عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 16-09-2022, 02:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,050
الدولة : Egypt
افتراضي أنواع المقاطع السردية في القصة القصيرة جدا (أضمومة تفاحة الغواية للطيب الوزاني أنموذج

أنواع المقاطع السردية في القصة القصيرة جدا (أضمومة تفاحة الغواية للطيب الوزاني أنموذجا)
د. جميل حمداوي






المقدمة:
تندرج مقاربتنا لمجموعة (تفاحة الغواية) للطيب الوزاني ضمن لسانيات النص التي تعنى بدراسة نسيج النص انتظاما واتساقا وانسجاما، وتهتم بكيفية بناء النص وتركيبه. بمعنى أن لسانيات النص تبحث عن الآليات اللغوية والدلالية التي تساهم في انبناء النص وتأويله. أضف إلى ذلك أن هذه اللسانيات تتجاوز الجملة إلى دراسة النص والخطاب، بمعرفة البنى التي تساعد على انتقال الملفوظ من الجملة إلى النص أو الخطاب، أو الانتقال من الشفوي إلى المكتوب النصي. ويعني هذا أن لسانيات النص هي التي تدرس النص، وتحلل الخطاب، ولاتهتم بالجملة المنعزلة، بل تهتم بالنص باعتباره مجموعة من الجمل والمقاطع المترابطة ظاهريا وضمنيا. ومن ثم، فقد انطلق هذا التخصص العلمي من لسانيات الملفوظ مع إميل بنفنست[1] (E. Benveniste).


ومن ثم، تهدف هذه اللسانيات إلى وصف النصوص والخطابات نحويا ولسانيا، في ضوء مستوياتها الصوتية، والصرفية، والتركيبية، والدلالية، والتداولية، والبلاغية...كما توصف الجمل حسب المدارس اللسانية؛ لأن النص جملة كبرى. وما ينطبق على الجملة الصغرى ينطبق أيضا على الجملة الكبرى.


وعليه، فلسانيات النص هي التي تدرس النص على أساس أنه مجموعة أو فضاء ممتد وواسع من الجمل والفقرات والمقاطع والمتواليات المترابطة شكلا ودلالة ووظيفة، ضمن سياق تداولي وتواصلي معين. ومن ثم، يحمل مقصديات مباشرة وغير مباشرة، ويهدف إلى الإبلاغ أو الإمتاع أو الإفادة أو التأثير أو الإقناع أو الاقتناع أو الحجاج...


وتدرس لسانيات النص ما يجعل النص متسقا ومنسجما ومترابطا، بالتركيز على الروابط التركيبية، والدلالية، والسياقية، سواء أكانت صريحة أم ضمنية. ولاتكتفي لسانيات النص بماهو مكتوب فقط، بل تدرس حتى النصوص الشفوية والملفوظات النصية القولية.أي: تبحث عن آليات بناء النص، ومختلف الوظائف التي يؤديها ضمن سياق تداولي معين[2].


وما يهمنا في هذه الدراسة هو التوقف عند طبيعة المقاطع والمتواليات والفقرات التي وظفها المبدع الطيب الوزاني في بناء قصصه القصيرة جدا، والتعرف إلى بنياتها ودلالاتها ووظائفها.


المبحث الأول: مفهوم المقطع لغة واصطلاحا:
يعرف المقطع، في (لسان العرب)، لابن منظور على النحو التالي: "مقاطيع الأودية: مآخيرها. ومنقطع كل شيء: حيث ينتهي إليه طرفه. والمنقطع: الشيء نفسه. وشراب لذيذ المقطع أي الآخر والخاتمة. وقطع الماء قطعا: شقه وجازه. وقطع به النهر وأقطعه إياه وأقطعه به: جاوزه، وهو من الفصل بين الأجزاء. وقطعت النهر قطعا وقطوعا: عبرت. ومقاطع الأنهار: حيث يعبر فيه. والمقطع: غاية ما قطع. يقال: مقطع الثوب ومقطع الرمل للذي لا رمل وراءه. والمقطع: الموضع الذي يقطع فيه النهر من المعابر. ومقاطع القرآن: مواضع الوقوف، ومبادئه: مواضع الابتداء.[3]"


يفهم من هذه الدلالات اللغوية أن المقطع له بداية ونهاية، أو له مطلع وخاتمة. كما يدل المقطع على مواضع الوقوف مقابل مواضع الابتداء. أضف إلى ذلك أن النص يتشكل من مجموعة من المقاطع لها بداية ونهاية. ويعني هذا أن المقطع عبارة عن مطية عبور إلى نقطة النهاية، ابتداء من نقطة البداية. وأكثر من هذا هو فصل من الأجزاء التي يتكون منها النص الكلي، أو هو بمثابة شق من شقوق النص وفصوصه الجزئية.


أما في الثقافة الغربية، فيعني المقطع أو المتوالية أو الفقرة (Séquences textuelles/Paragraphes/ Strophes) مجموعة من الجمل تشكل وحدة دلالية أو معنوية ما. وتترابط هذه الجمل بمجموعة من آليات الاتساق والانسجام، مثل: آلية السرد، وآلية الوصف، وآلية الإخبار، وآلية الحجاج، وآلية التفسير... ومن هنا، يمكن الحديث عن أنواع عدة من المقاطع: المقطع السردي، والمقطع الوصفي، والمقطع الإخباري، والمقطع التفسيري، والمقطع الحجاجي، والمقطع الحواري، والمقطع الإحالي، والمقطع الشذري، والمقطع الفلسفي، والمقطع الميتاسردي، والمقطع الشاعري،...


ومن جهة أخرى، يتضمن كل نص مقطعا مهيمنا على باقي المقاطع الأخرى. وفي الوقت نفسه، يحوي ذلك النص نفسه مقاطع ثانوية مكملة أو تابعة للمقطع المهيمن.


المبحث الثاني: نشأة لسانيات المقاطع:
ارتبطت عملية التقطيع النصي بلسانيات النص أو تحليل الخطاب. ومن ثم، فقد كانت أولى محاولة لتقطيع النصوص أو الحكايات إلى مقاطع وفقرات ومتواليات مع كتاب(الحكايات الروسية العجيبة) لفلاديمير بروب (V.Propp) الذي صدر سنة 1928م[4]، حيث قدم بروب أول دراسة لسانية تحليلية لمقاطع الحكاية بغية تحديد الوظائف السردية، وتبيان عواملها وشخوصها النحوية. ويعني هذا أنه وضع مجموعة من المعايير للتنظيم المقطعي. ومن هنا، فالجديد في كتابه هو تقسيم كل حكاية إلى مقاطع ومتواليات سردية. ولم تكن المقارنة بين هذه الحكايات الروسية العجيبة قائمة على المعطيات الخارجية، بل كانت تستند إلى وحداتها البنيوية الداخلية.أي: كان بروب أول من استعمل تقنية التقطيع النصي إلى وحدات وفقرات ومقاطع وظيفية.


ويعد الباحث السويسري جان ميشيل آدم (J.M.Adam) من أهم الباحثين الذين اهتموا بتحليل النصوص والخطابات في ضوء لسانيات النص[5]. وقد اهتم بدراسة المقطع النصي. وقد حدد خمسة أنواع من المقاطع أو المتواليات النصية التي توجد في خطاب معين هي: المقطع السردي، والمقطع الوصفي، والمقطع الحجاجي، والمقطع التفسيري، والمقطع الحواري. ويتكون كل مقطع من ملفوظات تركيبية متسقة ومنسجمة ومتتابعة لها وظيفة دلالية معينة ضمن التنظيم النصي. وتترابط هذه المقاطع والمتواليات بشكل متسلسل ومتدرج ومتسق. بل يمكن الحديث عن مقاطع مهيمنة ومقاطع خاضعة، أو مقاطع مدمجة (بكسر الميم) ومقاطع مدمجة (بفتح الميم).


المبحث الثالث: المقاطع النصية في (تفاحة الغواية):
من المعلوم أن القصة القصيرة جدا يمكن أن تظهر في مقطع واحد. ويمكن أيضا أن تكون جملة واحدة أو أقل من جملة واحدة، ويمكن لها أن تتوالى في شكل مقاطع متتابعة ومتتوالية، بشرط أن تحافظ على وحدتها التجنيسية والدلالية والتركيبية والسياقية.


ومن هنا، تتضمن مجموعة (تفاحة الغواية) للمبدع المغربي الطيب الوزاني مجموعة من المقاطع النصية التي تشكل عوالمه القصصية القصيرة جدا. ويمكن حصر هذه المقاطع في الأنواع التالية:
المطلب الأول: المقطع السردي:
ينبني المقطع السردي على مجموعة من الجمل السردية المتوالية والمتعاقبة التي تساهم في تحبيك القصة القصيرة جدا وتمطيطها وتعقيدها، بغية الانتهاء بحل ما على أساس أنه انفراج للأزمة المعطاة. كما يبدو ذلك واضحا في قصيصة (خلل ما !!):
"طرقٌ شديد..
نزل من الطابق العلوي.. فتح الباب.. لا أحد..
عاد إلى الداخل.. صعد من جديد وهو يتساءل عمن يكون الطارق.. أعياه التفكير..
نزل إلى الأسفل مرة أخرى.. خلع الباب من مفاصله.."


هذه القصيصة عبارة عن مقطع سردي واحد، يتكون من مجموعة من الأحداث السردية المتعاقبة: الطرق- النزول- فتح الباب- اختفاء الطارق-الصعود- التفكير- النزول- خلع الباب.إذاً، هناك مجموعة من الأحداث التي تنبني على عقدة الطرق. ولم تنفرج الأزمة السردية إلا بخلع الباب بشدة، وتركه مفتوحا على مصراعيه.


ومن هنا، فالمقطع يترابط - تركيبيا- بمجموعة من روابط الاتساق الظاهرة، مثل: واو الحال (وهو يتساءل)، والإحالة عبر الضمائر العائدة على الشخصية الرئيسة: نزل - فتح- عاد- صعد - نزل- خلع...، والتكرار اللفظي (نزل- الباب...). كما يتميز هذا المقطع بانسجام داخلي ناتج عن العنوان الذي يحيلنا على التيمة المحورية للنص التي تتمثل في (أرق التفكير)، وتأثيره السلبي في الإنسان. كما يعبر أيضا عن خلل ما ناتج عن سوء التواصل بين الذات والموضوع.


المطلب الثاني: المقطع الوصفي:
يعتمد المقطع الوصفي على إيراد الأوصاف والنعوت والأحوال لوصف شخص أو مكان أو شيء أو وسيلة ما. ومن أهم القصيصات التي تتضمن المقطع الوصفي قصيصة (الغريب):
" كانوا كل مساء يجلسون يتدبرون أمر واقعهم المزري ويناقشون سبل الخروج منه. واتفقوا أن يختاروا كبيرا لهم.


صادف أن جاءهم غريب بشوش وديع خدوم مدع العفاف والكفاف. عرض خدماته بصوت خفيض وابتسامة تكاد تكون خجولة. فسحوا له مجلسا بينهم ورحبوا به. وما فتئ يقترب من وسط المجلس متخطيا بلباقته وتواضعه رقبة بعد أخرى حتى دنا من القاضي.. كانوا قد وثقوا به فاقترحوه كبيرا لهم...


لما قام القاضي ليضع عمامة الحاكم على رأسه، لاحظ أن شعره مزيف السواد وتحته نتوء قرن مازال صغيرا..."


يتميز هذا المقطع الوصفي بتوفره على مجموعة من النعوت والأوصاف والأحوال(واقعهم المزري- غريب بشوش وديع خدوم مدع- بصوت خفيض- وابتسامة تكاد تكون خجولة- يقترب من وسط المجلس متخطيا- شعره مزيف السواد وتحته نتوء قرن مازال صغيرا...).


وعليه، تتميز القصيصة بتماسكها اللغوي (حروف العطف- ضمائر الإحالة- والتكرار اللفظي (القاضي)، وانسجامها الدلالي (زيف الغريب وشذوذه وشيطانيته الخطيرة).


المطلب الثالث: المقطع الحجاجي
يستند المقطع الحجاجي إلى توظيف الحجج والبراهين والروابط اللغوية ذات الطابع الحجاجي، كما يبدو ذلك واضحا في قصيصة (مسؤول):
"كان بحكم مهامه يساهم في دراسة كل طلبات عروض الصفقات. أصبح خبيرا في مساطرها الإدارية، الظاهرة منها والخفية..


خبرته بدت جلية على مظهر زوجته وعياله.."


يتضمن هذا المقطع الحجاجي مجموعة من الروابط والعمليات الحجاجية، مثل: حجاج السبب (بحكم مهامه مسؤولا- دراسة الصفقات- الخبرة في مساطرها الإدارية الظاهرة والخفية)، وحجاج النتيجة (رفاهية الأسرة وغناها). وبما أن النص ذو مقطع حجاجي، فمن الطبيعي أن يتميز بالاتساق والانسجام على مستوى التركيب والدلالة والتداول.


المطلب الرابع: المقطع الإخباري:
يتميز المقطع الإخباري، في النص السردي، بتقديم الأخبار والأحداث والوقائع بطريقة مباشرة أو ضمنية، بهدف نقل الواقع المعطى ووصفه كما هو. كما يبدو ذلك واضحا في قصيصة (خناقة):
" هدوء غير طبيعي بالبيت وصمت ثقيل يخيم بينهما. فوران بركان الأمس خمد، لكنه مازال يتنفس..

أغنية نجاة الصغيرة تأتي على غير ان تظار: ما أحلى الرجوع إليه.. !
تتقدم نحو المذياع، تخنق صوته.."


يقدم لنا هذا المقطع القصصي القصير جدا مجموعة من الأخبار عن طبيعة البيت؛ إذ يخبرنا هذا المقطع بوجود صمت ثقيل، وهدوء طبيعي، وصراع بين الزوجين، وانقشاع ثورة بركان الأمس، والحنين إلى اللقاء الرومانسي المفقود.ومن ثم، يتميز النص باتساقه اللغوي (حروف العطف- وضمائر الإحالة- والملفوظ الحواري الداخلي)، وانسجامه الدلالي والسياقي.

المطلب الخامس: المقطع التفسيري:
يتميز المقطع التفسيري بتجاوز الإخبار إلى تفسير الأحداث والوقائع وفق مكوناتها التفسيرية والسياقية. كما يبدو ذلك واضحا في قصيصة (القصيدة):
" كتبت بالأمس قصيدة من نظمي على خشب الطاولة. دفعت ثمن قهوتي وغادرت.


عند عودتي هذا المساء، قصدت المكان نفسه. أخبرني النادل أن رجلين جلسا بالأمس على الطاولة نفسها بعدي، وانتبها للقصيدة التي لا تحمل توقيعا. اختلفا في صاحبها، واحتد النقاش بينهما إلى أن وصل إلى مسامع زبناء المقهى. وكل منهما يرمي الآخر بالجهل، ويدعي أنه سبق له أن قرأها في ديوان شاعره المفضل.


تبا لمن ابتلانا بهذه البلوى وشوه وجه الطاولة!!..
هكذا تلفظ النادل وهو يناولني قهوتي معتذرا عن كونه لم يفلح في محوها بالكامل."..


يتضمن المقطع السردي الدامج مقطعا ثانويا يمكن تسميته بالمقطع التفسيري. إذ تحاول مجموعة من الشخوص أن تفسر لغز القصيدة المكتوبة على طاولة المقهى، بالبحث عن صاحبها الأصلي، إلى أن اختلف زبناء المقهى في ذلك، وساروا في اتجاهات مختلفة. ومن ثم، يتميز النص بتماسكه الاتساقي (حروف العطف- أسماء الإشارة - ضمائر الإحالة- الاسم الموصول- التكرار اللفظي)، وانسجامه الدلالي (العنوان- التيمة الموضوعية - والسياق التداولي).
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.15 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.04%)]