عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 12-09-2022, 12:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,140
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ النَّحْلِ
الحلقة (338)
صــ 461 إلى صــ 468





والثاني : معجلون ، قاله ابن عباس أيضا . وقال ابن قتيبة : معجلون إلى النار . قال الزجاج : معنى " الفرط " في اللغة : المتقدم ، فمعنى " مفرطون " : [ ص: 461 ] مقدمون إلى النار ، ومن فسرها " متركون " فهو كذلك [أيضا] ، أي : قد جعلوا مقدمين إلى العذاب أبدا ، متروكين فيه . وقرأ نافع ، ومحبوب ، عن أبي عمرو ، وقتيبة عن الكسائي " مفرطون " بسكون الفاء وكسر الراء وتخفيفها ، قال الزجاج : ومعناها : أنهم أفرطوا في معصية الله . وقرأ أبو جعفر وابن أبي عبلة " مفرطون " بفتح الفاء وتشديد الراء وكسرها . قال الزجاج : ومعناها : أنهم فرطوا في الدنيا فلم يعملوا فيها للآخرة ، وتصديق هذه القراءة يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله [الزمر :56] . وروى الوليد بن مسلم عن ابن عامر " مفرطون " بفتح الفاء والراء وتشديدها ، قال الزجاج : وتفسيرها كتفسير القراءة الأولى ، فالمفرط و المفرط بمعنى واحد .
تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون

قوله تعالى : " تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك " قال المفسرون : هذه [ ص: 462 ] تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم " فزين لهم الشيطان أعمالهم " الخبيثة حتى عصوا وكذبوا ، " فهو وليهم اليوم " فيه قولان :

أحدهما : أنه يوم القيامة ، قاله ابن السائب ، ومقاتل ، كأنهما أرادا : فهو وليهم يوم تكون لهم النار .

والثاني : أنه الدنيا ، فالمعنى فهو مواليهم في الدنيا " ولهم عذاب أليم " في الآخرة ، قاله أبو سليمان الدمشقي .

قوله تعالى : " إلا لتبين لهم " يعني : الكفار " الذي اختلفوا فيه " أي : ما خالفوا فيه المؤمنين من التوحيد والبعث والجزاء ، فالمعنى : أنزلناه بيانا لما وقع فيه الاختلاف .
والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآية لقوم يسمعون وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون

قوله تعالى : " والله أنزل من السماء ماء " يعني : المطر " فأحيا به الأرض بعد موتها " أي : بعد يبسها " إن في ذلك لآية لقوم يسمعون " أي : يعتبرون .

قوله تعالى : " وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم " قرأ أبو عمرو ، وابن كثير ، وحمزة ، والكسائي : " نسقيكم " بضم النون ، ومثله في (المؤمنون :21) . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : " نسقيكم " بفتح النون فيهما . وقرأ أبو جعفر : " تسقيكم " بتاء مفتوحة ، وكذلك في (المؤمنون :21) ، [ ص: 463 ] وقد سبق بيان الأنعام . وذكرنا معنى " العبرة " في (آل عمران :13) ، والفرق بين " سقى " و " أسقى " في (الحجر :22) .

فأما قوله : " مما في بطونه " فقال الفراء : النعم والأنعام شيء واحد ، وهما جمعان ، فرجع التذكير إلى معنى " النعم " إذ كان يؤدي عن الأنعام ، أنشدني بعضهم :

وطاب ألبان اللقاح وبرد

فرجع إلى اللبن ، لأن اللبن والألبان في معنى ; قال : وقال الكسائي : أراد : نسقيكم مما في بطون ما ذكرنا ، وهو صواب ، أنشدني بعضهم :

مثل الفراخ نتفت حواصله

وقال المبرد : هذا فاش في القرآن ، كقوله للشمس : هذا ربي [الأنعام :78] يعني : هذا الشيء الطالع ، وكذلك وإني مرسلة إليهم بهدية ثم قال : فلما جاء سليمان [النمل :35،36] ولم يقل : " جاءت " لأن المعنى : جاء الشيء الذي ذكرنا ، وقال أبو عبيدة : الهاء في " بطونه " للبعض ، والمعنى : نسقيكم مما في بطون البعض الذي له لبن ، لأنه ليس لكل الأنعام لبن ، وقال ابن قتيبة : ذهب بقوله : " مما في بطونه " إلى النعم ، والنعم تذكر وتؤنث ، والفرث : ما في الكرش ، والمعنى : أن اللبن كان طعاما ، فخلص من ذلك الطعام دم ، وبقي منه فرث في الكرش ، وخلص من ذلك الدم " لبنا خالصا سائغا للشاربين " أي : سهلا في الشرب لا يشجى به شاربه ، ولا يغص . وقال بعضهم : سائغا ، أي : لا تعافه النفس وإن كان قد خرج من بين فرث ودم ، وروى [ ص: 464 ] أبو صالح عن ابن عباس قال : إذا استقر العلف في الكرش ، طحنه ، فصار أسفله فرثا ، وأعلاه دما ، وأوسطه لبنا ، والكبد مسلطة على هذه الأصناف الثلاثة ، فيجري الدم في العروق ، واللبن في الضرع ، ويبقى الفرث في الكرش .

قوله تعالى : " ومن ثمرات النخيل والأعناب " تقدير الكلام : ولكم من ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون منه سكرا . والعرب تضمر " ما " كقوله : وإذا رأيت ثم [الإنسان :20] أي : ما ثم . والكناية في " منه " عائدة على " ما " المضمرة . وقال الأخفش : إنما لم يقل : منهما ، لأنه أضمر الشيء ، كأنه قال : ومنها شيء تتخذون منه سكرا .

وفي المراد بالسكر ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه الخمر ، قاله ابن مسعود ، وابن عمر ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وإبراهيم ابن أبي ليلى ، والزجاج ، وابن قتيبة . وروى عمرو بن سفيان عن ابن عباس : قال السكر : ما حرم من ثمرتها ، وقال هؤلاء المفسرون : وهذه الآية نزلت إذ كانت الخمرة مباحة ، ثم نسخ [ذلك] بقوله : فاجتنبوه [المائدة :90] وممن ذكر أنها منسوخة ، سعيد بن جبير ، ومجاهد ، والشعبي ، والنخعي .

والثاني : أن السكر : الخل ، بلغة الحبشة ، رواه العوفي عن ابن عباس . وقال الضحاك : هو الخل ، بلغة اليمن .

والثالث : أن " السكر " الطعم ، يقال : هذا له سكر ، أي : طعم ، وأنشدوا :

جعلت عيب الأكرمين سكرا

[ ص: 465 ] قاله أبو عبيدة . فعلى هذين القولين ، الآية محكمة . فأما الرزق الحسن ، فهو ما أحل منهما ، كالتمر ، والعنب ، والزبيب ، والخل ، ونحو ذلك .
وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون

قوله تعالى : " وأوحى ربك إلى النحل " في هذا الوحي قولان :

أحدهما : أنه إلهام ، رواه الضحاك عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، والضحاك ، ومقاتل .

والثاني : أنه أمر ، رواه العوفي عن ابن عباس . وروى ابن مجاهد عن أبيه قال : أرسل إليها . والنحل : زنابير العسل ، واحدتها نحلة . و " يعرشون " يجعلونه عريشا . وقرأ ابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم " يعرشون " بضم الراء ، وهما لغتان ، يقال : " يعرش " و " يعرش " مثل " يعكف " و " يعكف " ثم فيه قولان :

أحدهما : ما يعرشون من الكروم ، قاله ابن زيد .

والثاني : أنها سقوف البيوت ، قاله الفراء . وقال ابن قتيبة : كل شيء عرش ، من كرم ، أو نبات ، أو سقف ، فهو عرش ، ومعروش . وقيل : المراد بـ " مما يعرشون " : مما يبنون لهم من الأماكن التي تلقي فيها العسل ، ولولا التسخير ، ما كانت تأوي إليها .

قوله تعالى : " ثم كلي من كل الثمرات " قال ابن قتيبة : أي : من الثمرات ، [ ص: 466 ] و " كل " هاهنا ليست على العموم ، ومثله قوله : تدمر كل شيء [الأحقاف :25] . قال الزجاج : فهي تأكل الحامض ، والمر ، وما لا يوصف طعمه ، فيحيل الله عز وجل من ذلك عسلا .

قوله تعالى : " فاسلكي سبل ربك " السبل : الطرق ، وهي التي يطلب فيها الرعي . و " الذلل " جمع ذلول . وفي الموصوف بها قولان :

أحدهما : أنها السبل ، فالمعنى : اسلكي السبل مذللة لك ، فلا يتوعر عليها مكان سلكته ، وهذا قول مجاهد ، واختيار الزجاج .

والثاني : أنها النحل ، فالمعنى : إنك مذللة بالتسخير لبني آدم ، وهذا قول قتادة ، واختيار ابن قتيبة .

قوله تعالى : " يخرج من بطونها شراب " يعني : العسل " مختلف ألوانه " قال ابن عباس : منه أحمر ، وأبيض ، وأصفر . قال الزجاج : [يخرج] من بطونها ، إلا أنها تلقيه من أفواهها ، وإنما قال : من بطونها ، لأن استحالة الأطعمة لا تكون إلا في البطن ، فيخرج كالريق الدائم الذي يخرج من فم ابن آدم .

قوله تعالى : " فيه شفاء للناس " في هاء الكناية ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها ترجع إلى العسل ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال ابن مسعود . واختلفوا ، هل الشفاء الذي فيه يختص بمرض دون غيره ، أم لا ؟ على قولين : أحدهما : أنه عام في كل مرض . قال ابن مسعود : العسل شفاء من كل داء . وقال قتادة : فيه شفاء للناس من الأدواء . وقد روى أبو سعيد الخدري قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن أخي استطلق بطنه ، فقال : " اسقه عسلا " فسقاه ، ثم أتى فقال : قد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا ، قال : " اسقه ، [ ص: 467 ] عسلا " ، فذكر الحديث . . . إلى أن قال : فشفي ، إما في الثالثة ، وإما في الرابعة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صدق الله ، وكذب بطن أخيك " أخرجه البخاري ومسلم . ويعني بقوله " صدق الله " : هذه الآية . والثاني : فيه شفاء للأوجاع التي شفاؤها فيه ، قاله السدي . والصحيح أن ذلك خرج مخرج الغالب . قال ابن الأنباري : الغالب على العسل أنه يعمل في الأدواء ، ويدخل في الأدوية ، فإذا لم يوافق آحاد المرضى ، فقد وافق الأكثرين ، وهذا كقول العرب : الماء حياة كل شيء ، وقد نرى من يقتله الماء ، وإنما الكلام على الأغلب .

والثاني : أن الهاء ترجع إلى الاعتبار . والشفاء : بمعنى الهدى ، قاله الضحاك .

والثالث : أنها ترجع إلى القرآن ، قاله مجاهد .
والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير

قوله تعالى : " والله خلقكم " أي : أوجدكم ولم تكونوا شيئا " ثم يتوفاكم " عند انقضاء آجالكم ، " ومنكم من يرد إلى أرذل العمر " وهو أردؤه ، وأدونه ، وهي حالة الهرم . وفي مقداره من السنين ثلاثة أقوال :

أحدها : خمس وسبعون سنة ، قاله علي عليه السلام . والثاني : تسعون سنة ، قاله قتادة . والثالث : ثمانون سنة ، قاله قطرب .

قوله تعالى : " لكي لا يعلم بعد علم شيئا " قال الفراء : لكي لا يعقل من بعد عقله الأول شيئا . وقال ابن قتيبة : أي : حتى لا يعلم بعد علمه بالأمور شيئا ، لشدة هرمه . وقال الزجاج : المعنى : أن منكم من يكبر حتى يذهب عقله خرفا ، [ ص: 468 ] فيصير بعد أن كان عالما جاهلا ، ليريكم من قدرته ، كما قدر على إماتته وإحيائه ، أنه قادر على نقله من العلم إلى الجهل . وروى عطاء عن ابن عباس أنه قال : ليس هذا في المسلمين ، المسلم لا يزداد في طول العمر والبقاء إلا كرامة عند الله ، وعقلا ، ومعرفة . وقال عكرمة : من قرأ القرآن ، لم يرد إلى أرذل العمر .
والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون

قوله تعالى : " والله فضل بعضكم على بعض في الرزق " يعني : فضل السادة على المماليك " فما الذين فضلوا " يعني : السادة " برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم " فعبرت " ما " عن " من " لأنه موضع إبهام ، تقول : ما في الدار ؟ فيقول المخاطب : رجلان أو ثلاثة ، ومعنى الآية : أن المولى لا يرد على ما ملكت يمينه من ماله حتى يكون المولى والمملوك في المال سواء ، وهو مثل ضربه الله تعالى للمشركين الذين جعلوا الأصنام شركاء له ، والأصنام ملكا له ، يقول : إذا لم يكن عبيدكم معكم في الملك سواء ، فكيف تجعلون عبيدي معي سواء ، وترضون لي ما تأنفون لأنفسكم منه ؟! وروى العوفي عن ابن عباس ، قال : لم يكونوا أشركوا عبيدهم في أموالهم ونسائهم ، فكيف يشركون عبيدي معي في سلطاني .

وروى أبو صالح عن ابن عباس قال : نزلت في نصارى نجران حين قالوا : عيسى ابن الله تعالى .

قوله تعالى : " أفبنعمة الله يجحدون " قرأ أبو بكر عن عاصم : " تجحدون " بالتاء . وفي هذه النعمة قولان :

أحدهما : حجته وهدايته . والثاني : فضله ورزقه .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 53.65 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 53.02 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.17%)]