عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 25-09-2022, 12:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أضواء على ملحمة بدر لأحمد الخاني

أضواء على ملحمة بدر لأحمد الخاني
د. أحمد الخاني




التصوير والخيال في ملحمة بدر:
في دراساتنا الأكاديمية، تعودنا أن نفرد الصورة الشعرية ونحللها تحليلاً بلاغياً فنقول في تحليل هذا البيت مثلاً:
عزف النور لحنه البكر فجرا ♦♦♦ فتهادى بمسمع الخلد نصرا
النور: مشبه.
المشبه به محذوف، وهو الإنسان.
القرينة الدالة عليه هي العزف.
على سبيل الاستعارة المكنية.
كذلك: اللحن البكر، استعارة مكنية.
مسمع الخلد، استعارة مكنية.

وشدا السيف آي لحن نديٍّ ♦♦♦ خط بالحب في البطولات سطرا
السيف يشدو: استعارة مكنية.
اللحن الندي: استعارة مكنية.
أفهذا هو التصوير الذي نعنيه في العمل الملحمي؟.
هذا تحليل أكاديمي يفقد النص بهاءه ورواءه حتى في تحليل النصوص الغنائية، وهو تحليل جاف لا يتناسب إلا مع أبجدية البلاغة لتفهم أصول الصورة، أما وظيفتها في النص الشعري بعد التذوق فله وجه آخر على النحو التالي:
(عزف النور لحنه البكر فجرا).

النور، شيء مجرد، تطلق على معان ذات إيحاءات رائعة في مجال الوضوح والظفر والثناء.. شبه النور هنا بإنسان فنان يحمل آلة موسيقية يعزف عليها ألحانه، الفريدة التي لم يعزف مثلها شاعر، إنها ألحان بكر، والبكر هو الأول تقول:زهير بكر أبيه، إذا كان أول أبنائه فكون هذا اللحن بكر يعني أنه اللحن الذي بز ألحان الآخرين، هو أول قدراً لا زمناً، وإلا، فكم من الألحان التي عزفت على منوال بدر!، ومتى كان هذا العزف؟ لقد كان فجراً، وماذا قبل الفجر؟ لقد كان الظلام، وماذا في الظلام؟ العدمية، وماذا بعد الفجر؟ بسمة الصباح.. الضياء.. العطاء.

والعزف مصاحب للغناء، ومتى يغني الإنسان؟ الإنسان يغني عندما يطرب، والطرب طاقة شعورية فائضة عن الذات، كانت كامنة حينما كانت النفس تستوعبها، ولكنها طاقة تمددت داخل نفس الشاعر حتى ضاق عنها إناؤها ففاض عطاء تفجرياً ألهم الشاعر هذه الرؤى التصويرية الملونة بألوان النور والفجر وإيحاءات ما قبلهما وما بعدهما.

ولما تجوهر النور وغدا له حيز في الوجود وعزف ذلك العزف الخالد، وصل الخلود بالخلود، خلود العزف وخلود الموضوع، وهذا العزف قد انداح متهادياً مخترقاً حجاب الزمان والمكان حتى وصل إلى مسامع الخلود وهو يصغي إلى هذا العزف الذي تجوهر بدوره فغدا رائع الانتصار. فما هذا النصر؟ وكيف كان؟ ومَن أطراف القراع و الصراع؟.

وشدا السيف: والشدو، هو الغناء، وشدو السيوف: رنينها في المعارك، كان السيف يشدو للملاحم لما سمع عزف النور، أبى إلى أن يشاركه الغناء، وشدو السيف آيات من الألحان الندية، إذا كان اللحن جافاً انصرفت الأسماع عن الإصغاء إليه، وأما إذا طرياً ندياً فإنه يملك على من يسمعه الأسماع، وهذا اللحن الندي، قد كتب سطراً، لا يمجد فيه الجبن، ولا القعود عن مناهضه الظلم لرد العدوان.. وإنما كتب هذا السطر في تمجيد البطولة، البطولة محترمة في كل زمان وفي كل مكان ومن أي لون وجنس وعرق ودين؛ البطولة حتى في قريش التي جاءت لتحارب الإسلام والمسلمين كانت محل احترام وتقدير، الأسود المخزومي كان بطلاً، بطولة غيرت منحاها؛ فبدلاً من، أن تكون هذه البطولة لنصرة الحق والعدل، انحرف بها صاحبها إلى صف الظلم، لما قتل البطل هذا المشرك خرج ثلاثة أبطال من قريش هم:عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة والوليد بن عتبة، فخرج لهم ثلاثة فسألهم عتبة: من أنتم؟ فقالوا: قوم من الأنصار، فقال عتبة:أكفاء كرام، لكننا نريد من بني عمومتنا.
إنه يعرف شرف الخصومة في الحرب، ولا يعرف هذه الصفة إلا البطل.
(خط بالحب في البطولة سطرا).

هل خط السيف هذا السطر بالكراهية؟ أبو جهل أكره قومه على المضي إلى المعركة فماذا كانت النتيجة؟.
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما سمع بأن القافلة وقد خرجوا لاغتنامها قد نجت، وجاءت قريش بقضها وقضيضها وحدها وحديدها لتبيد المسلمين في بدر، ماذا كان رأي الصحابة؟ قال المهاجرون وأحسنوا، وقال الأنصار:
يا رسول الله، آمنا بك وصدقناك.. ولو سرت بنا إلى برك الغماد – في اليمن – لاتبعناك، ما تخلف منا رجل واحد.. لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، ولكن نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا
إنا معكما مقاتلون.. هذا الحب جعل من الصحابة روحاً واحداً في أجسام متعددة

كان الصحابي في المعركة يتمنى لو يفدي أخاه المقاتل إلى جنيه بصدره دون صدر أخيه، وهذا ما وقع من حديث حذيفة العدوي عن الجرحى الثلاثة العطشى في معركة اليرموك.

إن السيف خط بالحب سطراً:
(من نداه تبرعم الصخر حباً) من ندى هذا السطر تبرعم الصخر، من كرم هذا السطر اهتز الصخر الجلمد وربا واخضوضر وتبرعم واعشوشب، تبرعم الصخر بالحب، وهذا الحب غمر الكون بالطيب.
(أبدع الخلد لحن حب وحرب).

هبات عزف النور، وشدو السيف وكرم لحن السيف.. تفاعل هذه المعطيات هز أريحية الخلد فأبدع لحنين هما لحن الحب ولحن الحرب؛ وهما في واقع الأمر لحن واحد مزدوج، هما وجهان لدينار واحد، فالملحمة حب وحرب وهذان العنصران توأمان.
صور متولدة من صور، لولب يدور، وفي كل إسقاط لون من الصور جديد.

ولكن نعيد السؤال نفسه:هل هذا هو التصوير الذي نعنيه في الملحمة؟.
أن كل الصور السابقة غنائية، والتصوير الملحمي كما يلي:
التصوير الملحمي تصوير الأبطال ولباسهم ودروعهم وسيوفهم وأدوات حربهم من قسي ونبال..

وتصوير نفسيات المتحاربين المتقاتلين الأبطال في حديثهم إلى أصدقائهم وإلى أقرانهم وحوارهم وصراعهم وحديثهم الداخلي في أنفسهم..



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.42 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.79 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.23%)]