عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 06-10-2022, 10:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,332
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ابن هرمة آخر الحجج

ابن هرمة آخر الحجج
د. عمرو سعد عواد قطب




وبالجملة فأكثر العربية - كما نقل السيوطي في الاقتراح عن أبي نصر الفارابي - أُخذت عن خمس قبائل، هي: قيس وتميم وأسد وهذيل وبعض كنانة وبعض الطائيين، ولم يؤخذ عن غيرهم مثل لخم وجذام لمجاورتهم لأهل مصر القبط، وقضاعة وغسان لمجاورتهم لأهل الشام، وأكثرهم نصارى يقرؤون في صلاتهم بغير العربية، وتَغْلب والنمر لمجاورتهم للنبط والفرس، وعبدالقيس لمجاورتهم للهند والحبشة، وبني حنيفة وسكان اليمامة وثقيف وسكان الطائف لمخالطتهم تجار الأمم المقيمين عندهم، وحاضرة الحجاز لأن الذين نقلوا اللغة صادفوهم حين ابتدؤوا ينقلون لغة العرب وقد خالطوا غيرهم من الأمم وفسدت ألسنتهم[52].

ولهذا فاللغويون في هذا الوقت لم يكونوا كحاطبِ ليل فيما ينقلون؛ فما أخذوه أخذوه لكونه حجَّة لا مطعن فيها، وما تركوه تركوه لعلَّة تخل بفصاحته.

وأمَّا الطبقة الرابعة، فالصحيح أنه لا يستشهد بكلامها مطلقًا، وقيل: يستشهد بكلام من يوثق به منهم، واختاره الزمخشري، ونُوزِع في ذلك.

أما احتجاج الزمخشري بكلام المحدَثين، فقد استدلَّ على استعمال الفعل أظلم متعديًا بقول أبي تمام:
هما أظلَمَا حاليَّ ثمَّتَ أَجْلَيَا ♦♦♦ ظَلامَيْهما عن وَجْهِ أَمْرَدَ أَشْيَب[53]
ثم قال: "وهو وإن كان محدَثًا لا يُستشهد بشعره في اللغة، فهو من علماء العربية، فاجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه؛ ألا ترى إلى قول العلماء: الدليل عليه بيتُ الحماسة؟ فيقتنعون بذلك؛ لوثوقهم بروايته وإتقانه"[54].


وقد سار على طريقة الزمخشري في الاستشهاد بالمولَّدين رضيُّ الدين الإستراباذي في شرحه على كافية ابن الحاجب؛ فقد استشهد على تأخُّر المبتدأ عن الخبر معرفتين أو متساويين مع قيام القرينة المعنوية الدالة على تعيين المبتدأ - بقول أبي تمام:
لُعَابُ الأفاعي القاتِلاتِ لُعَابُهُ ♦♦♦ وأَرْيُ الجَنَى اشتَارَتْه أَيدٍ عَواسِلُ[55]
وذكر البغدادي أنه تكرَّر استشهاده بأبي تمام في عدَّة مواضع.


واستشهد كذلك بغيره من المولدين، فقد استشهد على ترخيم المضاف بقول المتنبي:
للهِ ما فَعَلَ الصَّوَارِمُ والقَنَا ♦♦♦ في عمرو حابِ وضَبَّةِ الأغنامِ[56]

واستشهد على مجيء الحال جامدةً لقصد التشبيه بقوله:
بَدَتْ قَمَرًا ومالت خُوطَ بَانٍ ♦♦♦ وفاحَتْ عَنْبَرًا ورَنَتْ غَزَالَا[57]

واستشهد على حذف الموصولات الاسمية بقوله:
بئس الليالي سهرت من طَرَبِي ♦♦♦ شَوْقًا إلى مَنْ يَبِيتُ يَرْقُدُها[58]

واستشهد في كنايات الأعلام بقوله:
كأنَّ فَعْلَة لم تَملَأ مواكِبُهَا ♦♦♦ ديار بَكْرٍ ولم تخلعْ ولم تَهَبِ[59]


وكذا استشهد البدر الدماميني ببضعة عشر شاعرًا من الشعراء المولدين في كتابه "المنهل الصافي"؛ منهم العباس بن الأحنف، وأبو نواس، ويحيى اليزيدي، وهشام الضرير، وأبو العتاهية، وأبو تمام، ودعبل، والمتنبي، وابن الرومي، والحريري، والبوصيري، وقد حصرهم أحد الباحثين في دراسة منشورة[60].
وتعجَّب أبو حيان من كلامه واستدلاله، قال: "وكيف يستشهد بكلام مَن هو مولَّد، وقد صنَّف الناس فيما وقع له من اللحن في شعره؟"[61].


وأجاب البغدادي عن دعوى الزمخشري بأن قَبول الرواية مبنيٌّ على الضبط والوثوق، واعتبار القول مبنيٌّ على معرفة أوضاع اللغة العربية والإحاطة بقوانينها، ومن البيِّن أنَّ إتقان الرواية لا يستلزم إتقان الدراية، ثم فرق بين الرواية ونقل الحديث بالمعنى، وبيَّن أنه باب لو فُتح للزم الاستدلال بكلِّ ما وقع في كلام علماء المُحْدَثين، والحُجَّة فيما روَوه لا فيما رأوه، وقد خطَّؤوا المتنبي وأبا تمام والبحتري في أشياءَ كثيرةٍ كما هو مسطور في شروح تلك الدواوين[62].


ومن الدارسين مَن زعموا أنه - أي: الاحتجاجَ بشعر الطبقة الرابعة - مذهب ابن هشام، وكأنهم قالوا بذلك لما رأوه يكثر الإيراد من أشعارهم والتكلُّم عنها، وقد أكثر من ذلك في مغني اللبيب، وهذا غلط منهم عليه؛ إذ لم يجعل شيئًا من كلامهم حجَّة، بل أحيانًا يورد الرواية عنهم ويغلِّطهم، وإنما أكثر من إيراد أشعار المجيدين منهم؛ لكونها أقرب شيء إلى العربية الصحيحة، ولم يصرح بأن شيئًا من كلامهم قد سيق للاستشهاد، بل صرَّح بخلاف ذلك، فبعد أن أورد بيتًا للمتنبي وتكلَّم عنه، قال بعده: "وأمَّا بيتُ المتنبي، فإنِّما ذكر تمثيلًا لا استشهادًا؛ إذ لا يقوم حجَّةً لكلامِه"[63]، وفي هذا كفاية.



[1]طبقات الشعراء؛ لابن المعتز (ص: 20).

[2]المبهج(ص:199).

[3]تثقيف اللسان(ص:89).

[4]الاشتقاق (ص:410).

[5]لسان العرب (2/ 260).

[6]المعارف (ص:68).

[7] الروض الأنف (3/ 102).

[8]الإكمال (3/ 189).

[9]الوافي بالوفَيَات (6/ 40).

[10]قال:"أراه عن البلاذري"، وفي بعض النسخ: "رواه عن البلاذري".

[11]الأغاني (4/ 528).

[12] فوات الوفَيَات (1/ 34).

[13]الوافي بالوفَيَات (6/ 40).

[14] شرح شواهد المغني (2/ 682).

[15]خزانة الأدب (1/ 425).

[16] الأعلام؛ للزركلي (1/ 50)

[17]تاريخ بغداد (7/ 46).

[18] العقد الفريد (8/ 54).

[19]النجوم الزاهرة (2/ 84).

[20] الوافي بالوفيات (1/ 34).

[21] الوافي بالوفيات (6/ 40).

[22]معجم الأدباء (1/ 285)، و(2/ 615)، و(3/ 1326)، و(6/ 2678)، وانظر أيضًا: وفَيَات الأعيان (4/ 356).

[23]خزانة الأدب (1/ 6-7).

[24]الخزانة (1/ 118).

[25]العمدة (1/ 90).

[26]المزهر (2/ 414).

[27]تاريخ بغداد (3/ 201).

[28]البيت من مجزوء الكامل، للكميت كما في ديوانه، بتقديم لفظ أبرق (ص:132)، وهو في إصلاح المنطق (ص:144)، والكامل (3/ 222)، واللسان (3/ 180)، وإسفار الفصيح (1/ 373)، وصدره في الموشح (ص:253).

[29]المخصص (4/ 340).

[30]البيت من الطويل، وهو في ديوان ذي الرمة (2/ 1311)، وأورده الزبيدي في طبقات النحويين (ص: 173)، وابن جني في الخصائص (3/ 298)، وابن عصفور في شرح جمل الزجاجي (1/ 110).

[31]انظر: الروض الأنف (3/ 235).

[32]الموشح (ص:234).

[33]التذييل والتكميل (4/ 200).

[34] البيت من الطويل، وهو في ديوان الفرزدق، وصدره: (فإن امرأ يسعى يخبِّب زوجتي) (ص:417)، وأورده ابن السكيت في كتاب الألفاظ (ص: 243، 350)، وهو في الزاهر (2/ 58، 199)، والأغاني (9/ 223) و(21/ 187، 190)، وديوان الأدب (3/ 308)، والصحاح (1/ 320) و(4/ 1642)، والمحكم (7/ 526)، واللسان (2/ 292).

[35]مصابيح الجامع (7/ 67).

[36]البيت من الكامل، لعبدة بن الطيب، من قصيدة أوردها المفضل في المفضليات (ص:148)، وهو في معاني القرآن للزجاج (1/ 103)، ومجالس العلماء للزجاجي (ص:150)، والخصائص (3/ 298)، وأورده ابن الأنباري في الزاهر(2/ 58)، والأضداد (ص:374)، والمذكر والمؤنث (ص: 1/ 504)، وابن سيده في المخصص (5/ 147)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 113)، وأوضح المسالك (2/ 102)، والمزهر (1/ 169).

[37]البيت من الرجز، غير منسوب، أورده الزجاجي في مجالس العلماء (ص:150)، وهو في الحيوان (1/ 168)، والمخصص (5/ 147)، والخصائص (3/ 298)، والمذكر والمؤنث للأنباري (1/ 516)، المزهر (2/ 323).

[38]مجالس العلماء (ص:150).

[39]المزهر (2/ 414).

[40]الموشح (1/ 313).

[41]الموشح (1/ 313).

[42]محاضرات الأدباء (1/ 786).

[43]البيت من المتقارب، لخالد الكاتب، وهو في دلائل الإعجاز (ص:492)، وطبقات ابن المعتز (ص:405)، وأمالي القالي (1/ 100)، والإعجاز والإيجاز للثعالبي (1/ 163)، والتمثيل والمحاضرة له (ص: 210)، وخزانة الأدب للحموي (1/ 432).

[44]الأبيات من الطويل، لبشار بن برد، كما في ديوانه مع اختلاف في بعض ألفاظه (ص:61-62)، والبيتان الأولان في نهاية الأرب (1/ 136)، ولوعة الشاكي للصفدي (ص:37)، والمستطرف (ص:434).

[45]تاريخ بغداد (7/ 610).

[46]الموشح (ص:88).

[47]الشعر والشعراء (1/ 219).

[48]الشعر والشعراء (1/ 224).

[49]الموشح (ص:86).

[50]الشعر والشعراء (1/ 224).

[51] انظر الموشح (ص:320).

[52]انظر: الاقتراح (ص: 47-48).

[53]البيت من الطويل، لأبي تمام، وهو في ديوانه (1/ 150)، وفي الكشاف (1/ 86)، والدر المصون (1/ 181)، وتفسير البيضاوي (1/ 52)، والبحر المحيط (1/ 148).

[54]الكشاف (1/ 87).

[55]شرح الكافية (1/ 258)، والبيت من الطويل لأبي تمام، وهو في الديوان (3/ 123)، والحيوان (1/ 48)، وعيون الأخبار (1/ 109)، والعقد الفريد (4/ 274)، وأدب الكتاب للصولي (ص: 76)، والموازنة للآمدي (3/ 46)، وشرح المفصل لابن يعيش (1/ 248).

[56] شرح الكافية (1/ 395)، والبيت من الكامل، لأبي الطيب المتنبي، وهو في الديوان وصدره: (مهلًا ألا لله ما صنع القنا) (ص:410)، وفي خزانة الأدب (2/ 345).

[57] شرح الكافية (2/ 33)، والبيت من الوافر، لأبي الطيب المتنبي، كما في ديوانه (ص:129)، وهو أيضًا في أسرار البلاغة (ص: 194)، وأمالي ابن الشجري (3/ 6)، والطراز (1/ 91)، وحياة الحيوان (2/ 254)، والوساطة (ص: 140)، ومعاهد التنصيص (2/ 83)، وخزانة الأدب (3/ 222).

[58]شرح الكافية (3/ 70)، والبيت من المنسرح، لأبي الطيب المتنبي، وهو في ديوانه (ص: 3)، وفي المنصف لابن وكيع (ص: 209)، ونشأة النحو للطنطاوي (ص: 129).

[59] شرح الكافية (2/ 253)، والبيت من البسيط، لأبي الطيب، وهو في ديوانه (ص: 423)، وفي الخزانة (6/ 447).

[60] "موقف الدماميني من الاستشهاد بشعر المولدين"، بحث منشور في مجلة الجامعة الإسلامية (سلسلة الدراسات الإنسانية)، العدد الثاني ص: 531: 554، يونية 2004م.

[61]البحر المحيط (1/ 148).

[62]خزانة الأدب (1/ 7).

[63]تخليص الشواهد (ص:270).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.63 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.89%)]