عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 16-10-2022, 04:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الشَّاعِرُ الأُمَويُّ جَمِيلُ بُثَينَةَ (ت 82هـ)

وَكَانَ جَمِيلٌ فِي حبِّه لبثينةَ صادِقاً ولِهاً مُتَلَوِّعاً، مُتَعطِّشَاً لِرُؤيتِها، ظَمَؤُهُ لا يَقِفُ عِندَ حَدٍّ، لا يَنِي يَتَغنَّى بِمَعشُوقَتِهِ، مُتَذلِّلاً مُتَضَرِّعاً، فَهِيَ مَلاكُهُ السَّماوِيُّ، وكأنَّها أقبلَتْ علَيهِ مِن مَجَاهِيلَ سَحِيقةٍ تُعِيدُ إلَى نَفسِهِ الأَملَ بَعدَ يَأسٍ والرَّبيعَ بَعدَ قَحطٍّ، والسُّرُورَ بَعدَ حُزنٍ وَغَمٍّ، وَهُوَ لا يَزالُ يُنَاجِيها مُناجَاةً شَجِيَّةً، يُصَوِّرُ فِيهَا وَجْدَهُ الَّذِي لَيسَ بَعدَهُ وَجْدٌ، وَعَذَابَهُ الَّذِي لا يُشبِهُهُ عَذَابٌ، فَقَالَ:



رَحَلَ الخَلِيطُ جِمالَهُم بِسَوادِ

وَحَدَا، علَى أثرِ الحبيبِةِ، حادِ



ما إنْ شَعَرْتُ، ولا عَلِمْتُ بِبَيْنِهِم

حتَّى سَمِعْتُ بِهِ الغُرابُ يُنادِي



لمَّا رأَيْتُ البَينَ، قُلْتُ لِصَاحِبِي:

صَدَعَتْ مُصَدَّعةُ القُلُوبِ فُؤادِي



بانُوا، وغُودِرَ فِي الدِّيارِ مُتَيَّمٌ،

كَلِفٌ بِذِكرِكِ، يا بُثَيةُ، صادِ[11]






وَتَمضِي بِجَميلٍ الأيَّامُ ولا يَنسَى بُثَينَةَ، بَلْ يَذكُرُها فِي حِلِّهِ وتِرحَالِهِ صُبحِهِ ومَسَاهُ، فِي يَقظَتِهِ ويَحلُمُ بِها فِي مَنَامِهِ، وقد يُمسِي كَهلاً، ويَصيرُ إلَى الشَّيخُوخةِ ولا يَزالُ حبُّها شابَّاً فِي فُؤادِهِ، لا يُؤثِّرُ فِيهِ الزَّمَنُ، ولا يَرقَى إلَيهِ السُّلوانُ، فهِيَ فِي سُويداءَ الحَشَا، لا تُغَادِرُهُ، بَل تَظَلُّ فِيهِ مُعذِّبَةً وَهُوَ مِنهَا فِي هُيامٍ دائِمٍ، فَقَالَ:



حلَّتْ بُثَينَةُ مِنْ قَلبِي بِمنزِلةٍ

بَينَ الجَوانِحِ لم ينزِلْ بِها أَحَدُ



صَادَتْ فُؤادِي بِعَينَيها وَمُبتَسَمٍ

كأنَّهُ - حِينَ أَبدَتْهُ لَنَا - بَرَدُ



عَذْبٍ كَأنَّ ذَكِيَّ المِسكِ خالَطَهُ

والزَّنجَبِيلُ وَمَاءُ المُزنِ والشَّهَدُ



وجِيدِ أَدماءَ تَحنُوهُ إلَى رَشَأٍ

أَغَنَّ لم يَتَبِّعْها مِثلَهُ وَلَدُ[12]






وَرَوَى صَاحِبُ الأغانِي أنَّ السُّلطانَ أَهدرَ دَمَ جَمِيلٍ لِرهطِ بُثينَةَ، إنْ وَجَدُوهُ قد غَشِيَ دُورَهُم. فَحَذَّرَهُم مَرَّةً، ثُمَّ وَجَدُوهُ عِندَها، فتوعَّدُوهُ وكرِهُوا أنْ يَنشِبَ بينَهُم وَبَينَ قَومِهِ حَربٌ فِي دَمِهِ، وَكَانَ قَومُهُ أَعزَّ مِن قَومِها، فَأَعادُوا شَكوَاهُ إلَى السُّلطانِ، فَطَلَبَهُ طَلَباً شَدِيداً، فَهَرَبَ إِلَى اليَمنِ، وَأَقَامَ بِها مُدَّةً مِن الزَّمنِ، لكنَّ الشَّوقَ كَابَدَهُ، وخَيالُ الحَبِيبةِ لا يُفارِقُهُ، رَغمَ البُعدِ وَالأَلمِ، فَرَائِحَةُ بَثنَةَ طِيِّبٌ وعَنبرٌ، وهذا مَعنويٌّ ومادِيٌّ أَيضاً، فهُوَ فِي اليَمنِ، وهِيَ فِي تَيمَاءَ مِن شَمالِ المَدينةِ، فَقَالَ:



ألمَّ خَيالٌ، مِنْ، بُثَينَةَ، طارِقٌ،

علَى النَّأيِ، مُشتاقٌ إلَيَّ وشَائِقُ



سَرَتْ مِنْ تِلاعِ الحِجرِ، حتَّى تَخَلَّصَتْ

إليَّ، وَدُونِي الأَشعَرُونَ وَغَافِقُ



كَأنَّ فَتِيتَ المِسكِ خَالطَ نَشرَها

تُغَلُّ بِهِ أَردَانُها وَالمَرافِقُ



تَقُومُ إذا قَامَتْ بِهِ مِن فِراشِها،

ويَغدُو بِهِ مِن حُضنِها مَنْ تُعانِقُ



وهَجرُكِ مِن تَيما بَلاءٌ وشِقوةٌ



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.19 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.34%)]