عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-10-2022, 06:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,858
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خفي الأمر له يخفى

خفي الأمر له يخفى
أ. عبدالله بن محمد بن بدير




ب- غريب الحديث:
وأما شراح الحديث، فأغفله أكثرهم:
12 - فلا ذكر له في غريب الحديث؛ لإبراهيم الحربي.

13 - ولا في غريب الحديث؛ لابن الجوزي.
14 - ولا في غريب الحديث؛ لابن قتيبة.
15 - ولا في غريب الحديث؛ للخطابي.
16 - ولا في النهاية في غريب الحديث والأثر.
17 - ولا في مشارق الأنوار على صحاح الآثار.
18 - ولا في الفائق في غريب الحديث والأثر.
19 - ولا في المجموع المغيث في غريبَي القرآن والحديث.
20 - ولا في تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم.

اختبارانِ للمصنَّفات المُدمَجة:
لقد فحَصنا أوعبَ مُصنَّفات اللغة التي بين أيدينا، وهي المصنفات الموسوعية التي جمعت بين دفَّتَيْها مصنفاتٍ عديدةً سابقة، ودمجت بينها في موسوعة كبيرة مع التنقيح والتصحيح والاستدراك والتكميل، إن عدد الكتب المُدمَجة في المصنفات الموسوعية التي فحصناها للبحث عن هذا الموضع كثيرٌ، ذكرنا منها تفصيلًا: (العباب الزاخر للصاغاني، والمحكم لابن سِيدَه)، أُدمجا في القاموس المحيط الذي أدمج في تاج العروس، و(تهذيب اللغة للأزهري، والمحكم لابن سيده، والصحاح للجوهري، وحاشية الصحاح لابن بري، والنهاية لابن الأثير)، أدمجت هذه الخمسة في اللسان.

وذكرنا منها إجمالًا ألفَيْ مُصنَّف أدمجت في القاموس المحيط الذي أدمج في تاج العروس.
ولكن ماذا لو كان بعضُ هذه المصنفات المدمجة قد ذكر هذا الموضع موضع "خَفِي لَهُ"، وسقط على الزَّبيدي أو ابن منظور، فلم يُدرِجه في كتابه؟ فأردتُ إجراء اختبار أستيقِنُ به هذا الأمرَ.

إن تاج العروس قد شرَح القاموس المحيط الذي استوعب الصحاح، وإن لسان العرب استوعب النهاية في غريب الحديث، فكان:
21 - الصحاح للجوهري، وكذا النهاية لابن الأثير نموذجينِ للكتب المدمجة في المعجمين الكبيرين التاج واللسان، وقد بحثتُ الكتابين، فلم أجد فيهما ذكرًا لهذا الموضع؛ مما يسَّر لي الثقة بأن هذا الموضع موضع "خَفِي لَهُ" من فوات المعاجم القديمة.

ثانيًا: المصنفات التي أوردته غامًضا غير مشروح:
أ- معاجم:
22 - ووجدتُه في المعجم الوسيط مبتسرًا غير لائح، فلم يزيدوا على أن قالوا: "خفِيَ له - خِفوةً: استتر، ويقال: يأكل كذا خفوة"؛ اهـ[9].

ويكاد يتوهَّم القارئ أن معنى "خفي له" هاهنا: استتر منه، بمعنى استخفاء شخص لشخص ليختله أو يتجسس عليه؛ وذلك لاقتضاب تفسيرهم، فإنهم ما فسَّروه إلا بـ"استتر" كما ترى، ولم يستشهدوا له بشاهد، ولا مثَّلوا بمثال، ولو فعلوا لاتضح وجه التفسير.

23 - وكذا هو تقريبًا في معجم اللغة العربية المعاصرة، لم يزيدوا على أن قالوا: "خفِي له الأمرُ: استتر، أكلها خِفْوةً - ليس بخافٍ عنك - خفيت عنه الحقيقة"؛ اهـ[10]، فتجدهم هاهنا أتبَعُوا تفسيرَهم بما يرشح الوهمَ الذي ذكرتُه.

ب- غريب الحديث وشروحه:
وتكلم فيه بعض شرَّاح الحديث، فمنهم مَن جعل عنايته بتصحيح اللفظ، ولم يلتفت إلى المعنى، كما في:
24 - فتح الباري لابن حجر؛ حيث قال: "قولُه: (إلا ظنَّ أنه سيخفى)، في رواية الكُشْمِيهَنيِّ أَنْ سيخفى بتخفيف النون بلا هاء، وفي رواية مسلم أنَّ ذلك سيخفى له"؛ اهـ[11].
25 - وشرح النووي على مسلم؛ حيث قال: "قولُه: (فقلَّ رجلٌ يريد أن يتغيب يظن أن ذلك سيخفى له ما لم ينزل فيه وحيٌ مِن الله تعالى)، قال القاضي: هكذا هو في جميع نسخ مسلم، وصوابه: إلَّا يظُن أن ذلك سيخفى له، بزيادة إلَّا، وكذا رواه البخاري"؛ اهـ[12].

ومنهم مَن عُنِي بالمعنى، لكنه أضمر شرحه إضمارًا لا يشفي قارئه، كما فعل:
26 - الأرنؤوط في مسند أحمد (15789)، فقال: "قولُه: سيخفى له: من كثرة الجيش"؛ اهـ[13]، ولم يشرح هذا الموضع في: (27175)، وشرحه مِن حديث عِياض بنِ حِمَارٍ رضي الله عنه، برقم (17484) بألفاظ النووي رحمه الله في شرحه لمسلم[14]، وسوف نوردها الآن إن شاء الله.

ثالثًا: المصنَّفات التي شرحَتْه بما لا نُراه صوابًا:
ومنهم مَن عُنِي بالمعنى، فشرحه بما لا نُراه صوابًا؛ لأنه لا يلتئمُ مع سائر السياقات التي ورد فيها، واقتصر هؤلاء على سياقٍ واحد، هو ما جاء في حديث عِياض بنِ حِمَارٍ رضي الله عنه، في قول النبي صلى الله عليه وسلم عن أصناف أهل النار: ((والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دقَّ إلا خانه))؛ صحيح مسلم (2865)، ومسند أحمد (17484).

يقول النووي رحمه الله: "قوله صلى الله عليه وسلم: ((والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه))، معنى (لا يخفى): لا يظهر، قال أهل اللغة: يقال: خفيت الشيء إذا أظهرته، وأخفيته إذا سترته وكتمته، هذا هو المشهور، وقيل: هما لغتان فيهما جميعًا"؛ اهـ[15].
وهذا النقل عن النووي رحمه الله هو الذي تداوله أكثرُ الشارحين لحديث عِياض بن حِمَارٍ رضي الله عنه، إما بألفاظِه أو بمعانيه، فمِن ثَمَّ سوف نذكر إن شاء الله نقدَنا له في الملحق الرابع.

27 - وكذا الفَتَّنِي رحمه الله في مجمع بحار الأنوار، قال: "وفيه: ((الخائن مَن لا يخفى له طمع))؛ أي: لا يظهر"؛ اهـ[16].
وقال في موضع آخر: "((لا يخفى له طمع))؛ أي: شيء مما يمكن فيه، ((وإن دق))؛ أي: يسعى في التفحص عنه حتى يجدَه فيخونه، أو لا يخفى بمعنى لا يظهر له شيء يطمع فيه إلا خانه، وإن كان شيئًا يسيرًا؛ فإنَّ خَفِيَ من الأضداد"؛ اهـ[17].

28 - وقريبٌ منهم شرح الكفوي في الكليات قال: و[خَفِي] لَهُ: ظهر، وإنما يُقَال ذَلِك فِيمَا يظهر عَن خَفَاء، أو عن جِهَة خُفْيَة"؛ اهـ[18].

29 - وعلى هذا ثبَت الأمر عند البركتي في التعريفات الفقهية، فقال: الخَفَاءُ مِن الأضداد؛ يقال: "خفي عليه الأمر" إذا استتر، و"خفي له" إذا ظهر؛ اهـ[19].

الملحق الرابع: نقد تفسير من فسَّر هذا الموضع من العلماء
وهؤلاء الأربعة الكرام رحمهم الله - النووي، والفتَّني، والكفوي، والبركتي - ومَن نحا نحوَهم في هذا التفسير، إنما نظروا إلى أمرٍ عامٍّ في معنى المادة، ولم ينظروا إلى خصوص هذا التركيب، فكأنما شرَحوا موضعًا بموضعٍ غيرِه؛ والصحيح أن يُشرَح خصوص هذا التركيب في سياقاته من الكلام العربيِّ، كما قدَّمنا أول المقال.

وقد يبدو لدى سائرِهم المضي على خطى النووي رحمه الله فيما ذكره بقوله: "قولُه صلى الله عليه وسلم: ((والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه))، معنى (لا يخفى): لا يظهر؛ قال أهل اللغة: يقال: خفيت الشيء إذا أظهرته، وأخفيتُه إذا سترته وكتمته، هذا هو المشهور، وقيل: هما لغتان فيهما جميعًا"؛ اهـ[20].

وفيه أنه شرح الفعل اللازمَ بالفعل المتعدي، مع اختلاف البابينِ:
1 - فإن الفعل في قوله صلى الله عليه وسلم: ((يخفى له طمع)) فعلٌ لازم، ثم هو مِن باب فرِح، والفعل فيما ذكره النووي[21] رحمه الله بقولِه: "خفيت الشيء إذا أظهرته، وأخفيتُه..." فعلٌ متعدٍّ.

2 - ثم إن الفعل فيما ذكره النووي رحمه الله مِن باب نصر، وفيه لغةٌ مِن باب ضرَب؛ نصَّ عليها في تهذيب اللغة، ومتن اللغة[22]، والفعل في قوله صلى الله عليه وسلم: ((يخفى له طمع)) مِن باب فرِح.

3 - ولم يراعوا السياقات؛ فما ذكروه لو صلَح في حديث عياض، فإنه لا يصلُح في حديث كعب رضي الله عنهما، ولا في حديث المِحجَن، ولا في سائر الشواهد التي عددنا منها سبعةً.

وكما وجب مراعاةُ خصوص التعدي واللزوم وخصوص الباب، فكذلك يجب مراعاة خصوص حرف التعدية، وأنه حرف اللام، وليس (على) مثلًا، وهذه النقطة غير منتقَدة على تفسير مَن فسَّر هذا الموضع من العلماء؛ فإنهم لم يتطرقوا إليها، ولكن ذكرها الباحث تكميلًا لِما تجب رعايته عند شرح معاني الألفاظ.

الملحق الخامس: سبب وهمِ مَن وَهِم في هذا الموضع من العلماء
وسبب وهمِ مَن وهِم في هذا الموضع من العلماء أن:
1 - مادة [خ ف (و/ي)] من الأضداد؛ قال ابن فارس: "الخاء والفاء والياء، أصلان متباينانِ متضادان؛ فالأول: الستر، والثاني: الإظهار؛ فالأول خفِي الشيءُ يخفَى؛ وأخفيتُه، وهو في خِفْيَة وخَفاء، إذا سترتَه...، والأصل الآخر: خفا البرقُ [يخفو] خَفْوًا، إذا لَمَع، ويكون ذلك في أدنى ضعف، ويقال: خفيتُ [الشيءَ] بغير ألفٍ [أَخفِيه]؛ إذا أظهرتَه، وخفا المطرُ الفأرَ مِن جِحَرَتِهنَّ: أخرَجَهن"؛ اهـ[23].

ومِن هاهنا اضطرب في تفسير هذا الموضع قولُ العلماء؛ ولهذا السبب الذي ذكرنا جرى بين العلماء قديمًا نحوٌ من ذلك الاضطراب والوهم في موضع آخر مِن هذه المادة، هو موضع "استخفى":
قال الأزهري: "وقال الأخفش في قول الله جل وعز: ﴿ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ﴾ [الرعد: 10]، قال: المستخفي: الظاهر، والساربُ: المتواري...، وروى سلمة عن الفراء:... ﴿ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ ﴾ [الرعد: 10]؛ أي: مستتر، ﴿ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ﴾ [الرعد: 10]؛ أي: ظاهر، كأنه قال: الظاهر والخفيُّ عنده، جل وعز، واحدٌ...، قلت: وقول الأخفش: المستخفي: الظاهر؛ خطأٌ عند اللُّغويين، والقول ما قال الفراء، وجاء "خفيتُ" بمعنيين متضادين، وكذلك "أخفيتُ"، فيما زعم أبو عبيدة، وكلامُ العرب الجيد: أن يقال: خفيتُ الشيءَ أَخفِيه؛ أي: أظهرته...، وأخفيتُ الشيء؛ أي: سترته...، واختفيتُ الشيءَ؛ أي: أظهرته، واستخفيتُ منه؛ أي: تواريتُ؛ هذا هو المعروف في كلام العرب"؛ اهـ[24].
2 - والسبب الأهم هو عدم العناية بتتبُّع الاستعمالات في سياقاتها، بعد جمع هذه الاستعمالات قدر الإمكان.

الملحق السادس: مراجع البحث
مراجع هذا البحث واحد وثلاثون، تجد منها تسعةً وعشرين مُسَلْسَلة في الفِقرات المرقَّمة من الملاحق الأول والثاني والثالث، يضاف إليها: مقاييس اللغة لابن فارس، تهذيب اللغة للأزهري، فتمام العدة واحد وثلاثون، وطبعاتها هي الطبعات التي تعتمدها المكتبة الشاملة في إصدارها الرسمي.
هذا، والحمد لله أولًا وآخرًا، ظاهرًا وباطنًا.


[1] البخاري (4418).

[2] مسلم (2865).

[3] صحيح ابن حبان (5622)، وقال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح.

[4] الورع؛ لابن أبي الدنيا (178)، حسنه محمد بن حمد الحمود.

[5] المسالك في شرح موطأ مالك (5/ 319).

[6] تاريخ الطبري (5/ 365).

[7] تاريخ الطبري (6/ 292).

[8] الجنى الداني في حروف المعاني (ص: 96).

[9] المعجم الوسيط (1/ 247).

[10] معجم اللغة العربية المعاصرة (1/ 673).

[11] فتح الباري؛ لابن حجر (8/ 118).

[12] شرح النووي على مسلم (17/ 88).

[13] مسند أحمد، ط الرسالة (25/ 77).

[14] السابق في (29/ 35).

[15] شرح النووي على مسلم (17/ 199).

[16] مجمع بحار الأنوار (2/ 77).

[17] مجمع بحار الأنوار (3/ 258).

[18] الكليات (ص: 434).

[19] التعريفات الفقهية (ص: 88).

[20] شرح النووي على مسلم (17/ 199).

[21] وقد كانت نعل النووي رحمه الله - ما علمتُ - خيرًا من ملء الأرض من مثلي.

[22] تهذيب اللغة (7/ 242)، ومعجم متن اللغة (2/ 310).

[23] مقاييس اللغة (2/ 202).

[24] تهذيب اللغة (7/ 242).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 04-11-2022 الساعة 08:34 PM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.03 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (2.57%)]