عرض مشاركة واحدة
  #262  
قديم 20-09-2022, 12:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,215
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ النِّسَاءِ
المجلد الخامس
صـ 1605 الى صـ 1612
الحلقة (262)





ومن هذا قول [ ص: 1605 ] عبد الله بن رواحة لما بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزروعهم، فأرادوا أن يرشوه ليرفق بهم، فقال: والله! لقد جئتكم من عند أحب الخلق إلي، ولأنتم أبغض إلي من أعدادكم من القردة والخنازير، وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم، فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض.

وإن تلووا أي: تحرفوا ألسنتكم عن الشهادة على وجهها أو تعرضوا أي: عنها بكتمها فإن الله كان بما تعملون خبيرا فيجازيكم على ذلك. قال تعالى: ومن يكتمها فإنه آثم قلبه [البقرة: 283].
تنبيه:

قال بعض مفسري الزيدية: لهذه الآية ثمرات هي أحكام:

الأول: وجوب العدل [ ص: 1606 ] على القضاة والولاة ، وأن لا يعدل عن القسط لأمر تميل إليه النفوس وشهوات القلوب من غنى أو فقر أو قرابة، بل يستوي عنده الدنيء والشريف والقريب والبعيد.

ويروى أن عمر أقام حدا على ولد له، فذاكره في حق القرابة، فقال: إذا كان يوم القيامة شهدت عند الله أن أباك كان يقيم عليك الحدود .

الحكم الثاني: أنه يجب الإقرار على من عليه الحق ولا يكتمه؛ لقوله تعالى: ولو على أنفسكم والمراد بالشهادة على النفس الإقرار، وهذا ظاهر.

وقيل المعنى: ولو كانت الشهادة وبالا ومضرة على أنفسكم وآبائكم بأن تكون الشهادة على سلطان ظالم.

وهذه المسألة فيها خلاف بين الفقهاء إذا خشي مضرة دون القتل، هل يجب عليه الشهادة أم لا ؟ فقيل: يجب لأنه لا يحفظ ماله بتلف مال غيره.

وعن الشافعية والمتكلمين - وصحح للمذهب - أنه لا يجب؛ لأن الشهادة أمر بمعروف، وشرطه أن لا يؤدي إلى منكر، ولكن إنما يسقط عنه أداء الشهادة بحصول الظن لمضرته، لا بمجرد الخشية.

وقد قال المؤيد بالله في "الإفادة": على الشاهد أن يشهد وإن خشي على نفسه وماله؛ لأن الذي يخشاه مظنون، ولعله غير كائن، يؤول على أن مراده مجوز لا أنه قد ظن حصول المضرة، وهذا يجوز له الشهادة مع الخشية على نفسه.

قال في "شرح الإبانة": يجوز إذا كان قتله إعزازا للدين، كالنهي عن المنكر، أما لو كتم لغير عذر فلا إشكال في عصيانه، وعن ابن عباس : ذلك من الكبائر.

الحكم الثالث: يتعلق بقوله تعالى: شهداء لله أي: تشهدون لوجه الله كما أمركم، وفي هذا دلالة على أن أخذ الأجرة على تأدية الشهادة لا يجوز؛ لأنه لم يقمها لله، وقد استثنى أهل الفقه صورا جوزوا أخذ الأجرة على تأدية الشهادة، منها: إذا طلب إلى موضع؛ لأن الخروج غير واجب عليه، ومنها: إذا كان غيره يشهد ويحصل به الحق، فإن شهادته غير لازمة. انتهى.
[ ص: 1607 ] القول في تأويل قوله تعالى:

يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نـزل على رسوله والكتاب الذي أنـزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا [136]

يا أيها الذين آمنوا آمنوا أي: اثبتوا على إيمانكم بالله ورسوله والكتاب الذي نـزل على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - يعني القرآن والكتاب الذي أنـزل من قبل على الرسل، بمعنى الكتب ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا أي: خرج عن الهدى وبعد عن القصد كل البعد، أما الكفر بالله فظاهر، وأما بالملائكة؛ فلأنهم المقربون إليه، وأما بالكتب؛ فلأنها الهادية إليه، وأما بالرسل؛ فلأنهم الداعون، وأما باليوم الآخر؛ فلأن فيه نفع إقامته وضرر تركه، فإذا أنكر لزم إنكار النفع الحقيقي والضرر الحقيقي فهو الضلال البعيد، ثم الكفر بالملائكة كفر بمظاهر باطنه، وبالكتب كفر بمظاهر صفة كلامه، وبالرسل كفر بأتم مظاهره، وباليوم الآخر كفر بدوام ربوبيته وعدله.

ثم الكفر بالملائكة يدعو إلى الإيمان بالشياطين، وبكتب الله إلى الإيمان بكتب الكفرة، وبالرسل إلى تقليد الآباء، وباليوم الآخر إلى الاجتراء على القبائح، وكل ذلك ضلال بعيد، أفاده المهايمي .

ولما أمر تعالى بالإيمان ورغب فيه بين فساد طريقة من يكفر بعد الإيمان، فقال:
القول في تأويل قوله تعالى:

إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا [137]

إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا في الآية وجوه:

الأول: أن المراد الذين تكرر منهم الارتداد، وعهد [ ص: 1608 ] منهم ازدياد الكفر والإصرار عليه، يستبعد منهم أن يحدثوا ما يستحقون به المغفرة ويستوجبون اللطف، من إيمان صحيح ثابت يرضاه الله؛ لأن قلوب أولئك الذين هذا ديدنهم قلوب قد ضريت بالكفر ومرنت على الردة، وكان الإيمان أهون شيء عندهم وأدونه، حيث يبدو لهم فيه كرة بعد أخرى، وليس المعنى أنهم لو أخلصوا الإيمان بعد تكرار الردة، ونصحت توبتهم - لم يقبل منهم ولم يغفر لهم؛ لأن ذلك مقبول، حيث هو بذل للطاقة واستفراغ الوسع، ولكنه استبعاد له واستغراب، وإنه أمر لا يكاد يكون، وهكذا نرى الفاسق الذي يتوب ثم يرجع، ثم يتوب ثم يرجع، فإنه لا يكاد يرجى منه الثبات، والغالب أنه يموت على الفسق، فكذا هنا.

الثاني: قال بعضهم: هم اليهود، آمنوا بالتوراة وبموسى ثم كفروا حين عبدوا العجل، ثم آمنوا بعد عوده إليهم، ثم كفروا بعيسى والإنجيل، ثم ازدادوا كفرا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وقد أورد على هذا الوجه أن الذين ازدادوا كفرا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ليسوا مؤمنين بموسى ، ثم كافرين بالعجل، ثم مؤمنين بالعود، ثم كافرين بعيسى ، بل هم إما مؤمنون بموسى وغيره، أو كفار لكفرهم بعيسى والإنجيل.

والجواب: أن هذا إنما يرد لو أريد قوم بأعيانهم للموجودين وقت البعثة، أما لو أريد جنس ونوع باعتبار عد ما صدر من بعضهم كأنه صدر من كلهم فلا إيراد، والمقصود حينئذ استبعاد إيمانهم لما استقر منهم ومن أسلافهم.

الثالث: قال آخرون: المراد المنافقون، فالإيمان الأول إظهارهم الإسلام، وكفرهم بعد ذلك هو نفاقهم، وكون باطنهم على خلاف ظاهرهم. والإيمان الثاني هو أنهم كلما لقوا جمعا من المسلمين قالوا إنا مؤمنون، والكفر الثاني هو أنهم: وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون [البقرة: 14].

وازديادهم في الكفر هو جدهم واجتهادهم في استخراج أنواع المكر والكيد في حق المسلمين، [ ص: 1609 ] وإظهار الإيمان قد يسمى إيمانا، قال تعالى: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن [البقرة: 221].

قال القفال رحمه الله: وليس المراد بيان هذا العدد، بل المراد ترددهم، كما قال: مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء قال: والذي يدل عليه قوله تعالى بعد هذه الآية: بشر المنافقين

الرابع: قال قوم: المراد طائفة من أهل الكتاب قصدوا تشكيك المسلمين فكانوا يظهرون الإيمان تارة والكفر تارة أخرى، على ما أخبر الله تعالى عنهم: آمنوا بالذي أنـزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون [آل عمران: 72].

وقوله: ثم ازدادوا كفرا معناه أنهم بلغوا في ذلك إلى حد الاستهزاء والسخرية بالإسلام.

نقل هذه الوجوه الزمخشري والرازي وغيرهما، وكلها مما يشمله لفظ الآية.
تنبيه:

في الآية مسائل:

الأولى: قال في "الإكليل": استدل بها من قال: تقبل توبة المرتد ثلاثا، ولا تقبل في الرابعة.

وقال بعض الزيدية في (تفسيره): دلت على أن توبة المرتد تقبل؛ لأنه تعالى أثبت إيمانا بعد كفر تقدمه إيمان.

[ ص: 1610 ] وأقول: دلالتها على ذلك في صورة عدم تكرار الردة، وأما معه فلا، كما لا يخفى.

ثم قال: وعن إسحاق : إذا ارتد في الدفعة الثالثة لم تقبل توبته، وهي رواية الشعبي، عن علي عليه السلام. انتهى.

وذهبت الحنابلة إلى أن من تكررت ردته لم تقبل توبته، كما أسلفنا ذلك في آل عمران في قوله تعالى: كيف يهدي الله قوما [آل عمران: 86] الآية، وقوله بعدها: إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا [آل عمران: 90]، وذكرنا ثمة أن هذه الآية كتلك الآية، وأن ظاهرهما يشهد لما ذهب إليه إسحاق وأحمد ، وأما الوجوه المسوقة هنا فهي من تأويل أكثر العلماء القائلين بقبول توبة المرتد، وإن تكررت، وبعد: فالمقام دقيق، والله أعلم.

الثانية: دلت على أن الكفر يقبل الزيادة والنقصان ، فوجب أن يكون الإيمان نصا كذلك؛ لأنهما ضدان متنافيان، فإذا قبل أحدهما التفاوت قبله الآخر، وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى:

بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما [138]

بشر المنافقين من باب التهكم بأن لهم عذابا أليما فإنهم آمنوا بالظاهر وكفروا بالباطن، ويدل على مقارنة إيمانهم للكفر ترجيحهم جانب الكفرة في المحبة إذ هم:
[ ص: 1611 ] القول في تأويل قوله تعالى:

الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا [139]

الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أي: يتخذونهم أنصارا مجاوزين موالاة المؤمنين أيبتغون عندهم العزة أي: أيطلبون بموالاتهم القوة والغلبة، وهذا إنكار لرأيهم وإبطال له، وبيان لخيبة رجائهم، ولذا علله بقوله: فإن العزة لله جميعا أي: له الغلبة والقوة، فلا نصرة لهم من الكفار، والنصرة والظفر كله من الله تعالى، وهذا كما قال تعالى في آية أخرى: ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين [المنافقون: 8].

قال ابن كثير : والمقصود من هذا التهييج على طلب العزة من جناب الله، والإقبال على عبوديته، والانتظام في جملة عباده المؤمنين، الذين لهم النصرة في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.

ويناسب هنا أن نذكر الحديث الذي رواه الإمام أحمد، عن أبي ريحانة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من انتسب إلى تسعة آباء كفار يريد بهم عزا وكرما، فهو عاشرهم في النار تفرد به أحمد .

وأبو ريحانة هذا هو أزدي واسمه (شمعون) بالمعجمة فيما قاله البخاري، وقال غيره: بالمهملة، والله أعلم.
تنبيه:

قال الحاكم: دلت الآية على وجوب موالاة المؤمنين ، والنهي عن موالاة الكفار، قال: والمنهي عنه موالاتهم في الدين فقط، وقد ذكر المؤيد بالله - قدس الله روحه - معنى هذا، وهي: أن تحبه لما هو عليه، وهذا ظاهر، وهو يرجع إلى الرضا بالكفر، وما أحبه لأجله.

[ ص: 1612 ] فأما الخلطة فليست موالاة، وقد جوز العلماء - رحمهم الله - نكاح الفاسقة، وكذلك الإحسان، فقد مدح الله من أطعم الأسارى، وجوز كثير منهم الوصية لأهل الذمة، وكذلك الاغتمام بغمه في أمر، كاغتمام المسلمين لغلب فارس للروم، كذا في تفسير بعض الزيدية.
القول في تأويل قوله تعالى:

وقد نـزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا [140]

وقد نـزل عليكم في الكتاب قال المفسرون: إن المشركين بمكة كانوا في مجالسهم يخوضون في ذكر القرآن ويستهزئون به، فنهى الله تعالى المسلمين عن القعود معهم بقوله: وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره [الأنعام: 68] وهذه الآية من سورة الأنعام وهي مكية، فامتنع المسلمون عن القعود معهم، ولما قدموا المدينة كانوا يجلسون مع اليهود والمنافقين، وكان اليهود يستهزئون بالقرآن، فنزلت هذه الآية: وقد نـزل عليكم في الكتاب يعني في سورة الأنعام.

أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها يعني يجحد بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره وفيها دلالة على أن المنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم وإن خوطب به خاصة - منزل على الأمة، وأن مدار الإعراض عنهم هو العلم بخوضهم في الآيات، ولذلك عبر عن ذلك تارة بالرؤية وأخرى بالسماع، وأن المراد بالإعراض إظهار المخالفة بالقيام عن مجالسهم، لا الإعراض بالقلب أو بالوجه فقط.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 44.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 43.77 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.41%)]