عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-09-2022, 01:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أبيات في المشيب والطاعة

وبُعْدا وسُحْقا له إذ غدا
ليسمع وَعْظا وَلَنْ يَسْمَعا

ويتناول "مالك بن المُرَحل "[13] مثل هذا المعنى، فيدعو الشيب إلى الزهد والصلاح، ولزوم جانب التقوى، والحياء والنجاح، فيقول: [14] [من الوافر]
فيا بنَ الأربعينَ ارْكَبْ سَفِينَا
من التَّقْوى فَقَدْ عُمِّرْتَ حِينا

وَنُحْ إن كُنْتَ مِنْ أَصْحَاِب نوحٍ
لكي تَنْجُو نَجاةَ الأربعينا

إلى أن يقول:
نَبَاتٌ هَاجَ ثُمّ يُرَى حُطَامَا
وهذا اللحظُ قَدْ شمل العُيُونا

نذيرٌ جاءكُم عُرْيانَ يَعْدُو
وأنتم تَضْحكونَ وتَلعبونا

أُخَيَّ إلى مَتَى هَذَا التَّصّابي
جُنِنْتَ بهذِه الدُّنيا جُنُونَا


يطالب الشاعر - الأشيب اللاهي - بالاستحياء، من خالقه، والبكاء على نفسه، وقد أصبح كالنبات الذي عاد - بعد نضارته - حطامًا، على يد النزير العريان - المشيب -.


يمم الرجل معاني القرآن والسنة وأساليب البيان؛ ليعزف أنغامه وألحانه، فقوله: " نبات هاج ثم يرى حطامًا" مأخوذ من قوله تعالى: ï´؟ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا ï´¾ [الزمر: 21]، وقوله: " نذير جاءكم عريان يعدو" من قوله صلى الله عليه وسلم: ".. وأنا النذير العريان.. "[15]، وفي قوله: "اركب سفينا من التقوى" استعارة، وفي قوله: "نبات هاج.." استعارة أيضًا، وقوله: "أُخَيَّ إلى متى هذا التصابي؟!": استفهام إنكاري تعجبي، وبين نح ونوح جناس ناقص، وفي هذا توشية لصورته، وتدبيج لأسلوبه، وكأني به يتحدث عن نفسه، ويصف ما صنعه به شيبه، والحال الذي وصله، ومثل هذا المعنى عند عبدالرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي (ت 808 هـ) [16].

ومن الذين ناشدوا الشيب، وطالبوهم بعدم التمادي في ملذات الشباب، تفاديًا لجني الآهات والحسرات، "قاسم بن محمد بن الجد العمري" [17]، فيقول: [18] [من مخلع البسيط]
لَهْفِي هذا الشَّبابُ وَلَّى
والقَلْبُ في غَيِّهِ مُقِيمُ

يا رَبِّ عَفْوا لذي اجترام
لا تَهْتِك السِّتر يا حليمُ

مالي شفيعٌ سوى رجائي
وحسنُ ظَنِّي يَا كَرِيمُ

فلا تَكِلْني إلى ذُنُوبي
وارْحمني يا اللهُ يا رحيمُ


يتلهف الشاعر على شبابه الذي ضاع، ولا يزال قلبه في غواية وضلال؛ طالبًا عفو وستر الحليم الرحمن، يحدوه إلى ربه رجاؤه، وحسن ظنه، فقوله: "وحسن ظني يا كريم" من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله" [19].

وهذا "أبو جعفر بن خاتمة" [20]، يذكر بالعمر الذي يسرع في الفرار، والقلب في إقامة على اللهو والأوزار، فآه من سيف المشيب! سيف الليالي والأيام، المسلط على رقاب الآباء والأبناء، في أبيات منها: [21] [من البسيط]
خطَّ المشيبُ علىَ فوْديكَ تذكرةً ****بأن تنيبَ وحتّى الآنَ لم تَنُبِ


وممن أفاق على يد المشيب، من سكر الشباب، وهجر مراتع الشيطان، وانسل من شباكه، داعيًا ربه رتق فتوقه، وأن يكون عونه في أداء حقوقه، أبو حيان الأندلسي [22]، وأبو الحجاج المنتشاقري [23]، في تصوير يدل على أدبه المتألق، وبلوغه الغاية في الإجادة والإحسان، وطيران قصائده كل مطار، حتى تغنى بها راكب الفلك، وحادي القطار، وأبو عبدالله بن الحجاج البكري الغرناطي، [24] معضدين صورهم الإيمانية، بالقرآن والسنة النبوية بشكل واضح.

أما ابن الخطيب، فيبين أنه طريد ذنوب أوبقته، وهموم برته، وخطوب غزته، وقد كانت نفسه قبل - المشيب - جادة في السمو إلى الهوى، آبية الرجوع إلى الرشد، فلم يكن له إذا - بعد فضح المشيب لستر الشبيبة - إلا لزوم باب الفتاح سبحانه وتعالى، ونجوى أهل التقى والصلاح، ونشر فضل ذوي الفضل، رأبًا للصدع، وجبرًا للكسر، فيقول: [25] [من الكامل]
رَحَلَ الصِّبا فَطرَحْتُ في أعقابهِ ****مَاَ كَانَ مِنْ غَزلٍ ومِنْ تَشْبِيبِ


إلى أن يقول:
قَدْ كَانَ يَسْتُرنُي ظَلامُ شبيبتي ****والآنَ يَفْضَحُني صَبَاحُ مشيبِ

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.57 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.94 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.05%)]