عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 18-09-2022, 06:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة : Egypt
افتراضي ملاحظات ونقد على مدارس الرسم ومذاهبه في العصر الحديث

ملاحظات ونقد على مدارس الرسم ومذاهبه في العصر الحديث
أ. صالح بن أحمد الشامي



كان ما فات بيانًا مقتضبًا عن بعض المدارس أو النزعات في ميدان الرسم الحديث، ونحاول الوقوف على بعض الملاحظات التي تسترعي انتباه كل دارس لهذا الموضوع.




1- كثرة المدارس:

إن كل دارس أو مهتم بالفن، يلاحظ كثرة النزعات الفنية - في العصر الحديث - كثرة يصعب معها تعدادها أو حصرها، يضاف إلى ذلك اختلاط الأمور نتيجة لتعدد الأسماء للمدرسة الواحدة، وتشابه هذه النزعات بعضها مع بعض في كثير من الأحيان مما أدى إلى الخلط بين بعض هذه المدارس..




وقد أدى هذا الأمر إلى صعوبة في تحديد هوية الكثير من اللوحات وبيان أو تحديد المدرسة التي تنتمي إليها. وهذا ما جعل العاملين في هذا الحقل في حيرة من أمرهم إذا أرادوا وضع النقاط على الحروف، كما أتاح لكثير من الناس أن يدلوا بدلوهم في هذا الموضوع وهم ليسوا من أهله.




2- ردود فعل:

ولدى التصور العام لهذه المدارس نرى أنفسنا أمام خط منكسر، زوايا الصدور فيه مساوية لزوايا الورود، فكل نزعة هي رد فعل على التي قبلها، إما ردًا عامًا في كل اتجاهاتها، أو ردًا خاصًا على بعض خصائصها.




فالكلاسيكية جاءت ردًا على فن البلاط.




والرومانتيكية جاءت ردًا على الكلاسيكية، وقد تحملت مسؤولية تحطيم قيودها.




وجاءت الواقعية رد فعل على تحليق الرومانتيكية في عالم الخيال وعلى الكلاسيكية في قيودها الصارمة.




وجاءت الانطباعية أو التأثيرية لترفض القوالب الكلاسيكية وتصب اهتماماتها على الشكل.




وجاءت التعبيرية ردًا على الانطباعية.




وجاءت الوحشية ردًا على الكلاسيكية رافضة محاكاة الطبيعة.




وجاءت التكعيبية ردًا على الواقعية والتأثيرية والتعبيرية.




وجاءت التجريدية استغناء عن الموضوع وعن الطبيعة، فكانت ردًا على المدارس التي اعتنت بهما أو بواحد منهما.




وجاءت الدادية رد فعل على الفن كله.




وجاءت السيريالية لتنتقل إلى عالم الوهم والأحلام..




ومن هذا نلاحظ أن بعض تلك المدارس أو النزعات كانت اندفاعات عشوائية غير متعلقة، ولم تكن نماءً طبيعيًا أو تدرجًا منطقيًا، الأمر الذي أدى إلى تلك السرعة المذهلة في ذلك التطور الذي استطاع في أقل من نصف قرن أن ينتقل من الانطباعية - التي تتمسك بتسجيل الظاهر الحسي للأشياء - إلى التجريد..




3- الشكل والموضوع:

الأصل في العمل الفني أن يتحقق فيه أمران، هما أساس بنائه: الموضوع والشكل.




وجاءت المدارس الحديثة، فبدأت بالتخلي عن "الموضوع" بدءًا من عدم الاكتراث به في المدرسة الانطباعية وانتهاء بالاستغناء عنه تمامًا في المدرسة التجريدية أو اللاموضوعية.




ولم يسلم "للشكل" وجوده، فقد أصابه ما أصاب "الموضوع" وكان ذلك على يد المدرسة التنقيطية التي قامت بتفتيته وتحويله إلى نقاط، ثم قامت التكعيبية بتحطيمه ثم أعادت بناءه، وجاءت السيريالية لتلغي الاهتمام بالشكل أو الصورة أو الهندسة.. وبهذا وصل "الشكل" إلى نهايته، كما وصل "الموضوع" قبله إلى نهايته وواسى كل منهما الآخر.




4- الفن والجمال:

كان الجمال غاية الفن.

ومع مرور الأيام وتتابع المدارس الفنية بدأ الاستغناء عن الجمال ليحل محله "الجمال الفني" ذلك الاصطلاح الذي يعين: ما يتوصل إليه الفنان بعد معاناته.




كان الناس جميعًا في الماضي يستطيعون التمتع بالجمال، ثم أصبح التمتع بالجمال الفني قاصرًا على أهل الاختصاص والمتدربين على تذوق الجمال الفني.




وبدأ النحول يصيب الجمال على يد المدارس الفنية، التي بدأت تتخلى عنه الواحدة تلو الأخرى حتى وصل الأمر إلى فن "القبح" أو "فن القمامة" على يد الدادية. فانتهت علاقة الفن بالجمال، وذهب كل منهما في طريق غير طريق صاحبه. وجاء "الفن الفقير" فقضى على هذه العلاقة قضاء مبرمًا.




5- الفنّان:

من هو الفنان؟

حين كان للعمل الفني مقوماته وقواعده، وأصوله وغاياته، كان الجواب على هذا السؤال: الفنان إنسان موهوب، وقد نّمى هذه الموهبة بالمعرفة والثقافة والعلم والتدريب..




أما بعد أن تجاوز العمل الفني كل تلك الأساسيات، وأثبت في ميدان الواقع إمكانية الاستغناء عنها، على يد تلك المدارس المتعاقبة أو المتزامنة.. وآل الأمر إلى أن أصبح كل عبث فنًا، وكل تهريج لوحة، أصبح من العسير الإِجابة على هذا السؤال!!




فقد أضحى الباب مفتوحًا أمام كل إِنسان كي يصبح فنانًا، سواء أكان موهوبًا أم غير موهوب، وكان ذلك بفضل الدادية والتجريدية والسيريالية.. فقد ذهبت الأسس والقواعد والمقومات، وقامت ذاتية الفنان مقامها. وارتفع المستوى الفني العام وأصبح كل إنسان فنانًا...؟!!





وضاعت شخصية اللوحة.. بضياع شخصية الفنان. وأصبح من العسير في هذا الخضم المتلاطم الأمواج تمييز ما هو فن عما ليس بفن، وأصبح كل إنتاج يمكن أن يكون فنًا.




وظهر فن "ضد الفن" - كما رأينا - وبهذا أصبح كل من لا يتقن الفن أو يمقت الفن فنانًا في هذه المدرسة.




وضاعت هوية الفن.. وضاع معها الفنان!!



يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.18 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.75%)]