عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-10-2022, 09:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,842
الدولة : Egypt
افتراضي من صور الاستبدال في شعر الجواهري

من صور الاستبدال في شعر الجواهري


د. صالح عبدالعظيم الشاعر







إكمالًا لِما سبَق في موضوع "ظاهرة الاستبدال في النحو العربي.. آفاق غير محدودة"، يمكن التمييز في شِعر الجواهري بين عدَّة أنواع من الاستبدال؛ حيث تنوَّعَت صورُه بين صور الاستبدال المألوفة وصور أخرى.

فمن الاستبدال الاسمي النَّمطي قوله في قصيدة (يا غادة الجيك، ويا سحرهم)[1]:
يا غادة الجيك ولم يجتمع
كحسن أهليك لأهلٍ وآلْ
بوهيميا والنَّاس في خطَّةٍ
وأنتِ في أخرى كحربٍ سجالْ


فقوله: (وأنتِ في أخرى) يساوي قوله: (وأنتِ في خطَّة)، ومجيء (أخرى) محل (خطَّة) مساهم في سبْك النصِّ؛ لاختصاره من جهة، ولربط الجملتين والشَّطرين بعضهما ببعض من جهةٍ أخرى.

أمَّا الاستبدال الاسمي غير النَّمطي في شعره، فنَجِد منه هذا البيت الذي يَبدو الاستبدال في ظاهره وكأنَّه إحالة، وهو قوله في (وخزات)[2]:
طيَّارةٌ في بلادي
تكفي لحلِّ المشاكلْ
وحفنةٌ من نُضارٍ
تهدُّ كلَّ الهياكلْ
أصاحبُ الأمرِ يَهْوى
شيئًا ونحن نجادلْ؟
نُريدُ وضعًا جديدًا
لكن بغير مخاضِ
شعبي لهذا وهذا
غنيمةٌ بالتَّراضي


فإتيانه بأسماء الإشارة: (لهذا وهذا) ليس من قبيل الإحالة؛ لعدم وجود مَرْجع لهذه الأسماء مذكورٍ فيما سبَق من النصِّ، ويظهر أنَّ الشاعر كان يَبغي أن يقول: (لفلان وفلان)، ثمَّ توسَّل بالاستبدال إلى التعتيم؛ حرصًا على ألَّا يؤخذ بإشاراته إلى مَن يملك السلطةَ بالخيانة والرِّشوة، لا سيَّما وهو يَعترف ضمنًا بأنَّ كلامه هذا (وخزات).

كما أنَّ من الاستبدال الاسمي غير النمطي قوله في (أحمد شوقي)[3]:
طوى الموتُ ربَّ القوافي الغُرَرْ
وأصبح شوقي رهينَ الحُفَرْ
وأُلقيَ ذاك التراث العظيمُ
لثقْلِ التراب وضغطِ الحَجَرْ
وجئنا نعزِّي به الحاضرينَ
كأنْ لم يكن أمسِ فيمن حضرْ


والحديث هنا عن قوله: (ذاك التراث العظيم)، وإذا استبعدنا اسمَ الإشارة والصِّفة، تبقَّى لنا لفظ (التراث) بديلًا لـ (الشاعر) في المفهوم من اللَّفظ، وطريق الاستبدال هنا الاستِعارة، وقد جاءت وسيلةَ سبكٍ دلاليَّة المقصد وبعيدة الغور؛ ففي مجيئها على هذا النحو إيحاءٌ بصِفة يريد الشاعر إثباتها لمَرثيِّه؛ إذ القضيَّة التي يريد إثباتَها هي (الشاعر أحمد شوقي = التراث).

وإذا انتقلنا إلى الاستِبدال الفعليِّ، وجدنا الجواهري لم يَستعمل مطلقًا الاستبدالَ الفعلي بالصيغة العامَّة (فَعَل) ومشتقَّاتها، وقد أضناني البحث عن موضع واحد لهذا الاستعمال في شِعره، وحتَّى في قوافٍ يُحتمل وجودها فيه لم ترِد مطلقًا، وفي هذا ملمحٌ نصِّي، فهذا الاستبدال مرتبطٌ أكثر بالنصوص النثريَّة، وحتَّى لو وردَت في نصٍّ موزون لكانت صياغته نثريَّة، كما لو قيل: "وأتيت من شوقٍ إليك وليت أنِّي ما فعلت"، فالتعبير (ما فعَلْت) بعيد عن روح الشِّعر، وإذا ورد في شعرٍ ما حُكِم على قائله بالضَّعف، وغير عجيب أن يتجنَّبه الجواهري؛ لطول نفَسه وتنوُّع أسلوبه، وعدم هبوطه إلى مثل هذا الأسلوب.

غير أنَّ في شعره أنماطًا أخرى للاستبدال الفعلي، ومنها ما ورد في (جناية الأماني) من قوله[4]:
جلبتْ لِي الهمَّ والهمُّ عنا
آهِ ما أروحَني لولا المُنى
آهِ ما أخيَبني من غارسٍ
شجرَ الآمالِ لكنْ ما جنى

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.28 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.32%)]