عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 03-09-2022, 01:38 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أبيات في المشيب والطاعة

أبيات في المشيب والطاعة
محمد حمادة إمام



اطمأن قلب الشاعر برزانة المشيب، وسبل الهدى، ورحيل الهوى، ولما كان الخير على يد المشيب وأجله حب الله تعالى الذي يعوضه عن حب من سواه، دعا له، فيقول: [26] [من الطويل]
جَزَى اللهُ عنِّي زَاجِرَ الشَّيْبِ خير ما
جَزَى ناصحًا فَاَزتْ يَدَايَ بِخَيْرهِ

أَلِفْتُ طَرِيقَ الحُبِّ حتى إذا انتهى
تعوضتُ حُبَّ اللهِ عَنْ حُبِّ غَيْرهِ


نعم، ليس في طور المشيب أمان، "وكيف الأمان، وقد طلع منه النذير العريان، يدل على الخبر بخبره، وينذر بها ذم اللذات على أثره؟!" [27].

وقوله، والذي منه:
قَدْ كَانَ يَسْتُرُني ظَلامُ شبيبتي ****والآنَ يَفْضَحُنِي صَبَاحُ مَشِيبِ

مثل قول أبي بكر أحمد بن شبرين (ت 747 هـ ): [28] [من السريع]

قَدْ كَانَ عيبي مِنْهُ قَبْل في غَيْبِ
فَمُذْ بَدَا شَيْبِي بَدَا عَيْبِي

لا عُذْرَ اليَوْمَ ولا حُجَّةٌ
فَضَحْتَنِي واللهِ يَا شَيْبيِ


وجاء "ابن جابر" [29] مطالبًا الشيب بطرح مجون ولهو الشباب، فالمشيب داء يعز على الأساة طبه ودواؤه، وينبغي أن يتخذ الشباب وهن البدن وتقويس الظهر واعظًا وزاجرًا؛ إذ عما قريب سيكون مثل هؤلاء الشيب، عندئذ تنفك عن القلب قسوته، ويفر العيب، فما أقبحه في أوان الشيب! فيقول: [30] [من الرجز]
وإنْ بَدا صُبْحُ المَشِيبِ فاطَّرح
ما كانَ إذْ ليلُ الشَّبابِ قَدْ غَسَا[31]

ولا تظن الشيبَ يُرْجى طِبُّهُ
بزُورِ صُبْح أو مُدَامٍ يُحْتسَي

إذا الفتى قوس واعتدّ العصا
لقوسه عَنْ وَتَر أَعْيا الأُسَا

فاذْكُرْ زَمَاَن الشَّيْبِ في حال الصبا
عسى يلينُ للتُّقَى قَلَبٌ قَسَا

ما أقْبَحَ اللهوَ على المرء إذا
ما اشْتَعَل الرَّأْسُ مشيبًا واكتسى


ينكر الشاعر على الشيب مدمني الشراب والخضاب لهوهم وعبثهم، مشككًا في وصول المرء إلى الشيب، كان هذا قبل تعدُّد الأوبئة، وانتشار الأمراض الآكلة الشباب قبل الشيب، فقد داهمت الأجيال، واستعصت على الأساة.


أما ابن "زمرك " [32]، فيقيم موازنة بين الأشيب المطيع، وقرنه الماجن اللاهي، فالمطيع فرح باطراح الأماني، راض عن شيبه، لاقيه بإجلال وتكرمة، فهو نور جلا غسق الصبا، وأتى على ما يشين في الأولى والآخرة.

أما اللاهي - وقد نام في دجا ظلمائه - فباك لمشيب قطع عنه اللذائذ، وأطايب الشباب، ومنعه من تمنيها في المستقبل، فعاد كئيبًا مثقلاً بالأشجان، متناسيًا أن هذه سمة خلق الله، فيقول: [33] [من البسيط]
هذا الصَّباحُ صَباحُ الشَّيْبِ قَدْ وضَحَا
سَرْعانَ مَا كانَ لَيْلا فَاسْتنَاَر ضُحَى

للدَّهْر لونانِ مِنْ نُورٍ ومِنْ غَسَقٍ
هذا يُعَاقِبُ هذا كُلّمَا بَرَحَا

وتلك صبغته أعْدَى بنيهِ بهَا
إذا تَرَاخَى مجالُ العُمْرِ وانْفَسَحا
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.80 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.23%)]