عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 12-09-2022, 03:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,251
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ النساء
المجلد الخامس
الحلقة( 182)

من صــ 171 الى صـ 180






وكذلك النجاشي هو وإن كان ملك النصارى فلم يطعه قومه في الدخول في الإسلام بل إنما دخل معه نفر منهم؛ ولهذا {لما مات لم يكن هناك أحد يصلي عليه فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة خرج بالمسلمين إلى المصلى فصفهم صفوفا وصلى عليه وأخبرهم بموته يوم مات وقال: إن أخا لكم صالحا من أهل الحبشة مات} وكثير من شرائع الإسلام أو أكثرها لم يكن دخل فيها لعجزه عن ذلك فلم يهاجر ولم يجاهد ولا حج البيت بل قد روي أنه لم يصل الصلوات الخمس ولا يصوم شهر رمضان ولا يؤد الزكاة الشرعية؛ لأن ذلك كان يظهر عند قومه فينكرونه عليه وهو لا يمكنه مخالفتهم. ونحن نعلم قطعا أنه لم يكن يمكنه أن يحكم بينهم بحكم القرآن والله قد فرض على نبيه بالمدينة أنه إذا جاءه أهل الكتاب لم يحكم بينهم إلا بما أنزل الله إليه وحذره أن يفتنوه عن بعض ما أنزل الله إليه. وهذا مثل الحكم في الزنا للمحصن بحد الرجم وفي الديات بالعدل؛ والتسوية في الدماء بين الشريف والوضيع النفس بالنفس والعين بالعين وغير ذلك.

والنجاشي ما كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن؛ فإن قومه لا يقرونه على ذلك وكثيرا ما يتولى الرجل بين المسلمين والتتار قاضيا بل وإماما وفي نفسه أمور من العدل يريد أن يعمل بها فلا يمكنه ذلك بل هناك من يمنعه ذلك ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها وعمر بن عبد العزيز عودي وأوذي على بعض ما أقامه من العدل وقيل: إنه سم على ذلك. فالنجاشي وأمثاله سعداء في الجنة وإن كانوا لم يلتزموا من شرائع الإسلام ما لا يقدرون على التزامه بل كانوا يحكمون بالأحكام التي يمكنهم الحكم بها. ولهذا جعل الله هؤلاء من أهل الكتاب قال الله تعالى: {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب} وهذه الآية قد قال طائفة من السلف: إنها نزلت في النجاشي ويروى هذا عن جابر وابن عباس وأنس. ومنهم من قال: فيه وفي أصحابه؛ كما قال الحسن وقتادة. وهذا مراد الصحابة ولكن هو المطاع فإن لفظ الآية لفظ الجمع لم يرد بها واحد.
وعن عطاء قال: نزلت في أربعين من أهل نجران وثلاثين من الحبشة وثمانية من الروم وكانوا على دين عيسى فآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ولم يذكر هؤلاء من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة مثل: عبد الله بن سلام وغيره ممن كان يهوديا وسلمان الفارسي وغيره ممن كان نصرانيا إلا هؤلاء صاروا من المؤمنين فلا يقال فيهم: {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم} ولا يقول أحد: إن اليهود والنصارى بعد إسلامهم وهجرتهم ودخولهم في جملة المسلمين المهاجرين المجاهدين يقال: إنهم من أهل الكتاب أي من جملتهم وقد آمنوا بالرسول كما قال تعالى في المقتول خطأ: {عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة} وقوله:
{وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق} فهو من العدو ولكن هو كان قد آمن وما أمكنه الهجرة وإظهار الإيمان والتزام شرائعه فسماه مؤمنا لأنه فعل من الإيمان ما يقدر عليه. وهذا كما أنه قد كان بمكة جماعة من المؤمنين يستخفون بإيمانهم وهم عاجزون عن الهجرة قال تعالى: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا} {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا} {فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا} فعذر سبحانه المستضعف العاجز عن الهجرة.
وقال تعالى: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا} فأولئك كانوا عاجزين عن إقامة دينهم فقد سقط عنهم ما عجزوا عنه؟ فإذا كان هذا فيمن كان مشركا وآمن: فما الظن بمن كان من أهل الكتاب وآمن؟ وقوله: {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن} قيل: هو الذي يكون عليه لباس أهل الحرب مثل أن يكون في صفهم فيعذر القاتل لأنه مأمور بقتاله فتسقط عنه الدية وتجب الكفارة وهو قول الشافعي وأحمد في أحد القولين وقيل: بل هو من أسلم ولم يهاجر. كما يقوله أبو حنيفة لكن هذا قد أوجب فيه الكفارة.
وقيل إذا كان من أهل الحرب لم يكن له وارث فلا يعطى أهل الحرب ديته بل تجب الكفارة فقط. وسواء عرف أنه مؤمن وقتل خطأ أو ظن أنه كافر وهذا ظاهر الآية. وقد قال بعض المفسرين: إن هذه الآية نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه كما نقل عن ابن جريج ومقاتل وابن زيد يعني: قوله: {وإن من أهل الكتاب} وبعضهم قال: إنها في مؤمني أهل الكتاب. فهو كالقول الأول وإن أراد العموم فهو كالثاني. وهذا قول مجاهد ورواه أبو صالح عن ابن عباس. وقول من أدخل فيها ابن سلام وأمثاله ضعيف؛ فإن هؤلاء من المؤمنين ظاهرا وباطنا من كل وجه لا يجوز أن يقال فيهم:{وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب}.

أما أولا: فإن ابن سلام أسلم في أول ما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وقال: فلما رأيت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب. وسورة آل عمران إنما نزل ذكر أهل الكتاب فيها لما قدم وفد نجران سنة تسع أو عشر. وثانيا: أن ابن سلام وأمثاله هو واحد من جملة الصحابة والمؤمنين وهو من أفضلهم وكذلك سلمان الفارسي فلا يقال فيه: إنه من أهل الكتاب. وهؤلاء لهم أجور مثل أجور سائر المؤمنين بل يؤتون أجرهم مرتين وهم ملتزمون جميع شرائع الإسلام فأجرهم أعظم من أن يقال فيه: {أولئك لهم أجرهم عند ربهم}.

وأيضا فإن أمر هؤلاء كان ظاهرا معروفا ولم يكن أحد يشك فيهم فأي فائدة في الإخبار بهم؟ وما هذا إلا كما يقال: الإسلام دخل فيه من كان مشركا أو كان كتابيا وهذا معلوم لكل أحد بأنه دين لم يعرف قبل محمد صلى الله عليه وسلم فكل من دخل فيه كان قبل ذلك إما مشركا وإما من أهل الكتاب إما كتابيا وإما أميا. فأي فائدة في الإخبار بهذا؟ بخلاف أمر النجاشي وأصحابه ممن كانوا متظاهرين بكثير مما عليه النصارى؛ فإن أمرهم قد يشتبه. ولهذا ذكروا في سبب نزول هذه الآية: إنه لما مات النجاشي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال قائل: تصلي على هذا العلج النصراني وهو في أرضه؟ فنزلت هذه الآية هذا منقول عن جابر وأنس بن مالك وابن عباس وهم من الصحابة الذين باشروا الصلاة على النجاشي وهذا بخلاف ابن سلام وسلمان الفارسي؛ فإنه إذا صلى على واحد من هؤلاء لم ينكر ذلك أحد.
وهذا مما يبين أن المظهرين للإسلام فيهم منافق لا يصلى عليه كما نزل في حق ابن أبي وأمثاله. وإن من هو في أرض الكفر يكون مؤمنا يصلى عليه كالنجاشي. ويشبه هذه الآية أنه لما ذكر تعالى أهل الكتاب فقال: {ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون} {لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون} {ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}
{ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون} {يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين} وهذه الآية قيل: إنها نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه.
وقيل: إن قوله {منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون}. هو عبد الله بن سلام وأصحابه. وهذا والله أعلم من نمط الذي قبله؛ فإن هؤلاء ما بقوا من أهل الكتاب وإنما المقصود من هو منهم في الظاهر وهو مؤمن؛ لكن لا يقدر على ما يقدر عليه المؤمنون المهاجرون المجاهدون كمؤمن آل فرعون هو من آل فرعون وهو مؤمن؛ ولهذا قال تعالى: {وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم} فهو من آل فرعون وهو مؤمن. وكذلك هؤلاء منهم المؤمنون.
ولهذا قال: {وأكثرهم الفاسقون} وقد قال قبل هذا {ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون} ثم قال: {لن يضروكم إلا أذى} وهذا عائد إليهم جميعهم لا إلى أكثرهم. ولهذا قال: {وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون} وقد يقاتلون وفيهم مؤمن يكتم إيمانه يشهد القتال معهم ولا يمكنه الهجرة وهو مكره على القتال ويبعث يوم القيامة على نيته كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يغزو جيش هذا البيت فبينما هم ببيداء من الأرض إذ خسف بهم فقيل: يا رسول الله وفيهم المكره قال: يبعثون على نياتهم} وهذا في ظاهر الأمر وإن قتل وحكم عليه بما يحكم على الكفار فالله يبعثه على نيته كما أن المنافقين منا يحكم لهم في الظاهر بحكم الإسلام ويبعثون على نياتهم. والجزاء يوم القيامة على ما في القلوب لا على مجرد الظواهر؛ ولهذا روي {أن العباس قال: يا رسول الله كنت مكرها. قال: أما ظاهرك فكان علينا وأما سريرتك فإلى الله}.
وبالجملة لا خلاف بين المسلمين أن من كان في دار الكفر وقد آمن وهو عاجز عن الهجرة لا يجب عليه من الشرائع ما يعجز عنها بل الوجوب بحسب الإمكان وكذلك ما لم يعلم حكمه فلو لم يعلم أن الصلاة واجبة عليه وبقي مدة لم يصل لم يجب عليه القضاء في أظهر قولي العلماء وهذا مذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد. وكذلك سائر الواجبات من صوم شهر رمضان وأداء الزكاة وغير ذلك. ولو لم يعلم تحريم الخمر فشربها لم يحد باتفاق المسلمين وإنما اختلفوا في قضاء الصلوات.
سورة النساء
(ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا (1)

فصل:
في الأسباب التي بين الله وعباده وبين العباد: الخلقية والكسبية. الشرعية؛ والشرطية.

قال الله تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} افتتح السورة بذكر خلق الجنس الإنساني من نفس واحدة؛ وأن زوجها مخلوق منها وأنه بث منهما الرجال والنساء: أكمل الأسباب وأجلها ثم ذكر ما بين الآدميين من الأسباب المخلوقة الشرعية: كالولادة ومن الكسبية الشرطية: كالنكاح ثم قال: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} قال طائفة من المفسرين من السلف: {تساءلون به} تتعاهدون به وتتعاقدون. وهو كما قالوا؛ لأن كل واحد من المتعاقدين عقد البيع أو النكاح أو الهدنة أو غير ذلك يسأل الآخر مطلوبه: هذا يطلب تسليم المبيع. وهذا تسليم الثمن: وكل منهما قد أوجب على نفسه مطلوب الآخر فكل منهما طالب من الآخر موجب لمطلوب الآخر.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.22 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 40.59 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.52%)]