عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 09-09-2022, 11:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,262
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(258)
الحلقة (272)
صــ 47إلى صــ 54






وقال آخرون : معنى هذه الآية وتأويلها على غير هذين الوجهين اللذين وصفنا من قول الفريقين اللذين ذكرنا اختلافهم على ما ذكرنا . وقالوا : إنما معنى ذلك : فإن أحصرتم أيها المؤمنون عن حجكم - فمنعتم من المضي لإحرامه لعائق مرض أو خوف عدو - وأداء اللازم لكم وحجكم ، حتى فاتكم الوقوف بعرفة ، فإن عليكم ما استيسر من الهدي ، لما فاتكم من حجكم ، مع قضاء الحج الذي فاتكم . فقال أهل هذه المقالة : ليس للمحصر في الحج - بالمرض والعلل غيره - الإحلال إلا بالطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة إن فاته الحج . قالوا : فأما إن أطاق شهود المشاهد ، فإنه غير محصر . قالوا : وأما العمرة فلا إحصار فيها ، لأن وقتها موجود أبدا . قالوا : والمعتمر لا يحل إلا بعمل آخر ما يلزمه في إحرامه . [ ص: 47 ]

قالوا : ولم يدخل المعتمر في هذه الآية ، وإنما عني بها الحاج .

ثم اختلف أهل هذه المقالة . فقال بعضهم : لا إحصار اليوم بعدو ، كما لا إحصار بمرض يجوز لمن فاته أن يحل من إحرامه قبل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة .

ذكر من قال ذلك :

3308 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن طاوس ، قال : قال ابن عباس : لا إحصار اليوم .

3309 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال سمعت يحيى بن سعيد يقول : أخبرني عبد الرحمن بن القاسم أن عائشة قالت : لا أعلم المحرم يحل بشيء دون البيت .

3310 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : لا حصر إلا من حبسه عدو ، فيحل بعمرة ، وليس عليه حج ولا عمرة .

وقال آخرون منهم : حصار العدو ثابت اليوم وبعد اليوم ، على نحو ما ذكرنا من أقوالهم الثلاثة التي حكينا عنهم .

ذكر من قال ذلك وقال : معنى الآية : فإن أحصرتم عن الحج حتى فاتكم ، فعليكم ما استيسر من الهدي لفوته إياكم :

3311 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، قال : كان عبد الله بن عمر ينكر الاشتراط في الحج ، ويقول : أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت والصفا والمروة ، ثم حل من كل شيء حتى يحج عاما [ ص: 48 ] قابلا ويهدي أو يصوم إن لم يجد هديا .

3312 - حدثني محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : المحصر لا يحل من شيء حتى يبلغ البيت ، ويقيم على إحرامه كما هو ، إلا أن تصيبه جراحة - أو جرح - فيتداوى بما يصلحه ويفتدي . فإذا وصل إلى البيت ، فإن كانت عمرة قضاها ، وإن كانت حجة فسخها بعمرة ، وعليه الحج من قابل والهدي ، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع .

3313 - حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عبيد الله ، قال : أخبرني نافع : أن ابن عمر مر على ابن حزابة وهو بالسقيا ، فرأى به كسرا ، فاستفتاه ، فأمره أن يقف كما هو لا يحل من شيء حتى يأتي البيت إلا أن يصيبه أذى فيتداوى وعليه ما استيسر من الهدي . وكان أهل بالحج .

3314 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثني الليث ، قال : حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر ، قال : من أحصر بعد أن يهل بحج ، فحبسه خوف أو مرض أو خلأ له ظهر يحمله ، أو شيء من الأمور كلها ، فإنه يتعالج لحبسه ذلك بكل شيء لا بد له منه ، غير أنه لا يحل من النساء والطيب ، ويفتدي بالفدية التي أمر الله بها صيام أو صدقة أو نسك . فإن فاته الحج وهو بمحبسه ذلك ، أو فاته أن يقف في مواقف عرفة قبل الفجر من ليلة المزدلفة ، فقد فاته الحج ، وصارت حجته عمرة : يقدم مكة فيطوف بالبيت وبالصفا والمروة ، فإن كان معه هدي نحره بمكة قريبا من [ ص: 49 ] المسجد الحرام ، ثم حلق رأسه ، أو قصر ، ثم حل من النساء والطيب وغير ذلك . ثم عليه أن يحج قابلا ويهدي ما تيسر من الهدي .

3315 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثني مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ، عن عبد الله بن عمر أنه قال : المحصر لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة . وإن اضطر إلى شيء من لبس الثياب التي لا بد له منها أو الدواء صنع ذلك وافتدى .

فهذا ما روي عن ابن عمر في الإحصار بالمرض وما أشبهه ، وأما في المحصر بالعدو فإنه كان يقول فيه بنحو القول الذي ذكرناه قبل عن مالك بن أنس أنه كان يقوله .

3316 - حدثني تميم بن المنتصر ، قال : حدثنا عبد الله بن نمير ، قال : أخبرنا عبيد الله ، عن نافع : أن ابن عمر أراد الحج حين نزل الحجاج بابن الزبير فكلمه ابناه سالم وعبيد الله ، فقالا لا يضرك أن لا تحج العام ، إنا نخاف أن يكون بين الناس قتال فيحال بينك وبين البيت ! قال : إن حيل بيني وبين البيت فعلت كما فعلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حال كفار قريش بينه وبين البيت فحلق ورجع .

وأما ما ذكرناه عنهم في العمرة من قولهم : " إنه لا إحصار فيها ولا حصر" ، فإنه : -

3317 - حدثني به يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثني هشيم ، عن أبي بشر ، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير أنه أهل بعمرة فأحصر ، قال : فكتب إلى ابن عباس وابن عمر ، فكتبا إليه أن يبعث بالهدي ، ثم يقيم حتى يحل من عمرته . قال : فأقام ستة أشهر أو سبعة أشهر . [ ص: 50 ]

3318 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا يعقوب ، عن أبي العلاء بن الشخير ، قال : خرجت معتمرا فصرعت عن بعيري ، فكسرت رجلي ، فأرسلنا إلى ابن عباس وابن عمر نسألهما ، فقالا إن العمرة ليس لها وقت كوقت الحج ، لا تحل حتى تطوف بالبيت . قال : فأقمت بالدثينة أو قريبا منه سبعة أشهر أو ثمانية أشهر .

3319 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثني مالك ، عن أيوب بن أبي تميمة السختياني عن رجل من أهل البصرة كان قديما أنه قال : خرجت إلى مكة ، حتى إذا كنت ببعض الطريق كسرت فخذي ، فأرسلت إلى مكة إلى عبد الله بن عباس ، وبها عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر والناس ، فلم يرخص لي أحد أن أحل ، فأقمت على ذلك إلى سبعة أشهر ، حتى أحللت بعمرة .

3320 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن ابن شهاب في رجل أصابه كسر وهو معتمر ، قال : يمكث على إحرامه حتى يأتي البيت ويطوف به وبالصفا والمروة ، ويحلق أو يقصر ، وليس عليه شيء .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل هذه الآية قول من [ ص: 51 ] قال : إن الله عز وجل عنى بقوله : " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله " كل محصر في إحرام ، بعمرة كان إحرام المحصر أو بحج . وجعل محل هديه الموضع الذي أحصر فيه ، وجعل له الإحلال من إحرامه ببلوغ هديه محله - . وتأول ب "المحل" المنحر أو المذبح ، وذلك حين حل نحره أو ذبحه ، في حرم كان أو في حل ، وألزمه قضاء ما حل منه من إحرامه قبل إتمامه إذا وجد إليه سبيلا وذلك لتواتر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صد عام الحديبية عن البيت وهو محرم وأصحابه بعمرة ، فنحر هو وأصحابه بأمره الهدي ، وحلوا من إحرامهم قبل وصولهم إلى البيت ، ثم قضوا إحرامهم الذي حلوا منه في العام الذي بعده . ولم يدع أحد من أهل العلم بالسير ولا غيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحدا من أصحابه أقام على إحرامه انتظارا للوصول إلى البيت والإحلال بالطواف به وبالسعي بين الصفا والمروة ، ولا تحفى وصول هديه إلى الحرم .

فأولى الأفعال أن يقتدى به ، فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ لم يأت بحظره خبر ، ولم تقم بالمنع منه حجة . فإذ كان ذلك كذلك ، وكان أهل العلم مختلفين فيما اخترنا من القول في ذلك فمن متأول معنى الآية تأويلنا ، ومن مخالف ذلك ، ثم كان ثابتا بما قلنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النقل كان الذي نقل عنه أولى الأمور بتأويل الآية ، إذ كانت هذه الآية لا يتدافع أهل العلم أنها يومئذ نزلت وفي حكم صد المشركين إياه عن البيت أوحيت . [ ص: 52 ]

وقد روي بنحو الذي قلنا في ذلك خبر .

3321 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثني الحجاج بن أبي عثمان ، قال : حدثني يحيى بن أبي كثير ، أن عكرمة مولى ابن عباس حدثه ، قال : حدثني الحجاج بن عمرو الأنصاري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى" قال : فحدثت ابن عباس وأبا هريرة بذلك ، فقالا صدق .

3322 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا مروان ، قال : حدثنا حجاج الصواف وحدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا سفيان بن حبيب ، عن الحجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير ، عن عكرمة ، عن الحجاج بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ، وعن ابن عباس وأبي هريرة .

ومعنى هذا الخبر الأمر بقضاء الحجة التي حل منها ، نظير فعل النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه في قضائهم عمرتهم التي حلوا منها عام الحديبية من القابل في عام عمرة القضية . [ ص: 53 ]

ويقال لمن زعم أن الذي حصره عدو ، إذا حل من إحرامه التطوع فلا قضاء عليه ، وأن المحصر بالعلل عليه القضاء : ما العلة التي أوجبت على أحدهما القضاء ، وأسقطت عن الآخر ، وكلاهما قد حل من إحرام كان عليه إتمامه لولا العلة العائقة ؟

فإن قال : لأن الآية إنما نزلت في الذي حصره العدو ، فلا يجوز لنا نقل حكمها إلى غير ما نزلت فيه

قيل له : قد دافعك عن ذلك جماعة من أهل العلم ، غير أنا نسلم لك ما قلت في ذلك ، فهلا كان حكم المنع بالمرض والإحصار له حكم المنع بالعدو ، إذ هما متفقان في المنع من الوصول إلى البيت وإتمام عمل إحرامهما ، وإن اختلفت أسباب منعهما ، فكان أحدهما ممنوعا بعلة في بدنه ، والآخر بمنع مانع؟ ثم يسأل الفرق بين ذلك من أصل أو قياس ، فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله .

وأما الذين قالوا : لا إحصار في العمرة ، فإنه يقال لهم : قد علمتم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما صد عن البيت ، وهو محرم بالعمرة ، فحل من إحرامه؟ فما برهانكم على عدم الإحصار فيها؟ أورأيتم إن قال قائل : لا إحصار في حج ، وإنما فيه فوت ، وعلى الفائت الحج المقام على إحرامه حتى يطوف بالبيت ، ويسعى بين الصفا والمروة ، لأنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سن في الإحصار في الحج سنة؟ فقد قال ذلك جماعة من أئمة الدين . فأما العمرة فإن النبي صلى الله عليه وسلم سن فيها ما سن ، وأنزل الله تبارك وتعالى في حكمها ما بين من الإحلال والقضاء الذي فعله صلى الله عليه وسلم ، ففيها الإحصار دون الحج هل بينها وبينه فرق؟ ثم يعكس عليه القول في ذلك ، فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله .
[ ص: 54 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ، ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله ، إلا أن يضطر إلى حلقه منكم مضطر ، إما لمرض ، وإما لأذى برأسه ، من هوام أو غيرها ، فيحلق هنالك للضرورة النازلة به ، وإن لم يبلغ الهدي محله ، فيلزمه بحلاق رأسه وهو كذلك ، فدية من صيام ، أو صدقة ، أو نسك .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

3323 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : قلت لعطاء : ما" أذى من رأسه" ؟ قال : القمل وغيره ، والصدع ، وما كان في رأسه .

وقال آخرون : لا يحلق إن أراد أن يفتدي الحج بالنسك ، أو الإطعام ، إلا بعد التكفير . وإن أراد أن يفتدي بالصوم ، حلق ثم صام .

ذكر من قال ذلك . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.36 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.70%)]