ما معنى الإسباغ؟
د. سيد مصطفى أبو طالب
قال الحربي في حديث رسول الله عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ: (أَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُسْبَغَ الوُضْوءَ).[1]
وقال: أَنَّ عَائِشَةَ رَأَتْ عَلَى سَعْد بنِ مُعَاذٍ دِرْعًا مُقَلِّصَةَ، فَقالَتْ: (وَدِدْتُ أَنَّ الدّرْعَ كَانَتْ أَسْبَغَ مِمَّا هِي عليه).[2]
وقال: عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ في المُتَلاَعِنَيْنِ: (إِنْ جَاءَتْ بِهِ سَابغَ الأَلْيَتَيْنِ فَهُوَ لِفُلاَنٍ).[3] وقال: عَنْ شُرَيْحٍ: (أَسْبِغُوا اليَتِيمَ في النَّفَقَةِ).[4] وقال: عَنِ الضَّحَّاكِ ﴿ أَنِ أَعْمَلْ سَابِغَاتٍ ﴾ (سبأ/ 11) قَالَ: الدروع. قوله: أُمِرْنَا بِإِسْبَاغِ الوُضُوءِ، هَوَ إِتْمَامُهُ وَالمُبَالَغَةُ فِيهِ.
وقوله: سابِغَات، وَدِرْعٌ سَابِغَةٌ: تامَّةٌ تَبْلُغُ الأَرْضَ، وَثَوْبٌ سَابغٌ: تَامٌّ طَوِيلٌ، وَأَسْبِغُوا أي: أَكْثُرِوا لَهم مِنَ النَّفَقَةِ وَأَوْسِعُوا عَلَيْهِمْ وَقَالَ: ﴿ وَأَسْبِغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ﴾ [لقمان: 20] أَدَامَهَا وَأَكْثَرَهَا.[5]
لم ينص الشارح على الدلالة الأصلية لمادة (سبغ)، ويفهم مما ذكره من تفسير لبعض دلالات فروعها أنه يعد (التمام) دلالة أصلية لها.
قال ابن فارس: السين والباء والغين أصل واحد يدل على تمام الشيء وكماله.[6]
وفي فلك هذه الدلالة أدار بعض فروع المادة السابقة وهي:
أ) نسبغ الوضوء، أي: نتمه ونبالغ فيه. يقول الخليل: وإسباغ الوضوء: المبالغة فيه.[7]
ب) أسْبَغ (بوزن) أَفْعَل، أي: أتم وأوفى وأكمل.
ج) أسبغوا اليتيم في النفقة، أي: أنفقوا عليه تمام ما يحتاج إليه ووسعوا عليه فيها.[8] ومنه قوله تعالى: ﴿ وَأَسْبِغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ﴾ أَدَامَهَا وَأَضفاهَا[9].
د) سابغ: تام واف، وألية سابغة، أي: طويلة.[10] ومنه ﴿ أَنِ أَعْمَلْ سَابِغَاتٍ ﴾ أي: تامة تبلغ الأرض. يقول ابن منظور: السابغة: الدرع الواسعة، والتي تجرها في الأرض، أو على كعبيك طولاً وسعة.[11]
ويمكن إضافة فرع آخر، وهو:
هـ) التسبغة: شيء من حلق الدروع والزُّرَد يعلق بالخوذة دائرًا معها ليستر الرقية وجَيْب الدرع. وفي الحديث عن أبي عبيدة: إن زردتين من زرد التسبغة نشبتا في خد النبي يوم أحد. وهي تفعلة، مصدر سبغ من السبوغ: الشمول.[12]
وعليه، فقد صلحت الدلالة الأصلية أن تدور حولها فروع هذه المادة، مما يشهد بصحة عدها دلالة أصلية لها.
[1] أبو داود (كتاب الصلاة - باب قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر) (1/ 274)، والترمذي (كتاب الجهاد - باب ما جاء في كراهية أن تنزى الحمر على الخيل) (4/ 205)، والمسند (1/ 225).
[2] سيرة ابن هشام (3/ 227)، وسبل الهدى والرشاد (4/ 525).
[3] البخاري (كتاب التفسير-باب ( ويدرأ عنها العذاب...) (4/ 1774)، ومسند أبي يعلى (5/ 124).
[4] النهاية (2/ 338).
[5] غريب الحربي (2/ 406) وما بعدها.
[6] المقاييس (سبغ) (3/ 129).
[7] العين (سبغ) (4/ 379).
[8] النهاية (2/ 338).
[9] معجم ألفاظ القرآن الكريم (1/ 550).
[10] المصباح (سبغ) (1/ 264).
[11] اللسان (سبغ) (4/ 481).
[12] السابق نفسه.