عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 20-10-2022, 05:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(283)
الحلقة (297)
صــ 247إلى صــ 254




وقد زعم بعض أهل العربية أنه نصب ذلك على الفعل ، على" يشري " ، كأنه قال : لابتغاء مرضاة الله ، فلما نزع"اللام" عمل الفعل ، قال : ومثله : ( حذر الموت ) [ البقرة : 19 ] وقال الشاعر وهو حاتم : [ ص: 247 ]


وأغفر عوراء الكريم ادخاره وأعرض عن قول اللئيم تكرما


وقال : لما أذهب"اللام" أعمل فيه الفعل .

وقال بعضهم : أيما مصدر وضع موضع الشرط ، وموضع"أن" فتحسن فيها"الباء" و"اللام" ، فتقول : "أتيتك من خوف الشر - ولخوف الشر - وبأن خفت الشر" ، فالصفة غير معلومة ، فحذفت وأقيم المصدر مقامها . قال : ولو كانت الصفة حرفا واحدا بعينه ، لم يجز حذفها ، كما غير جائز لمن قال : "فعلت هذا لك ولفلان" أن يسقط"اللام" .

ثم اختلف أهل التأويل في من نزلت هذه الآية فيه ومن عني بها . فقال بعضهم : نزلت في المهاجرين والأنصار ، وعني بها المجاهدون في سبيل الله .

ذكر من قال ذلك :

4000 - حدثنا الحسين بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " ، قال : المهاجرون والأنصار .

وقال بعضهم : نزلت في رجال من المهاجرين بأعيانهم .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 248 ]

4001 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " ، قال : نزلت في صهيب بن سنان ، وأبي ذر الغفاري جندب بن السكن أخذ أهل أبي ذر أبا ذر ، فانفلت منهم ، فقدم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما رجع مهاجرا عرضوا له ، وكانوا بمر الظهران ، فانفلت أيضا حتى قدم على النبي عليه الصلاة والسلام . وأما صهيب فأخذه أهله ، فافتدى منهم بماله ، ثم خرج مهاجرا فأدركه قنقذ بن عمير بن جدعان ، فخرج له مما بقي من ماله ، وخلى سبيله .

4002 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبى جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " الآية ، قال : كان رجل من أهل مكة أسلم ، فأراد أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ويهاجر إلى المدينة ، فمنعوه وحبسوه ، فقال لهم : أعطيكم داري ومالي وما كان لي من شيء! فخلوا عني ، فألحق بهذا الرجل ! فأبوا . ثم إن بعضهم قال لهم : خذوا منه ما كان له من شيء وخلوا عنه ! ففعلوا ، فأعطاهم داره وماله ، ثم خرج; فأنزل الله عز وجل على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " ، الآية . فلما دنا من المدينة تلقاه عمر في رجال ، فقال له عمر : ربح البيع! قال : وبيعك فلا يخسر! قال : وما ذاك ؟ قال : أنزل فيك كذا وكذا .

وقال آخرون : بل عني بذلك كل شار نفسه في طاعة الله وجهاد في سبيله ، أو أمر بمعروف .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 249 ]

4003 - محمد بن بشار ، قال : حدثنا حسين بن الحسن أبو عبد الله ، قال : حدثنا أبو عون ، عن محمد ، قال : حمل هشام بن عامر على الصف حتى خرقه ، فقالوا : ألقى بيده !! فقال أبو هريرة : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " .

4004 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا مصعب بن المقدام ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن طارق بن عبد الرحمن ، عن قيس بن أبي حازم ، عن المغيرة ، قال : بعث عمر جيشا فحاصروا أهل حصن ، وتقدم رجل من بجيلة ، فقاتل ، فقتل ، فأكثر الناس فيه يقولون : ألقى بيده إلى التهلكة! قال : فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال : كذبوا ، أليس الله عز وجل يقول : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوف بالعباد " ؟

4005 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا هشام ، عن قتادة ، قال : حمل هشام بن عامر على الصف حتى شقه ، فقال أبو هريرة : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " .

4006 - حدثنا سوار بن عبد الله العنبري ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا حزم بن أبي حزم ، قال : سمعت الحسن قرأ : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوف بالعباد " ، أتدرون فيم أنزلت ؟ نزلت في أن المسلم لقي الكافر فقال له : "قل لا إله إلا الله" ، فإذا قلتها عصمت دمك [ ص: 250 ] ومالك إلا بحقهما! فأبى أن يقولها ، فقال المسلم : والله لأشرين نفسي لله! فتقدم فقاتل حتى قتل .

4007 - حدثني أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا زياد بن أبي مسلم ، عن أبي الخليل ، قال : سمع عمر إنسانا قرأ هذه الآية : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " ، قال : استرجع عمر فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون! قام رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل .

قال أبو جعفر : والذي هو أولى بظاهر هذه الآية من التأويل ، ما روي عن عمر بن الخطاب وعن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم ، من أن يكون عني بها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر .

وذلك أن الله جل ثناؤه وصف صفة فريقين : أحدهما منافق يقول بلسانه خلاف ما في نفسه ، وإذا اقتدر على معصية الله ركبها ، وإذا لم يقتدر رامها ، وإذا نهي أخذته العزة بالإثم بما هو به آثم ، والآخر منهما بائع نفسه ، طالب من الله رضا الله . فكان الظاهر من التأويل أن الفريق الموصوف بأنه شرى نفسه لله وطلب رضاه ، إنما شراها للوثوب بالفريق الفاجر طلب رضا الله . فهذا هو الأغلب الأظهر من تأويل الآية .

وأما ما روي من نزول الآية في أمر صهيب ، فإن ذلك غير مستنكر ، إذ كان غير مدفوع جواز نزول آية من عند الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بسبب من الأسباب ، والمعني بها كل من شمله ظاهرها . [ ص: 251 ]

فالصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله عز وجل وصف شاريا نفسه ابتغاء مرضاته ، فكل من باع نفسه في طاعته حتى قتل فيها ، أو استقتل وإن لم يقتل ، فمعني بقوله : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله" - في جهاد عدو المسلمين كان ذلك منه ، أو في أمر بمعروف أو نهي عن منكر .
القول في تأويل قوله تعالى ( والله رءوف بالعباد ( 207 ) )

قد دللنا فيما مضى على معنى"الرأفة" ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع ، وأنها رقة الرحمة

فمعنى ذلك : والله ذو رحمة واسعة بعبده الذي يشري نفسه له في جهاد من حاده في أمره من أهل الشرك والفسوق وبغيره من عباده المؤمنين في عاجلهم وآجل معادهم ، فينجز لهم الثواب على ما أبلوا في طاعته في الدنيا ، ويسكنهم جناته على ما عملوا فيها من مرضاته .
القول في تأويل قوله تعالى ( ياأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى السلم في هذا الموضع .

فقال بعضهم : معناه : الإسلام .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 252 ]

4008 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : " ادخلوا في السلم " ، قال : ادخلوا في الإسلام .

4009 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قوله : " ادخلوا في السلم " ، قال : ادخلوا في الإسلام .

4010 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " ادخلوا في السلم كافة " ، قال : السلم : الإسلام .

4011 - حدثني موسى بن هارون ، قال : أخبرنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ادخلوا في السلم " ، يقول : في الإسلام .

4012 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن النضر بن عربي ، عن مجاهد : ادخلوا في الإسلام .

4013 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : " ادخلوا في السلم " . قال : السلم : الإسلام .

4014 - حدثت عن الحسين بن فرج ، قال : سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول : " ادخلوا في السلم " : في الإسلام .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ادخلوا في الطاعة .

ذكر من قال ذلك :

4015 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " ادخلوا في السلم " ، يقول : ادخلوا في الطاعة .

وقد اختلف القرأة في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء أهل الحجاز : "ادخلوا في السلم" بفتح السين ، وقرأته عامة قرأة الكوفيين بكسر السين . [ ص: 253 ]

فأما الذين فتحوا"السين" من"السلم" ، فإنهم وجهوا تأويلها إلى المسالمة ، بمعنى : ادخلوا في الصلح والمسالمة وترك الحرب وإعطاء الجزية .

وأما الذين قرءوا ذلك بالكسر من"السين" فإنهم مختلفون في تأويله .

فمنهم من يوجهه إلى الإسلام ، بمعنى ادخلوا في الإسلام كافة ، ومنهم من يوجهه إلى الصلح ، بمعنى : ادخلوا في الصلح ، ويستشهد على أن"السين" تكسر ، وهي بمعنى الصلح بقول زهير بن أبي سلمى :


وقد قلتما إن ندرك السلم واسعا بمال ومعروف من الأمر نسلم


وأولى التأويلات بقوله : " ادخلوا في السلم" ، قول من قال : معناه : ادخلوا في الإسلام كافة .

وأما الذي هو أولى القراءتين بالصواب في قراءة ذلك ، فقراءة من قرأ بكسر "السين" لأن ذلك إذا قرئ كذلك - وإن كان قد يحتمل معنى الصلح - فإن معنى الإسلام ودوام الأمر الصالح عند العرب ، أغلب عليه من الصلح والمسالمة ، وينشد بيت أخي كندة :


دعوت عشيرتي للسلم لما رأيتهم تولوا مدبرينا


[ ص: 254 ] بكسر السين ، بمعنى : دعوتهم للإسلام لما ارتدوا ، وكان ذلك حين ارتدت كندة مع الأشعث بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقد كان أبو عمرو بن العلاء يقرأ سائر ما في القرآن من ذكر"السلم" بالفتح سوى هذه التي في سورة البقرة ، فإنه كان يخصها بكسر سينها توجيها منه لمعناها إلى الإسلام دون ما سواها .

وإنما اخترنا ما اخترنا من التأويل في قوله : " ادخلوا في السلم " وصرفنا معناه إلى الإسلام ، لأن الآية مخاطب بها المؤمنون ، فلن يعدو الخطاب إذ كان خطابا للمؤمنين من أحد أمرين :

إما أن يكون خطابا للمؤمنين بمحمد المصدقين به وبما جاء به ، فإن يكن ذلك كذلك ، فلا معنى أن يقال لهم وهم أهل الإيمان : "ادخلوا في صلح المؤمنين ومسالمتهم" ، لأن المسالمة والمصالحة إنما يؤمر بها من كان حربا بترك الحرب ، فأما الموالي فلا يجوز أن يقال له : "صالح فلانا" ، ولا حرب بينهما ولا عداوة .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.43 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.84%)]