عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 11-09-2022, 01:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الخامس
الحلقة (358)
سُورَةُ الْحَجِّ
صـ 123 إلى صـ 130






وقال ابن المنذر : لا نعلم أحدا قال بواحد من هذين القولين :

قاله في " المغني " فإن أحرم بها في غير أشهر الحج ، ولكنه أتى بأفعالها في أشهر الحج ، ففي ذلك للعلماء قولان :

[ ص: 123 ] أحدهما : يجب عليه الدم نظرا إلى أفعال العمرة الواقعة في أشهر الحج .

والثاني : لا يجب عليه دم نظرا إلى وقوع الإحرام قبل أشهر الحج ، وهو نسك لا تتم العمرة بدونه ، ولكليهما وجه من النظر ، ولا نص فيهما ، وممن قال بأنه لا دم عليه ، وأنه غير متمتع الإمام أحمد .

قال في " المغني " : ونقل معنى ذلك عن جابر ، وأبي عياض . وهو قول إسحاق ، وأحد قولي الشافعي ، وقال طاوس : عمرته في الشهر الذي يدخل فيه الحرم . وقال الحسن ، والحكم ، وابن شبرمة ، والثوري ، والشافعي في أحد قوليه : عمرته في الشهر الذي يطوف فيه . وقال عطاء : عمرته في الشهر الذي يحل فيه ، وهو قول مالك . وقال أبو حنيفة : إن طاف للعمرة أربعة أشواط ، قبل أشهر الحج فليس بمتمتع ، وإن طاف الأربعة في أشهر الحج ، فهو متمتع ; لأن العمرة صحت في أشهر الحج ، بدليل أنه لو وطئ أفسدها ، فأشبه إذا أحرم بها في أشهر الحج . قاله في " المغني " والله تعالى أعلم .

الشرط الثاني : أن يحج في نفس تلك السنة ، التي اعتمر في أشهر الحج منها . أما إذا كان حجه في سنة أخرى : فلا دم عليه .

قال صاحب " المهذب " : وذلك لما روى سعيد بن المسيب قال : كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتمرون في أشهر الحج فإذا لم يحجوا من عامهم ذلك ، لم يهدوا ، قال : ولأن الدم إنما يجب لترك الإحرام بالحج من الميقات ، وهذا لم يترك الإحرام بالحج من الميقات ، فإنه إن أقام بمكة صارت مكة ميقاته ، وإن رجع إلى بلده ، وعاد فقد أحرم من الميقات . وقال النووي في " الأثر المذكور " : المروي عن ابن المسيب حسن ، رواه البيهقي بإسناد حسن ، ولا يخفى سقوط قول الحسن : إنه متمتع وإن لم يحج من عامه .

الشرط الثالث : أن لا يعود إلى بلده ، أو ما يماثله في المسافة . وقال بعضهم : يكفي في هذا الشرط أن يرجع إلى ميقاته فيحرم بالحج منه ، وبعضهم يكتفي بمسافة القصر بعد العمرة ، ثم يحرم للحج من مسافة القصر .

والحاصل : أن الأئمة الأربعة متفقون على أن السفر بعد العمرة ، والإحرام بالحج من منتهى ذلك السفر مسقط لدم التمتع ، إلا أنهم مختلفون في قدر المسافة ، فمنهم من يقول : لا بد أن يرجع بعد العمرة في أشهر الحج إلى المحل الذي جاء منه ، ثم ينشئ سفرا للحج ويحرم من الميقات . وبعضهم يقول : يكفيه أن يرجع إلى بلده أو يسافر مسافة [ ص: 124 ] مساوية لمسافة بلده ، وبعضهم يكفي عنده سفر مسافة القصر ، وبعضهم يقول : يكفيه أن يرجع لإحرام الحج إلى ميقاته ، وقد قدمنا أقوالهم مفصلة ، ودليلهم في ذلك ما فهموه من قوله تعالى : ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام [ 2 \ 196 ] قالوا : لا فرق بين حاضري المسجد الحرام ، وبين غيرهم ، إلا أن غيرهم ترفهوا بإسقاط أحد السفرين الذي هو السفر للحج ، بعد السفر للعمرة ، وإن سافر للحج بعد العمرة زال السبب ، فسقط الدم بزواله ، وعضدوا ذلك بآثار رووها ، عن عمر وابنه - رضي الله عنهما - وقد قدمنا قولي العلماء في الشيء الذي ترجع إليه الإشارة في قوله : ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام [ 2 \ 196 ] وناقشنا أدلتهما ، وبينا أنه على القول الذي يراه البخاري - رحمه الله - ومن وافقه : أن الإشارة راجعة إلى نفس التمتع وأن أهل مكة لا متعة لهم أصلا ، فلا دليل في الآية على أقوال الأئمة التي ذكرنا ، وعلى القول الآخر أن الإشارة راجعة إلى حكم التمتع ، وهو لزوم ما استيسر من الهدي والصوم عند العجز عنه ، لا نفس التمتع ، فاستدلال الأئمة بها على الأقوال المذكورة له وجه من النظر كما ترى .

والحاصل أن استدلالهم بها إنما يصح على أحد التفسيرين في مرجع الإشارة في الآية ، وقد قدمنا الكلام على ذلك مستوفى .

والأحوط عندي : إراقة دم التمتع ، ولو سافر ؛ لعدم صراحة دلالة الآية في إسقاطه ، وللاحتمال الآخر الذي تمسك به البخاري والحنفية ، كما تقدم إيضاحه . وممن قال بذلك الحسن ، واختاره ابن المنذر لعموم الآية ، قاله في " المغني " . والعلم عند الله تعالى .

الشرط الرابع : أن يكون من غير حاضري المسجد الحرام ، فأما إذا كان من حاضري المسجد الحرام فلا دم عليه ; لقوله تعالى : ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام .

وأظهر أقوال أهل العلم عندي في المراد بحاضري المسجد الحرام : أنهم أهل الحرم ومن بينه وبينه مسافة لا تقصر فيها الصلاة ; لأن المسجد الحرام ، قد يطلق كثيرا ويراد به الحرم كله . ومن على مسافة دون مسافة القصر ، فهو كالحاضر ، ولذا تسمى صلاته إن سافر من الحرم ، إلى تلك المسافة صلاة حاضر ، فلا يقصرها ، لا صلاة مسافر ، حتى يشرع له قصرها فظهر دخوله في اسم حاضري المسجد الحرام ، بناء على أن المراد به جميع الحرم ، وهو الأظهر خلافا لمن خصه بمكة ، ومن خصه بالحرم ، ومن عممه في كل ما دون الميقات ، [ ص: 125 ] وقد علمت أن هذا الشرط إنما يتمشى على أحد القولين في الآية .

الشرط الخامس : ما قال به بعض أهل العلم : من أنه يشترط نية التمتع بالحج إلى العمرة عند الإحرام بالعمرة . قال : لأنه جمع بين عبادتين في وقت إحداهما ، فافتقر إلى نية الجمع كالجمع بين الصلاتين ، وعلى الاشتراط المذكور فمحل نية التمتع هو وقت الإحرام بالعمرة .

وقال بعضهم : له نية التمتع ، ما لم يفرغ من أعمال العمرة كالخلاف في وقت نية الجمع بين الصلاتين فقال بعضهم : ينوي عند ابتداء الأولى منهما ، وقال بعضهم : له نيته ما لم يفرغ من الصلاة الأولى ، هكذا قاله بعض أهل العلم ، وعليه فلو اعتمر في أشهر الحج ، وهو لا ينوي الحج في تلك السنة ، ثم بعد الفراغ من العمرة بدا له أن يحج في تلك السنة ، فلا دم تمتع عليه ، واشتراط النية المذكور عزاه صاحب " الإنصاف " للقاضي ، وأكثر الحنابلة ، وحكى عدم الاشتراط بـ " قيل " ثم قال : واختاره " المصنف " ، و " الشارح " ، وقدمه في " المحرر والفائق " ، والظاهر سقوط هذا الشرط ، وأنه متى حج بعد أن اعتمر في أشهر الحج من تلك السنة فعليه الهدي ، لظاهر عموم الآية الكريمة ، فتخصيصه بالنية تخصيص للقرآن ، بل دليل يجب الرجوع إليه : ويؤيده أنهم يقولون : إن سبب وجوب الدم : أنه ترفه بإسقاط سفر الحج ، وتلك العلة موجودة في هذه الصورة ، والعلم عند الله تعالى .

الشرط السادس : هو ما اشترطه بعض أهل العلم من كون الحج والعمرة المذكورين عن شخص واحد ، كأن يعتمر بنفسه ويحج بنفسه ، وكل ذلك عن نفسه لا عن غيره أو يحج شخص ، ويعتمر عن شخص واحد . أما إذا حج عن شخص ، واعتمر عن شخص آخر ، أو اعتمر عن شخص ، وحج عن نفسه ، أو اعتمر عن نفسه ، وحج عن شخص آخر ، فهل يلزم دم التمتع نظرا إلى أن مؤدي النسكين شخص واحد أو لا يلزم نظرا إلى أن الحج وقع عن شخص والعمرة وقعت عن شخص آخر فهو كما لو فعله شخصان فحج أحدهما ، واعتمر الآخر ، وإذا فلا تمتع على أحدهما ، وكلاهما له وجه من النظر ، ومذهب الشافعي الذي عليه جمهور الشافعية : هو عدم اشتراط هذا الشرط نظرا إلى اتحاد فاعل النسك ، ومقابله المرجوح عدم وجوب الدم نظرا إلى أن الحج عن شخص ، والعمرة عن آخر ، ومذهب مالك في هذا قريب من مذهب الشافعي في وجود الخلاف وترجيح عدم الاشتراط .

قال الشيخ المواق في شرح قول خليل في مختصره ، في عدة شروط وجوب دم التمتع ، وفي شرط كونهما عن واحد تردد ، ما نصه : ذكر ابن شاس من الشروط التي يكون [ ص: 126 ] بها متمتعا : أن يقع النسكان عن شخص واحد : ابن عرفة لا أعرف هذا ، بل في كتاب محمد من اعتمر عن نفسه ، ثم حج من عامه عن غيره فتمتع . وقال الشيخ الحطاب في شرحه لقول خليل المذكور ما نصه : أشار بالتردد لتردد المتأخرين في النقل ، فالذي نقله صاحب النوادر وابن يونس واللخمي عدم اشتراط ذلك . وقال ابن الحاجب : الأشهر اشتراط كونهما عن واحد ، وحكى ابن شاس في ذلك قولين قال في " التوضيح " : لم يعزهما ولم يعين المشهور منهما ، ولم يحك صاحب النوادر وابن يونس ، إلا ما وقع في الموازية أنه تمتع . انتهى . وقال في مناسكه بعد أن ذكر كلام ابن الحاجب خليل : ولم أر في ابن يونس وغيره ، إلا القول بوجوب الدم .

وقال ابن عرفة : وشرط ابن شاش كونهما عن واحد ، ونقل ابن حاجب : لا أعرفه ، بل في كتاب محمد من اعتمر عن نفسه ، ثم حج من عامه عن غيره متمتع فما ذكره المصنف من التردد صحيح . لكن المعروف عدم اشتراط ذلك وعادته أن يشير بالتردد لما ليس فيه ترجيح .

وقال ابن جماعة الشافعي في منسكه الكبير : لا يشترط أن يقع النسكان عن واحد عند جمهور الشافعية ، وهو قول الحنفية ورواية ابن المواز ، عن مالك ، وعلى ذلك جرى جماعة من أئمة المالكية منهم الباجي ، والطرطوشي ، ومن الشافعية من شرط ذلك . وقال ابن الحاجب : إنه الأشهر من مذهب مالك ، وتبع ابن الحاجب في اشتراط ذلك صاحب الجواهر ، وقوله : إنه الأشهر غير مسلم ، فإن القرافي في الذخيرة ذكر ما سوى هذا الشرط ، وقال : إن صاحب الجواهر زاد هذا الشرط ، ولم يعزه لغيره . انتهى كلام الحطاب ، والظاهر من النقول التي نقلها أن عدم اشتراط كون النسكين عن واحد : هو المعروف في مذهب مالك ، وهو كذلك ، ومذهب أحمد قريب من مذهب مالك والشافعي ، ففيه خلاف أيضا ، هل يشترط كون النسكين عن واحد أو لا يشترط ؟ وعدم اشتراطه عليه الأكثر من الحنابلة ، وعزاه في " الإنصاف " لبعض الأصحاب ، قال منهم المنصف ، والمجد ، قاله : الزركشي ، واقتصر عليه في الفروع ، وعزا مقابله لصاحب " التلخيص " ، وقد قدمنا في كلام ابن جماعة الشافعي أن عدم اشتراط كون النسكين ، عن شخص واحد هو مذهب الحنفية أيضا ، فظهر أن المشهور في المذاهب الأربعة عدم اشتراط هذا الشرط ، وقول من اشترطه له وجه من النظر . والعلم عند الله تعالى .

الشرط السابع : أن يحل من العمرة قبل إحرامه بالحج ، فإن أحرم قبل حله منها صار [ ص: 127 ] قارنا ، كما وقع لعائشة - رضي الله عنها - في حجة الوداع على التحقيق كما تقدم إيضاحه .
الشرط الثامن : هو ما اشترطه بعض أهل العلم من كونه لا يعد متمتعا ، حتى يحرم بالعمرة من الميقات ، فإن أحرم بها من دون الميقات صار غير متمتع ; لأنه كأنه من حاضري المسجد الحرام ، ولا يخفى سقوط هذا الشرط .

قال صاحب " الإنصاف " : لما ذكر هذا الشرط ذكره أبو الفرج والحلواني وجزم به ابن عقيل في التذكرة ، وقدمه في الفروع . وقال القاضي وابن عقيل : وجزم به في المستوعب والتلخيص والرعاية وغيرهم : إن بقي بينه وبين مكة مسافة قصر ، فأحرم منه لم يلزمه دم المتعة ; لأنه من حاضري المسجد الحرام ، بل دم مجاوزة الميقات . واختار المصنف والشارح وغيرهما ، أنه إذا أحرم بالعمرة من دون الميقات : يلزمه دمان ، دم المتعة ودم الإحرام من دون الميقات ; لأنه لم يقم ولم ينوها به ، وليس بساكن ، وردوا ما قاله القاضي . انتهى منه ، وهذا الأخير هو الظاهر . والله تعالى أعلم .

وقال صاحب الإنصاف بعد كلامه هذا متصلا به .

قال المصنف والشارح : ولو أحرم الآفاقي بعمرة في غير أشهر الحج ثم أقام بمكة واعتمر من التنعيم ، فهو متمتع نص عليه ، وفي نصه على هذه الصورة تنبيه على إيجاب الدم في الصورة الأولى بطريق الأولى . انتهى منه . ولا ينبغي أن يختلف في واحدة منهما لدخولهما صريحا في عموم آية التمتع ، كما ترى . والعلم عند الله تعالى .

واعلم أن من يعتد به من أهل العلم : أجمعوا على أن القارن يلزمه ما يلزم المتمتع من الهدي ، والصوم عند العجز عن الهدي ، وقد قدمنا الروايات الصحيحة الثابتة عن بعض أجلاء الصحابة ، بأن القران داخل في اسم التمتع ، وعلى هذا فهو داخل في عموم الآية ، وكلا النسكين فيه تمتع لغة ; لأن التمتع من المتاع أو المتعة ، وهو الانتفاع أو النفع ومنه قوله :
وقفت على قبر غريب بقفرة متاع قليل من حبيب مفارق


جعل استئناسه بقبره متاعا لانتفاعه بذلك الاستئناس ، وكل من القارن والمتمتع ، انتفع بإسقاط أحد السفرين وانتفع القارن عند الجمهور باندراج أعمال العمرة في الحج .

وقال جماعة من أهل العلم : إن القران لم يدخل في عموم الآية بحسب مدلول لفظها ، وهو الأظهر ; لأن الغاية في قوله : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج تدل على [ ص: 128 ] ذلك ، والذين قالوا هذا قالوا : هو ملحق به في حكمه ; لأنه في معناه . وعلى أن القارن يلزمه ما يلزم المتمتع ، عامة العلماء ، منهم الأئمة الأربعة ، إلا من شذ شذوذا لا عبرة به . وليس كل خلاف جاء معتبرا إلا خلافا له وجه من النظر

قال في " الإنصاف " : وسأله - يعني الإمام أحمد - ابن مشيش : القارن يجب عليه الدم وجوبا ؟ فقال : كيف يجب عليه وجوبا ، وإنما شبهوه بالمتمتع ، قال في الفروع ، فتتوجه منه رواية لا يلزمه دم . انتهى منه .

ولا يخفى أن مذهب أحمد مخالف لما زعموه رواية ، وأن القارن كالمتمتع في الحكم . وقال ابن قدامة في " المغني " : ولا نعلم في وجوب الدم على القارن خلافا إلا ما حكي عن داود أنه لا دم عليه . وروي ذلك عن طاوس . وحكى ابن المنذر أن ابن داود لما دخل مكة ، سئل عن القارن هل يجب عليه دم ؟ فقال : لا ، فجر برجله ، وهذا يدل على شهرة الأمر بينهم . انتهى منه . وذكر النووي أن العبدري حكى هذا القول ، عن الحسن بن علي بن سريج . والتحقيق خلافه ، وأنه يلزمه ما يلزم المتمتع .

ومن النصوص الدالة على ذلك . حديث عائشة المتفق عليه ، وفيه : " فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت : ما هذا ؟ فقيل : نحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أزواجه " متفق عليه .

قال المجد في " المنتقى " : وفيه دليل على الأكل من دم القران ; لأن عائشة كانت قارنة . انتهى منه . وهو يدل على أن القارن عليه دم . والله أعلم .

ومن أصرح الأدلة في ذلك : ما رواه مسلم في صحيحه ، عن جابر بلفظ : " ذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عائشة بقرة يوم النحر " ومعلوم أنها كانت قارنة ، على التحقيق فتلك البقرة دم قران ، وذلك دليل على لزومه ، وما ذكره ابن قدامة في " المغني " ، من أنه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " من قرن بين حجه وعمرته فليهرق دما " لم أعرف له أصلا ، والظاهر أنه لا يصح مرفوعا . والله تعالى أعلم .

وأكثر أهل العلم : على أن القارن إن كان أهله حاضري المسجد الحرام ، أنه لا دم عليه ; لأنه متمتع أو في حكم المتمتع ، والله يقول : ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام .

وقال ابن قدامة في " المغني " ، وهو قول جمهور العلماء . وقال ابن الماجشون : عليه دم ; لأن الله تعالى أسقط الدم عن المتمتع ، وهذا ليس متمتعا ، وليس هذا بصحيح ، فإننا [ ص: 129 ] ذكرنا أنه متمتع ، وإن لم يكن متمتعا ، فهو مفرع عليه ، ووجوب الدم على القارن ، إنما كان بمعنى النص على التمتع ، فلا يجوز أن يخالف الفرع أصله . انتهى منه .

قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : حاصل هذا الكلام أن القارن كالمتمتع في أن كلا منهما إن كان من حاضري المسجد الحرام ، لا دم عليه ، وذكر صاحب " المغني " أن ابن الماجشون خالف في ذلك ، وقال : عليه دم ، وله وجه قوي من النظر على قول الجمهور : أنه يكفيه طواف واحد وسعي واحد لحجه وعمرته . فقد انتفع بإسقاط عمل أحد النسكين ، ولزوم الدم في مقابل ذلك له وجه من النظر كما ترى .

وقال النووي في " شرح المهذب " : قال أصحابنا : ولا يجب على حاضري المسجد الحرام دم القران ، كما لا يجب على المتمتع ، هذا هو المذهب ، وبه قطع الجمهور . وحكى الحناطي والرافعي وجها : أنه يلزمه . انتهى محل الغرض منه . وهذا الوجه عند الشافعية هو قول ابن الماجشون من المالكية ، كما ذكره صاحب " المغني " ، ومذهب مالك ، وأصحابه ، كمذهب الشافعي وأحمد ، في أن القارن إن كان من حاضري المسجد الحرام ، لا دم عليه ، وحاضروا المسجد عند مالك وأصحابه أهل مكة ، وذي طوى .

قال الشيخ الحطاب في شرحه لقول خليل في مختصره : وشرط دمهما عدم إقامته بمكة أو ذي طوى . . . إلخ ، ما نصه : وذو طوى هو ما بين الثنية التي يهبط منها إلى مقبرة مكة المسماة بالمعلاة ، والثنية الأخرى التي إلى جهة الزاهر وتسمى عند أهل مكة بين الحجونين انتهى محل الغرض منه .

وقد قدمنا أن مذهب أبي حنيفة ، وأصحابه أن أهل مكة ونحوهم ممن دون الميقات : لا تشرع لهم العمرة أصلا فلا تمتع لهم ولا قران ، بناء على رجوع الإشارة في قوله : ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام لنفس التمتع ، كما تقدم إيضاحه ، مع أنهم يقولون : إنهم إن تمتعوا أو قرنوا أساءوا وانعقد إحرامهم ، ولزمهم دم الجبر ، وهذا الدم عندهم دم جناية لا يأكل صاحبه منه ، بخلاف دم التمتع والقران من غير حاضري المسجد الحرام ، فهو عندهم دم نسك ، يجوز لصاحبه الأكل منه ، ونقل بعض الحنفية عن ابن عمر وابن عباس ، وابن الزبير أن أهل مكة لا متعة لهم . وقد قدمنا أنه رأي البخاري .

واعلم أنا قدمنا أن من شروط وجوب دم التمتع : ألا يرجع بعد العمرة إلى بلده أو مسافة مثله ، أو يسافر مسافة القصر على ما بينا هناك من أقوال الأئمة في ذلك ، وأردنا أن [ ص: 130 ] نذكر هنا حكم القارن إذا أتى بأفعال العمرة ، ثم رجع إلى بلده ، ثم حج من عامه ، أو سافر مسافة القصر ، ثم أحرم بالحج من الميقات ، هل يسقط عنه الدم بذلك كالتمتع أو لا ؟ . ومذهب أبي حنيفة أن الدم لا يسقط عنه برجوعه إلى بلده بعد إتيانه بأفعال العمرة ، إن رجع وحج ; لأنه لم يزل قارنا .

وقال صاحب " الإنصاف " في الكلام على القارن : لا يلزم الدم حاضري المسجد الحرام ، كما قال المصنف : وقاله في الفروع وغيره ، وقال : والقياس أنه لا يلزم من سافر سفر قصر أو إلى الميقات ، إن قلنا به ، كظاهر مذهب الشافعي ، وكلامهم يقتضي لزومه ; لأن اسم القران باق بعد السفر ، بخلاف التمتع انتهـى منه .

وحاصل كلامه أن ظاهر كلام الحنابلة أن السفر بعد وصول مكة ، لا يسقط دم القران ، وأن مقتضى القياس أنه يسقطه إلحاقا له بالتمتع ، وقال النووي في " شرح المهذب " : لو دخل القارن مكة قبل يوم عرفة ، ثم عاد إلى الميقات ، فالمذهب : أنه لا دم عليه في الإملاء ، وقطع به كثيرون أو الأكثرون ، وصححه الحناطي وآخرون . وقال إمام الحرمين : إن قلنا المتمتع إذا أحرم بالحج ثم عاد إليه لا يسقط عنه الدم فهنا أولى ، وإلا فوجهان : والفرق أن اسم القران لا يزول بالعود ، بخلاف التمتع ، ولو أحرم بالعمرة من الميقات ، ودخل مكة ، ثم رجع إلى الميقات قبل طوافه فأحرم بالحج ، فهو قارن .

قال الدارمي في آخر باب الفوات : إن قلنا إذا أحرم بهما جميعا ، ثم رجع سقط الدم فهنا أولى ، وإلا فوجهان . انتهى منه .

وظاهر كلام خليل في مختصره المالكي أن السفر لا يسقط دم القران والحاصل : أنا بينا اختلاف أهل العلم في السفر بعد أفعال العمرة أو بعد دخول مكة ، هل يسقط دم القران أو لا ؟ وبينا قول صاحب " الإنصاف " أن سقوطه بالسفر ، هو مقتضى قياسه على التمتع .

وأقرب الأقوال عندي للصواب أن دم القران لا يسقطه السفر ، وقد بينا أن الأحوط عندنا أن دم التمتع لا يسقطه السفر ; لتصريح القرآن بوجوب الهدي على المتمتع ، وعدم صراحة الآية في سقوطه بالسفر . وقد ذكرنا أن لزوم الدم للقارن الذي هو من حاضري المسجد الحرام له وجه من النظر ; لأنه اكتفى عن النسكين بعمل أحدهما على قول الجمهور ، كما تقدم .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.68 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.05 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.67%)]