عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 04-09-2022, 12:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عمل الحروف المختصة بالفعل



أ - الوجوب: ويكونُ بعد حرفين: أولُهما ما هو حرفُ جرٍّ، والآخَرُ ما هو حرفُ عطفٍ.



فالأولُ فيه حرفانِ تُضمرُ (أَنْ) بعدَهما وجوبًا، وهما:

لامُ الجحودِ؛ مثلَ قولِنا: ومَا كَانَ زَيْدٌ لِيَقُومَ؛ فالكوفيون قالوا بأن لامَ الجحودِ هي الناصبةُ بنفسِها، بينما خالفَهم البصريون، وذهبوا إلى أن الفعلَ المضارعَ منصوبٌ ب - (أن) مضمرة وجوبًا، أما ثعلبُ، فيرى أن اللامَ هي الناصبةُ؛ لقيامِها مقامَ أن، ولا يجوزُ تقديرُ أن هنا؛ لأن قولَنا: مَا كَانَ زَيْدٌ لِيَقُومَ، مثل: كَانَ زَيْدٌ سَيَقُومُ، فلما امتنعَ ذكرُ (أن) بعد السينِ هنا، امتنعَ أيضًا تقديرُها بعد لامِ الجحودِ.



حتى الجارة: والنصبُ بعدها ب - (أن) لازمة الإضمار وجوبًا هو مذهبُ البصريين، واستدلوا على ذلك بأن عواملَ الأسماءِ لا تكونُ عواملَ في الأفعالِ؛ لأن ذلك نفيٌ للاختصاصِ كما قال ابنُ الأنباريِّ في كتابه الإنصاف، واختلف معهم الكوفيون، وقالوا: إن حتى هي ناصبةٌ بنفسِها وليست جارةً، وإنما جُرَّ بها في الأسماءِ فقط لشبهِها ب - (إلى)، وفي هذه الحالةِ لا مانعَ من إظهارِ أنْ بعدها، فمثلًا قولنا: لأَجْتَهِدَنَّ حَتَّى أَبْلُغَ النَّجَاحَ، يجوزُ أن يقالَ: لأَجْتَهِدَنَّ حتَّى أَنْ أَبْلُغَ النَّجَاحَ، وقالوا: حتى هي الناصبةُ، وأنْ توكيدٌ لها.



أما النوعُ الثاني من الحروفِ التي تُضمَرُ بعدها أن وجوبًا، فهي حروفُ العطفِ، وهي:

أو: شريطة أن يصحَّ وقوعُ (إلى أنْ) موقعَها، كقول الشاعر:

لأَسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ أَوْ أُدْرِكَ المُنَى ♦♦♦ فَمَا انْقَادَتِ الآمَالُ إِلَّا لِصَابِرِ



والمقصودُ: (إلى أنْ أُدركَ)؛ فالمضارعُ هنا منصوبٌ ب (أن) مضمرة وجوبًا عند البصريين؛ لأن الأصلَ في الحرفِ (أو) أنه حرفُ عطفٍ، والأصلُ في حروفِ العطفِ ألا تعملَ؛ لأنها حروفٌ مشتركةٌ، أما الفراءُ وقومٌ من الكوفيين، فيرون أن المضارعَ منصوبٌ بالخلافِ؛ أي: مخالفةِ الثاني للأولِ من حيثُ إنه لم يكنْ شريكًا في المعنى، ولا معطوفًا عليه، في حين اختارَ الكسائيُّ والجرميُّ أن المضارعَ منصوبٌ ب (أن) نفسِها[14].



فاء السببية وواو المعية المسبوقانِ بنفيٍ محضٍ أو طلبٍ محضٍ؛ مثلَ: اضْرِبْ زَيْدًا فَيَسْتَقِيمَ؛ كمثال على فاءِ السببيةِ، وقولنا: لا تُسْرِفْ فِي التَّشَاؤُمِ وَتُخْفِيَ تَفَاؤُلَكَ؛ كمثال على واو المعية؛ فالمضارع هنا عند البصريين منصوبٌ ب (أن) مضمرة؛ لأن هذه الحروفَ في نظرِ البصريين لا تعملُ؛ لعدمِ اختصاصِها، بينما المضارعُ عند الكوفيين انتصبَ بالفاءِ في المثالِ الأولِ، وبالواوِ في المثالِ الثاني؛ فالبصريون دائمًا يأخذونَ بالأصلِ، والأصلُ في حروفِ العطفِ أن لا تعملَ؛ لأنها - كما قلنا - حروفٌ مشتركةٌ فقَدتِ اختصاصَها؛ لهذا يقول السيوطيُّ: "فإن قيلِ: يلزمُ على مذهبِ البصريين إضمارُ الناصبِ، والإضمارُ خلافُ الأصلِ؟ قلنا: الإضمارُ مجازٌ، والمجازُ أولى منَ الاشتراكِ"[15].



أما ثعلب، فالواوُ والفاءُ عنده هي الناصبُ، وعلَّلَ ذلك - كما ورد في كتاب همع الهوامع للسيوطي - بأن الحرفينِ دالَّانِ على شرطٍ، فمعنى (هَلَّا تَزُورُنِي فَأُحَدِّثَكَ) هي مثل: إِنْ تَزُرْنِي أُحَدِّثْكَ.



أما المواضعُ التي تُضمرُ أنْ بعدَها جوازًا، فهي:

أ - بعد لامِ الجرِّ غير الجحود؛ مثل: جِئْتُكَ لأُحَدِّثَكَ؛ فالبصريون كعادتِهم ينصبون الفعلَ المضارعَ ب (أن) مضمرة مع جوازِ إظهارِها، أما الكوفيون، فالنصبُ عندهم باللامِ نفسِها؛ كما قالوا في لامِ الجحودِ، وأن ما ظهرَ بعدها من كي وأن هو مؤكِّدٌ لها، ولكنْ أبطلَ أبو حيان هذا، وقال بأن اللامَ من حروفِ الجرِّ، وعواملُ الأسماءِ لا تعملُ إلا في الأسماءِ.



ب - بعد حروفِ العطفِ إذا سبقتْ باسمٍ خالصٍ.



ونخلص مما تقدمَ إلى أن الحروفَ تنقسمُ من حيثُ الاختصاصُ الذي يوجبُ العملَ إلى ثلاثةِ أنواعٍ:

الحروفُ المختصةُ بالاسمِ، وهي نوعانِ:

أولها: الحروفُ التي تكونُ جزءًا من الاسمِ، وبالتالي لا تعملُ؛ لأنَّ الجزءَ لا يعملُ في الكلِّ؛ مثلَ لامِ التعريفِ: "الرجل".

وثانيها: الحروفُ التي لا تكونُ جزءًا من الاسمِ، وهذا النوعُ من الحروفِ عاملٌ، وعندما تعملُ فإما أن تعملَ الجرَّ، ويكونُ عملُها أصالةً، ونقصدُ هنا حروفَ الجر، وإما أن تعملَ النصبَ والرفعَ، ويكونُ عملُها استحسانًا كما قال النحاةُ، ونقصدُ هنا الحروفَ المشبَّهةَ بالفعلِ، فإنها عملتْ فقط لشبهِها بالفعلِ.



الحروفُ المختصةُ بالفعلِ، وهي أيضًا نوعانِ:

أولها: الحروفُ التي تكونُ جزءًا من الفعلِ؛ مثلَ السينِ، وبالتالي لا تعملُ.

وثانيها: الحروفُ التي ليستْ جزءًا من الفعلِ، وهذه الحروفُ حقُّها أن تعملَ، وإذا عملتْ فإما أن تعملَ الجزمَ، ويكونُ عملُها أصالةً، كما في حروفِ الجرِّ، وإما أن تعملَ النصبَ، ويكونُ عملُها فرعيًّا استحسانًا، وهذه الأخيرةُ بدورِها إنما عملتْ لشبهِها بالفعلِ؛ بمعنى إلحاقِ الفرعِ بالفرعِ؛ لنصلَ إلى أصلِ العملِ، الذي هو الفعلُ.



الحروفُ المشتركةُ: والقياسُ في هذا النوعِ من الحروفِ أن لا تعملَ؛ لأنها تدخلُ على الأسماءِ والأفعالِ؛ مثل: حروفِ العطفِ، وهل، والهمزة، فيقالُ: (هل جاءَ زَيْدٌ؟ هل زَيْدٌ أَخُوكَ؟)؛ ولكن مع ذلك هناك من الحروفِ ما هو مشتركٌ ويعملُ - مثل ما الحجازية ولا النافية حين تعمل - فرغم أن هذه الحروفَ تُعدُّ من المشتركِ فإنها تعملُ في الأسماءِ، وفي هذا السياقِ يقولُ جلالُ الدين السيوطي في "الأشباهِ والنظائرِ": كان القياسُ في ما النافيةِ أن لا تعملَ، إلا أنه لما كان لها شبهانِ: شبهٌ عامٌّ وشبهٌ خاصٌّ، عملتْ، فشبهُها العام: شبهُها بالحروفِ غيرِ المختصةِ في كونِها تلي الأسماءَ والأفعالَ، وشبهُها الخاصُّ: شبهُها بليس، وذلك أنها للنفيِ كما أن (ليس) كذلك، وداخلةٌ على المبتدأِ والخبرِ، فمن راعى الشبهَ العامَّ لم يعملْها، وهم بنو تميمٍ، ومن راعَى الشبهَ الخاصَّ أعملَها، وهم الحجازيون[16].



ونختمُ فيما يخصُّ الحروفَ بما ورد عند أبي الحسينِ بنِ أبي الربيعِ في كتابِه: "شرح الإيضاح" الذي قال - فيما نقله عنه السيوطي في الأشباه والنظائر -: اعلمْ أن الحروفَ إذا كان لها اختصاصٌ بالاسمِ أو بالفعلِ، فالقياسُ أن تعملَ فيما تختصُّ به، فإن لم يكنْ لها اختصاصٌ، فالقياسُ ألا تعملَ، فمتى وجدتَ مختصًّا لا يعملُ، أو غيرَ مختصٍّ يعملُ، فبسبيلِك أن تسألَ عن العلةِ في ذلك، فإن لم تجدْ، فيكونُ ذلك خارجًا عن القياسِ.





[1] الجنى الداني، ص: 26.




[2] شرح المفصل، لابن يعيش، 8.




[3] البيت الشعري مأخوذ من كتاب الإنصاف؛ للأنباري، ص: 498.




[4] الأشباه والنظائر؛ جلال الدين السيوطي، 2/ 145.




[5] المصدر نفسه، 2/ 451.




[6] شرح التسهيل؛ ابن مالك، 1/ 29.




[7] المقتصد في شرح الإيضاح؛ عبدالقاهر الجرجاني، 1049.




[8] شذور الذهب؛ ابن هشام الأنصاري، 518.




[9] همع الهوامع؛ جلال الدين السيوطي، 2/ 288.




[10] المصدر نفسه، 2/ 288.




[11] الإنصاف في مسائل الخلاف؛ ابن الأنباري، 454.




[12] شرح المفصل؛ ابن يعيش.




[13] همع الهوامع؛ جلال الدين السيوطي، 2/ 292.




[14] همع الهوامع؛ جلال الدين السيوطي، 2/ 304.




[15] همع الهوامع؛ جلال الدين السيوطي، 1/ 83.




[16] الأشباه والنظائر، 406.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.07 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.44 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.72%)]