عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 06-09-2022, 04:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,647
الدولة : Egypt
افتراضي رد: (تعالوا) بفتح اللام و(تعالوا) بضمها


وقَرَّرَ ابن هشام في كتاب آخر أنَّ العلماء لحَّنُوا أبا فراس في ذلك[14].








وهذا التلحين غيرُ مقبول، فليس الأمرُ كما قالوا، بل هذا المسلك مسموعٌ، ولا سبيل إلى رَدِّه؛ فقد نصَّ عليه بعض أئمة اللغة، ولا شكَّ أنَّ اللغويين أدقُّ في نقل لغات العرب وأضبطُ وأوثقُ من متأخِّري النحويين.



وقال شهاب الدين الخفاجي: "هذه لغةٌ مسموعة فيه أثبتها ابنُ جني، وإن كانت ضعيفةً؛ فلا عبرة بمن لحَّنَ الشاعرَ فيها؛ كابن هشام، وإذا قُرئ بها فقد انقطع النزاع... والشعر المذكور لأبي فراس الحارث بن أبي سعيد ابن عم سيف الدولة، وهو من الفصحاء الذين يُجعل قولُهم بمنزلة روايتِهم، ويُستأنس به "[15].







وفي قناعتي أنْ ليس أبو فراس بلاحنٍ، ولا خارجٍ عن منهاج العرب في شعره؛ فقد جاء هذا الفعلُ مسندًا إلى ياء المخاطَبة في تلك القصيدة ثلاث مراتٍ، منها مرتان على لغة جمهور العرب الفصحى بفتح اللام قبل الياء: (تَعَالَيْ) - كما جاء في ضبط الديوان - ومرة في نهاية البيت على لغة غيرِهم: (تَعَالِي)؛ صيانةً لقصيدته التي رَوِيُّها مكسورٌ من أحد عيوب القافية، وهو الإصراف: (اختلاف حركة الرويِّ بالفتح وغيره في قصيدة واحدة).








وقد نَبَّهَنا فيلسوفُ العربية إلى أنَّ الناطق على قياس لغة من لغات العرب مصيبٌ غيرُ مخطئ؛ لكنه مخطئٌ لأجود اللغتين، فإن احتاج لذلك في شعر أو سجع، فما هو بملوم، ولا ينكرُ عليه[16]، وما أَوْفَى عبارتَهُ الواردة في آخر (باب اختلاف اللغات وكلها حجة)! التي يقولُ فيها: "وكيف تصرفت الحال فالناطقُ على قياس لغة من لغات العرب مصيبٌ غير مخطئ، وإن كان غيرُ ما جاء به خيرًا منه"[17].








وتأَمَّل أبيات أبي فراس[18]: [من الطويل]:





أيا جارتَا ما أنصفَ الدَّهرُ بَيننَا

تَعَالَيْ أُقَاسِمْكِ الهمُومَ تَعَالِي



تعالَيْ تَريْ رُوحًا لديَّ ضعيفةً

ترَدَّدُ في جسمٍ يُعذَّبُ بَالِ



أيضحكُ مأسورٌ، وتَبْكِي طَلِيقَةٌ

ويسكُتُ محزُونٌ ويندُبُ سَالِ



لقد كنتُ أولَى منكِ بالدَّمعِ مُقلةً

ولكنَّ دمعِي في الحوادثِ غَالِ










فاختلاف اللهجات العربية وتنوُّعُها يُعدُّ مظهرًا من مظاهر الثَّراءِ في لغتنا الشريفة، وآيةً من آيات التيسيرِ على الشعراء، ورفع الحرج عنهم في حدود نظمهم الضيقة، وبابًا من أبواب اتساع مجالِ القول فيها؛ فما أروعَ لغتَنا! وما أوفاها بحاجة الناطقين بها!








خامسًا - توجيه ضم اللام وكسرها في الفعلين:



تتمثلُ توجيهاتُ العلماءِ التي وقفتُ عليها لهذا المسلك العربي فيما يأتي:



ضمُّ اللام قبل واوِ الجماعة بعد حذفِ آخر الفعل؛ لمجانسةِ الواو، وكسرها قبل ياء المخاطَبةِ بعد حذف آخر الفعل؛ لمجانسة الياء[19].







أنَّ الأصلَ - بعد قلب الواو الواقعةِ لامًا للفعل ياءً - (تَعَالَيُوا)، فاستُثقلت الضمة على الياء، فنُقِلت إلى اللام بعد سَلْب حركتِها، وحُذفت الياء؛ للتخلص من التقاء الساكنين، فبقي الفعل: (تعالُوا) بضم اللام.



والأصل في الفعل الثاني: (تَعَالَيِي)، فاستُثقلت الكسرة على الياء، فنُقِلت إلى اللام بعد سَلْب حركتِها، وحُذفت الياء؛ للتخلص من التقاء الساكنين، فبقي الفعل (تَعَالِي) بكسر اللام.







ضم اللام من (تَعَالُوا) إشارة إلى حركة الياء المحذوفة قبل واو الجماعة، وكانت هذه الياءُ لام الفعل منقلبةً عن الواو؛ فحُذفت من (تَعَالَيُوا) استحسانًا وتخفيفًا، فنُقلت حركتها إلى اللام؛ لوقوع واو الجماعة بعدها، كقولك: تقَدَّمُوا، وتأخَّرُوا[20].







حذف لام الفعل - وهي الياء المنقلبة عن الواو - على سبيل الاعتباط؛ (أي: لغير علة)، فصارت اللام قبلها كـ: لام الكلمة؛ فضُمَّت كما يُضمُّ آخرُ الكلمة قبل واو الجماعة؛ لمناسبتها[21].







قال السمين الحلبي: "والذي يظهَرُ في توجيهِ هذه القراءة أنَّهُم تناسَوا الحرفَ المحذوف، حتى كأنهم تَوَهَّمُوا أنَّ الكلمة بُنِيَتْ على ذلك، وأنَّ اللامَ هي الآخِرُ في الحقيقة؛ فلذلكَ عُومِلَتْ معامَلَةَ الآخِر حقيقةً؛ فَضُمَّت قبلَ واو الضميرِ، وكُسِرت قبل يائه كما ترى"[22].







سادسًا - نهاية المطاف:



لعلك أدركتَ أنَّ هذا المسلك الذي لا يزال دائرًا على لساني ولسانك وألسنة الناس صَبَاحَ مَسَاءَ - عربيٌّ مسموعٌ بقلةٍ، وأنَّ المسلك الأول هو الأفصحُ السائد في الكلام.







لعلك عرفت أنَّ قولَك: (تَعَالُوا) بضم اللام، وقولك: (تَعَالِي) بكسرها - نطقٌ جائزٌ؛ وأنَّ اللاهجين به لم يتعدَّوا حدود لغة العرب، وأنَّ المسلك الأولَ - فتح اللام - هو المشهور المنصور في الاستعمال، وبه جاء خيرُ الكلام وأحلاه، وأعذبُه وأبهاه، وهو الذِّكرُ الحكيم.







إنَّ (تَعَالَ) في الاستعمال يراد به طَلبُ إقبالِ المخاطبين على الإطلاق (المنخفض، والمرتفع، والمساوي)، وفي بداية الوضع كان طلبُ الإقبال به أضيقَ من ذلك، يقتصر على حالة واحدة، وهي: طلبُ المتكلم من مكان عالٍ علوَّ الشخص المنخفض وارتفاعَهُ إليه، فبدأ خاصًّا، ثم اتَّسعت دلالتُه؛ فصار عامًّا، وهو ملازم لتلك الصيغة.







لا تنسَ أنَّ (تَعَالَى) في قولك: (تَعَالَى اللهُ) فعلٌ ماضٍ، ومعناه: ارتفع، وعلا شأنُه، وجَلَّ عن كلِّ وصفٍ وثناءٍ؛ فتنزَّهَ عن إفك المُفترين، ووساوس المُتحيِّرين.







وجاء في تهذيب اللغة (ع ل و): "تفسير (تَعَالَى): جلَّ عَن كلِّ ثناءٍ، فهو أعظمُ وأجلُّ وأعلَى مما يُثنَى عليه، لَا إله إلَّا الله وحده لَا شريك له".



وفي لسان العرب (ع ل و): "وأَما (المُتَعَالي) فهو الَّذِي جَلَّ عن إفكِ المُفترِين، وتَنزَّه عن وَساوس المتحيِّرين".



﴿ رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ [الكهف: 10].







[1] ينظر: تذليل التصريف 2/ 76.




[2] الكتاب 1/ 8.




[3] شرح شذور الذهب؛ لابن هشام 447.

من النحويين من جعل من أسماء الأفعال (تَعَالَ) بمعنى: أَقْبِلْ؛ كالزمخشري، وهو في الواقع اللغويِّ ليس كذلك، بل هو فعلٌ غير متصرف، والدليل على فعليته أمران:

أحدهما: اتصال ضمائر الرفع البارزة به، كقولك للأنثى: (تَعَالَيْ)، وللاثنين والاثنتين: (تَعَالَيَا)، وللجماعة المذكرة: (تَعَالَوْا)، وللجماعة المؤنثة: (تَعَالَيْنَ)، فعُومِل هذه المعاملة الخاصة بالأفعال.

والثاني: أنَّ مدلوله كمدلول الأفعال التي هو منها، وهو الدلالة على الطلب؛ فوجب أن يُلحق بالأفعال؛ لاتصال الضمائر به، ودلالته على الطلب. ينظر: شرح الكافية الشافية 3/ 1389، والتصريح 1/ 35.




[4] ينظر: حروف المعاني والصفات؛ لأبي القاسم الزجاجي 21، والمصباح المنير (ع ل و).




[5] ينظر: التبيان في إعراب القرآن؛ للعكبري 1/ 267، 268، وإعراب القرآن العظيم؛ للشيخ زكريا الأنصاري 208.




[6] لباب التأويل في معاني التنزيل 2/ 171.




[7] ينظر: المصباح المنير، وتاج العروس (ع ل و).




[8] ينظر: الكشف والبيان عن تفسير القرآن؛ لأبي إسحاق الثعلبي 3/ 84، وباهر البرهان في معاني مشكلات القرآن؛ للغزنوي 1/ 298، وأنوار التنزيل وأسرار التأويل؛ للبيضاوي 2/ 81.




[9] الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل 1/ 525.




[10] البحر المحيط 3/ 689.




[11] الشوارد أو ما تفرَّد به بعضُ أئمة اللغة 14.




[12] البيت في ديوانه 282، طبعة دار الكتاب العربي.




[13] شرح شذور الذهب؛ لابن هشام 29.




[14] ينظر: شرح قطر الندى وبل الصدى 32.




[15] حاشيته المُسَمَّاة: عنايةُ القَاضِي وكفايةُ الرَّاضِي عَلَى تفْسيرِ البيضَاوي 3/ 149.




[16] ينظر: الخصائص 2/ 14.




[17] المصدر السابق 2/ 14.




[18] الأبيات في ديوانه 282.




[19] ينظر: التبيان في إعراب القرآن 1/ 368، والمصباح المنير وتاج العروس (ع ل و).




[20] ينظر: المحتسب 1/ 191، والكشاف 1/ 252.




[21] ينظر: أنوار التنزيل وأسرار التأويل؛ للبيضاوي 2/ 81.




[22] الدر المصون 3/ 225.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.46 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.83 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.29%)]