عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 13-10-2022, 09:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,648
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ النِّسَاءِ
المجلد الخامس
صـ 1685 الى صـ 1692
الحلقة (272)




وإن قلتم: كان الفرض عليكم الإنكار لصلبه فقد أوجبتم أن الله تعالى فرض على الناس تكذيب [ ص: 1685 ] الكواف، وفي هذا إبطال قول كافتكم، بل إبطال جميع الشرائع، بل إبطال كل خبر كان في العالم عن كل بلد وملك ونبي وفيلسوف وعالم، ووقعتم، وفي هذا ما فيه.

قال أبو محمد - رضي الله عنه -: هذه الإلزامات كلها فاسدة في غاية الحوالة والاضمحلال بحمد الله تعالى. ونحن مبينون ذلك بالبراهين الضرورية بيانا لا يخفى على من له أدنى فهم بحول الله تعالى وقوته.

فنقول وبالله التوفيق: إن صلب المسيح - عليه السلام - لم يقله قط كافة، ولا صح بالخبر قط؛ لأن الكافة التي يلزم قبول نقلها هي: إما الجماعة التي يوقن أنها لم تتواطأ لتنابذ طرقهم، وعدم التقائهم، وامتناع اتفاق خواطرهم على الخبر الذي نقلوه عن مشاهدة، أو رجع إلى مشاهدة ولو كانوا اثنين فصاعدا.

وإما أن يكون عدد كثير يمتنع منه الاتفاق في الطبيعة على التمادي على سنن ما تواطؤوا عليه، فأخبروا بخبر شاهدوه ولم يختلفوا فيه، فما نقله أحد أهل هاتين الصفتين عن مثل إحداهما، وهكذا حتى يبلغ إلى مشاهدة، فهذه صفة الكافة التي يلزم قبول نقلها، ويضطر خبرها سامعها إلى تصديقه، وسواء كانوا عدولا أو فساقا أو كفارا ولا يقطع على صحته إلا ببرهان، فلما صح ذلك نظرنا فيمن نقل خبر صلب المسيح - عليه السلام - فوجدناه كواف عظيمة صادقة بلا شك في نقلها جيلا بعد جيل إلى الذين ادعوا مشاهدة صلبه، فإن هنالك تبدلت الصفة ورجعت إلى شرط مأمورين مجتمعين، مضمون منهم الكذب، وقبول الرشوة على قول الباطل.

والنصارى مقرون بأنهم لم يقدموا على أخذه نهارا؛ خوف العامة، وإنما أخذوه ليلا عند افتراق الناس عن الفصح، وأنه لم يبق في الخشبة إلا ست ساعات من النهار، وأنه أنزل إثر ذلك، وأنه لم يصلب إلا في مكان نازح عن المدينة في بستان فخار متملك للفخار، ليس موضعا معروفا بصلب من يصلب، ولا موقوفا لذلك، وأنه بعد هذا كله رشي الشرط على أن يقولوا إن أصحابه سرقوه ففعلوا ذلك، وإن مريم المجدلانية - وهي امرأة من العامة - لم تقدم على حضور موضع صلبه، بل كانت واقفة على بعد تنظر، هذا كله في نص الإنجيل عندهم، فبطل أن يكون صلبه منقولا بكافة، بل بخبر يشهد ظاهره [ ص: 1686 ] على أنه مكتوم متواطأ عليه.

وما كان الحواريون ليلتئذ بنص الإنجيل إلا خائفين على أنفسهم، غيبا عن ذلك المشهد، هاربين بأرواحهم مستترين. وأن "شمعون الصفا" غرر ودخل دار "قيقان" الكاهن أيضا بضوء النهار فقال له: أنت من أصحابه ؟ فانتفى وجحد، وخرج هاربا عن الدار. فبطل أن ينقل خبر صلبه أحد تطيب النفس عليه على أن نظن به الصدق، فكيف أن ينقله كافة؟ وهذا معنى قوله تعالى: ولكن شبه لهم إنما عنى تعالى أن أولئك الفساق الذين دبروا هذا الباطل، وتواطؤوا عليه، هم شبهوا على من قلدهم، فأخبروهم أنهم صلبوه وقتلوه، وهم كاذبون في ذلك، عالمون أنهم كذبة، ولو أمكن أن يشبه ذلك على ذي حاسة سليمة لبطلت النبوات كلها؛ إذ لعلها شبهت على الحواس السليمة، ولو أمكن ذلك لبطلت الحقائق كلها، ولأمكن أن يكون كل واحد منا يشبه عليه فيما يأكل ويلبس، وفيمن يجالس، وفي حيث هو فلعله نائم، أو مشبه على حواسه، وفي هذا خروج إلى السخف وقول السفسطائية والحماقة.

وقد شاهدنا نحن مثل ذلك، وذلك أننا أنذرنا للجبل لحضور دفن المؤيد هشام بن الحكم المستنصر، فرأيت أنا وغيري نعشا فيه شخص مكفن، وقد شاهد غسله شيخان جليلان حكمان من حكام المسلمين ومن عدول القضاة في بيت، وخارج البيت أبي رحمه الله وجماعة عظماء البلد، ثم صلينا في ألوف من الناس عليه، ثم لم يلبث شهورا نحو السبعة حتى ظهر حيا، وبويع بعد ذلك بالخلافة، ودخلت عليه أنا وغيري وجلست بين يديه، ورأيته، وبقي ثلاثة أعوام غير شهرين وأيام.

قال أبو محمد - رضي الله عنه -: وأما قوله: قد جوزتم التمويه على الكافة، فقد بينا أنها لم تكن كافة قط، وحتى لو صح أنها كافة فكيف لا يجوز ذلك في كل آية تحيل الطبائع والحواس؟ فهو ضرورة لا يحمل على الممكنات، فلو صح أنها كانت كافة لكان خبر الله تعالى أنه شبه لهم حاكما على حواسهم ومحيلا لها، كخروج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة هاجر بحضرة مائة رجل من قريش ، وقد حجب الله سبحانه أبصارهم عنه فلم يروه.

وأما ما لم يأت خبر عن [ ص: 1687 ] الله عز وجل بأنه شبه على الكافة فلا يجوز أن يقال ذلك؛ لأنه قطع على المحال وإحالة طبيعة، وإحالة الطبائع لا تدخل في الممكن، إلا أن يأتي بذلك يقين عن الله عز وجل، فيلزم قبوله، وأما التشبيه على الواحد والاثنين ونحو ذلك فإنه جائز، وكذلك فقد العقل والسخافة يجوز ذلك على الواحد والاثنين ونحو ذلك، ولا يجوز على الجماعة كلها.

وقوله تعالى: وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم إنما هو إخبار عن الذين يقولون تقليدا لأسلافهم من النصارى واليهود أنه - عليه السلام - قتل وصلب، فهؤلاء شبه لهم القول، أي: أدخلوا في شبهة منه، وكان المشبهون لهم شيوخ السوء في ذلك الوقت، وشرطهم المدعون أنهم قتلوه وهم يعلمون أنه لم يكن ذلك، وإنما أخذوا من أمكنهم فقتلوه وصلبوه في استتار ومنع من حضور الناس، ثم أنزلوه ودفنوه؛ تمويها على العامة التي شبه الخبر لها.

ثم نقول لليهود النصارى بعد أن بينا بحول الله وقوته بيان ما شنعوه في هذه المسألة: إن كوافكم قد نقلت عن بعض أنبيائكم فسوقا ووطء إماء، وهو حرام عندكم، وعن هارون - عليه السلام - أنه هو الذي عمل العجل لبني إسرائيل وأمرهم بعبادته والرقص أمامه، وقد نزه الله تعالى الأنبياء - عليهم السلام - عن عبادة غيره، وعن الأمر بذلك، وعن كل معصية ورذيلة، فإذا جوزوا كلهم هذا على أنبياء منهم موسى - عليه السلام - وسائر أنبيائهم - كان كل ما أمروهم به مع جنس عمل العجل والرقص والأمر بعبادته، ومن جنس وطء الإماء وسائر ما نسبوه إلى داود وسليمان - عليهما السلام - وسائر أنبيائهم، لا سيما وهم يقرون بأن العجل كان يخور بطبعه.

وأما نحن فجوابنا في هذا كله بأن ليس شيء منه نقل كافة، ولكن نقل آحاد كذبوا فيه، وأما خوار العجل فإنما هو على ما روينا عن ابن عباس - رضي الله عنه - من أنه إنما كان صفير الريح تدخل من فيه وتخرج من دبره، لا أنه خار بطبعه قط، وحتى لو صح أنه خار بطبعه لكان ذلك من أجل القوة التي كانت في القبضة التي قبضها السامري من أثر جبريل - عليه السلام - والذي يعتمد عليه فهو قول ابن عباس - رضي الله عنه - الذي ذكرناه، وبالله تعالى التوفيق.

[ ص: 1688 ] وأما قوله: كيف كان الفرض قبل ورود النص ببطلان صلبه؟ الإقرار بصلبه أم الإنكار له؟ فهذه قسمة فاسدة شغبية، قد حذر منها الأوائل كثيرا، ونبه عليها أهل المعرفة بحدود الكلام، وذلك أنهم أوجبوا فرضا ثم قسموه على قسمين: إما فرض بإنكار، وإما فرض بإقرار، وأضربوا عن القسم الصحيح فلم يذكروه، وهذا لا يرضى به لنفسه إلا جاهل أو سخيف مغابط غابن لنفسه، غاش لمن اغتر به.

وإن الحقيقة ههنا أن يقول: هل يلزم الناس قبل ورود القرآن فرض بالإقرار بصلب المسيح أو بإنكار صلبه، أو لم يلزمهم فرض بشيء من ذلك؟ فهذه هي القسمة الصحيحة والسؤال الصحيح.

وحق الجواب أنه لم يلزم الناس قط قبل ورود القرآن فرض بشيء من ذلك، لا بإقرار ولا بإنكار، وإنما كان خبرا لا يقطع العذر ولا يوجب العلم الضروري، ممكن صدق قائله، فقد قتل أنبياء كثيرة، وممكن أن يكون ناقله كذب في ذلك، وهو بمنزلة شيء مغيب في دار، فيقال لهذا المعرض بهذا السؤال الفاسد: ما الفرض على الناس فيما في هذه الدار؟ الإقرار بأن فيها رجلا أم الإنكار لذلك؟ فهذا كله لا يلزم منه شيء، ولم ينزل الله عز وجل كتابا قبل القرآن بفرض إقرار بصلب المسيح - صلى الله عليه وسلم - ولا بإنكاره، وإنما ألزم الفرض بعد نزول القرآن بتكذيب الخبر بصلبه.

فإن قالوا: قد نقل الحواريون صلبه وهم أنبياء وعدول، قيل لهم وبالله التوفيق: الناقلون لنبوتهم وأعلامهم ولقولهم بصلبه - عليه السلام - هم الناقلون عنهم الكذب في نسبه والقول بالتثليث الذي من قال به فهو كاذب على الله تعالى، مفتر عليه، كافر به، فإن كان الناقل لذلك عنهم صادقا أو كانوا كافة فما كان "يوحنا " و" متى " و" بولس " إلا كفارا كاذبين، وما كانوا قط من صالحي الحواريين.

وإن كان ناقل ما ذكرنا عنهم كاذبا فالكاذب لا يقوم بنقله حجة، فبطل التمويه المتقدم، والحمد لله رب العالمين.
[ ص: 1689 ] فصل

أخذ بعض نصارى هذا العصر يتذبذب في الاعتقاد، فطفق يرد على المسيحيين قولهم بتثليث الآلهة، وأنه مضاد لصريح نصوص الوحي، أخذ يسلم بحقية القرآن وكذا التوراة والإنجيل الموجودين، وأنهما لم يحرفا تحريفا جوهريا، واعتقد بصلب المسيح يقينا، وصار يناقش المفسرين فيما فسروا به الآية المذكورة، أعني آية الصلب، زاعما أن المنفي عن اليهود فيها هو نسبة الفعل لهم؛ توبيخا لتهكمهم وازدرائهم، ورد فعل الصلب إليه تعالى، وقد توسع في هذا الموضوع وألف كتابا سماه "المعتقد الصحيح في صلب السيد المسيح".

ولما كان مبحثه غريبا جدا أردت أن أورد هنا بعض تمويهاته في رسالته، وأعقبها بما فوق عليه من سهام ردود تهافته.

قال في أول رسالته: إن التباس فهم آية الصلب هو غالبا في تقدير نائب الفاعل لفعل (شبه لهم) فإنا إن قدرنا نائب الفاعل مصدرا مأخوذا من الفعل السابق المذكور في الآية: وما قتلوه وما صلبوه وكان التقدير: شبه لهم أنهم قتلوه وأنهم صلبوه، أو شبه لهم قتلهم له وصلبهم إياه، والمعنى أنه مثل أو خيل لهم أنهم كانوا هم القاتلين وهم الصالبين - انحلت المسألة تقريبا، وزالت كل صعوبة تأويل؛ حيث إن السيد المسيح لم يقتل أصلا، ولا صلب قهرا، أو مات جبرا، أو اضطرارا، بل هو من نفسه (على زعمه) قدم ذاته للصلب عن رغبته واختياره ورضاه، فكأن اليهود لم يفعلوا شيئا بقدرتهم ومجرد إرادتهم، حتى يحق لهم الافتخار بأنهم قتلوه.

وأما إن قدر المسيح نائب الفاعل لـ(شبه) تعقدت المسألة وضاع السياق اللغوي؛ لأنه لا وجه - لغويا - في الآية يثبت وقوع الصلب على رجل آخر غيره، إذ لم يذكر صريحا ولا إشارة.

ثم ذكر في الفصل السادس أن القرآن العزيز لم يؤنب النصارى - ولا مرة - على ضلال [ ص: 1690 ] اعتقادهم بصلب المسيح وموته وقيامته، ولا كذب الإنجيل أو الحواريين، ولا لام الذين آمنوا بصلب المسيح، حال كونه نبههم مرارا على غير ضلالات عندهم.

وذكر فيه أيضا: لم ترد أحاديث صحيحة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بنفي صلبه، وفيه أيضا: إن هذه الآية يصح تأويلها إيجابيا طبقا لما في الإنجيل، بما أن عدة آيات أخرى قرآنية مجانسة لها أولت بخلاف ظاهرها اللفظي، كأفعال المبايعة والرمي والموت والحياة وما أشبه ذلك، التي نسبت صريحا لغير فاعلها الظاهر.

وقال في الفصل العاشر: أما قولنا: إن القرآن العزيز قصد نفي نسبة فعل الصلب لليهود وإسناده لله حقيقة - فهو استناد على قوله: فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى [الأنفال: 17]، وقوله: إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم [الفتح: 10] فهنا الفاعل الظاهر حسا وفعلا إنما هو الرسول محمد - عليه الصلاة والسلام - ولكن الفاعل الحقيقي إنما هو الله الفاعل كل شيء في الكل.

ثم قال: وربما يعترض أنه ذكر في الآية نفسها أن الله رمى، وأنه تعالى هو المبايع، فنقول: كذلك في آي الصلب وإخباره مرارا عديدة صرح في الإنجيل أن الفاعل والمسلم والبازل والحاكم والآذن في أمر الصلب إنما هو الله جل جلاله.

ثم قال: نقول أخيرا: إن آية الصلب القرآنية هي صحيحة في ذاتها تماما وكمالا، ومطابقة أشد المطابقة لما ورد في نفس القرآن بهذا الشأن، ولكل فحوى أسفار الميثاقين أو العهدين، [ ص: 1691 ] بكل بيان، إنما تفسيرها بمطلق النفي كان وما زال غلطا وضد الحقيقة والذوق اللغوي، وضد ما جانسها في الآي الأخرى من نفس القرآن، ومن نصوص سائر الكتب المنزلة، ولا سيما الإنجيل، الذي زبدته وروحه وقوامه وخلاصته هي كون المسيح صلب ومات وقام وعرج إلى السماء، وأرسل البارقليط الآخر الرسول محمدا مبلغ القرآن العظيم، الحاوي روح الصدق والحق، والمذكر بكل ما قال المسيح في الإنجيل الشريف.

ثم قال: إن إنكار أمر الصلب أو إثباته ليس من الأركان في الدين عند المحمديين، ولا هو محرم قطعا الاختلاف في تفسير بعض آيات، وقد وجد ويوجد عدة اختلافات عند اليهود والنصارى والمسلمين، وليس ذلك محرما إلا إذا آل لإنكار أو لإفساد نفس الآيات، أو إيقاع الشبهة على ذات نصوص الوحي، ففي آية الصلب ليس شيء من ذلك، بل بالعكس تأييد كل النصوص الإلهية.

هذا خلاصة ما أورده في رسالته، وقد رد عليه من الفضلاء المسلمين عدد وافر، في تآليف بديعة، منها كتاب "السيوف البتارة" اعتمد مؤلفها في إيراد حججها على التواريخ الإفرنجية المعول عليها، فإن الإفرنج أعرف من غيرهم بحقيقة ما يهمهم، وأبعد من مظنة التشيع في شهادتهم على أنفسهم في أمر دينهم.

قال رعاه الله: يعلم الواقف على حقائق التاريخ أن مسألة الصلب من أهم المسائل التي ولدت الشقاق والنفرة فيما بين النصارى عموما ونصارى مصر والشام في الأجيال الأولى خصوصا؛ فإنهم كانوا غالبا يرفضون حصول الصلب رفضا باتا؛ لأن بعضهم كان يعتبره إهانة لشرف المسيح ، ونقصا فاضحا، والبعض الآخر كان يجحده ارتكانا على الأدلة التاريخية، وهؤلاء الجاحدون للصلب طوائف كثيرة، منها: الساطرنيوسيون والمركيونيون والبارديسيانيون والتاتيانيسيون والكاربوكراتيون والمانيسيون والبارسكاليونيون والبوليسيون؛ إذ كلهم اعتقدوا - مع كثيرين غيرهم - بأنه لا يمكنهم أن يسلموا بنوع من الأنواع أن المسيح سمر [ ص: 1692 ] فعلا، أو مات على الصليب حقيقة، حتى استخفوا بالصليب والصلب.

وقال بعض المؤرخين الأفاضل: إن الخلاف الذي وقع بين النصارى في مبدأ الأمر الذي كان سببا في انسلاخ جملة طوائف وتشتتها واعتبارها في رأي آخرين مارقة من الدين، ولكن هذه الطوائف المضطهدة المهضومة كانت أفكارها منطبقة على الأصول النصرانية عقلا ونقلا، بخلاف أفكار مضطهديهم - فإن هذه الطوائف بنت على ألوهية عيسى - عليه الصلاة والسلام – أنه لا يجوز أن يمتهن، واستنتجت من هذا أنه لم يصلب قطعا، وأن ألفاظ التوجع والتضجر - التي نسبتها إليه كتب النصارى المتأخرين - لم يتفوه بها ولا تصح نسبتها إليه.

وبالجملة إن الشخص المصلوب غير عيسى قطعا، وأنه - عليه الصلاة والسلام - لم تسلط عليه أيدي مضطهديه، بل رفع إلى السماء، ومن القائلين بهذه الأفكار الدوسيتية والمرسيونية والفلنطانيائية وغير خاف - أنه حتى على فرض البنوة فقط - لا يمكن عقلا أن يتصور صلبه. انتهى.

ويؤيد هذا ما قاله الباحث الشهير ( الموسيو إدوار سيوس ) أحد أعضاء (الانستيتو دي فرنس) في باريس، المشهور بمعارضته المسلمين في كتابه (عقيدة المسلمين في بعض المسائل النصرانية) صحيفة (49): إن القرآن ينفي قتل عيسى وصلبه، ويقول بأنه ألقي شبهه على غيره، فغلط اليهود فيه وظنوا أنهم قتلوه، وإن ما قاله القرآن موجود عند طوائف النصرانية منهم الباسيليديون كانوا يعتقدون - بغاية السخافة - أن عيسى وهو ذاهب لمحل الصلب ألقي شبهه على سيمون السيرناي تماما، وألقي شبه سيمون عليه، ثم أخفى نفسه ليضحك استهزاء على مضطهديه الغالطين، ومنهم السيرنتيون فإنهم قرروا أن أحد الحواريين صلب بدل عيسى، وقد عثر على فصل من كتب الحواريين، وإذا كلامه نفس كلام الباسيليديين وقد صرح " إنجيل القديس برنابا" باسم الذي صلب بدل عيسى قال: إنه يهوذا. انتهى.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.75 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.35%)]