عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 13-10-2022, 10:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ النِّسَاءِ
المجلد الخامس
صـ 1717 الى صـ 1724
الحلقة (276)





أي: ما عدا ما كان حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة من لحوم الإبل وألبانها، ثم إنه تعالى حرم أشياء كثيرة في التوراة، كما قال في سورة الأنعام: [ ص: 1717 ] وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون [الأنعام: 146] أي: إنما حرمنا عليهم ذلك لطغيانهم ومخالفتهم رسولهم واختلافهم عليه.

ولما ذكر ظلمهم ذكر مجامع من جزئياته بقوله تعالى: وبصدهم عن سبيل الله أي: الذي لا أوضح منه ولا أسهل ولا أعظم كثيرا أي: ناسا كثيرا، أو صدا كثيرا، فهم صدوا الناس وصدوا أنفسهم عن اتباع الحق، وهذه سجية لهم متصفون بها من قديم الدهر وحديثه، ولهذا كانوا أعداء الرسل، وقتلوا خلقا من الأنبياء، وكفروا بعيسى ومحمد ، صلى الله عليهما وسلم.
القول في تأويل قوله تعالى:

وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما [161]

وأخذهم الربا وقد نهوا عنه أي: في التوراة وأكلهم أموال الناس بالباطل بالرشوة وسائر الوجوه المحرمة.

وأعتدنا للكافرين منهم أي: من اليهود المصرين على الكفر، لا لمن تاب وآمن من بينهم عذابا أليما وجيعا يخلص إلى قلوبهم.
[ ص: 1718 ] القول في تأويل قوله تعالى:

لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنـزل إليك وما أنـزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما [162]

لكن الراسخون في العلم منهم أي: الثابتون في العلم المستبصرون فيه، كعبد الله بن سلام.

قال الرازي : الراسخون في العلم: الثابتون فيه، وهم في الحقيقة المستدلون؛ لأن المقلد يكون بحيث إذا شكك يشك، وأما المستدل فإنه لا يتشكك البتة، فالراسخون هم المستدلون والمؤمنون أي: من الأميين اللاحقين بهم في الرسوخ بصحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤمنون بما أنـزل إليك من القرآن وما أنـزل من قبلك على سائر الأنبياء؛ لاطلاعهم على كمالات المنزل عليك، وأنه صدق ما أنزل من قبلك، فلا بد من الإيمان به أيضا والمقيمين الصلاة قال ابن كثير : هكذا هو في مصاحف الأئمة، وكذا هو في مصحف أبي بن كعب .

قال الزمخشري : ارتفاع (الراسخون) على الابتداء، و يؤمنون خبره و والمقيمين نصب على المدح؛ لبيان فضل الصلاة، وهو باب واسع قد كسره سيبويه على أمثلة وشواهد. ولا يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحنا في خط المصحف. وربما التفت إليه من لم ينظر في الكتاب، ولم يعرف مذاهب العرب، وما لهم في النصب على الاختصاص من الافتنان، وغبي عليه أن السابقين الأولين الذين مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كانوا أبعد همة في الغيرة على الإسلام، وذب المطاعن عنه، من أن يتركوا في كتاب الله ثلمة ليسدها من بعدهم، وخرقا يرفوه من يلحق بهم.

[ ص: 1719 ] وقيل: هو عطف على: بما أنـزل إليك أي: يؤمنون بالكتاب وبالمقيمين الصلاة وهم الأنبياء.

وفي مصحف عبد الله (والمقيمون) بالواو، وهي قراءة مالك بن دينار ، والجحدري ، وعيسى الثقفي .

وجوز عطف (المقيمين) على الضمير في (منهم) وعطفه على الضمير في و(إليك) والكتاب أنزل للنبي ولأتباعه، قال تعالى: يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم [يونس: 57] كذا في حواشي الشذور.

وقد أشار الزمخشري بقوله: (كانوا أبعد همة) إلى رد ما نقل أن عثمان - رضي الله عنه - لما فرغ من المصحف أتي به إليه، فقال: قد أحسنتم وأجملتم، أرى شيئا من لحن ستقيمه العرب بألسنتها، ولو كان المملي من هذيل والكاتب من قريش لم يوجد فيه هذا.

قال الحافظ السخاوي: هذا الأثر ضعيف، والإسناد فيه اضطراب وانقطاع؛ لأن عثمان - رضي الله عنه - جعل للناس إماما يقتدون به، فكيف يرى فيه لحنا ويتركه لتقيمه العرب بألسنتها؟! وقد كتب مصاحف سبعة وليس فيها اختلاف قط، إلا فيما هو من وجوه القراءات، وإذا لم يقمه هو ومن باشر الجمع، كيف يقيمه غيرهم؟!

[ ص: 1720 ] وتأول قوم اللحن في كلامه (على تقدير صحته عنه) بأن المراد الرمز والإيماء كما في قوله:


منطق رائع وتلحن أحيا نا وخير الكلام ما كان لحنا


[ ص: 1721 ] أي: المراد به الرمز، بحذف بعض الحروف خطا، كألف (الصابرين) مما يعرفه القراء إذا رأوه، وكذا زيادة بعض الحروف، كذا في "عناية الراضي".

والمؤتون الزكاة رفعه بالعطف على: الراسخون أو على الضمير في: " يؤمنون " أو على أنه مبتدأ، والخبر: أولئك سنؤتيهم والوجوه المذكورة تجري في " المقيمين " على قراءة الرفع. والمؤمنون بالله واليوم الآخر يعني: والمصدقون بوحدانية الله تعالى وبالبعث بعد الموت وبالثواب والعقاب، وإنما قدم الإيمان بالأنبياء والكتب وما يصدقه من اتباع الشرائع؛ لأنه المقصود في هذا المقام، لأنه لبيان حال أهل الكتاب وإرشادهم، وهم كانوا يؤمنون ببعض ذلك ويتركون بعضه، فبين لهم ما يلزمهم ويجب عليهم.

أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما يعني الجنة؛ لجمعهم بين الإيمان الصحيح والعمل الصالح.

لطيفة:

في الآية وجوه من الإعراب، أحسنها ما اعتمده أبو السعود ، من أن جملة: أولئك سنؤتيهم إلخ ... خبر للمبتدأ الذي هو: الراسخون وما عطف عليه، وأن جملة: يؤمنون بما أنـزل إلخ ... حال من " المؤمنون " مبينة لكيفية إيمانهم، أو اعتراض مؤكد لما قبله.

قال: وهذا أنسب بتجاوب طرفي الاستدراك؛ حيث أوعد الأولون بالعذاب الأليم، ووعد الآخرون بالأجر العظيم، كأنه قيل إثر قوله تعالى: وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما لكن المؤمنون منهم سنؤتيهم أجرا عظيما.

وأما ما جنح إليه الجمهور من جعل قوله تعالى: يؤمنون بما أنـزل إلخ .. خبرا للمبتدأ، ففي كمال السداد، خلا أنه غير متعرض لتقابل الطرفين.
[ ص: 1722 ] القول في تأويل قوله تعالى:

إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا [163]

إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده اعلم أنه تعالى لما حكى أن اليهود سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينزل عليهم كتابا من السماء، وذكر تعالى بعده أنهم لا يسألون استرشادا، ولكن للتعنت واللجاج، وبين أنواعا من فضائحهم - أشار إلى رد شبهتهم، فاحتج عليهم بأنه ليس بدعا من الرسل، وأمره في الوحي كسائر الأنبياء الذين يوافقون على نبوتهم، ولم ينزل على كل واحد منهم كتاب بتمامه مثل ما أنزل على موسى ، وإذا لم يكن هذا من شرط النبوة - وضح أن سؤالهم محض تعنت.
تنبيه:

قيل: بدأ بنوح ؛ لأنه أول نبي شرع الله تعالى على لسانه الأحكام، والحلال والحرام، وفي "العناية" بدأ به تهديدا لهم؛ لأنه أول نبي عوقب قومه، لا أنه أول مشرع كما توهم.

وظاهر الآية يدل على أن من قبل نوح لم يكن يوحى له كما أوحي لنبينا - صلى الله عليه وسلم - لا أنه غير موحى إليه أصلا كما قيل. انتهى.

وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وهم أولاد يعقوب عليهم السلام.

وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا
[ ص: 1723 ] القول في تأويل قوله تعالى:

ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما [164]

ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل أي: في السور المكية.

ورسلا لم نقصصهم عليك أي: لم نسمهم لك في القرآن، وقد أحصى بعض المدققين أنبياء اليهود والنصارى ورسلهم فوجد عددهم لا يتجاوز الخمسين.

روي في عدتهم أحاديث تكلم في أسانيدها، منها:

حديث أبي ذر : إن الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، والرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر صححه ابن حبان، وخالفه ابن الجوزي فذكره في "موضوعاته" واتهم به إبراهيم بن هاشم ، وقد تكلم فيه غير واحد.

وكلم الله موسى تكليما يعني خاطبه مخاطبة من غير واسطة؛ لأن تأكيد (كلم) بالمصدر يدل على تحقيق الكلام، وأن موسى - عليه السلام - سمع كلام الله بلا شك، لأن أفعال المجاز لا تؤكد بالمصادر، فلا يقال: أراد الحائط يسقط إرادة، وهذا رد على من يقول: إن الله خلق كلاما في محل، فسمع موسى ذلك الكلام.

قال الفراء : العرب تسمي كل ما يوصل إلى الإنسان كلاما، بأي طريق وصل، لكن لا تحققه بالمصدر، وإذا حقق بالمصدر لم يكن إلا حقيقة الكلام، فدل قوله تعالى: (تكليما) على أن موسى قد سمع كلام الله حقيقة من غير واسطة.

قال بعضهم: كما أن الله تعالى خص موسى - عليه السلام - بالتكليم وشرفه به ولم يكن ذلك قادحا في نبوة غيره من الأنبياء - فكذلك إنزال التوراة عليه جملة واحدة لم يكن قادحا في نبوة من أنزل عليه كتابه منجما من الأنبياء، كذا في "اللباب".
تنبيه:

يحسن في هذا المقام إيراد عقيدة السلف الكرام في مسألة الكلام ؛ فإنها من أعظم مسائل الدين، وقد تحيرت فيها آراء أهل الأهواء من المتقدمين والمتأخرين، واضطربت فيها الأقوال، وكثرت بسببها الأهوال، وأثارت فتنا، وجلبت محنا، وكم سجنت إماما، وبكت [ ص: 1724 ] أقواما، وتشعبت فيها المذاهب، واختلفت فيها المشارب، ولم يثبت إلا قول أهل السنة والجماعة، المقتفين لأثر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام رضي الله عنهم.

فنقول: قال شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية - عليه رحمة الرحيم السلام - في كتابه إلى جماعة العارف عدي بن مسافر ما نصه:

فصل

ومن ذلك الاقتصاد في السنة واتباعها كما جاءت بلا زيادة ولا نقصان، مثل الكلام في القرآن وسائر الصفات، فإن مذهب سلف الأمة وأهل السنة أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدا وإليه يعود، هكذا قال غير واحد من السلف.

روي عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار - وكان من التابعين الأعيان - قال: ما زلت أسمع الناس يقولون ذلك: القرآن الذي أنزله الله على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو هذا القرآن الذي يقرؤه المسلمون ويكتبونه في مصاحفهم، وهو كلام الله لا كلام غيره - وإن تلاه العباد وبلغوه بحركاتهم وأصواتهم - فإن الكلام لمن قاله مبتدئا، لا لمن قاله مبلغا مؤديا، قال الله تعالى: وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله [التوبة: 6] وهذا القرآن في المصاحف كما قال تعالى: بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ [البروج: 21 - 22] وقال تعالى: يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة [البينة: 2 - 3] وقال: إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون [الواقعة: 77 - 78].

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 51.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 50.81 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.22%)]