عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 26-09-2022, 01:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (171)
صــــــــــ 187 الى صـــــــــــ193





[ ص: 187 ] مسألة إعطاء الجزية بعدما يؤسرون .

( قال الشافعي ) وإذا أسر الإمام قوما من أهل الكتاب وحوى نساءهم وذراريهم وأولادهم فسألوه تخليتهم وذراريهم ونساءهم على إعطاء الجزية لم يكن ذلك له في نسائهم ، ولا أولادهم ، ولا ما غلب من ذراريهم وأموالهم ، وإذا سألوه إعطاء الجزية في هذا الوقت لم يقبل ذلك منهم ; لأنهم صاروا غنيمة ، أو فيئا وكان له القتل والمن والفداء كما كان ذلك له في أحرار رجالهم البالغين خاصة ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد من وفادى وقتل أسرى الرجال وأذن الله عز وجل بالمن والفداء فيهم فقال : { فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء } .

( قال الشافعي ) ولو كان أسر أكثر الرجال وحوى أكثر النساء والذراري والأموال وبقيت منهم بقية لم يصل إلى أسرهم بامتناع في موضع ، أو هرب كان له وعليه أن يعطي الممتنعين أحد الجزية والأمان على أموالهم ونسائهم إن لم يكن أحرز من ذلك شيئا فإن أعطاهم ذلك مطلقا فكان قد أحرز من ذلك شيئا لم يكن له الوفاء به وكان عليه أن يقسم ما أحرز لهم وخيرهم بين أن يعطوا الجزية عن أنفسهم وما لم يحرز لهم أو ينبذ إليهم .
ولو جاء الإمام رسل بعض أهل الحرب فأجابهم إلى أمان من جاءوا عنده من بلد كذا وكذا على أخذ الجزية وخالف الرسل من غزا من المسلمين فافتتحوها وحووا بلادهم نظر فإن كان الأمان كان لهم قبل الفتح وقبل أن يحووا البلاد خلى سبيلهم وكانت لهم الذمة على ما أعطوا ، ولو أعطوا ذمة منتقصة خلى سبيلهم ونبذ إليهم ، وإن كان سباؤهم والغلبة على بلادهم كان قبل إعطاء الإمام إياهم ما أعطاهم مضى عليهم السباء وبطل ما أعطى الإمام ; لأنه أعطى الأمان من كان رقيقا وما له غنيمة ، أو فيئا كما لو أعطى قوما حووا أن يرد إليهم أموالهم لم يكن ذلك له .
مسألة إعطاء الجزية على سكنى بلد ودخوله .

( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { إنما المشركون نجس } الآية قال فسمعت بعض أهل العلم يقول المسجد الحرام الحرم .

( قال الشافعي ) وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا ينبغي لمسلم أن يؤدي الخراج ، ولا لمشرك أن يدخل الحرم } قال : وسمعت عددا من أهل العلم بالمغازي يروون أنه كان في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم { لا يجتمع مسلم ومشرك في الحرم بعد عامهم هذا } فإن سأل أحد ممن تؤخذ منه الجزية أن يعطيها ويجري عليه الحكم على أن يترك يدخل الحرم بحال فليس للإمام أن يقبل منه على ذلك شيئا ، ولا أن يدع مشركا يطأ الحرم بحال من الحالات طبيبا كان أو صانعا بنيانا ، أو غيره لتحريم الله عز وجل دخول المشركين المسجد الحرام وبعده تحريم رسوله ذلك وإن سأل من تؤخذ منه الجزية أن يعطيها ويجري عليه الحكم على أن يسكن الحجاز لم يكن ذلك له والحجاز مكة والمدينة واليمامة ومخالفيها كلها ; لأن تركهم بسكنى الحجاز منسوخ ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم استثنى على أهل خيبر حين عاملهم فقال : { أقركم ما أقركم الله } ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجلائهم من الحجاز ، ولا يجوز صلح ذمي على أن يسكن الحجاز بحال .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وأحب إلي أن لا يدخل الحجاز مشرك بحال لما وصفت من أمر النبي صلى الله عليه وسلم .
قال : ولا يبين لي أن يحرم أن يمر ذمي بالحجاز مارا لا يقيم ببلد منها أكثر من ثلاث ليال وذلك مقام مسافر ; لأنه قد يحتمل أمر النبي [ ص: 188 ] صلى الله عليه وسلم بإجلائهم عنها أن لا يسكنوها ويحتمل لو ثبت عنه { لا يبقين دينان بأرض العرب } لا يبقين دينان مقيمان ، ولولا أن عمر ولى الخراج أهل الذمة لما ثبت عنده من أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم محتمل ما رأى عمر من أن أجل من قدم من أهل الذمة تاجرا ثلاث لا يقيم فيها بعد ذلك لرأيت أن لا يصالحوا بدخولها بكل حال .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولا يتخذ ذمي شيئا من الحجاز دارا ، ولا يصالح على دخولها إلا مجتازا إن صولح أخبرنا يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإذا أذن لهم أن يدخلوا الحجاز فذهب لهم بها مال ، أو عرض بها شغل قيل لهم : وكلوا بها من شئتم من المسلمين وأخرجوا ، ولا يقيمون بها أكثر من ثلاث ، وأما مكة فلا يدخل الحرم أحد منهم بحال أبدا كان لهم بها مال ، أو لم يكن ، وإن غفل عن رجل منهم فدخلها فمرض أخرج مريضا ، أو مات أخرج ميتا ، ولم يدفن بها وإن مات منهم ميت بغير مكة دفن حيث يموت ، أو مرض فكان لا يطيق أن يحمل إلا بتلف عليه ، أو زيادة في مرضه ترك حتى يطيق الحمل ثم يحمل قال ، وإن صالح الإمام أحدا من أهل الذمة على شيء يأخذه في السنة منهم مما قلت لا يجوز الصلح عليه على أن يدفعوا إليه شيئا فيقبض ما حل عليهم فلا يرد منه شيئا ; لأنه قد وفى له بما كان بينه وبينه ، وإن علم بعد مضي نصف السنة نبذه إليهم مكانه وأعلم أن صلحهم لا يجوز وقال : إن رضيتم صلحا يجوز جددته لكم ، وإن لم ترضوه أخذت منكم ما وجب عليكم ، وهو نصف ما صالحتكم عليه في السنة ; لأنه قد تم لكم ونبذت إليكم ، وإن كانوا صالحوا على أن سلفوه شيئا لسنتين رد عليهم ما صالحوه عليه إلا قدر ما استحق بمقامهم ونبذ إليهم ، ولم أعلم أحدا أجلى أحدا من أهل الذمة من اليمن وقد كانت بها ذمة وليست بحجاز فلا يجليهم أحد من اليمن ، ولا بأس أن يصالحهم على مقامهم باليمن .

فأما سائر البلدان ما خلا الحجاز فلا بأس أن يصالحوا على المقام بها ، فإذا وقع لذمي حق بالحجاز وكل به ، ولم أحب أن يدخلها بحال ، ولا يدخلها لمنفعة لأهلها ، ولا غير ذلك من أسباب الدخول كتجارة يعطي منها شيئا ، ولا كراء يكريه مسلم ، ولا غيره فإن أمر بإجلائه من موضع ، فقد يمنع من الموضع الذي أجلي منه ، وهذا إذا فعل فليس في النفس منه شيء ، وإذا كان هذا هكذا فلا يتبين أن يمنعوا ركوب بحر الحجاز ويمنعون المقام في سواحله ، وكذلك إن كانت في بحر الحجاز جزائر وجبال تسكن منعوا سكناها ; لأنها من أرض الحجاز ، وإذا دخل الحجاز منهم رجل في هذه الحالة فإن كان تقدم إليه أدب وأخرج ، وإن لم يكن تقدم إليه لم يؤدب وأخرج ، وإن عاد أدب ، وإن مات منهم ميت في هذه الحال بمكة أخرج منها وأخرج من الحرم فدفن في الحل ، ولا يدفن في الحرم بحال ; لأن الله عز وجل قضى أن لا يقرب مشرك المسجد الحرام ، ولو أنتن أخرج من الحرم ولو دفن بها نبش ما لم ينقطع ، وإن مات بالحجاز دفن بها ، وإن مرض في الحرم أخرج فإن مرض بالحجاز يمهل بالإخراج حتى يكون محتملا للسفر فإن احتمله أخرج قال : وقد وصفت مقدمهم بالتجارات بالحجاز فيما يؤخذ منهم وأسأل الله التوفيق وأحب إلي أن لا يتركوا بالحجاز بحال لتجارة ولا غيرها .
[ ص: 189 ] كم الجزية ؟ .

( قال الشافعي ) قال : الله تبارك وتعالى { حتى يعطوا الجزية عن يد } وكان معقولا أن الجزية شيء يؤخذ في أوقات وكانت الجزية محتملة للقليل والكثير .

( قال الشافعي ) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله عز وجل معنى ما أراد { فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم جزية أهل اليمن دينارا في كل سنة ، أو قيمته من المعافري } وهي الثياب ، وكذلك روي أنه أخذ من أهل أيلة ومن نصارى مكة دينارا عن كل إنسان ، قال : وأخذ الجزية من أهل نجران فيها كسوة ، ولا أدري ما غاية ما أخذ منهم ، وقد سمعت بعض أهل العلم من المسلمين ومن أهل الذمة من أهل نجران يذكر أن قيمة ما أخذ من كل واحد أكثر من دينار وأخذها من أكيدر ، ومن مجوس البحرين لا أدري كم غاية ما أخذ منهم ، ولم أعلم أحدا قط حكى عنه أنه أخذ من أحد أقل من دينار أخبرنا إبراهيم بن محمد قال : أخبرني إسماعيل بن أبي حكيم عن عمر بن عبد العزيز أن { النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن إن على كل إنسان منكم دينارا ، أو قيمته من المعافري } يعني أهل الذمة منهم أخبرني مطرف بن مازن وهشام بن يوسف بإسناد لا أحفظه غير أنه حسن أن { النبي صلى الله عليه وسلم فرض على أهل الذمة من أهل اليمن دينارا كل سنة } قلت لمطرف بن مازن فإنه يقال وعلى النساء أيضا فقال : ليس أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من النساء ثابتا عندنا .

( قال الشافعي ) وسألت محمد بن خالد وعبد الله بن عمرو بن مسلم وعدة من علماء أهل اليمن فكل حكى عن عدد مضوا قبلهم كلهم ثقة أن صلح النبي صلى الله عليه وسلم لهم كان لأهل ذمة اليمن على دينار كل سنة ، ولا يثبتون أن النساء كن فيمن تؤخذ منه الجزية وقال : عامتهم ، ولم يأخذ من زروعهم ، وقد كانت لهم الزروع ، ولا من مواشيهم شيئا علمناه وقال لي : قد جاءنا بعض الولاة فخمس زروعهم ، أو أرادوها فأنكر ذلك عليه وكل من وصفت أخبرني أن عامة ذمة أهل اليمن من حمير .

( قال الشافعي ) سألت عددا كثيرا من ذمة أهل اليمن مفترقين في بلدان اليمن فكلهم أثبت لي - لا يختلف قولهم - أن معاذا أخذ منهم دينارا على كل بالغ وسموا البالغ الحالم قالوا كان في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم مع معاذ { إن على كل حالم دينارا } أخبرنا إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث أن { النبي صلى الله عليه وسلم ضرب على نصراني بمكة يقال له موهب دينارا كل سنة وأن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب على نصارى أيلة ثلاثمائة دينار كل سنة وأن يضيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاثا ، ولا يغشوا مسلما } أخبرنا إبراهيم عن إسحاق بن عبد الله أنهم كانوا يومئذ ثلاثمائة فضرب النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ ثلاثمائة دينار كل سنة .
( قال الشافعي ) : فإذا دعا من يجوز أن تؤخذ منه الجزية إلى الجزية على ما يجوز وبذل دينارا عن نفسه كل سنة لم يجز للإمام إلا قبوله منه ، وإن زاده على دينار ما بلغت الزيادة ، قلت أو كثرت جاز للإمام أخذها منه ; لأن اشتراط النبي صلى الله عليه وسلم على نصارى أيلة في كل سنة دينارا على كل واحد والضيافة زيادة على الدينار وسواء معسر البالغين من أهل الذمة وموسرهم بالغا ما بلغ يسره ; لأنا نعلم أنه إذا صالح أهل اليمن وهم عدد كثير على دينار على المحتلم في كل سنة أن منهم المعسر فلم يضع عنه وأن فيهم الموسر فلم يزد عليه فمن عرض دينارا موسرا كان أو معسرا قبل منه ، وإن عرض أقل منه لم يقبل منه ; لأن من صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نعلمه صالح على أقل من دينار قال : فالدينار أقل ما يقبل من أهل الذمة وعليه إن بذلوه قبوله منه عن كل واحد منهم ، وإن لم يزد ضيافة ، ولا شيئا يعطيه من ماله .
فإن صالح السلطان أحدا ممن يجوز أخذ الجزية منه ، وهو يقوى عليه على الأبدي على [ ص: 190 ] أقل من دينار ، أو على أن يضع عمن أعسر من أهل دينه الجزية ، أو على أن ينفق عليهم من بيت المال فالصلح فاسد وليس له أن يأخذ من أحد منهم إلا ما صالحه عليه إن مضت مدة بعد الصلح توجب عليه بشرطه شيئا وعليه أن ينبذ إليهم حتى يصالحوه صلحا جائزا ، وإن صالحوه صلحا جائزا على دينار ، أو أكثر فأعسر واحد منهم بجزيته فالسلطان غريم من الغرماء ليس بأحق بماله من غرمائه ، ولا غرمائه منه .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإن فلسه لأهل دينه قبل أن يحول الحول عليه ضرب مع غرمائه بحصة جزيته لما مضى عليه من الحول ، وإن قضاه الجزية دون غرمائه كان له ما لم يستعد عليه غرماؤه ، أو بعضهم ، فإذا استعدى عليه بعضهم فليس له أن يأخذ جزيته دونهم ; لأن عليه حين استعدى عليه أن يقف ماله إذا أقر به ، أو ثبت عليه ببينة فإن لم يستعد عليه كان له أخذ جزيته منه دونهم ; لأنه لم يثبت عليه حق عنده حين أخذ جزيته .
وإن صالح أحدا من أهل الذمة على ما يجوز له فغاب الذمي فله أخذ حقه من ماله ، وإن كان غائبا إذا علم حياته ، وإن لم يعلم حياته سأل وكيله ومن يقوم بماله عن حياته فإن قالوا : مات ، وقف ماله وأخذ ما استحق فيه إلى يوم يقولون مات فإن قالوا : حي ، وقف ماله إلا أن يعطوه متطوعين الجزية ، ولا يكون له أخذها من ماله ، وهو لا يعلم حياته إلا أن يعطوه إياها متطوعين ، أو يكون بعلم ورثته كلهم وأن لا وارث له غيرهم وأن يكونوا بالغين يجوز أمرهم في مالهم فيجيز عليهم إقرارهم على أنفسهم ; لأنه إن مات فهو مالهم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ، وإن أخذ الجزية من ماله لسنتين ثم ثبت عنده أنه مات قبلهما .

رد حصة ما لم يستحق وكان عليه أن يحاص الغرماء فإن كان ما يصيبه إذا حاصصهم في الجزية عليه أقل مما أخذ رده عليهم ، وإن كان ورثته بالغين جائزي الأمر فقالوا مات أمس وشهد شهود أنه مات عام أول فسأل الورثة الوالي أن يرد عليهم جزيته سنة لم يكن على الوالي أن يردها عليهم ; لأنهم يكذبون الشهود بسقوط الجزية عنه بالموت ، ولو جاءنا وارثان فصدق أحدهما الشهود وكذبهم الآخر فكانا كرجلين شهد لهما رجلان بحقين فصدقهما أحدهما ، ولم يصدقهما الآخر فتجوز شهادتهما للذي صدقهما وترد للذي كذبهما وكان على الإمام أن يرد نصف الدينار على الوارث الذي صدق الشهود ، ولا يرد على الذي كذب الشهود .
( قال الشافعي ) وإن أخذنا الجزية من أحد من أهلها فافتقر كان الإمام غريما من الغرماء ، ولم يكن له أن ينفق من مال الله عز وجل على فقير من أهل الذمة ; لأن مال الله عز وجل ثلاثة أصناف :

الصدقات فهي لأهلها الذين سمى الله عز وجل في سورة براءة ، والفيء فلأهله الذين سمى الله عز وجل في سورة الحشر ، والغنيمة فلأهلها الذين حضروها ، وأهل الخمس المسلمين في الأنفال وكل هؤلاء مسلم فحرام على الإمام والله تعالى أعلم أن يأخذ من حق أحد من المسلمين فيعطيه مسلما غيره فكيف بذمي لم يجعل الله تبارك وتعالى فيما تطول به على المسلمين نصيبا ؟ ألا ترى أن الذمي منهم يموت فلا يكون له وارث فيكون ماله للمسلمين دون أهل الذمة ; لأن الله عز وجل أنعم على المسلمين بتخويلهم ما لم يكونوا يتخولونه قبل تخويلهم وبأموال المشركين فيئا وغنيمة .
( قال الشافعي ) ويروون أن { النبي صلى الله عليه وسلم جعل على نصارى أيلة جزية دينار على كل إنسان } وضيافة من مر بهم من المسلمين وتلك زيادة على الدينار .

( قال الشافعي ) فإن بذل أهل الذمة أكثر من دينار بالغا ما بلغ كان الازدياد أحب إلي ، ولم يحرم على الإمام مما زادوه شيء ، وقد صالح عمر أهل الشام على أربعة دنانير وضيافة أخبرنا مالك عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب ضرب الجزية على أهل المذهب أربعة دنانير ومع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام .

( قال الشافعي ) وقد روي أن عمر ضرب على أهل الورق ثمانية وأربعين وعلى أهل اليسر وعلى أهل الأوساط أربعة وعشرين [ ص: 191 ] وعلى من دونهم اثني عشر درهما ، وهذا في الدرهم أشبه بمذهب عمر بأنه عدل الدراهم في الدية اثني عشر درهما بدينار أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضر أن عمر بن الخطاب فرض على أهل السواد ضيافة يوم وليلة فمن حبسه مرض ، أو مطر أنفق من ماله .

( قال الشافعي ) وحديث أسلم ضيافة ثلاثة أيام أشبه ; لأن { رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الضيافة ثلاثا } ، وقد يكون جعلها على قوم ثلاثا وعلى قوم يوما وليلة ، ولم يجعل على آخرين ضيافة كما يختلف صلحه لهم فلا يرد بعض الحديث بعضا .
بلاد العنوة .

( قال الشافعي ) وإذا ظهر الإمام على بلاد أهل الحرب ونفى عنها أهلها ، أو ظهر على بلاد وقهر أهلها ، ولم يكن بين بلاد الحرب التي ظهر عليها وبين بلاد الإسلام مشرك ، أو كان بينه وبينهم مشركون لا يمنعون أهل الحرب الذين ظهروا على بلادهم وكان قاهرا لمن بقي محصورا ومناظرا له ، وإن لم يكن محصورا فسأله أولئك من العدو وأن يدع لهم أموالهم على شيء يأخذ منهم فيها ، أو منها قل أو كثر لم يكن ذلك له ; لأنها قد صارت بلاد المسلمين وملكا لهم ، ولم يجز له إلا قسمها بين أظهرهم كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فإنه ظهر عليها ، وهو في عدد المشركون من أهلها أكثر منهم وقربها مشركون من العرب غير يهود ، وقد أرادوا منعهم منه فلما بان له أنه قاهر قسم أموالهم كما يقسم ما أحرز في بلاد المسلمين وخمسها وسألوه وهم متحصنون منه لهم شوكة ثابتة أن يؤمنهم ، ولا يسبي ذراريهم فأعطاهم ذلك ; لأنه لم يظهر على الحصون ومن فيها فيملكها المسلمون ، ولم يعطهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ظهر عليه من الأموال إذ رأى أن لا قوة بهم على أن يبرزوا عن الحصون لمنع الأموال ، وكذلك لم يعطهم ذلك في حصن ظهر فيه بصفية بنت حيي وأختها وصارت في يديه ; لأنه ظهر عليه كما ظهر على الأموال ، ولم يكن لهم قوة على منعه إياه .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وهكذا كل ما ظهر عليه من قليل أموال المشركين ، أو كثيره أرض ، أو دار ، أو غيره لا يختلف ; لأنه غنيمة وحكم الله عز وجل في الغنيمة أن تخمس ، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأربعة الأخماس لمن أوجف عليها بالخيل والركاب .
وإن ظهر المسلمون على طرف من أطراف المشركين حتى يكون بهم قوة على منعه من المشركين ، وإن لم ينالوا المشركين فهو بلد عنوة يجب عليه قسمه وقسم أربعة أخماسه بين من أوجف عليه بخيل وركاب إن كان فيه عمارة ، أو كانت لأرضه قيمة .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وكل ما وصفت أنه يجب قسمه فإن تركه الإمام ، ولم يقسمه فوقفه المسلمون أو تركه لأهله رد حكم الإمام فيه ; لأنه مخالف للكتاب ثم السنة معا ، فإن قيل : فأين ذكر ذلك في الكتاب ؟ قيل : قال الله عز وجل { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول } الآية . { وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأربعة الأخماس على من أوجف عليه بالخيل والركاب من كل ما أوجف عليه من أرض ، أو عمارة ، أو مال } ، وإن تركها لأهلها أتبع أهلها بجميع ما كان في أيديهم من غلتها فاستخرج من أيديهم وجعل أجر مثلهم فيما قاموا عليه فيها وكان لأهلها أن يتبعوا الإمام بكل ما فات فيها ; لأنها أموالهم أفاتها .
قال : فإن ظهر الإمام على بلاد عنوة فخمسها ثم سأل أهل الأربعة الأخماس ترك حقوقهم منها فأعطوه ذلك طيبة به أنفسهم فله قبوله إن أعطوه إياه يضعه حيث يرى فإن [ ص: 192 ] تركوه كالوقف على المسلمين فلا بأس أن يقبله من أهله وغير أهله بما يجوز للرجل أن يقبل به أرضه وأحسب عمر بن الخطاب إن كان صنع هذا في شيء من بلاد العنوة إنما استطاب أنفس أهلها عنها فصنع ما وصفت فيها كما استطاب النبي صلى الله عليه وسلم أنفس من صار في يديه سبي هوازن بحنين فمن طاب نفسا رده ومن لم يطب نفسا لم يكرهه على أخذ ما في يديه .
بلاد أهل الصلح .

( أخبرنا الربيع ) قال ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإذا غزا الإمام قوما فلم يظهر عليهم حتى عرضوا عليه الصلح على شيء من أرضهم ، أو شيء يؤدونه عن أرضهم فيه ما هو أكثر من الجزية ، أو مثل الجزية فإن كانوا ممن يؤخذ منهم الجزية وأعطوه ذلك على أن يجري عليهم الحكم فعليه أن يقبله منهم وليس له قبوله منهم إلا على أن يجري عليهم الحكم ، وإذا قبله كتب بينه وبينهم كتابا بالشرط بينهم واضحا يعمل به من جاء بعده وهذه الأرض مملوكة لأهلها الذين صالحوا عليها على ما صالحوا على أن يؤدوا عنها شيئا فهي مملوكة لهم على ذلك ، وإن هم صالحوه على أن للمسلمين من رقبة الأرض شيئا ، فإن المسلمين شركاؤهم في رقاب أرضهم بما صالحوهم عليه ، وإن صالحوا على أن الأرض لهم وعليهم أن يؤدوا كذا من الحنطة ، أو يؤدوا من كل ما زرعوا في الأرض كذا من الحنطة لم يجز حتى يستبين فيه ما وصفت فيمن صالح على صدقة ماله .

وإذا صالحوهم على أن الأرض كلها للمشركين فلا بأس أن يصالحهم على ذلك ويجعلوا عليهم خراجا معلوما إما شيء مسمى يضمنونه في أموالهم كالجزية وإما شيء مسمى يؤدى عن كل زرع من الأرض كذا من الحنطة ، أو غيرها إذا كان ذلك إذا جمع مثل الجزية ، أو أكثر ، ولا خير في أن يصالحوهم على أن الأرض كلها للمشركين وأنهم إن زرعوا شيئا من الأرض للمسلمين من كل جريب ، أو فدان زرعوه مكيلة معلومة ، أو جزء معلوم ; لأنهم قد يزرعون فلا ينبت ، أو يقل أو يكثر ، أو لا يزرعون ، ولا يكونون حينئذ صالحوه على جزية معلومة ، ولا أمر يحيط العلم أنه يأتي كأقل الجزية ، أو يجاوز ذلك وأهل الصلح أحرار إن لم يظهر عليهم ولهم بلادهم إلا ما أعطوه منها وعلى الإمام أن يخمس ما صالحوا عليه فيدفع خمسه إلى أهله وأربعة أخماسه إلى أهل الفيء فإن لم يفعل ضمن في ماله ما استهلك عليهم منه كما وصفت في بلاد العنوة وعلى الإمام أن يمنع أهل العنوة والصلح ; لأنهم أهل جزية كما وصفته يمنع أهل الجزية .
الفرق بين نكاح من تؤخذ منه الجزية وتؤكل ذبائحهم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى حكم الله عز وجل في المشركين حكمان : فحكم أن يقاتل أهل الأوثان حتى يسلموا وأهل الكتاب حتى يعطوا الجزية ، أو يسلموا قال : وأحل الله عز وجل نساء أهل الكتاب وطعامهم فقيل طعامهم ذبائحهم فاحتمل إحلال الله نكاح نساء أهل الكتاب وطعامهم كل أهل الكتاب وكل من دان دينهم واحتمل أن يكون أراد بذلك بعض أهل الكتاب دون بعض فكانت دلالة ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ما لا أعلم فيه مخالفا أنه أراد أهل التوراة والإنجيل من بني إسرائيل دون المجوس فكان في ذلك دلالة على أن بني إسرائيل المرادون بإحلال النساء والذبائح [ ص: 193 ] والله تعالى أعلم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولم أعلم مخالفا في أن لا تنكح نساء المجوس ، ولا تؤكل ذبائحهم فلما دل الإجماع على أن حكم أهل الكتاب حكمان وأن منهم من تنكح نساؤه وتؤكل ذبيحته ومنهم من لا تنكح نساؤه ، ولا تؤكل ذبيحته وذكر الله عز وجل نعمته على بني إسرائيل في غير موضع من كتابه وما آتاهم دون غيرهم من أهل دهرهم كان من دان دين بني إسرائيل قبل الإسلام من غير بني إسرائيل في غير معنى من بني إسرائيل أن ينكح ; لأنه لا يقع عليهم أهل الكتاب بأن آباءهم كانوا غير أهل الكتاب ومن غير نسب بني إسرائيل فلم يكونوا أهل كتاب إلا بمعنى لا أهل كتاب مطلق فلم يجز والله تعالى أعلم أن ينكح نساء أحد من العرب والعجم غير بني إسرائيل دان دين اليهود والنصارى بحال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن دينار عن سعد الجاري ، أو عبد الله بن سعيد مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب قال : ما نصارى العرب بأهل كتاب وما تحل لنا ذبائحهم وما أنا بتاركهم حتى يسلموا ، أو أضرب أعناقهم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فمن كان من بني إسرائيل يدين دين اليهود والنصارى نكح نساؤه وأكلت ذبيحته ومن نكح نساؤه فسبي منهم أحد وطئ بالملك ومن دان دين بني إسرائيل من غيرهم لم تنكح نساؤه ، ولم تؤكل ذبيحته ، ولم توطأ أمته ، وإذا لم تنكح نساؤهم ، ولم توطأ منهم أمة بملك اليمين لم تنكح منهم امرأة .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإن كان الصابئون والسامرة من بني إسرائيل ودانوا دين اليهود والنصارى فلأصل التوراة ولأصل الإنجيل نكحت نساؤهم وأحلت ذبائحهم ، وإن خالفوهم في فرع من دينهم ; لأنهم فروع قد يختلفون بينهم ، وإن خالفوهم في أصل التوراة لم تؤكل ذبائحهم ولم تنكح نساؤهم .

( قال الشافعي ) وكل من كان من بني إسرائيل تؤكل ذبائحهم وتنكح نساؤهم بدينه اليهودية والنصرانية حل ذلك منه حيثما كان محاربا ، أو مهادنا ، أو معطيا للجزية لا فرق بين ذلك غير أني أكره للرجل النكاح ببلاد الحرب خوف الفتنة والسباء عليه وعلى ولده من غير أن يكون محرما والله تعالى أعلم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ومن ارتد من نساء اليهود إلى النصرانية أو من نساء النصارى إلى اليهودية أو رجالهم لم يقروا على الجزية ولم ينكح من ارتد عن أصل دين آبائه وكذلك إذا ارتدوا إلى مجوسية أو غيرها من الشرك لأنه إنما أخذ منهم على الإقرار على دينهم فإذا بدلوه بغير الإسلام حالت حالهم عما أخذ إذن بأخذ الجزية منهم عليه وأبيح من طعامهم ونسائهم .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 48.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.74 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.30%)]