عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 01-09-2022, 10:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,843
الدولة : Egypt
افتراضي مفهوم الشعر عند قدامة من خلال كتابه نقد الشعر

مفهوم الشعر عند قدامة من خلال كتابه نقد الشعر


كوني أحمد موسى







تمهيد:
ليس من اليسير أن يحدِّد الدَّارس في العصر الحاضر مفهومَ الشِّعر عند أحد أعلام النَّقد أو الإبداع من القُدماء؛ ذلك أنَّ أبسط لَبِنة في المفهوم - وهو التَّعريف - قد ورد بصِيَغ مختلفة عند العديد منهم؛ تبعًا لأعصارهم وثقافتهم وتصوُّراتهم؛ حيث تفاوتَت هذه التَّعريفات؛ ما بين مركِّزة على الوزن والقافية، وما بين مُبرزة للكمِّ والكيف، وأخرى للقَصد والنيَّة، وما بين مؤكِّدة للنَّظم والتَّصوير... وهكذا[1].

ومن خلال هذه المنطلَقات المدخليَّة يبدو لنا مدى الصعوبة التي تَكمُن في هذه الدراسة؛ لاستنباط مفهوم الشعر لدى ناقدٍ أو مبدع أو شاعر.

فها نحن أمام علَم من أعلام النقد، محاولين تحديدَ مفهوم الشعر عنده، واستخراجَ بعضِ مقاييسَ يجعل الكلام الموزون شعرًا لديه.

وهذا العلَم هو قُدامة بن جعفر، وعمَلُنا هذا مؤسَّسٌ على كتابه "نقد الشعر"، "الذي يُعدُّ أوَّل أثر نقديٍّ عِلميٍّ مشهور في الأدب العربي"[2].

الفصل الأول: قدامة بن جعفر، وكتابه نقد الشعر:
المبحث الأول: المؤلف في سطور:
هو قدامة بن جعفر بن زياد البغدادي، ولد في البصرة في الثلث الأخير من القرن الثالث الهجري بالتحديد سنة: 260 أو 276 هجرية، الموافق عام: 889 ميلاديًّا.

وأدرك ثعلبًا والمبرِّد وابن قتيبة وطبقتَهم، ونشأ في بغداد، كان نصرانيا ثم أسلَم على يد الخليفة العباسيِّ المكتفي بالله.

وتوفِّي عام: 337 هجري، الموافق سنة: 948 ميلادية.

قرأ واجتهد وبرَع في صِناعتي البلاغة والحساب، وتأثَّر بالمنطق والفلسفة وهذا مما يبدو في تصانيفه، كما برع في اللغة والأدب والفقه والكلام.

وكان أحدَ رجُلين عرَّف علم البديع، ورسَم طريقته وأوضح نهجَه، وأبان للناس سبيلَه، له طريقةٌ فذَّة في التأليف، تجمع إلى غزارة المادة عمق التفكير، وكانت ثقافته ذات مصدرَين؛ أحدهما عربي تنطق به كلُّ صفحة من صفحات مؤلفاته، والثاني يوناني يتجلَّى أكثر ما يتجلى في كتابه "نقد الشعر"، الذي بدا فيه أثرُ كتاب "الخطابة" لأرسطو.

المبحث الثاني: منهج قدامة في كتابه "نقد الشعر":
ينطلق قُدامة من تعريفه للشِّعر إلى حَصر العناصر الأولية التي يتكوَّن منها الشعر، وهي: اللفظ والوزن، والقافية والمعنى.

وهو يرى أن الشعر - شأنه شأن أي صناعة أخرى - يعتوره طرَفان؛ الطَّرَف الأقصى هو الجودة، والطرَف الأدنى هو الرَّداءة، وبين هذين الطرَفين تأتي حالُ التوسط بين الجودة والرداءة، وهو عندما يحدِّد تعريفًا للشعر يَنظر في هذه العناصر المذكورة بطريقة شكليةٍ محضة، فيحدِّد الصفات التي يصل الشعر بها إلى أقصى درجات الجودة، ثم يحدِّد بعد ذلك العيوبَ التي بها ينحدر الشعرُ بها إلى أدنى درجات الرداءة.

فيَرى قُدامةُ أنه يمكن إحداثُ تراكيبَ وائتلافٍ بين هذه العناصر الأربعة للشعر على هذا النَّحو:
اللفظ مع الوزن.
اللفظ مع المعنى.
الوزن مع المعنى.
القافية مع المعنى.

ويحاول النظر في كلِّ عنصر على حدةٍ، فيبيِّن علامات الجودة فيه، ثم ينتقل إلى بيان المحسِّنات العامة للمعاني التي يورد فيها طرَفًا من ألوان البديع، ويضع لها مصطلحات، ثم ينتقل بعد ذلك إلى بيان موجبات الحُسن أو الجودة في العناصر المركَّبة، حتى انتهى من بيان النُّعوت، فانتقل إلى بيان العيوب وأوضحَها في العناصر المفرَدة أولاً، ثم بعد ذلك أوضح العيوب التي تقع في المعاني عامَّة، ثم بعد ذلك ذكر بيان العيوب في العناصر المركبة.

المبحث الثالث: قيمة كتاب نقد الشِّعر عند العلماء:
لما نُشِر الكتاب وطارَت شهرته في كلِّ مكان، أحدَث ضجَّة عالية في عالم الأدب، وتناوله الأدباءُ والنقاد بالرُّدود والشُّروح.

فاختلف موقف العلماء تجاه نقد الشِّعر لابن جعفر، وهو كالتالي:
ا - فمِنهم مَن أثنَوا عليه وتصدَّوا لنُصرته، من أمثال عبداللطيف البَغدادي في تأليفه "كشف الظُّلامة عن قدامة"، وابن أبي الإصبع في كتابه "الميزان".

ب - ومنهم من رفَضوا رأيه الذي تبنَّاه في كتابه مثل الآمدي، وألف كتابًا سماه "تبيين غلط قدامة"، وابن رَشيق في كتابه "تزييف نقد قدامة".

ج - ومن النُّقاد - فيما يبدو لنا - من كان لهم اتجاهٌ وسطي؛ لأن هذا الكتاب بناءٌ هندسي انشغل أولاً بتقسيم الأجزاء والأركان، فبعد أن أتم هذا التقسيم ملأَ هذه الأركانَ بنقد الشعر.

ومِن هنا يَكمُن العيب الأساسيُّ والمآخذ الرئيسة؛ حيث نقد الشعر بعيدًا عن الشعر، فهو لم يقم بنقده للعمل الشعريِّ انطلاقًا مما توجبه الظاهرةُ نفسُها، ولكنه أقام بناء نقديًّا بعد ذلك أقحَم فيه الشِّعر، ولعل هذه العملية ناتجةٌ عن تأثُّره بالفلسفة والمنطق؛ ولهذا قد يكون عملُ قدامة مفيدًا في جزئياته المتفرِّقة لعلماء البلاغة، دون علماء النقد.

الفصل الثاني: مفهوم الشعر عند قدامة، ومكوناته:
المبحث الأول: تعريف الشِّعر:
إنَّ قدامة أولى أهميةً كُبرى في تعريفه للشعر؛ حيث يؤلِّف عنده مدخلاً يضبط تصوُّره المعياري، لمعرفة جيد الشعر من رديئه، ويَرى أن الأمر لم يكن واضحًا لدى الناس، ومن هنا يَنطلق لتأسيس نظريته النقديَّة؛ ليعرِّف الشعر وليجعل له مقياسًا تمييزيًّا؛ فالحكم على شيء فرعٌ عن تصوره.

"إنَّ أول ما يُحتاج إليه في العبارة عن هذا الفنِّ معرفةُ حدِّ الشعر الحائز له عمَّا ليس بشعر، وليس يوجد في العبارة عن ذلك أبلغُ ولا أوجزُ - مع تمام الدلالة - مِن أن يُقال فيه: إنه قولٌ موزون مقفًّى يدلُّ على معنًى"[3].

وقُدامة يثير انتباه الآخرين على الاهتمام والعناية، بما سيقدِّمه حدًّا معرفيًّا واضحًا للشعر، قلَّما يوجد للشعر مثله، وذلك حينما عرَّفه بقوله: "إنه قولٌ موزونٌ مقفًّى يدلُّ على معنى".

ثم شرَح هذا التعريف:
"فقولُنا: (قول) دالٌّ على أصل الكلام الذي هو بمنزلة الجنس للشِّعر.
وقولنا: (موزون) يَفصِله مما ليس بموزون؛ إذ كان من القول موزونٌ وغير موزون.
وقولنا: (مقفًّى) فصلٌ بينَ ما له من الكلام الموزون قوافٍ، وبين ما لا قوافيَ له ولا مَقاطع.

وقولنا: (يدل على معنى) يَفصل ما جرى من القول على قافية ووزنٍ، مع دلالةٍ على معنًى مما جرى على ذلك من غير دلالة على معنى؛ فإنه لو أراد مريدٌ أن يَعمل من ذلك شيئًا على هذه الجهة لأمكَنه وما تعذَّر عليه"[4].

نلاحظ في هذا التعريف أنه ركَّز على مستويَين:
المستوى الأول: المكونات الشكليَّة للشعر.
المستوى الثاني: المعاني.

ولهذا لا يكون القول الموزون شعرًا انطلاقًا من أحَد المستويين، فلا بدَّ من اعتبارهما معًا؛ ولذا رفَض الاحتكامَ إلى مادة المعنى في ذاتها.

يتنزَّل المعنى عنده في مستوى الشكل الذي يشمل العناصر المفردة والمركَّبة، وهو بذلك يغدو مادةً غيرَ مفارِقة لشكلها، ومستوى المعنى في ذاته حيثُ يَبحث من منظور قيمته وغايته، وفكرة الجودة والرداءة تَنبع من هذه البابة.

المبحث الثاني: معايير الجودة في الشعر
هذه المعايير عبارةٌ عن شرائطَ تشمل كلَّ ما هو لفظي؛ من كلمة وتركيب، ووزنٍ وقافية، وما هو معنوي؛ من شكل القصيدة والتحامِ الأجزاء، والتزامِ النُّعوت واجتنابِ العيوب.

وإذا أنعَمنا النظر في هذه المواصفات كلِّها، يمكن لنا تقسيمُها إلى نوعين رئيسَين، منه نوعٌ متعلق بالشكل، وآخرُ متعلِّق بالمعنى.

1- عناصر الجودة الشكلية:
أ - نعت اللفظ[5]:
ويَشترط في جودة اللفظ الفَصاحة والسماحةَ وخُلوَّه من البشاعة؛ كقول الشاعر:
ولمَّا قضَينا من مِنًى كلَّ حاجة
ومسَّح بالأركانِ مَن هو ماسحُ

وشُدَّت على دُهمِ المَهارى رِحالُنا
ولم يَنظُرِ الغادي الذي هو رائحُ

أخَذْنا بأطرافِ الأحاديثِ بينَنا
وسالَت بأعناقِ المَطِيِّ الأباطحُ





يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.74 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.11 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.64%)]