شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب المناسك)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (215)
صـــــ(1) إلى صــ(30)
لكن لو أنه أنشأ النية وهو في مسجد -مثلاً- في طرف جدة من جهة المدينة، وبيته في طرف جدة من جهة مكة؛ فأراد أن يقترب وهو يأخذ بعض الأحيان عشرة كيلو وهو ناوٍ للنسك غيرَ مُحرِم به؛ فلا يصح له أن يعقد النية من الطرف الأدنى وقد انعقدت نيته من الطرف الأبعد، لأن السنة نصَّت وقالت: (إحرامه من حيث أنشأ)، وهذا يدل على التأقيت بالموضِع، وأنه لا يجوز له أن يجاوز ذلك الموضع إلى موضع أدنى منه، وأَنَّ من خرج إلى المحطات التي هي خارج جدة؛ يُعتبر مجاوزاً لميقاته ويَلزَمه ما يَلزَم المجاوز لميقاته ولو كان بفرق كيلو واحد بل ولو بنصف كيلو؛ لأنه حينئذٍ خالف النص الذي قيده بالموضِع: (فإحرامه من حيث أنشأ).
بقي النوع الثالث: وهم أهل مكة، فقال عليه الصلاة والسلام: ( حتى أهل مكة من مكة )، أي: حتى أهل مكة تكون نيتهم وإحرامهم من مكة، هذا في الحج، وجاء ما يُبَيِّن الحكم في العمرة وذلك بأمره عليه الصلاة والسلام لـ عائشة أن تخرج إلى الحل، ولذلك تقول عائشة في الرواية عنها: (والله ما ذكر التنعيم ولا غيره)، ولكنها طلَبَت التنعيم لأنه أرفق بها، والأصل أنه يخرج إلى أدنى الحل حتى يجمع بين الحِل والحَرَم.
وبناءً على حديث عائشة أنت بين أمرين: إما أن تقول عائشة من أهل المدينة وأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تخرج إلى الحل، فيكون دليلاً على أن أهل المدينة يجوز لهم أن يتركوا ذا الحليفة وأن يحرموا من طرف مكة وأن يدخلوا مكة مُحرِمين، وهذا لا قائل به وهو خلاف السنة، فإما أن تقول إن عائشة آفاقية، وإما أن تقول إنها مَكِّية، وليس هناك فرضٌ ثالث، فأصبَحت إما مَكِّية وإما آفاقية.
فلما أَمَرها أن تخرُج إلى الحِل فهِمْنا من هذا أن العمرة يُجمع فيها بين الحل والحرم، بخلاف الحج فإنه لو أحرم من الحرم سيخرُج إلى عرَفات، وهي خارج حدود الحرم فيجمع بين الحل والحرم في نُسُكه.
فالحج يكون إحرامه من حيث أنشأه، واستُثْنِيَت العمرة لورود النص عنه عليه الصلاة والسلام في عائشة تنبيهاً من الشَّرع.
ولذلك يقول بعض العلماء: لولا حديث عائشة لأشكل الأمر في عمرة المكي -هذا على القول بأن المكِّي لا يعتمر-؛ لأنه لو كان يُحرِم من مكانه وموضعه كان الأفضل له أن يطوف بالبيت، وهذا الذي جعل بعض علماء السلف كـ عطاء وغيره لا يرى لأهل مكة أن يعتمروا؛ لأنهم يرون أن عمرتهم أن يطوفوا بالبيت؛ لأنه إذا كان يُحرِم من نفس مكة فالأفضل بدل أن يذهب إلى بيته وأن ينوي من بيته ويرجع هذه الخطوات، الأفضل أن يقضيها وهو يطوف بالبيت.
ولذلك قال: لا أدري هؤلاء الذين يذهبون إلى التنعيم -يعني يتكلَّفون الذهاب إلى التنعيم والخُطَى إلى التنعيم- هلا جعلوا هذه الخطى في الطواف بالبيت! فهذا أفضل وأكمل؛ لأن المقصود من العمرة أن يزور البيت وأن يطوف بالبيت.
فهذا هو وجه تشديد بعض السلف في عمرة المكي، وهو يَقْوَى على مَذْهَب من يقول إن المكي يُحرِم من نفس موضعه من مكة، وهو قولٌ ضعيف، لكن لما أَلحَّت عائشة رضي الله عنها على النبي صلى الله عليه وسلم -وكان لا يرد سائلاً سأله بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه- أَذِن لها، وهذا الإلحاح من عائشة كان فيه خير للمسلمين، فقد بَتّ في هذه المسألة، وبيَّن أن المكِّي إن نوى العمرة فإنه ينويها من الحِل، ولو قلنا: إن المكِّي لا يعتمر فإنه قد يعتمر ويُشرع له أن يعتمر، كأن يريد أن يعتمر عن أبيه؛ لأنه حينئذٍ يخرج إلى الحل.
فحتى عند من يقول إن المكي لا يعتمر فقد تكون عمرة عن الغير، فيُحتَاج إلى أن يُعرَف ما ميقاته، فهو يقول: لولا حديث عائشة لأشكل الأمر.
يعني: كيف أن المكي يُحرِم من موضعه، فيستوي حينئذٍ هو والطائف، فيمكن أي شخص وهو يطوف بالبيت أن ينويها عمرة وهو مكي.
ولكن لما جاء حديث عائشة وأمرها أن تنزِل إلى حدود الحِل؛ دلّ على أن المكِّي في عمرته لا بد أن يجمع بين الحِل والحرم، كما أنه في نسك الحج قد جمع بين الحل والحرم.
فهذا بالنسبة للثلاثة الأنواع، من كان آفاقياً، ومن كان دون المواقيت وليس من أهل مكة، ومن كان داخلاً في حدود حرم مكة.
يستوي في المكي أن يكون من أهل المساكن -هذا في القديم- أو ضواحي مكة التي لا تخرج عن حدود الحرم، لأنه في القديم كان هناك المساكن، وهي مكة القديمة التي هي بمساكنها، وكان الإنسان إذا وصل إلى قبور المعلاه لم يجد مساكن، ويبدأ في مُنْقَطَع الطريق، ولذلك يقولون: أهل مكة ومن في حكمهم ممن هم داخل الحرم.
أما يومنا هذا تكاد تكون مكة ممتلئة، ولهذا يقول العلماء أهل مكة وذي طِوى، وهو الوادي المعروف الذي يسمى الآن بالزاهر، فهذا الوادي كان قديماً فيه زروع ومساكن فكانوا يقولون: أهل مكة ومن في حكمهم ممن هم داخل حدود الحرم .
ميقات الحج الزماني وأحكامه
قال رحمه الله: [وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة].
بعد أن فرغ رحمه الله من بيان ميقات الحج المكاني، شَرَع في بيان ميقات الحج الزماني، وميقات الحج الزماني دلّ عليه الكتاب في قوله سبحانه: { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ } [البقرة:197]، وحَدَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتداءً، فقال عليه الصلاة والسلام : ( من صلَّى صلاتنا هذه ووقف موقفنا هذا )، وهذا في يوم عيد الأضحى صبيحة يوم النحر، فقوله: ( من صلى صلاتنا هذه )، يعني بمزدلفة ( ووقف موقفنا هذا، وكان قد أتى عرفات أي ساعة من ليل أو نهار، فقد تم حجه وقضى تفثه )، فكأنه جعل ميقات الزمان ينتهي بطلوع الفجر من صبيحة اليوم العاشر، وفي الحقيقة عشرٌ من ذي الحجة ليست بكاملها داخلة في الميقات؛ لأنه لو أحرم بعد طلوع الفجر الصادق في يوم العيد لم يصح إحرامه بالحج.
وهكذا لو أَحْرَم ولكن لم يدرك الوقوف بعرفة لحظةً قبل طلوع الفجر من صبيحة يوم النحر، فحينئذٍ يتحلَّل بعمرة ويقضي حجه من العام القادم، وعليه دم كما هو قضاء عمر في هبّار بن الأسود لما فاته الحج.
الشاهد أن هذا الميقات ميقات زماني، وتعبير الفقهاء بذكر عشر من ذي الحجة ليس المراد أنه يمكن أن ينوي الحج في اليوم العاشر؛ لأنه لا يتأتى منه ذلك، لكن هذا من دِقَّة العلماء رحمة الله عليهم.
فإنه ينتهي اليوم التاسع -يوم عرفة- بمغيب الشمس، فالأصل أن تسع من ذي الحجة تنتهي بمغيب الشمس، لكن لما مَدَّ الشَّرع الموقِف إلى طلوع الفجر دخل اليوم العاشر؛ لكن لم يدخل بكماله، وإنما دخل بصورة مؤقتة محددة معروفة معهودة.
فكذلك يقولون: وعشرٌ من ذي الحجة، على سبيل التنبيه على ليلة النحر أنها داخلة في الإحرام فيجوز لك أن تُحرِم وأن تقف بعرفة وتكون مدركاً للحج، لا أن العَشر بتمامها وكمالها تُعتبر محلاً للنُّسُك، فهذا لا يقول به أحد.
لو جاء صبيحة يوم العيد بعد طلوع الفجر وقال: لبيك حجاً لم ينعقد حجه، وهل تنقلب عمرة أو يَفْسُد إحرامه؟ وجهان مشهوران عند العلماء رحمة الله عليهم إذا لم يكن الزمان زمان حج.
لكن قالوا: عشرٌ من ذي الحجة، لأن كل يوم عشيته في الليلة التي تسبقه.
فاليوم تسبقه ليلته ثم بعد ذلك النهار، ولكن في يوم عرفة يكون العكس، حيث يكون النهار ثم بعد ذلك عشية عرفة، وهذا الذي دعا بعض العلماء أن يقول: رمي الجمار يستمر في أيام التشريق إلى طلوع الفجر، فسَحَب الليالي فجعل ليلة الحادي عشر لما بعد، لأن ليلة النحر تكون في ليلة التاسع حكماً، ولذلك صَحّ فيها الإحرام، ثم في يوم العيد ترمى جمرة العقبة إلى طلوع الفجر من صبيحة الحادي عشر وحينئذٍ كأنك سحبت ليلة الحادي عشر إلى العاشر، ثم تسحب ليلة الثاني عشر للحادي عشر، وتسحب ليلة الثالث عشر للثاني عشر، هذا بالنسبة لمن يقول بأن الرمي يستمر إلى طلوع الفجر، فكأنهم رأوا أن استمرار الوقوف إلى طلوع الفجر صبيحة يوم النحر يقوي هذا، وهذا هو السر في قول العلماء وعشرٌ من ذي الحجة فهذا بالنسبة لابتداء الحج.
وانتهاء الحج له ميقات آخر: شوال وذو القعدة وذو الحجة بمعنى أنه إذا طاف طواف الإفاضة قبل مغيب شمس آخر يوم من ذي الحجة فإنه لا فدية عليه؛ لأن الركن وقع في الميقات الزماني، وأما إذا أوقعه بعد مغيب شمس آخر يوم من ذي الحجة؛ فحينئذٍ يكون أشبه بالقضاء ويَلزَمه دم جبران لهذا النقص.
فحينئذٍ إذا قالوا أشهر الحج: شوال وذي القعدة وعشر من ذي الحجة؛ فقَصْدُهم الابتداء أي: الدخول بنية النسك، وإن أرادوا التمام والكمال أي: إتمام المنسك يقولون: شوال وذو القعدة وذو الحجة.
فيقع بعض الأحيان لبس، حتى إن بعض طلاب العلم قد يستغرب يقول: كيف يقولون إنها شوال وذو القعدة وذو الحجة كاملة؟ وكيف يُقال إنها شوال وذو القعدة وعشرٌ من ذي الحجة؟ فوجهها أنه تارةً يُؤقَّت الحج ابتداء، وتارةً يؤقَّت الحج انتهاءً.
وفائدة الخلاف فيمن أَخَّر طواف الإفاضة؛ لأن بعض العلماء يرى أنك إذا قلت: عشر من ذي الحجة تأقِيتاً، أنه يلزم أنه لو طاف طواف الإفاضة في اليوم الأول من أيام التشريق لزمه دم؛ لأنهم يرون أنه لا بد من إيقاعه في يوم النحر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أَوقَعه في يوم النحر، وحينئذٍ يرونه تأقِيتاً وإلزاماً بيوم النحر .
الأسئلة
حكم من أحرم بعد الميقات ثم عاد إلى الميقات وأحرم
السؤال
من أحرم دون الميقات ثم عاد إلى الميقات فماذا يفعل؟
الجواب
باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصبحه ومن والاه.
أما بعد: من أحرم دون الميقات ثم رجع إلى الميقات وأحرم وجدَّد النية للعلماء فيه قولان: القول الأول: أنه لا يسقط عنه الدم وأن إحرامه انعقد من دون الميقات، وحينئذٍ لا يفيده الرجوع شيئاً، ولا يُسقِط عنه الدم سواءً كان ناسياً أو متعمداً.
فلو نَسي وبعد أن جاوز الميقات تذكَّر فأَحرَم ثم رَجَع، أو قَصَد أن يجاوز الميقات فأَحرَم مُجَاوزاً للميقات، ففي كلتا الحالتين يلزمه الدم رجع أو لم يرجع، وهذا هو الصحيح؛ لأنه نوى وقد لزمه الإحرام بالنية؛ لأنه إذا لبَّى ونوى فقد دخل في النسك إجماعاً، فحينئذٍ يكون رجوعه بعد انعقاد الإحرام، وانعقاد الإحرام كان بعد الميقات، وبناءً على ذلك يلزمه الدم، ولا يفيده الرجوع شيئاً؛ لأنه لا يرفع الثابت، بدليل أنهم حكموا بكونه محرماً، والإحرام منعقد بالموضع الذي أحرم منه من دون الميقات.
فبالإجماع أنه لو مضى لوجهه صح إحرامه، إذاً معنى ذلك أن الإحرام قد انعقد وأن الرجوع لا يغني شيئاً، وإذا كان الإحرام منعقداً فالإخلال موجود، فيكون رجوعه لما بعد ذلك لا يرفع الثابت والباقي، فلزِمه الدم من هذا الوجه.
وقال بعض العلماء: إذا رجع ملبياً سَقَط عنه الدم، وهذا القول لبعض أصحاب الإمام أبي حنيفة وهو قول مرجوح، والصحيح أن الدم لا يَسقط بأي حال ما دام أنه قد أحرم ونوى، سواءً رجع أو لم يرجع، وهو أصح أقوال العلماء.
والله تعالى أعلم.
سبب إعمال المسامتة في المواقيت المكانية
السؤال
أشكل عليَّ أن المواقيت أماكن خصَّصها الشرع ولكننا نُعمِل المسامته، فهل المسامته من باب القياس؟
الجواب
القياس حجة، والشرع اعتَبَر القياس، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما سأَلته المرأة أن تحج عن أمها قال: ( أرأيتِ لو كان على أُمِّكِ دين أكنتِ قاضيته؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحق أن يقضى ).
فجاء رجل فقال: ( يا رسول الله! إن امرأتي ولدت غلاماً أسود، قال: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: ما ألوانها؟ قال: حُمُر، قال: هل فيها من أورق؟ قال: إن فيها لورقاً، قال: فأنى كان ذلك؟ قال: لعله نزعها عرق، قال: فلعل ابنك هذا نزعه عرق ) فقاس دفع الشبهة لإسقاط القذف على الحيوان، وهذا قياس صحيح.
كذلك لما قال عليه الصلاة والسلام: ( أرأيت لو وَضعها في الحرام أكان عليه ورز )، فهذا يدل على القياس.
فالشاهد أن الشَّرع يعتبر القياس حجة، والرجل هنا في منطقة لا يستطيع أن يمر فيها بذي الحليفة، ولكنه يُسامِت ذا الحليفة تماماً، فحينئذٍ نقول: حكمه حكم من مرّ بذي الحليفة يَعتَبِر المسافة التي تسامت.
ألسنا نقول: إنه إذا ركب الطائرة وركب السيارة أنه بمجرد المحاذاة يلبِّي؟ فالمحاذاة كالمسامته لا يوجد فرق ما دام أنه في نفس الجهة، فكأن الشرع قصد أن لا يمر من هذه الجهة إلا وقد أَحرَم، فيكون العبرة بالسمت والجهة، وحينئذٍ نقول بالسمت لأن الشرع يشهد له.
وهذا نظر صحيح وقياس صحيح، فتصوَّر الآن لو أن الشَّرع أَراد أَن يُحدد المواقيت فهو -بالقسمة العقلية والفرض العقلي كتشريع- بين أمرين.
مثلاً: بالنسبة للمدينة ميقاتها ذو الحليفة، وهي تبعد عن مكة عشر مراحل لعشرة أيام، فبالنسبة للأربعمائة كيلو التي بين مكة وذي الحليفة، فهو فيها بين أمرين: إما أن يحدد جهة المدينة ثم يذكر ما يسامت جهة المدينة من القرى والمنازل، فيأتي النص من النبي صلى الله عليه وسلم يُعدِّد هذه القرى والمنازل ويقول: المواقيت ذو الحليفة وكذا وكذا وكذا وكذا، حتى يذكر جميع القرى التي تسامتها.
الطريق الثانية أن يقول: يلزم هؤلاء الذين يأتون من الجهات البعيدة أن يذهبوا ويتحولوا إلى المدينة، وحينئذٍ كأنه يقول: لا يصح إحرام لأهل المدينة ومن كان بجوارهم أو من سامتهم إلا من ذي الحليفة، والنص لم يأت بهذه الصفة، بل وَقَّتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، وسَكَتَ عن غيرهم حتى يَجتَهِد العلماء فيثابوا على اجتهادهم، فنزَّلوا غير المنصوص عليه على المنصوص عليه، وأَلَحَقوا المسكُوت عنه بالمنطوق به، ورأَوا أن الشَّرع نبَّه بهذا على هذا، وحينئذٍ يكون الحُكم واحداً، وتطمئن النفس إلى أنهم يأخذون حكم أهل المدينة.
وبناءً عليه فإننا نقول: مَن سَامَت المدينة يَعْتَبِر سَمْتَ ذي الحليفة إذا كان في الطريق على السَّمْت.
لكن لو كان في جهة غير جهة المدينة، مثلاً: المدينة واقعة شمال مكة، فهو في شمالٍ منحرف إلى الشرق -شمال شرق- ولكنه لا يمر بميقات المشرق؛ فحينئذٍ نقول له: أنت بين أمرين، إما أن يكون تدخل على محاذاة سمت المدينة فتُحِرم عند دخول الطريق، مثل الذين هم في شرق الخط السريع (خط المدينة) كالمَهْد فنقول: لا يلزمك الإحرام ما لم تدخل في الخط حتى تكون بسمت أهل المدينة فيلزمك حينئذٍ أن تُحرِم بدخولك، لقوله عليه الصلاة والسلام: ( فمن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ ).
أما إذا كان على نفس السمت كاليتمة ووادي الفُرْع ونحوها، فقد بيَّنا حكمه وأنه يحرم من موضعه، والله تعالى أعلم.
ميقات أهل الطائف
السؤال
هل ميقات وادي مَحْرَم مسامت لقرن المنازل؟ وأهل الطائف بالخيار بأن يحرموا من قرن المنازل أو وادي مَحْرَم؟
الجواب
نعم هم يقولون أنه بالمحاذاة، خاصة بالمراحل على التقدير القديم أن المرحلة مسيرة يوم وليلة، وفي حكم بُعْد قرن المنازل وذات عرق عن مكة، وهؤلاء يعتبرون بالسمت والمحاذاة، فإن شاءُوا أحرموا من وادِي مَحْرَم وإن شاءوا أحرموا من السيل، ولكنهم إن أحرموا من وادي مَحْرَم فإنه ينعقد إحرامهم ويصح.
والله تعالى أعلم.
حكم تجديد الإحرام عند الميقات لمن أحرم قبل الميقات
السؤال
ذكرتم أن من أَحرم قبل الميقات فإنه يجدد إذا مر بالميقات، فهل التجديد واجب؟
الجواب
التجديد لازم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقَّت، وهذا التأقيت على سبيل التحديد، وفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ( خذوا عني مناسككم )، فأقته وحدده، ولا يصح أن يمر بالميقات دون أن يجدد نيته بالإحرام بالعمرة والحج أو بهما معاً، والله تعالى أعلم.
ميقات من خرج إلى الطائف بعد أن نوى الحج في مكة
السؤال
رجل نَوَى الحج من مكة ثم خرج إلى الطائف لزيارة أهله ثم أحرم من ميقات أهل الطائف ماذا عن هذا الإحرام؟
الجواب
أن المكي إذا نوى الحج ثم انطلق إلى الطائف فيجب عليه أن يحرم من ميقات أهل الطائف، والسبب في ذلك أنه يتمحَّض سفره الثاني للنسك وقد مر بالطائف فأخذ حكم أهلها، فيلزمه حينئذٍ أن يحرم من ميقات أهلها، وهكذا لو خرج إلى المدينة أو إلى جدة، فإنه يلزمه أن يُحرِم من ميقات المدينة أو أن يحرم من جدة؛ لأنه لا يصح منه أن يدخل إلى مكة بعد هذه النية إلا وقد أَحْرَم بالنسك الذي أراده.
والله تعالى أعلم.
حكم من أحرم من الميقات ثم رجع إلى دون الميقات لعذر
السؤال
هذا سائل يعرض مسألةً وقعت له: وهو أنه قَدِم من القصيم بالطائرة وأحرم فيها لما حاذى الميقات، لكن الطائرة لم تستطع الهبوط في جدة نظراً للأحوال الجوية وهبطت في المدينة، فماذا يفعل؟
الجواب
من أحرم ثم رجع إلى دون المواقيت فلا يزال مُحْرِماً وحينئذٍ يبقى بإحرامه، وإذا رجع إلى مكة يرجع بالإحرام الأول ولا يلزمه إحرام ثانٍ، ولذلك قلنا: إن من أحرم دون المواقيت ورجع ثانية لم يسقط عنه الدم، وهكذا الحال بالنسبة لمن أحرم فطرأ عليه العذر فرجع، فإنه لا يزال متلبساً بالإحرام الأول.
أما الدليل على كونه لا يزال متلبساً فظاهر قوله سبحانه: { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } [البقرة:196]، ووجه الدلالة من هذه الآية الكريمة أنه لما مر بالميقات في السفر الأول ونوى انعقدت نيته وصحت وثبتت، فتوجه عليه خطاب الشرع أن يُتِم هذا الحج ويتم هذه العمرة لله، فحينئذٍ لا تدخل عمرة ثانية ولا تدخل حجة ثانية، أي: لا تدخل نية عمرة وحجة ثانية فوق النية الأولى، بل يبقى بإحرامه الأول، ورجوعه إلى دون المواقيت لا يضرُّه بشيء.
والله تعالى أعلم.
ميقات من نوى أن يحج عن غيره نافلة
السؤال
هل يلزم من حج عن غيره نافلة أن يرجع من حيث فُرِض عليه الحج، أم يختص ذلك بالحج في الفريضة؟
الجواب
يختص ذلك بحج الفريضة أما بالنسبة للنافلة فإنه من حيث أنشأ، والسبب في ذلك أنه إذا نوى أن يحج عنه نافلة فمن حيث أنشأ نيتَه، فأصبحت النية بالنسك ناشئة بخلاف النية المستقرة في الذمة، فإنه إذا مات وقد قصَّر في حجه من المدينة فقد توجه عليه خطاب الشرع أن يحج من المدينة، وحينئذٍ يلزم من حج عنه أن يحج من ميقات المدينة ولا ينتقل إلى ما دون ذلك.
والله تعالى أعلم.
المعتبر في محرم المرأة في السفر
السؤال
ما مقدار السن المعتبر في المحرم حتى يصح للمرأة أن تسافر معه؟
الجواب
العبرة في المحرم في السفر أن يكون قوياً على الدفع، أما إذا كان عاجزاً ومن الحُطَمة الذين لا يدفعون فهذا يُفَوِّت مقصود الشرع، فمثلاً لو كان مشلولاً فمثل هذا بعض العلماء يعتبره محرماً للسفر لكنه يُفَوِّت مقصود الشرع، قالوا: فلو سافرت بصبي صغير لا يَدْفَع فإنه لا يُعتَبر محرماً موجباً لحل السفر، والسبب في ذلك أن مقصود الشرع من وجود المحرم أن يدفع عنها، فإذا كان صغير السِّن وهو الذي دون البلوغ فإن وجوده وعدمه على حد سواء.
ولا بد أن يكون المحرم من الرجال، ويكون قادراً على الدفع، بحيث لو طرأ على المرأة من يؤذيها أو يتعرض لها، أو تعبت المرأة واحتاجت إلى معونته أو أن يحفظها؛ فإنه يكون جلداً قوياً على ذلك أما إذا كان مشلولاً أو كان صغيراً فهذا وجوده وعدمه على حد سواء، ولا بد من وجود المحرم الذي يدفع، وعليه فالصغير لا يجزئ بالحج والنسك إذا لم تجد غيره ولا بد أن يكون المحرم بالغاً قادراً على الدفع عنها؛ لأن مقصود الشرع هو حصول دفع الضرر عن المرأة.
والله تعالى أعلم.
حكم كون المرأة محرماً للمرأة في السفر للحج
السؤال
ما حكم سفر العمة مع ابن أخيها وأن تصطحب معها بناتها، فهل تعتبر الأم بمثابة المحرم لبناتها وذلك في رفع الحرج ومشروعية السفر، ومثل ذلك سفر الزوجة مع زوجها بصحبة أختها ونحو ذلك؟
الجواب
نعم الأم تكون محرماً لبناتها إذا انقلبت ذكراً ورجلاً! كيف ندخل هذا في هذا؟! فالمحرم لا يكون إلا رجلاً فهذا من غرائب ما يكون عند بعض العامة، يقولون: يسافر مع عمته ومعها بناتها، فالأم محرم لبناتها وهو محرم للعمة، وهذا لا شك أنه من غرائب ما يكون من الفقه، ولم يقل أحد بهذا؛ لأن المرأة لا تكون محرماً للمرأة، المراد وجود الرجل: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا ومعها ذو محرم )، ما قال (ذات)، فإذا انقلبت الأم ذكراً فنعم.
أما ما ذكره السائل فلا يقول به أحد، ولا يعتد به أحد، وقد انتشر عند بعض الناس اليوم أن المرأة للمرأة محرم، تسافر الزوجة ومعها أختها أو بنت أختها، فالزوجة محرم أختها أو بنت أختها، والزوج محرم للزوجة، على هذا يصح أن تسافر مائة امرأة وكل امرأة معها امرأة محرم، يعني يجوز لها أن تنكشف عليها وتصافحها وتكون معها، ثم يسافرون بذكر واحد محرم لواحدة، وتكون بقية النساء كل واحدة محرم لمن معها، هذا ما يقول به أحد.
وعلى العموم فلا بد من وجود الذكر، الرجل مَحْرَم لعمته وأما بنات العمة فأجانب، ولا يصح سفرهن مع أمهن إلا بوجود أخ أو بوجود محرم منهن.
والله تعالى أعلم.
حكم من اعتمرت ونسيت التقصير وهي متزوجة
السؤال
امرأة اعتمرت ونسيت أن تُقَصِّر ولم تذكر إلا بعد أسبوعين وهي متزوجة، فماذا تفعل؟
الجواب
من أحرم بالعمرة أو الحج ولم يتحلل ونسي أن يُقَصِّر ففي العمرة لا يزال متلبساً بمحظورات الإحرام حتى يتحلل كما سَنَّ الله عز وجل وشرع، فإذا تركت المرأة التحلل ناسية ثم أصابت المحظورات تفرع الحكم على الوقوع في المحظورات نسياناً، فما كان منها لا ينجبر كقص الأظافر وقص الشعر ونحو ذلك فهذا تلزم فيه فدية، وما كان منها منجبراً كالطيب يُغسل ويُزال فحينئذٍ يسقط بالنسيان على القول بأن النسيان يُنَزَّل منزلة الجهل لحديث الجعرانة.
فعلى هذا لو جامعها زوجها فسَدَت عمرتها، وتُقَصِّر حتى تخرج من العمرة الأولى وتتحلل؛ لأن العمرة الفاسدة تُتَم؛ لأنه إذا وقع الجماع قبل التقصير فإنه يُفْسِد العمرة، ويدخل في ذلك أن تكون ناسية له أو متعمدة له، لأنها لا تتحلل من نُسُكها الذي دخلت فيه إلا بتقصير، وحينئذٍ كونها طافت وسعت لا يُخرِجها من الحرمة التي هي فيها، فإن وقعت إصابة زوجها لها قبل أن تُقَصِّر فإنها حكمها حكم من جامع أهله قبل أن يتحلل من العمرة، فتُتِم العمرة الأولى بالتحلل منها، وقد أجمع العلماء على أن فاسِد الحج والعمرة يُتَم، لظاهر قوله تعالى: { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } [البقرة:196]، فُتتم هذه العمرة الفاسدة إن جامعها زوجها، ثم تأتي بعمرة بدلاً عن هذه العمرة، ويلزمها الدم جبراناً لوطئ زوجها لها.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد.