عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 04-10-2022, 09:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,970
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى

سورة النحل

من صــ 650 الى صـ 661
الحلقة (103)


سورة النحل
109 - قال الله تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج الترمذي والنَّسَائِي عن أبي بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لما كان يوم أحد أُصيب من الأنصار أربعة وستون رجلاً، ومن المهاجرين ستة منهم حمزة فمثَّلوا بهم، فقالت الأنصار لئن أصبنا منهم يوماً مثل هذا لنُربينَّ عليهم، قال: فلما كان يوم فتح مكة، فأنزل اللَّه تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) فقال رجل: لا قريش بعد اليوم فقال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كفوا عن القوم إلا أربعة).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة، وقد أورد ابن العربي الحديث بنصه، وجمهور المفسرين بألفاظ مقاربة.
قال الطبري: (يقول تعالى ذكره للمؤمنين: وإن عاقبتم أيها المؤمنون من ظلمكم واعتدى عليكم فعاقبوه بمثل الذي نالكم به ظالمكم من العقوبة، ولئن صبرتم عن عقوبته، واحتسبتم عند اللَّه ما نالكم به من الظلم ووكلتم أمره إليه حتى يكون هو المتولي عقوبته لهو خير للصابرين. وقد اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية فقال بعضهم: نزلت من أجل أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه أقسموا حين فعل المشركون يوم أُحد ما فعلوا بقتلى المسلمين من التمثيل بهم أن يجاوزوا فعلهم في المُثلة بهم إن رزقوا الظفر عليهم يومًا فنهاهم الله عن ذلك بهذه الآية، وأمرهم أن يقتصروا في التمثيل بهم إن هم ظفروا على مثل الذي كان منهم) اهـ بتصرف يسير.
وقال البغوي: (هذه الآيات نزلت بالمدينة في شهداء أحد) اهـ ثم ساق الحديث.
وقال ابن عطية: (أطبق أهل التفسير أن هذه الآية مدنية نزلت في شأن التمثيل بحمزة في يوم أحد ... ثم ذكر الحديث) اهـ.
وقال الشنقيطي: (نزلت هذه الآية الكريمة من سورة النحل بالمدينة في تمثيل المشركين بحمزة ومن قتل معه يوم أحد، فقال المسلمون: لئن أظفرنا الله بهم لنمثلن بهم فنزلت الآية الكريمة فصبروا لقوله تعالى: (لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) مع أن سورة النحل مكية إلا هذه الآيات الثلاث من آخرها) اهـ.
وقال ابن عاشور: (ويجوز أن تكون نزلت في قصة التمثيل بحمزة يوم أحد وهو مروي بحديث ضعيف للطبراني، ولعله اشتبه على الرواة تذكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الآية حين توعد المشركين بأن يمثل بسبعين منهم إن أظفره الله بهم) اهـ.
هذه أقوال المفسرين في سبب نزول الآية الكريمة وإن الناظر في سياق الآيات يجد المطابقة تامة بينه وبين الحديث، إلا أن المفسرين ذكروا أن الآية نزلت في المدينة، وحديث أُبي أنها نزلت في فتح مكة: ولا ريب أن هذا خطأٌ؛ إذ كيف تكون المثلة في أحد ويقول المسلمون مقالتهم. ولا تنزل الآية إلا في يوم فتح مكة.
والحق أني متردد فإذا نظرت إلى المطابقة بين سياق الآية ولفظ الحديث مع احتجاج كثير من المفسرين بالحديث على السببية أجد نفسي تميل إلى القول بالسببية.
وإذا نظرت إلى إسناد الحديث وما فيه من الكلام، مع ما في متنه من عدم الضبط أجد الكفة تميل بي عن القول بالسببية.
ولقائل أن يقول: إن وجود أحاديث في هذا الشأن مع عدد من الآثار عن السلف يدل على أن للحديث أصلاً، وإن كان الذي بين يديك فيه من الضعف ما فيه، والحديث إذا كان ضعيفًا واقترنت به بعض المرجحات يرقى إلى مرتبة القبول والاحتجاج وبهذا يجتمع القولان ويرتفع الإشكال.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور وإن كان فيه ضعف فإنه صالح للسببية بسبب الآثار التي تعضده، مع موافقة السياق القرآني، واحتجاج المفسرين به واللَّه أعلم.
* * * * *
سورة الإسراء
110 - قال الله تعالى: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)

* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج مسلم والبخاري والنَّسَائِي عن عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) قال: نزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرًا من الجن، فأسلم الجنيُّون، والإنس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون فنزلت: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة، وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسيرها منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والشنقيطي قال الطبري: (وأولى الأقوال بتأويل الآية قول عبد اللَّه بن مسعود الذي رويناه عن أبي معمر عنه، وذلك أن اللَّه تعالى ذكره أخبر عن الذين يدعوهم المشركون آلهةً أنهم يبتغون إلى ربهم الوسيلة في عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومعلوم أن عزيراً لم يكن موجوداً على عهد نبينا - عليه الصلاة والسلام -، فيبتغي إلى ربه الوسيلة، وأن عيسى قد كان رفع وإِنَّمَا يبتغي إلى ربه الوسيلة من كان موجوداً حياً يعمل بطاعة الله، ويتقرب إليه بالصالح من الأعمال) اهـ.
وقال ابن عاشور: (لم أرَ لهذه الآية تفسيراً ينثلج له الصدر، والحيرة بادية على أقوال المفسرين في معناها وانتظام موقعها مع سابقها) اهـ.
قال ابن حجر: (أي استمر الإنس الذين كانوا يعبدون الجن على عبادة الجن، والجن لا يرضون بذلك لكونهم أسلموا، وهم الذين صاروا يبتغون إلى ربهم الوسيلة، إلى أن قال: وهذا هو المعتمد في تفسير هذه الآية) اهـ.
وعندي - واللَّه أعلم - أن حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ليس سبباً لنزول الآية الكريمة وبيان ذلك من وجوه:
الأول أن البخاري قد روى الحديث ومع ذلك فقد خلا لفظه من التصريح بنزول الآية، وفعله هذا يوجب التردد بالقول في السببية لا سيما إذا انضم إلى ذلك غيره.
الثاني: أنه لا يوجد حدث وقع بعينه، أو سؤال عن شيءٍ ما لتنزل الآية بسببه.
الثالث: أن الحديث وسياق الآيات ليس بينهما ائتلاف وموافقة يوجب أن يكون الحديث سبباً لنزول الآية.
فإن قال قائل: ما تقول في قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نزلت في نفر من العرب؟
فالجواب: أن قول ابن مسعود لا يدل ضرورة على السببية، وإنما المراد أن الآية نزلت متحدثة عن أمر مذموم كان موجوداً بين العرب والجن كما تحدث القرآن كثيراً عن أحوال العرب في الجاهلية، ومن ذلك ما حكاه اللَّه في سورة الأنعام وسورة الجن وغيرهما من الأحوال الجاهلية التي كانت بين الإنس والجن.
وأما القول: بأن الآية نزلت فيمن يعبد المسيح وأمه أو عزيراً أو الملائكة فليس في ذلك حديث يعتمد عليه ويحتج به.
* النتيجة:
أن الآية لم تنزل على السبب المذكور، بل حديثها منصب على حال المشركين في عبادتهم غير اللَّه، إذ بلغ من جهلهم في كفرهم، أنهم يعبدون من يعبد اللَّه، والذي دعاني لقول هذا، عدم دلالة الحديث على السببية، مع عدم ارتباطه بسياق الآيات. واللَّه أعلم.
* * * * *

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.33 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.96%)]