عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 20-10-2022, 04:51 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,935
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(281)
الحلقة (295)
صــ 231إلى صــ 238




3962 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن أبى إسحاق ، قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لما أصيبت هذه السرية أصحاب خبيب بالرجيع بين مكة والمدينة ، فقال رجال من المنافقين : يا ويح هؤلاء المقتولين الذين هلكوا هكذا! لا هم قعدوا في بيوتهم ، ولا هم أدوا رسالة صاحبهم! فأنزل الله عز وجل في ذلك من قول المنافقين ، وما أصاب أولئك النفر في الشهادة والخير من الله : " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا " أي : ما يظهر بلسانه من الإسلام " ويشهد الله على ما في قلبه " أي من النفاق - " وهو ألد الخصام " أي : ذو جدال إذا كلمك وراجعك " وإذا تولى " - أي : خرج من عندك" سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد " - أي : [ ص: 231 ] لا يحب عمله ولا يرضاه" وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " الذين شروا أنفسهم لله بالجهاد في سبيل الله والقيام بحقه ، حتى هلكوا على ذلك - يعني هذه السرية .

3963 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثني محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة مولى ابن عباس - أو : عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس - قال : لما أصيبت السرية التي كان فيها عاصم ومرثد بالرجيع ، قال رجال من المنافقين : - ثم ذكر نحو حديث أبي كريب .

وقال آخرون : بل عنى بذلك جميع المنافقين ، وعنى بقوله : " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه " [ ص: 232 ] اختلاف سريرته وعلانيته .

ذكر من قال ذلك :

3964 - حدثني محمد بن أبي معشر ، قال : أخبرني أبى أبو معشر نجيح ، قال : سمعت سعيدا المقبري يذاكر محمد بن كعب ، فقال سعيد : إن في بعض الكتب أن لله عبادا ألسنتهم أحلى من العسل ، وقلوبهم أمر من الصبر ، لبسوا للناس مسوك الضأن من اللين ، يجترون الدنيا بالدين ، قال الله تبارك وتعالى : أعلي يجترءون ، وبي يغترون!! وعزتي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم منهم حيران !! فقال محمد بن كعب : هذا في كتاب الله جل ثناؤه . فقال سعيد : وأين هو من كتاب الله ؟ قال : قول الله عز وجل : " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد " فقال سعيد : قد عرفت في من أنزلت هذه الآية ! فقال محمد بن كعب : إن الآية تنزل في الرجل ، ثم تكون عامة بعد .

3965 - حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني الليث بن سعد ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن القرظي ، عن نوف - وكان يقرأ الكتب - قال : إني لأجد صفة ناس من هذه الأمة في كتاب الله المنزل : " قوم يجتالون الدنيا بالدين ، ألسنتهم أحلى من العسل ، وقلوبهم أمر من الصبر ، يلبسون للناس لباس مسوك الضأن ، وقلوبهم قلوب الذئاب ، فعلي يجترءون! وبي يغترون! حلفت بنفسي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم فيهم حيران" . قال القرظي : تدبرتها في القرآن فإذا هم المنافقون ، فوجدتها : " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام " ، ( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به ) [ الحج : 11 ]

3966 - وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر عن قتادة قوله : " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه " قال : هو المنافق .

3967 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، [ ص: 233 ] عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ومن الناس من يعجبك قوله " ، قال : علانيته في الدنيا ، ويشهد الله في الخصومة ، إنما يريد الحق .

3968 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام " ، قال : هذا عبد كان حسن القول سيئ العمل ، يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحسن له القول ، " وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها " .

3969 - وحدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قلت لعطاء : " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه " ، قال : يقول قولا في قلبه غيره ، والله يعلم ذلك .

وفي قوله : " ويشهد الله على ما في قلبه" ، وجهان من القراءة : فقرأته عامة القرأة : " ويشهد الله على ما في قلبه" ، بمعنى أن المنافق الذي يعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ، يستشهد الله على ما في قلبه ، أن قوله موافق اعتقاده ، وأنه مؤمن بالله ورسوله وهو كاذب . كما : -

3970 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا " إلى" والله لا يحب الفساد " ، كان رجل يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول : أي رسول الله أشهد أنك جئت بالحق والصدق من عند الله ! قال : حتى يعجب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله . ثم يقول : أما والله يا رسول الله ، إن الله ليعلم ما في قلبي مثل ما نطق به لساني! فذلك قوله : " ويشهد الله على ما في قلبه " . قال : هؤلاء المنافقون ، وقرأ قول الله تبارك وتعالى : ( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله ) حتى بلغ : ( إن المنافقين لكاذبون ) [ المنافقون : 1 ] بما يشهدون أنك رسول الله . [ ص: 234 ]

وقال السدي : " ويشهد الله على ما في قلبه " ، يقول : الله يعلم أني صادق ، أني أريد الإسلام .

3971 - حدثني بذلك موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، عن أسباط .

وقال مجاهد : ويشهد الله في الخصومة أنما يريد الحق .

3972 - حدثني بذلك محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عنه .

وقرأ ذلك آخرون : ( ويشهد الله على ما في قلبه ) بمعنى : والله يشهد على الذي في قلبه من النفاق ، وأنه مضمر في قلبه غير الذي يبديه بلسانه وعلى كذبه في قلبه . وهي قراءة ابن محيصن ، وعلى ذلك المعنى تأوله ابن عباس . وقد ذكرنا الرواية عنه بذلك فيما مضى في حديث أبي كريب ، عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق الذي ذكرناه آنفا .

والذي نختار في ذلك من قول القرأة قراءة من قرأ : " ويشهد الله على ما في قلبه " ، بمعنى يستشهد الله على ما في قلبه ، لإجماع الحجة من القرأة عليه .
[ ص: 235 ] القول في تأويل قوله تعالى ( وهو ألد الخصام ( 204 ) )

قال أبو جعفر : "الألد" من الرجال : الشديد الخصومة ، يقال في" فعلت" منه : " قد لددت يا هذا ، ولم تكن ألد ، فأنت تلد لددا ولدادة" . فأما إذا غلب من خاصمه ، فإنما يقال فيه : " لددت يا فلان فلانا فأنت تلده لدا ، ومنه قول الشاعر :


ثم أردي بهم من تردي تلد أقران الخصوم اللد


قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .

فقال بعضهم : تأويله : أنه ذو جدال .

ذكر من قال ذلك :

3973 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس : " وهو ألد الخصام " ، أي : ذو جدال ، إذا كلمك وراجعك .

3974 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وهو ألد الخصام " ، يقول : شديد القسوة في معصية الله جدل بالباطل ، [ ص: 236 ] وإذا شئت رأيته عالم اللسان جاهل العمل ، يتكلم بالحكمة ، ويعمل بالخطيئة .

3975 - حدثنا الحسن بن يحيى . قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " وهو ألد الخصام " ، قال : جدل بالباطل .

وقال آخرون : معنى ذلك أنه غير مستقيم الخصومة ، ولكنه معوجها .

ذكر من قال ذلك :

3976 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وهو ألد الخصام " ، قال : ظالم لا يستقيم .

3977 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عبد الله بن كثير ، عن مجاهد ، قال : "الألد الخصام" ، الذي لا يستقيم على خصومة .

3978 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ألد الخصام " ، أعوج الخصام .

قال : أبو جعفر : وكلا هذين القولين متقارب المعنى ؛ لأن الاعوجاج في الخصومة من الجدال واللدد .

وقال آخرون : معنى ذلك : وهو كاذب في قوله .

ذكر من قال ذلك :

3979 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا وكيع ، عن بعض أصحابه ، عن الحسن ، قال : "الألد الخصام" ، الكاذب القول .

وهذا القول يحتمل أن يكون معناه معنى القولين الأولين إن كان أراد به [ ص: 237 ] قائله أنه يخاصم بالباطل من القول والكذب منه جدلا واعوجاجا عن الحق .

وأما"الخصام" فهو مصدر من قول القائل : "خاصمت فلانا خصاما ومخاصمة" .

وهذا خبر من الله تبارك وتعالى عن المنافق الذي أخبر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أنه يعجبه إذا تكلم قيله ومنطقه ، ويستشهد الله على أنه محق في قيله ذلك ، لشدة خصومته وجداله بالباطل والزور من القول .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " وإذا تولى " ، وإذا أدبر هذا المنافق من عندك يا محمد منصرفا عنك . كما : -

3980 - حدثنا به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثني محمد بن إسحاق ، قال حدثني محمد بن أبي محمد قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس : " وإذا تولى " ، قال : يعني : وإذا خرج من عندك" سعى " .

وقال بعضهم : وإذا غضب .

ذكر من قال ذلك :

3981 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج قال : [ ص: 238 ] قال ابن جريج في قوله : " وإذا تولى " ، قال : إذا غضب .

فمعنى الآية : وإذا خرج هذا المنافق من عندك يا محمد غضبان ، عمل في الأرض بما حرم الله عليه ، وحاول فيها معصية الله ، وقطع الطريق وإفساد السبيل على عباد الله ، كما قد ذكرنا آنفا من فعل الأخنس بن شريق الثقفي ، الذي ذكر السدي أن فيه نزلت هذه الآية ، من إحراقه زرع المسلمين وقتله حمرهم .

و"السعي" في كلام العرب العمل ، يقال منه : "فلان يسعى على أهله" ، يعني به : يعمل فيما يعود عليهم نفعه ، ومنه قول الأعشى :


وسعى لكندة سعي غير مواكل قيس فضر عدوها وبنى لها


يعني بذلك : عمل لهم في المكارم .

وكالذي قلنا في ذلك كان مجاهد يقول .

3982 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله" وإذا تولى سعى " ، قال : عمل .

واختلف أهل التأويل في معنى"الإفساد" الذي أضافه الله عز وجل إلى هذا المنافق .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.43 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.74%)]