عدَّ الشارحُ ألفاظ: (الكشح، والقرب، والخصر) ألفاظًا مترادفة؛ إذ إنها تدلُّ على ما يلي الخاصرة.
ووافَقَه على ذلك الأصمعيُّ، فقال: والقُرْب والكَشْح والحَشَى والصُّقْل والإِطْل والخَصْر واحد[32].
والذي أرجِّحه أن هذه الألفاظ ليست مترادفة؛ لأن كُلًّا منها يدل على مكان معَّين في الإنسان، وذلك كما يلي.
الخَصْر: وَسَطُ الإنسان[33]، وقيل: المستَدِقُّ فوق الوَرِكَين[34].
والقُرْب: مِن لدن الشاكلة[35] إلى مَرَاقِّ البطن[36]، وكذلك مِن لدن الرُّفْغ[37] إلى الإبْط من كل جانب[38].
والكشْح: ما بين الخاصرة إلى الضلَع الخلْف، وهو مِن لدن السرة إلى المتن[39].
وعلى ذلك: فكل واحد من هذه الألفاظ الثلاثة له دلالته الخاصة به.
وأرجِّح أن الذي سوَّغ القولَ بترادُفها، هو المجاز المرسل، بعلاقة المجاورة المكانية.
رابعًا: اختلاف لهجات العرب:
قد يَحدُث أن تستعمل قبيلةٌ لفظًا في معنى، ثم تستعمل قبيلةٌ أخرى لفظًا آخر للمعنى نفسِه، وقد تستعمل ثالثةٌ لفظًا ثالثًا للمعنى ذاتِه، فتتعدَّد الألفاظُ والمعنى واحد، فينشأ الترادف.
قال السيوطي: قال أهل الأصول: لوقوع الألفاظ المترادفة سَبَبانِ:
أحدُهما: أن يكون مِن وَاضِعَيْنِ، وهو الأكثرُ، بأن تضَع إحدى القبيلتين أحدَ الاسمين، والأخرى الاسمَ الآخر للمُسَمَّى الواحد، مِن غير أن تشعُر إحداهما بالأخرى، ثم يشتهر الوضعانِ، ويخفى الواضعان، أو يلتبس وضْع أحدهما بوضع الآخر...[40].
والمَلاحِظ الموضِّحة لهذا السبب كما يأتي:
• قال أبو عبيد في حديثه صلى الله عليه وسلم: (أنه نهَى عن المُخَاضَرة)[41]:
إنها نهيٌ عن أن يُباع الثمار قبلَ أن يبدو صلاحُها وهي خضْر بَعْدُ...، وهذا مثْل حديثِه؛ أنه نهى عن بيع الثمر قبل أن يَزهُو، وزَهْوُه: أن يَحْمَرَّ أو يَصْفَرَّ.
قال أبو عبيد: وفي حديث آخَر: أنه نهى عن بيعه قبل أن يُشَقِّح، والتَّشْقِيح: هو الزهو أيضا[42].
بيَّن الشارحُ الترادفَ بين لفظَيِ (التشقيح، والزهو).
وهذا الترادف واقعٌ بسبب اختلاف اللهجات، الذي أدَّى إلى تعدُّد الألفاظ على الرغم مِن وحدة المعنى.
قال الأزهري: أبو عبيد عن الأصمعي، قال: إذا تغيَّرت البُسْرَة إلى الحُمْرة؛ قيل: هذه شَقْحَة، وقد أشْقَح النَّخْل، قال: وهي في لغة الحجاز: الزهو[43].
وأما مفهوم اللفظين فواحد، وهو إذا ظهرَت الحُمْرة أو الصُّفرة في البُسْر.
قال ابن فارس: الزهو: هو احمرارُ ثمرِ النخلِ واصفِرارُه[44].
وعلى ذلك: فإن اختلاف لغات العرب يفسِّر وقوعَ هذا الترادُف، فعلى الرغم مِن وحدة المفهوم، فقد اختلَف اللفظانِ الدالَّان عليه لدى أهل الحجاز وغيرهم، مما أدى إلى وقوع الترادف.
[1] مِن المنكِرين لهذه الظاهرة: محمد بن زياد الأعرابي، وثعلب، وابن درستويه، والفارسي، وابن فارس، والعسكري من القدماء. ومن المحدثين: الأستاذ/ حفني ناصف، ود. عائشة عبد الرحمن. ومِن المؤيِّدين: ابن جنِّي، وابن خالويه. ومن المتوسِّطين: الرازي. وكثيرٌ مِن المحْدثين مِن أمثال: د. أنيس، وكمال بشر، وغيرهم كثيرون. يُنظر في تفصيل ذلك على سبيل المثال: المزهر (1/ 402) وما بعدها، ودور الكلمة في اللغة (ص116) وما بعدها، وفصول في فقه العربية (ص310) وما بعدها، ودراسات في فقه اللغة (ص290) وما بعدها.
[2] الكلمة (ص132).
[3] في علم الدلالة (ص220).
[4] دور الكلمة في اللغة (ص109) وما بعدها، وفصول في فِقه العربية (ص309).
[5] ينظر: الكلمة (133)، وعلم الدلالة (ص220).
[6] المصدران السابقان، الصفحة نفسها.
[7] الدراسات اللغوية والنحوية في مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية (ص263، 264). د. هادي أحمد فرحان السجيري. دار البشائر الإسلامية. ط:1 – 1422هـ - 2001م.
[8] ينظر في تفصيل هذه الأسباب: فِقه اللغة د. وافي (134) وما بعدها نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع. ط: 2 – 2000م، وفى اللهجات العربية د. أنيس (181) وما بعدها مكتبة الأنجلو المصرية. القاهرة. ط: 9 – 1995م، وفصول في فقه العربية (316) وما بعدها، وعلم اللغة لأستاذنا د. هلال (298) وما بعدها، والفروق اللغوية وأثرها في القرآن الكريم د. محمد بن عبد الرحمن بن صالح الشايع (60) وما بعدها مكتبة العبيكان. ط: 1 - 1414هـ 1993م.
[9] عِلم الدلالة د. أحمد عمر (220).
[10] البخاري (كتاب الوضوء - باب السواك) (1/ 96)، ومسلم (كتاب الطهارة – باب الوضوء) (1/ 220).
[11] غريب أبى عبيد (1/ 328) وما بعدها.
[12] الجمهرة (ش ص و) (3/ 56).
[13] المقاييس ( شوص) (3/ 227).
[14] السابق (موص) (5/ 285).
[15] ( شوص) (5/ 228).
[16] (موص) (8/ 402).
[17] عِلم الدلالة (ص220،221).
[18] في عِلم الدلالة (ص263).
[19] دور الكلمة في اللغة (ص109).
[20] في عِلم الدلالة (ص264).
[21] يُنظر: فصول في فِقه العربية (ص319)، وعِلم اللغة لأستاذنا د. عبد الغفار هلال (ص229)، وعِلم الدلالة د. فريد حيدر (ص135).
[22] في اللهجات العربية (ص179).
[23] ابن أبى شيبة (كتاب الصلوات - في الرجل رفع بصره إلى السماء في الصلاة) (2/ 48)، والفائق (3/ 331)، والنهاية (4/ 271).
[24] غريب أبى عبيد (5/ 69، 70).
[25] النوادر (ص78).
[26] المخصص (5/ 73).
[27] كتاب الإبدال (ص79)، والقلب والإبدال (ص19).
[28] المحكم والمحيط الأعظم: (م ق ع) (1/ 257).
[29] يُنظر: أصوات اللغة العربية لأستاذنا د. عبد الغفار هلال (ص172) مطبعة الجبلاوى. ط2. 1408هـ - 1988م، والمختصر في أصوات اللغة العربية (ص135، 136).
[30] المسند (3/ 402)، والدارمي (كتاب الزكاة - باب الصدقة على القرابة) (1/ 487)، وابن خزيمة (كتاب الزكاة -فضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح) (4/ 78).
[31] غريب ابن قتيبة (1/ 344).
[32] كتاب خلق الإنسان (ص213) ضمن الكنز اللغوي.
[33] اللسان (خصر) (3/ 108).
[34] التاج (خ ص ر) (11/ 170).
[35] الشاكلة: الخاصرة. اللسان (شكل) (5/ 171).
[36] المراقُّ: ما رقَّ من أسفل البطن ولان. اللسان (مرق) (8/ 264).
[37] الرُّفْغ: أصولُ الفخذين من باطن. اللسان (رفغ) (4/ 199).
[38] اللسان (قرب) (7/ 291)، والتاج (ق ر ب) (4/ 9، 10).
[39] اللسان (كشح) (7/ 668)، والتاج (ك ش ح) (7/ 75).
[40] المزهر (1/ 405، 406).
[41] البخاري (كتاب البيوع - باب بيع المخاضرة) (2/ 768)، والنسائي (كتاب المزارعة - في النهى عن كراء الأرض بالثلث والربع (7/ 38)، والمستدرك (2/ 66).
[42] غريب أبى عبيد (1/ 290، 291).
[43] التهذيب (شقح) (4/ 16)، واللسان (شقح) (5/ 153)، والتاج (ش ق ح) (6/ 506)، ولغة قريش (ص324) لمختار سيدي الغوث. النادي الأدبي بالرياض ط: 1 - 1412هـ - 1992م.
[44] المقاييس (زهو) (3/ 29، 30).