عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-10-2022, 08:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,040
الدولة : Egypt
افتراضي نون النسوة.. النون الثانية: نون الغيرة

نون النسوة.. النون الثانية: نون الغيرة
د. عبدالإله إيت الهنا

إن في قصة إبراهيم عليه السلام ما يشِي بكون الغيرة خلُقًا لا يستثني الأخيار فضلًا عن غيرهم، امرأة صالحة لمَّا تلدْ بعدُ، رُزقت ضرَّتُها المرأة الصالحة ولدًا، فغلبتها الغيرة حتى طلبت من أبي الأنبياء إبعادَها وولدِها.
في ظني - يقول مسعود لصديقه عيَّاد - لقد كانت امرأة حكيمة، ثم استرسل في الكلام دون أن يكلِّف صديقه عناء الاستفهام: وذلك أن غيرةً من هذا القبيل قد تحمل المرأةَ الغَيرى على الظلم والأذى لضرَّتها، فهُديت لهذا؛ حتى تقطع ذلك عن نفسها.

أمَّا عيَّاد فقد زمَّ شفتيه، وهزَّ رأسه قليلًا، ثم أطلق زفرة رفرفت لها أوراق الكتاب أمامه، ثم قال بصوت متهدج: لعلَّه! وصمت.
"عيَّاد" رجل تقتحمه العين، انحسر الشعر في جانبي رأسه، لا يُرى إلا حاملًا كتابًا في يمناه، لا يمتلك سيارة، ولا تظهر عليه نعمة، قد جاوز الخمسين أو يكاد... له زوجتان لم تُريا مجتمعتين قط إلا مرة واحدة، أشبه ما تكون بالمعركة الفاصلة بين جيشين عرمرمين، وقد كان "عيَّاد" هو الضحية؛ حيث تمالأتا عليه وطردتاه وكتابَه من البيت.

لم يجد من ملجأ إلا صديقه القديم الفقيه "مسعودًا"، الرجل الوقور، الذي يخفِّف عنه ألم الحياة كلما نزلت به نازلةٌ من النوازل.
في هذا اليوم قصَّ عليه مسعود قصص الصالحين من الأولين والآخرين، ولكنَّ "عيَّادًا" لا يزيد على القول عند نهاية كل قصة: لعله أو ربما، مطلقًا العنان لزفراته وآهاته، فـ "عيَّاد" لم يجد بعدُ بين كلِّ تلك القصص ما يماثل حاله، ولو أنه استقبل من أمره ما استدبر لكان له رأي آخر غير الرأي الذي صفعه به الفقيه "مسعود" يومَ شكا إليه سوءَ عشرة زوجه الأولى، فأرشده الفقيه إلى التعدُّد مخبرًا إياه بفوائده، زاويًا عنه تبعاته، وغير مراعٍ لحاله وشخصه، فاليوم "مسعود" يقول بلسان حاله: "ما قدو فيل زادوه فيلة" (مثَل مغربي يُضرب لمن كان في ورطة فأضيفت له أخرى).

وظلَّ يردِّد في سرِّه، في خلوته وجلوته، قولَ الشاعر العربي:
تزَوَّجْتُ اثنتينِ لِفَرْطِ جَهْلِي
بِمَا يَشْقَى به زَوجُ اثْنتينِ
فقلتُ أصيرُ بينهما خروفًا
أُنَعَّمُ بين أَكْرَمِ نَعْجَتَيْنِ
فصِرْتُ كَنَعْجَةٍ تُضْحِي وتُمْسِي
تُدَاوَلُ بينَ أَخْبَثِ ذِئْبَتَيْنِ


نهض عيَّاد من قرب صاحبه دون أن ينبس ببنت شفة، تاركًا "مسعودًا" وراءه يحوقل، ثمَّ سار في طريق طويل لا يلوي على شيء، وفجأة سمع صوتًا شجيًّا يصدح مناديًا بالفلاح... دلف عياد مطمئنًّا بعد أن ألقى مجلة سيدتيوراءه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.13 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.50 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.67%)]