
25-09-2022, 11:54 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,450
الدولة :
|
|
رد: ردود على انتقادات ومطاعن حول الفن الإسلامي
ردود على انتقادات ومطاعن حول الفن الإسلامي
أ. صالح بن أحمد الشامي
المثال الأول:
"هذه اللوحة لها مكانة خاصة في ميدان الخط العربي فهي تمثل فنًا إسلاميًا في قالب مسيحي، فشعار بني نصر الذي جعلوه جزءًا من زخرفة قصر الحمراء هو "ولا غالب إلا الله"، وانتقل الشعار إلى قصر بني عباد في أشبيلية دون علم ملوك الإِسبان وذلك عندما استولى الإِسبان على أشبيلية حاولوا إزالة معالمها العربية الإِسلامية.
وحين انتهوا من بناء الطابق الثاني بتصميمه الأوروبي فوق القسم العربي من القصر وجدوا أنه لا بد من إصلاح زخرفة القصر وإدخال بعض الرموز المسيحية بين الزخرفة العربية والإِسلامية فطلبوا من ملوك بني نصر في غرناطة تزويدهم ببعثة من الفنانين المسلمين لترميم تلك الزخرفة.
وصل أعضاء البعثة إلى أشبيلية وأصلحوا ما أزيل من الزخرفة ولكنهم عمدوا إلى ترك أثر عربي إسلامي خالد في هذا القصر المسيحي. فوضعوا تصميمًا يبدو مسيحيًا في مظهره ولكنه يحمل شعار بني نصر فكان هذا الشكل الذي يتكون من جملة "ولا غالب إلا الله" محتويًا على بعض الصلبان. وبذلك أرضى الفنان المسلم نفسه بترك أثر إسلامي وأرضى أصحاب القصر الجدد المسيحيين بتصميم مسيحي المظهر. وظل هذا السرّ غامضًا إلى الآن.
ومما يزيد من أهمية هذا التصميم الفني هو أنه في فن النحت وصبّ القوالب لا يمكن أن يتساوى الشكل الأصلي مع قالبه مطلقًا، أي أنه لا يمكن أن يتساوى الذكر والأنثى أو القسم المرتفع والقسم المنخفض في أي عمل فني،

والآن، انظر إلى القسم المرتفع الملون بالأسود، ثم دوّر الورقة واجعل أسفلها أعلاها ثم انظر إلى القسم المنخفض الملون بالأبيض واقرأه فهل تجد فرقًا؟
وثمة ظاهرة أخرى تميز هذه اللوحة وهي أنه يمكن قراءة القسم المرتفع منها بالنظر إليها من أسفل إلى أعلى، وقراءة القسم المنخفض منها بالنظر إليها من الطابق الثاني من القصر أي بالنظر إليها من أعلى إلى أسفل، وفي كلتا الحالتين نقرأ "ولا غالب إلا الله".
واللوحات السابقة توضح تصميم هذه اللوحة وتنفيذها".
المثال الثاني:
"يعتبر الفخّار من المواد المهمة في الفن الإِسلامي، فقد استخدمه الفنان المسلم في كثير من الأحيان عوضًا عن النسيج المستعمل في الرسم (كنفاس). والرسم على إناء عميق بفرشاة ذات شعرتين أو ثلاث ليس بالعملية السهلة إلا أن الفنان المسلم كان قادرًا على رسم أشكال ذات ألوان بديعة مذهبة وذات بريق معدني على ألوان سبق طلاؤها بمادة زجاجية. ويبدو تمكنه في هذا الأسلوب الدقيق في رسومه أيضًا على عدد غير قليل من المخطوطات النادرة الموجودة في مكتبات العالم ومتاحفه.
وهذه اللوحة صورة لطير مرسوم على إناء من الفخار محفوظ في متحف بوستن للفن بالولايات المتحدة صنع في نيشابور بإيران أو سمرقند في القرن العاشر الميلادي والرابع الهجري. وقد أرسل المتحف الصورة للمؤلف لدراستها وتحليلها وتضمينها بحوثه. ووقف المؤلف أمامها متحيرًا يسائل نفسه: لماذا أضاف الفنان خطين على ذنب الطير؟ هل أراد أن يجعل له أربعة أرجل؟ أم جعل له شعبتين إضافيتين في الذيل؟ أم أنه مجرد ملء للفراغ ليحقق التناسب في الرسم؟ وبعد تأمل طويل وتمعن للرسم كانت فرحة المؤلف كبيرة حين اهتدى إلى اكتناه سرّ هذه اللوحة التي تعبر عن البسملة (بسم الله الرحمن الرحيم) فقد احتاج إلى ألفين لكل من (لر، لر) ليكمل بهما (الرحمن الرحيم) وبدون الألفين يكون الرسم ناقصًا. ولكي يربط الألف في كلمة (الله) التي وضعها أعلى بين رأس الطير وذيله حوّل حرف الألف من الوضع العمودي إلى الأفقي. وهكذا كان خياله الفني عميقًا ظل عدة قرون بدون تفسير».
أقول:
واضح في اللوحة الأولى كيف أن الفن أضحى طوع بنان الفنان المسلم يصوغه بالشكل الذي يريد، ويضمنه ما يريد، ويوازن مع ذلك في عملية الحفر بين البروز والفراغ أو بين الارتفاع والانخفاض، ويتيح للمشاهد رؤية المشهد ذاته من وضعين متقابلين...
إن كل عملية لوحدها، لو وجدت في لوحة، لكانت فنًا عظيمًا، وإبداعًا جميلًا، فما بالنا وقد جمعت كلها في لوحة واحدة؟!
إنه الفنان المسلم.
وفي اللوحة الثانية زخرفة رائعة، تبدو أنها تشخيصية، ولكن الفنان خرج بها عن ذلك إلى اللاطبيعة بالزخرفة في وسطها وبإضافة رجلين زخرفيتين. ثم تبين بعد ذلك أن لهما مهمة أخرى، وهي استكمال حروف (البسملة) وإذا بنا أمام كتابة زخرفية. تبدو في شكلها فنًا تشكيليًا تشبيهيًا، ولكن بعد إمعان النظر تجعل المشاهد يقول بسم الله الرحمن الرحيم...
أليس هذا هو الفن؟
• وأما قولهم بأن الفن الإِسلامي فن زخرفي، أي بلا مضمون. فذلك صحيح في الجزء الأول، غلط في الجزء الثاني.
نعم إنه فن زخرفي، ولكن مضمونه قائم موجود، فنحن نقول عن الشيء إنه بلا مضمون، إذا لم يؤد وظيفة ولم يحقق غاية. وفن الزخرفة فن جمالي، فغايته التي يسعى إليها ووظيفته التي يحاول القيام بها هي تحقيق الجمال. وقد فعل ذلك. فكيف يقال إنه بلا مضمون؟!.
ومع ذلك فكثير من تلك الزخرفات لم تقتصر على الوظيفة الجمالية بل حملت في طياتها فكرًا وبيانًا..
وبهذا كانت زخرفة في مواجهة العين، ولحنًا في مواجهة الأذن، كلاهما فن يتحد فيه الشكل والمضمون.
إن الزخرفة - كما قلنا - فن جمالي، وليست فنًا تعبيريًا حتى يطلب منها أن تؤدي مضمونًا غير الجمال ذاته، ومن يطالبها بغير ذلك فهو جاهل بخصائص الفن.
وأما القول بأن بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم قد حطمت كل احتمال لتطوير صور وتماثيل مقدسة كتلك التي يصور بها المسيح. فهذا القول لم ينطلق من أرضية فنية ولا أرضية جمالية، وإنما انطلق من أرضية كنسية صليبية عاش فيها القائل فظن أن نقص هذا اللون من الفن؟! إن صحت النسبة، نقص وتخلف.
ولا نريد الإِطالة في مناقشة هذا الأمر فهو مما يرفع رأس الإِسلام عاليًا أن يكون الله وحده هو المعبود. ومما يشرف الفن الإِسلامي أن لم يحدث فيه ما حدث في المسيحية بشأن المسيح.. وهذا يدل على الالتزام من جانب، كما يدل على جمالية هذا الدين حيث ظل التناسق قائمًا بين كل الميادين وخاصة ما يمس أمر العقيدة وهذا من مفاخر الإِسلام.
ونتساءل بدورنا: ماذا أفادت المسيحية من صور المسيح ومنحوتاته؟ إنه لم تكسب أكثر من أن تحولت إلى ديانة وثنية، ولم يكن الفن فيها غير الفن الإِغريقي في غلالة نصرانية[14]. فهل كانت قداسة المسيح خيرًا للنصرانية؟!.
• وأخيرًا نصل إلى ذلك اللون من التخبط في الحديث عن الفن الإِسلامي.
وهو الادعاء بأن الابتعاد عن الصور التشبيهية لم يكن نتيجة تحريم ديني وإنما هو إرث قديم، وتقليد أصيل في المنطقة، سابق على مولد النبي صلى الله عليه وسلم، فهو تقليد قديم عند العرب وأجدادهم.. وهو أيضًا حلقة في سلسلة تطور الفن في الشرق...
أقول: غريب أمر هؤلاء الباحثين. إن كان منع التصوير التشبيهي فضيلة فنية، فهو إرث قديم لا فضل للإِسلام فيه، وإن كان منقصة ومنافاة للطبيعة البشرية وقتلًا للفن في نفس الإِنسان.. فهو حينئذٍ من صنع الإِسلام!!!
إن القول بأنه إرث قديم في المنطقة يخالفه الواقع، هذا الواقع الذي لا نعتمد في نقله على الروايات التاريخية، فهي مجال للضعف، وإنما نعتمد فيه على كتب السنة حيث التحقيق العلمي...
إن الروايات الحديثية تؤكد وجود فن الرسم التشبيهي وفن النحت التشخيصي بما لا يدع مجالًا للشك.
ففي الصحيحين - البخاري ومسلم - أن الرسول صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت - حين فتح مكة - وفي يده قوس، وحول البيت وعليه ثلاثماية وستون صنمًا، فجعل يطعنها بالقوس ويقول: "جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا""جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد" والأصنام تتساقط على وجوهها.
وفي مسند الإِمام أحمد "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل البيت وجد فيه صورة إبراهيم وصورة مريم، فقال.... هذا إبراهيم مصورًا فما باله يستقسم؟".
وفي سنن أبي داود "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب - زمن الفتح - وهو بالبطحاء، أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها...".
واستمر - فيما يبدو - وجود الصور من آثار الجاهلية حتى زمن خلافة علي رضي الله عنه فقد روى الإِمام مسلم عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي رضي الله عنه: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا تدع صورة إلا طمستها...".
وإذا تتبعنا السيرة وجدنا أن عددًا من الصحابة كلفوا بإزالة الأصنام وطمس الصور، مما يدل على وجودها وسعة انتشارها.
بل كان من صناع الصور من يعيش في مكة ذاتها، يدلنا على ذلك فتوى ابن عباس إذ أتاه رجل فقال: يا ابن عباس: إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي، وإني أصنع هذه التصاوير. فحدثه ابن عباس بقوله صلى الله عليه وسلم "من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبدًا" فربا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه، فقال ويحك إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر...
وإذن فقد كانت التصاوير موجودة ولها صناع يعيشون من عملها. فأين الإرث القديم؟
ثم إن كان الأمر كذلك فكيف نفسر وجود الصور في قصر عمرا والحير الغربي.. لماذا خالفت هذه القصور القاعدة بغض النظر عن كونها قصورًا إسلامية أو غسانية أو إغريقية!! طالما أن الإِرث قام في هذه المنطقة؟!.
نكتفي بهذا القدر من المناقشة التي أردنا منها لفت النظر لما في تلك الكتب التي تتحدث عن الفن الإِسلامي من أخطاء.
[1] انظر في هذه المطاعن، مقال الدكتور إسماعيل فاروقي، في مجلة المسلم المعاصر عدد 23 عام 1400هـ.
[2] الفن العربي في اسبانيا وصقلية، تأليف فون شاك. ترجمة: د. الطاهر أحمد مكي ص 6 - 12 ط دار المعارف بمصر.
[3] جمالية الفن العربي. الدكتور عفيف بهنسي ص 58. سلسلة عالم المعرفة.
[4] المصدر السابق ص 71 - 72.
[5] المصدر السابق ص88.
[6] الفن الإِسلامي، أبو صالح الألفي ص 78.
[7] في فصل حكم التصوير في الإِسلام.
[8] في فصل مفهوم الفن الإِسلامي.
[9] الظاهرة الجمالية في الإِسلام ص 181 وما بعدها.
[10] نريد بذلك ألا يكون مقيدًا بكونه "جمالًا فنيًا" حيث يكون المضمون غير جميل.
[11] إن لوحة (الجوكندا) للفنان دافنشي، لا شك جميلة، ولكن هذا الجمال أليس هو جمال "الموديل" وكان دور الفنان هو تثبيته على اللوحة.؟!
[12] الفن الإِسلامي. أبو صالح الألفي ص 79.
[13] المصدر السابق ص 79 - 86.
[14] بل إن "سانتيانا" يقرر أن المسيح الذي يعرفه الناس، لا صلة له بواقع الحياة. يقول "إن المسيح الذي أحبه وقدسه الناس هو مثل أعلى كونوه حسب رغباتهم هم، وخلقوا له شخصية دائمة تعيش معهم، شخصية حية يألفونها ويفهمونها جيد الفهم، وذلك من تلك الأقاصيص الناقصة والمبادئ المرتبطة باسمه، وإن هذه الصورة الذاتية هي التي أوحت بكل ما في العالم المسيحي من صلوات وانقلاب ديني، من تكفير وزكاة وتضحيات، كما أنها هي التي أوحت بنصف ما فيه من فن. [الإحساس بالجمال ص /209/ تأليف سانتيانا].
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|