذكر أقوال القائلين في تأويل قوله : " من بعد ما جاءتكم البينات " :

4029 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " من بعد ما جاءتكم البينات " ، يقول : من بعد ما جاءكم محمد صلى الله عليه وسلم .

4030 - وحدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج : " فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات " ، قال : الإسلام والقرآن .

4031 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " فاعلموا أن الله عزيز حكيم " ، يقول : عزيز في نقمته ، حكيم في أمره .
القول في تأويل قوله تعالى ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : هل ينظر المكذبون بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به ، إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ؟ .

ثم اختلفت القرأة في قراءة قوله : " والملائكة" . [ ص: 261 ]

فقرأ بعضهم : " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة " ، بالرفع ، عطفا ب "الملائكة" على اسم الله تبارك وتعالى ، على معنى : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام .

ذكر من قال ذلك :

4032 - حدثني أحمد بن يوسف عن أبي عبيد القاسم بن سلام ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر الرازي ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية قال - في قراءة أبي بن كعب : "هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام" ، قال : تأتي الملائكة في ظلل من الغمام ، ويأتي الله عز وجل فيما شاء .

4033 - وقد حدثت هذا الحديث عن عمار بن الحسن ، عن عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة " الآية ، وقال أبو جعفر الرازي : وهي في بعض القراءة : "هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام" ، كقوله : ( ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا ) [ الفرقان : 25 ]

وقرأ ذلك آخرون : "هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة" بالخفض عطفا ب "الملائكة" على"الظلل" ، بمعنى : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام وفي الملائكة .

وكذلك اختلفت القرأة في قراءة" ظلل " ، فقرأها بعضهم : " في ظلل " ، وبعضهم : "في ظلال" .

فمن قرأها" في ظلل " ، فإنه وجهها إلى أنها جمع"ظلة" ، و"الظلة" ، تجمع " ظلل وظلال" ، كما تجمع"الخلة" ، "خلل وخلال" ، و"الجلة" ، جلل وجلال" . [ ص: 262 ]

وأما الذي قرأها"في ظلال" ، فإنه جعلها جمع "ظلة" ، كما ذكرنا من جمعهم "الخلة" "خلال" .

وقد يحتمل أن يكون قارئه كذلك ، وجهه إلى أن ذلك جمع "ظل" ؛ لأن "الظلة" و"الظل" قد يجمعان جميعا"ظلالا" .

قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندي : " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام " ، لخبر روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن من الغمام طاقات يأتي الله فيها محفوفا . فدل بقوله : "طاقات" ، على أنها ظلل لا ظلال ؛ لأن واحد "الظلل" "ظلة" ، وهي الطاق واتباعا لخط المصحف . وكذلك الواجب في كل ما اتفقت معانيه واختلفت في قراءته القرأة ، ولم يكن على إحدى القراءتين دلالة تنفصل بها من الأخرى غير اختلاف خط المصحف ، فالذي ينبغي أن تؤثر قراءته منها ما وافق رسم المصحف .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.11 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.49 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.79%)]