عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-09-2022, 01:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,565
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الخامس
الحلقة (359)
سُورَةُ الْحَجِّ
صـ 131 إلى صـ 138




[ ص: 131 ] وأظهر قولي أهل العلم عندنا أن المكي إذا أراد الإحرام بالقران ، أحرم به من مكة ; لأنه يخرج في حجه إلى عرفة ، فيجمع بين الحل والحرم ، خلافا لمن قال : يلزم المكي إنشاء إحرامه من أدنى الحل وكذلك الآفاقي ، إذا كان في مكة ، وأراد أن يحرم قارنا ، فالأظهر أنه يحرم بالقران من مكة ، خلافا لمن قال : يحرم به من أدنى الحل لما بينا . والعلم عند الله تعالى .
وإذا عرفت الشروط التي بها يجب دم التمتع والقران ، فاعلم أنا أردنا هنا أن نبين ما يجزئ فيه ، فالتحقيق أنه ما تيسر من الهدي ، وأقله شاة تجزئ ضحية ، وأعلاه بدنة ، وأوسطه بقرة ، والتحقيق أن سبع بدنة أو بقرة يكفي ، فلو اشترك سبعة من المتمتعين في بدنة أو بقرة وذبحوها أجزأت عنهم ، للنصوص الصحيحة الدالة على ذلك ; كحديث جابر الثابت في الصحيح قال : " أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة " وفي لفظ لمسلم قال : " اشتركنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحج والعمرة كل سبعة منا في بدنة " ، فقال رجل لجابر : أيشترك في البقرة ما يشترك في الجزور ؟ فقال : ما هي إلا من البدن .

قال مسلم في صحيحه : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا مالك ( ح ) ، وحدثنا يحيى بن يحيى . واللفظ له ، قال : قرأت على مالك عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال : " نحرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة " . وفي لفظ لمسلم عن جابر قال : " خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهلين بالحج ، فأمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نشترك في الإبل والبقر ، كل سبعة منا في بدنة " وفي لفظ له عنه أيضا ، قال : " حججنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنحرنا البعير عن سبعة والبقرة عن سبعة " . وفي لفظ له عنه أيضا قال : " اشتركنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحج والعمرة ، كل سبعة في بدنة " فقال رجل لجابر : أيشترك في البدنة ما يشترك في الجزور ؟ قال : ما هي إلا من البدن ، وحضر جابر الحديبية ، قال : " نحرنا يومئذ سبعين بدنة اشتركنا كل سبعة في بدنة " . وفي لفظ له عنه ، وهو يحدث عن حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي ويجتمع النفر منا في الهدية " ; وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم في هذا الحديث . وفي لفظ له عنه أيضا قال : " كنا نتمتع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنذبح البقرة ، عن سبعة نشترك فيها " . انتهى محل الغرض من صحيح مسلم .

وهذه الروايات الصحيحة تدل : على أن دم التمتع يكفي فيه الاشتراك بالسبع في بدنة ، أو بقرة ، ويدل على أن ذلك داخل فيما استيسر من الهدي . أما الشاة والبدنة كاملة [ ص: 132 ] فإجزاء كل منهما لا إشكال فيه . وقال البخاري في صحيحه : حدثنا إسحاق بن منصور ، أخبرنا النضر ، أخبرنا شعبة ، حدثنا أبو جمرة قال : سألت ابن عباس - رضي الله عنهما - عن المتعة ؟ فأمرني بها ، وسألته عن الهدي فقال : فيها جزور أو بقرة ، أو شاة ، أو شرك في دم . الحديث . فقوله : أو شرك في دم : يعني به ما بينته الروايات المذكورة الصحيحة . عن جابر أن البدنة والبقرة كلتاهما تكفي عن سبعة من المتمتعين ، وقال ابن حجر في شرح هذا الحديث : وهذا موافق لما رواه مسلم عن جابر قال : " خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهلين بالحج فأمرنا أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة " ، ثم قال وبهذا قال الشافعي والجمهور ، سواء كان الهدي تطوعا أو واجبا ، وسواء كانوا كلهم متقربين بذلك ، أو كان بعضهم يريد التقرب ، وبعضهم يريد اللحم . وعن أبي حنيفة : يشترط في الاشتراط أن يكونوا كلهم متقربين بالهدي ، وعن زفر مثله بزيادة : أن تكون أسبابهم واحدة ، وعن داود وبعض المالكية : يجوز في هدي التطوع ، دون الواجب ، وعن مالك : لا يجوز مطلقا انتهى منه .

والتحقيق أن سبع البدنة وسبع البقرة كل واحد منهما يقوم مقام الشاة ، ويدخل في عموم : فما استيسر من الهدي ، والروايات الصحيحة التي ذكرنا حجة على كل من خالف ذلك كمالك ومن وافقه ، وما احتج به إسماعيل القاضي لمالك ، من أن الاشتراك في الهدي ، لا يصح من أن حديث جابر ، إنما كان بالحديبية ، حيث كانوا محصرين . وأن حديث ابن عباس خالف فيه أبو جمرة عنه ثقات أصحابه ، فرووا عنه أن ما استيسر من الهدي : شاة ، ثم ساق ذلك عنهم بأسانيد صحيحة مردودة . أما دعوى أن حديث جابر إنما كان بالحديبية ، حيث كانوا محصرين ، فهي مردودة ، بما ثبت في الروايات الصحيحة في مسلم التي سقناها بألفاظها : أنهم اشتركوا الاشتراك المذكور معه - صلى الله عليه وسلم - أيضا في حجه ، ولا شك أن المراد بحجه حجة الوداع ; لأنه لم يحج بعد الهجرة حجة غيرها . وفي بعض الروايات الصحيحة ، عند مسلم التي سقناها بألفاظها آنفا التصريح بوقوع الاشتراك في الحجة المذكورة ، كما هو واضح من ألفاظ مسلم التي ذكرناها . وأما دعوى مخالفة أبي جمرة في ذكره الاشتراك المذكور ثقات أصحاب ابن عباس ، فهي مردودة أيضا ، بما ذكره ابن حجر في " الفتح " ، حيث قال : وليس بين رواية أبي جمرة ، ورواية غيره منافاة ; لأنه زاد عليهم ذكر الاشتراك ، ووافقهم على ذكر الشاة ، وإنما أراد ابن عباس بالاقتصار على الشاة الرد على من زعم اختصاص الهدي بالإبل والبقر . وذلك واضح فيما سنذكره بعد هذا ، إلى [ ص: 133 ] أن قال : وبهذا تجتمع الأخبار ، وهو أولى من الطعن في رواية من أجمع العلماء على توثيقه ، وهو أبو جمرة الضبعي . وقد روي عن ابن عمر أنه كان لا يرى التشريك ، ثم رجع عن ذلك لما بلغته السنة ، وذكر ابن حجر رجوع ابن عمر عن ذلك ، عن أحمد بسنده من طريق الشعبي ، عن ابن عمر .

وأظهر قولي أهل العلم عندي أن البدنة لا تجزئ عن أكثر من سبعة ، وذكر ابن حجر في " الفتح " ، عن سعيد بن المسيب في إحدى الروايتين عنه : أنها تجزئ عن عشرة . قال : وبه قال إسحاق بن راهويه ، وابن خزيمة من الشافعية . واحتج لذلك في صحيحه ، وقواه واحتج له ابن خزيمة بحديث رافع بن خديج : " أنه - صلى الله عليه وسلم - قسم فعدل عشرا من الغنم ببعير " ، الحديث . وهو في الصحيحين .

وأجمعوا على أن الشاة : لا يصح الاشتراك فيها ، وقوله : " أو شاة " هو قول جمهور العلماء . ورواه الطبري وابن أبي حاتم بأسانيد صحيحة عنهم ، ورويا بإسناد قوي عن القاسم بن محمد ، عن عائشة ، وابن عمر : أنهما كانا لا يريان ( فما استيسر من الهدي ) : إلا من الإبل والبقر ، ووافقهما القاسم ، وطائفة . قال إسماعيل القاضي في الأحكام له : أظن أنهم ذهبوا إلى ذلك لقوله تعالى : والبدن جعلناها لكم من شعائر الله [ 22 \ 36 ] فذهبوا إلى تخصيص ما يقع عليه اسم البدن ، قال : ويرد هذا قوله تعالى : هديا بالغ الكعبة [ 5 \ 95 ] وأجمع المسلمون على أن في الظبي شاة ، فوقع عليها اسم هدي .

قلت : قد احتج بذلك ابن عباس ، فأخرج الطبري بإسناد صحيح إلى عبد الله بن عبيد بن عمير قال : قال ابن عباس : الهدي شاة . فقيل له في ذلك ، فقال : أنا أقرأ عليكم من كتاب الله ما تقرون به ، ما في الظبي ؟ قالوا : شاة ، قال : فإن الله يقول : هديا بالغ الكعبة . اهـ من فتح الباري .

وقد قدمنا في سورة " البقرة " : أنه ثبت في الصحيحين ، عن عائشة أنها قالت : " أهدى - صلى الله عليه وسلم - مرة غنما " ، وهو نص صحيح عنها صريح في تسمية الغنم هديا كما ترى .

قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : الذي يظهر لي أنه هو الصواب في هدي التمتع ، الذي نص الله في كتابه على أنه ما استيسر من الهدي : أنه شاة ، أو بدنة ، أو بقرة . ويكفي في ذلك سبع البدنة وسبع البقرة ، عن المتمتع الواحد ، وتكفي البدنة عن سبعة متمتعين لثبوت الروايات الصحيحة بذلك ، ولم يقم من كتاب الله ، ولا سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - نص [ ص: 134 ] صريح في محل النزاع يقاومها ، ورواية جابر أن البدنة تكفي في الهدي ، عن سبعة أخص في محل النزاع من حديث رافع بن خديج : " أنه - صلى الله عليه وسلم - جعل البعير في القسمة يعدل عشرا من الغنم " ; لأن هذا في القسمة ، وحديث جابر في خصوص الهدي ، والأخص في محل النزاع مقدم على الأعم ، والعلم عند الله تعالى .

ومما يوضح ذلك ما ذكره ابن حجر في " الفتح " في شرح حديث رافع المذكور ، وقد أورده البخاري في كتاب الذبائح ، عن رافع بن خديج بلفظ ، قال : " كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بذي الحليفة فأصبنا إبلا وغنما ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - في أخريات الناس فعجلوا فنصبوا القدور ، فدفع النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم فأمر بالقدور فأكفئت ، ثم قسم فعدل عشرا من الغنم ببعير فند منها بعير " ، الحديث .

ونص كلام ابن حجر في هذا الحديث : وهذا محمول على أن هذا كان قيمة الغنم إذ ذاك ، فلعل الإبل كانت قليلة ، أو نفيسة ، والغنم كانت كثيرة ، أو هزيلة بحيث كانت قيمة البعير عشر شياه ، ولا يخالف ذلك القاعدة في الأضاحي ، من أن البعير يجزئ عن سبع شياه ; لأن ذلك هو الغالب في قيمة الشاة والبعير المعتدلين . وأما هذه القسمة ، فكانت واقعة عين ، فيحتمل أن يكون التعديل لما ذكر من نفاسة الإبل ، دون الغنم .

وحديث جابر عند مسلم صريح في الحكم ، حيث قال فيه : " أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نشترك في الإبل والبقر ، كل سبعة منا في بدنة " والبدنة تطلق على الناقة ، والبقرة .

وأما حديث ابن عباس : " كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فحضر الأضحى فاشتركنا في البقرة تسعة ، وفي البدنة عشرة " فحسنه الترمذي وصححه ابن حبان ، وعضده بحديث رافع بن خديج هذا . والذي يتحرر في هذا أن الأصل أن البعير بسبع ما لم يعرض عارض من نفاسة ، ونحوها ، فيتغير الحكم بحسب ذلك ، وبهذا تجتمع الأخبار الواردة في ذلك ، ثم الذي يظهر من القسمة المذكورة ، أنها وقعت فيما عدا ما طبخ وأريق من الإبل والغنم ، التي كانوا غنموها ، ويحتمل إن كانت الواقعة تعددت أن تكون القصة التي ذكرها ابن عباس ، أتلف فيها اللحم لكونه كان قطع للطبخ ، والقصة التي في حديث رافع طبخت الشياه صحاحا مثلا ، فلما أريق مرقها ضمت إلى الغنم لتقسم ، ثم يطبخها من وقعت في سهمه ، ولعل هذا هو النكتة في انحطاط قيمة الشياه ، عن العادة ، والله أعلم . انتهى كلام ابن حجر .

[ ص: 135 ] وكون اللحم رد ليطبخه من وقع في سهمه مرة أخرى ، غير ظاهر عندي ، والله أعلم .

وحديث رافع المذكور : أخرجه أيضا مسلم في كتاب : الصيد والذبائح ، ولفظ المراد منه عن رافع قال : " كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذي الحليفة من تهامة فأصبنا غنما وإبلا فعجل القوم فأغلوا بها القدور فأمر بها فكفئت ، ثم عدل عشرا من الغنم بجزور " .

والحاصل أن أخص شيء في محل النزاع وأصرحه فيه ، وأوضحه فيه حديث جابر ، الذي ذكرنا روايته عند مسلم . أما حديث رافع ، فهو في قسمة الغنيمة لا في الهدي . وأما حديث ابن عباس ، فظاهره أنه في الضحايا ، وعلى كل حال : فحديث جابر أصح منه ، فالذي يظهر أن المتمتع يكفيه سبع بدنة ، وأن النص الصريح الوارد بذلك ينبغي تقديمه ، على أنه يكفيه عشر بدنة ، وقد رأيت أدلة القولين . والعلم عند الله تعالى .
فإذا علمت أقوال أهل العلم في تعيين القدر المجزئ في هدي التمتع ، والقران ، وأن أظهر الأقوال أن أقله شاة ، أو سبع بدنة أو بقرة ، وأن إجزاء البدنة الكاملة ، لا نزاع فيه .

فاعلم أن أهل العلم اختلفوا في وقت وجوبه ، ووقت نحره ، وهذه تفاصيل أقوالهم وأدلتها ، وما يرجحه الدليل منها .

أما مذهب مالك فالتحقيق فيه أن هدي التمتع والقران لا يجب وجوبا تاما إلا يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة ; لأن ذبحه في ذلك الوقت هو الذي فعله - صلى الله عليه وسلم - وقال : " لتأخذوا عني مناسككم " ، ولذا لو مات المتمتع يوم النحر ، قبل رمي جمرة العقبة ، لا يلزم إخراج هدي التمتع من تركته ; لأنه لم يتم وجوبه ، وهذا هو الصحيح المشهور في مذهب مالك ، وقد كنت قلت في نظمي في فروع مالك ، وفي الفرائض على مقتضى مذهبه في الكلام على ما يخرج من تركة الميت ، قبل ميراث الورثة بعد أن ذكرت قضاء ديونه :


وأتبعن دينه بهدي تمتع إن مات بعد الرمي


واعلم أن قول من قال من المالكية : إنه يجب بإحرام الحج ، وأنه يجزئ قبله كما هو ظاهر قول خليل في مختصره ، الذي قال في ترجمته مبينا لما به الفتوى : ودم التمتع يجب بإحرام الحج ، وأجزأ قبله ، قد اغتر به بعض من لا تحقيق عنده بالمذهب المالكي ، والتحقيق أن الوجوب عندهم برمي جمرة العقبة ، وبه جزم ابن رشد وابن العربي ، وصاحب [ ص: 136 ] الطراز وابن عرفة ، قال ابن عرفة : سمع ابن القاسم : إن مات ، يعني المتمتع قبل رمي جمرة العقبة ، فلا دم عليه .

ابن رشد : لأنه إنما يجب في الوقت ، الذي يتعين فيه نحره ، وهو بعد رمي جمرة العقبة ، فإن مات قبله لم يجب عليه .

ابن عرفة : قلت : ظاهره لو مات يوم النحر قبل رميه : لم يجب ، وهو خلاف نقل النوادر ، عن كتاب محمد عن ابن القاسم ، وعن سماع عيسى : من مات يوم النحر ، ولم يرم فقد لزمه الدم ، ثم قال ابن عرفة : فقول ابن الحاجب : يجب بإحرام الحج يوهم وجوبه على من مات قبل وقوفه ، ولا أعلم في سقوطه خلافا .

ولعبد الحق ، عن ابن الكاتب ، عن بعض أصحابنا : من مات بعد وقوفه ، فعليه الدم . انتهى من الحطاب .

فأصح الأقوال الثلاثة ، وهو المشهور : أنه لا يجب على من مات ، إلا إذا كان موته بعد رمي جمرة العقبة ، وفيه قول بلزومه ، إن مات يوم النحر قبل الرمي ، وأضعفها أنه يلزمه ، إن مات بعد الوقوف بعرفة . أما لو مات قبل الوقوف بعرفة ، فلم يقل أحد بوجوب الدم عليه من عامة المالكية ، وقول من قال منهم : إنه يجب بإحرام الحج لا يتفرع عليه من الأحكام شيء ، إلا جواز إشعاره وتقليده ، وعليه فلو أشعره ، أو قلده قبل إحرام الحج ، كان هدي تطوع ، فلا يجزئ عن هدي التمتع ، فلو قلده ، وأشعره بعد إحرام الحج أجزأه ; لأنه قلده بعد وجوبه : أي بعد انعقاد الوجوب في الجملة ، وعن ابن القاسم : أنه لو قلده وأشعره قبل إحرام الحج ، ثم أخر ذبحه إلى وقته : أنه يجزئه عن هدي التمتع ، وعليه فالمراد بقول خليل : وأجزأ قبله أي : أجزأ الهدي الذي تقدم تقليده ، وإشعاره على إحرام الحج هذا هو المعروف عند عامة علماء المالكية . فمن ظن أن المجزئ هو نحره قبل إحرام الحج ، أو بعده قبل وقت النحر . فقد غلط غلطا فاحشا .

قال الشيخ المواق في شرحه قول خليل " وأجزأ قبله " ما نصه : ابن عرفة يجزئ تقليده ، وإشعاره بعد إحرام حجه ، ويجوز أيضا قبله على قول ابن القاسم . انتهى منه .

وقال الشيخ الحطاب في شرحه لقول خليل في مختصره : ودم التمتع يجب بإحرام الحج وأجزأ قبله ما نصه :

فإن قلت : إذا كان هدي التمتع إنما ينحر بمنى ، إن وقف به بعرفة ، أو بمكة بعد ذلك على ما سيأتي فما فائدة الوجوب هنا ؟

[ ص: 137 ] قلت : يظهر في جواز تقليده ، وإشعاره بعد الإحرام بالحج ، وذلك أنه لو لم يجب الهدي حينئذ مع كونه يتعين بالتقليد ، لكان تقليده إذ ذاك قبل وجوبه ، فلا يجزئ إلا إذا قلد بعد كمال الأركان .

وقال الشيخ الحطاب أيضا : والحاصل أن دم التمتع والقران ، يجوز تقليدهما قبل وجوبهما على قول ابن القاسم ، ورواية عن مالك ، وهو الذي مشى عليه المصنف . فإذا علم ذلك فلم يبق للحكم بوجوب دم التمتع بإحرام الحج فائدة تعم على القول بأنه لا يجزئه ما قلده قبل الإحرام بالحج تظهر ثمرة الوجوب في ذلك ، ويكون المعنى : أنه يجب بإحرام الحج ، وجوبا غير متحتم ; لأنه معرض للسقوط بالموت ، والفوات ، فإذا رمى جمرة العقبة تحتم الوجوب ، فلا يسقط بالموت . كما نقول في كفارة الظهار ، أنها تجب بالعود وجوبا غير متحتم بمعنى أنها تسقط بموت الزوجة وطلاقها فإن وطئ تحتم الوجوب ولزمت الكفارة ، ولو ماتت الزوجة ، أو طلقها إلى أن قال : بل تقدم في كلام ابن عبد السلام في شرح المسألة الأولى أن هدي التمتع إنما ينحر بمنى ، إن وقف به بعرفة ، أو بمكة بعد ذلك إلى آخره ، وهو يدل : على أنه لا يجزئ نحره قبل ذلك والله أعلم ، ونصوص أهل المذهب شاهدة لذلك .

قال القاضي عبد الوهاب في المعونة : ولا يجوز نحر هدي التمتع والقران ، قبل يوم النحر ، خلافا للشافعي ; لقوله تعالى : ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله [ 2 \ 196 ] ، وقد ثبت أن الحلق ، لا يجوز قبل يوم النحر ، فدل على أن الهدي ، لم يبلغ محله إلا يوم النحر ، وله نحو ذلك في شرح الرسالة . وقال في " التلقين " : الواجب لكل واحد من التمتع والقران هدي ينحره بمنى ، ولا يجوز تقديمه قبل فجر يوم النحر ، وله مثله في مختصر عيون المجالس ، ثم قال الحطاب رحمه الله : فلا يجوز الهدي عند مالك ، حتى يحل ، وهو قول أبي حنيفة وجوزه الشافعي : من حين يحرم بالحج . واختلف قوله فيما بعد التحلل من العمرة قبل الإحرام بالحج .

ودليلنا أن الهدي متعلق بالتحلل ، وهو المفهوم من قوله تعالى : ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله انتهى منه . وكلام علماء المالكية بنحو هذا كثير معروف .

والحاصل : أنه لا يجوز ذبح دم التمتع والقران عند مالك وعامة أصحابه قبل يوم النحر ، وفيه قول ضعيف بجوازه بعد الوقوف بعرفة ، وهو لا يعول عليه ، وأن قولهم : أنه [ ص: 138 ] يجب بإحرام الحج ، لا فائدة فيه إلا جواز إشعار الهدي وتقليده بعد إحرام الحج ، لا شيء آخر ، فما نقل عن عياض وغيره من المالكية مما يدل على جواز نحره قبل يوم النحر كله غلط . إما من تصحيف الإشعار والتقليد وجعل النحر بدل ذلك غلطا ، وإما من الغلط في فهم المراد عند علماء المالكية ، كما لا يخفى على من عنده علم بالمذهب المالكي ، فاعرف هذا التحقيق ، ولا تغتر بغيره .

ومذهب الإمام أحمد في وقت وجوبه فيه خلاف ، فقيل : وقت وجوبه هو وقت الإحرام بالحج . قال في " المغني " : وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ; لأن الله تعالى قال : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي [ 2 \ 196 ] ، وهذا قد فعل ذلك ، ولأن ما جعل غاية فوجود أوله كاف ; كقوله تعالى : ثم أتموا الصيام إلى الليل [ 3 \ 187 ] ، إلى أن قال : وعنه أنه يجب إذا وقف بعرفة . قال : وهو قول مالك واختيار القاضي ، ووجه في المغني هذا القول بأنه قبل الوقوف لا يعلم أيتم حجه أو لا ; لأنه قد يعرض له الفوات ، فلا يكون متمتعا ، فلا يجب عليه دم ، وذكر عن عطاء وجوبه برمي جمرة العقبة .

وعن أبي الخطاب يجب إذا طلع فجر يوم النحر ، ثم قال في " المغني " : فأما وقت إخراجه فيوم النحر ، وبه قال : مالك ، وأبو حنيفة : لأن ما قبل يوم النحر لا يجوز فيه ذبح الأضحية ، فلا يجوز فيه ذبح هدي التمتع ، ثم قال : وقال أبو طالب : سمعت أحمد قال في الرجل يدخل مكة في شوال ، ومعه هدي قال : ينحر بمكة ، وإن قدم قبل العشر ينحره لا يضيع أو يموت أو يسرق . وكذلك قال عطاء : وإن قدم في العشر لم ينحره حتى ينحره بمنى ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه قدموا في العشر ، فلم ينحروا ، حتى نحروا بمنى ، ومن جاء قبل ذلك نحره عن عمرته ، وأقام على إحرامه ، وكان قارنا . انتهى محل الغرض منه . وسترى ما يرد هذا إن شاء الله تعالى .

وقال صاحب " الإنصاف " : يلزم دم التمتع ، والقران بطلوع فجر يوم النحر على الصحيح من المذهب ، وجزم به القاضي في الخلاف ، ورد ما نقل عنه خلافه إليه وجزم به في البلغة ، وقدمه في " الهداية " و " المستوعب " و " الخلاصة " ، و " التلخيص " ، و " الفروع " ، و " الرعايتين " ، و " الحاويين " ، وعنه يلزم الدم إذا أحرم بالحج ، وأطلقهما في المذهب ، و " مسبوك الذهب " وعنه يلزم الدم بالوقوف وذكره المصنف والشارح اختيار القاضي .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.77 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.14 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.62%)]