عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 01-09-2022, 10:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,863
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المتنبي في عيون الصاحب بن عباد ومنهجه في رسالته "الكشف عن مساوئ شعر المتنبي"

المتنبي في عيون الصاحب بن عباد ومنهجه في رسالته "الكشف عن مساوئ شعر المتنبي"
سمير لعفيسي




ويُقارنه ببيت مسلم بن الوليد الذي يقول فيه:
أرادوا ليُخفوا قبره عن عدوِّه
فطيبُ ترابِ القبر دلَّ على القبرِ


فهذان البيتان في الرثاء، غير أن معناهما ومقامهما يختلفان، ولم يقدِّم الصاحب تعليلاً واضحًا في بيان تفضيله لبيت مسلم، ثم ذكر بيتًا آخر له يقول فيه:
سُلَّت وسُلَّت ثم سل سليلها
فأتى سليلُ سليلِها مَسلولا


وأردفه بقول المتنبي:
وأفجَعُ من فقدنا من وجدنا
قُبيلَ الفقدِ مفقودَ المِثالِ


ثم يعلق عليه قائلاً: "وأظن المصيبة في الراثي أعظم منها في المرثي"[35]، فالذي نلاحظه أن هذه المقارنة التي انتهجها الصاحب لا تقوم على معيار يَنظر لكل بيتٍ على حدة، ويَنتقده في لفظه أو معناه، أو ينظر في مطابقته لمقام وسياق صياغته، بقدر ما يسعى إلى تصوير أبيات المتنبي في صورة ساخرة.

وبعد أن عرض الصاحب لهذه الأبيات ينتقل إلى وصف كلمات المتنبي بالنُّفور والشذوذ، وقد سبق أن قال مثل ذلك فيما عرضناه؛ فهو يحاول أن ينتقي الأبيات التي تبدو له كلماتها متنافرة من حيث حروفها، أو تقع في موضع غير ملائم لما تَستحسنه الأسماع، ثم يعلِّل ذلك ببُعد المتنِّبي عما يصفه، وأنه يتكلَّف في تشبيهاته، يقول: "ومِن أطَمِّ ما يتعاطاه: التفاصح بالألفاظ النافرة، والكلمات الشاذة؛ حتى كأنه وليد خباء وغذيُّ لبن، ولم يطأ الحضر، ولم يعرف المدر"[36]، وقد مثل لذلك بقول المتنبي:
أيفطمُه التورابُ قبل فطامِه
ويأكلُه قبلَ البُلوغِ إلى الأكلِ


فهو يأخذ عليه لفظة (التوراب) ولا يَستسيغها، بحكم أن المتنبي وليد قرية ومعلم صبية، كما يأخذ عليه عبارته (حلواء البنين) في قوله:
وقد ذقتُ حلواءَ البنين على الصبا
فلا تحسبنِّي قلتُ ما قلتُ عن جَهلِ


وقد علَّق الصاحب على هذا البيت بقوله: "وما زلنا نتعجَّب من قول أبي تمام:
لا تَسقِني ماء الملامِ فإنَّني
صبٌّ قد استعذبتُ ماء بكائي


فخفَّ علينا بـ: (حلواء البنين)، ولَحقٌّ ما قال أبو بكر بن أبي قحافة لعلي بن أبي طالب: "وما من طامة إلا فوقها طامة"[37]، فالصاحب ينظر - غالبًا - لمعنى الكلمات، ثم يقابلها بمعنى عجز البيت، فإذا توافقت معه، كان البيت عنده مقبولاً وحسنًا؛ ولذلك لا عجب أن يستغرب وينفِر من كلمة (حلواء البنين) ويتعجَّب من بيت أبي تمام.

وينتقد الصاحبُ المتنبي في الأبيات الأولى من قصائده، ويعتبرها "عجيبة" في الغرض الذي يَرمي إليه، ومِن ذلك قول المتنبي:
لا يحزن اللهُ الأميرَ؛ فإنني
لآخُذُ مِن حالاته بنصيبِ


وقد قال المتنبي هذا البيت في بداية قصيدة يعزي بها سيف الدولة لما فقد غلامًا له يدعى "يماك"، وقد علَّق الصاحب على هذا البيت بقوله: "ولا أدري لم لا يحزن الله الأمير إذا أخذ أبو الطيب بنصيب من القلق"[38]، غير أن الأمر على غير ما يراه الصاحب؛ يقول الواحدي: "يقول: لا أحزنه الله؛ فإنه إذا حزنَ حزنتُ، ادَّعى لنفسه مشاركةً معه، وغلط الصاحب في هذا البيت، فظن أنه يقول: لا يحزن الله الأمير بالرفع على الخبر، فليس الأمر على ما توهم، والنون مكسورة، وهو دعاء؛ يقول: لا أصابه الله بحزن؛ فإني أحزن إذا حزن، يَعني أن حزنَه حزني، فلا أُصِيبَ بحزنٍ؛ لئلا أحزنَ"[39].

ويعيب الصاحب على المتنبي ألفاظه التي يوظفها في الوصف، ويعتبرها معقَّدة ومتنافرة؛ ومن ذلك وصفه للفرس بقوله:
وتُسعِدُني في غمرة بعد غمرةٍ
سبوحٌ لها منها عليها شواهدُ


فتكرار كلمة "غمرة" لم يَستسغه الصاحب؛ ولذلك وصف هذا البيت بالتعقيد والإبهام، غير أنه لم يقدم شرحًا واضحًا، إلا أنه أردف هذا البيت بقوله: "وما أحسنَ ما قال الأصمعي لمن أنشده:
فما للنَّوَى، جَدَّ النَّوى، قَطعَ النَّوى
كذاك النَّوى قطَّاعةٌ لوِصالِ


لو سلَّط الله على هذا البيت شاةً لأكلت هذا النوى كله"[40]، وذِكرُه لقول الأصمعي تلميح وإشارة لاستقباحه لفظ "غمرة" في بيت المتنبي.

ومن ذلك أيضًا قول المتنبِّي:
فحمدانُ حمدونٌ، وحمدونُ حارثٌ
وحارثُ لقمانٌ، ولقمانُ راشدُ


فقد استقبح الصاحب ذكر هذه الأسامي في هذا البيت، فعلق عليه بقوله: "وهذه من الحكمة التي ذخرها أرسطاطاليس وأفلاطون لهذا الخلف الصالح، وليس على حسنِ الاستِنباط قياس"[41]، ويورد الواحدي شرحًا على هذا البيت قول ابن فورجة: "أما سَبك البيت فأحسن سبك، يريد: أنت تُشبه أباك، وأبوك كان يشبه أباه، وأبوه أباه إلى آخر الآباء، فليتَ شِعري ما الذي استقبحه؟ فإن استقبح قوله: وحمدان حمدون وحمدون حارث، فليس في حمدان ما يُستقبَح من حيث اللفظ والمعنى، بل كيف يَصنع والرجل اسمه هذا، والذنب في ذلك للآباء لا للمتنبي"[42].

والملاحَظ مِن بعض هذه النقدات أن جلَّها يَنظر في فصاحة الكَلمة، وينتقدها في مدى وقعها على السمع، وهو ما يظهر لنا أنَّ الصاحب وإن كان يتهكَّم على المتنبي، فإنه يوظف آلته البلاغية ليطعن ويَستقبح كلمات المتنبي، وهو في هذا نُلامس فيه سيره على خطوات أستاذه ابن العميد، كما نجد الصاحب يَعيب على المتنبي سرقتَه لمعاني بعض الشعراء، ومِن ذلك قول المتنبي:
شوائل تشوال العقاربِ بالقنا
لها مرح مِن تحتِه وصهيلُ



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.36 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.73%)]