عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 31-08-2022, 06:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: صورة الآخر (دراسات نقدية)

صورة الآخر (دراسات نقدية)

سناء سليمان سعيد





وتلفت نحو نادية لنخرج.. وأنا أقول:
بالعشرة دولارات نقضي يومًا ممتعًا في ليننجراد..


فهمست نادية:
إن منظر المرأة يسحرني..
وأخرجت ورقة بعشرة دولارات وناولتها للعرافة..


وسألتني:
من الذي سنقرأ كفه أنت أم هي؟
أنا..
إذًا تخرج السيدة..
ليس بيننا أسرار..
وأصرت على خروجها..
وناولتها كفي..


فقالت بصوت هادئ:
يدك معروقة.. وطويلة.. وخطوطها واضحة.. أسفار كثيرة.. ومن سن العشرين وأنت تسافر، والحظ عاثر، أرى لقاء في سفينة بين عاشقين، وأرى بحر مرمرة.. والبسفور، وهاج البحر، ودوت القنابل، وأرى فتاة جميلة ثمرة لهذا اللقاء.. عاشت والتقت بوالدها بعد سنين وسنين..


وذهلت عند سماع قولها.. وأخذت أردد.. بحر.. مرمرة.. والبسفور.. وسفينة.. ولقاء.. وبحر مرمرة بالذات ولم تقل بحرًا ككل البحور..


وسألت وأنا أرتعش:
والأم ما زالت تعيش؟
أجل..
أين..
في مدينة كبيرة.. وهي غنية وما زالت جميلة..


وظللت واقفًا والعرق يتفصد على جبيني.. كاد وقع المفاجأة أن يصيبني بدوار.. ثم تمالكت زمام نفسي، وخرجت شاحب الوجه.


سألتني نادية:
ما الذي قالته لك..؟
لا شيء.. مجرد أكاذيب كالمعتاد..


وفي المقصورة أخذت أحدق في وجهها، ورجعت أتذكر أمها.. نفس العينين وخط الأنف، ونفس البسمة على الشفتين، ونفس الطباع..


وعادت نادية تسأل:
ما الذي قالته لك المرأة؟
ما الذي تقوله عرافة.. أكاذيب بالطبع!
أريد أن أسمعها..


قالت: إني متزوج.. وخط السعد واضح.. وتنتظرني ثروة كبيرة.. وسأظل أسافر دومًا.. ولو عرفت أنني مصري لقالت: إننا سنهزم إسرائيل في هذا الشهر.


وإذا كنت لا تصدقها.. فلماذا تغير حالك بعد قولها؟
هذا يحدث لكل إنسان..


وخيم بيننا الصمت، ولم أكن أنام في القطارات.. وتمددت لتنام هي.. بعد أن خففت الضوء وشمل الظلام المقصورة..


ثم سمعت صوتها:
هل نمت؟
أحاول ذلك..
متى نصل ليننجراد؟
في الساعة الثامنة صباحًا..
وأين سننزل؟
في فندق ليننجراد!
حجزت؟
أجل..


وخطر على بالي سؤال، فقلت لها:
نادية.. هل والدك موجود..؟
لا.. لقد توفي في أثناء الحرب..
وأمك؟
تعيش معي في فنلندا.. وهي لا تزال صبية وجميلة مع أنها تقترب من الخمسين..
وما اسمها..؟
صفية خير الله..
وارتعش قلبي..


وسمعت "نادية" تقول بعد فترة صمت:
إن صورتها معي في الحقيبة، هل تحب أن تراها الآن؟
في الصباح يا نادية.. لا داعي للتعب في الليل"[18].


ولقد تكشفت الحقيقة بعد هذا الحوار الطويل، الذي يوضح شعور الراوي وخوفه من معرفة الحقيقة التي باتت نفسه تثق أنها لا مفر منها، والتي طالما استبعدها الراوي (إبراهيم) في كل تصرفاته وكلامه، ولم يفكر قط في أن تكون نادية هي ابنة سنوات مضت ولم يعرفها، بل لم يفكر أن تكون له ابنة من ليلة جميلة قضاها، ولم يتذكر هذا، وكل ما ذهب إليه عندما رآها هو الشبه في البلد والشكل فقط، لدرجة أنه تخيل أنه سوف يعيد هذه الليلة مرة أخرى، ولكن هذه المرة مع ابنته التي لم يكن يعرفها.


وأخيرًا يؤكد لنفسه أنه كان يود أن يعيش في ظل الشك والكابوس والكذب؛ وذلك لأنه لم يستطع أن يتحمل الحقيقة، أو التأكد من وجودها في قوله:
"كنت أود أن أعيش في ظل الشك.. ولو حتى إلى الصباح؛ فالحقيقة السافرة مع كل ما تحمل من فرحة.. فيها وقع الفجاءة التي لم أكن أتوقع حدوثها قط، فقد شطر كياني نصفين.. إن القطار الأزرق حملني عبر السنين إلى بعيد وأنا لا أدري.. لا شيء ينسى.. وكل ما يحدث في حياة الإنسان فهو لاصق بوجوده..


لقد كانت "نادية" أستاذة علم النفس وتقرأ أفكاري، وتعرف هواجسي ومشاعري، وما أنا فيه من فرحة واضطراب.. ولكنها لزمت الصمت..


وبعد ساعة قمت وغطيت "نادية" بالبطانية.. ولم يكن جو المقصورة يحتاج إلى غطاء"[19].


لقد اكتشف الحقيقة وعلم بأن له ابنة من الغرب، ولكنها غير شرعية، فما جاء عن طريق الغرب كان غير شرعي في كل ما توجهوا به إلينا.


ولقد استنتجت هذه النتائج الآتية من خلال دراسة هذه القصة:
أولاً: لقد قصدت دراسة هذه القصة رغم وجود قصص كثيرة اهتمت بتناول هذه القضية، ولكنى رأيت أن الطريقة التي ارتبط بها الشرق بالغرب عن طريق الابنة (نادية) هي الطريقة التي لخصت القضية بين الشرق والغرب في كون العلاقة التي تربط بينهما هي علاقة غير شرعية، علاقة اغتصاب الغرب لحقوق الشرق، وعلاقة احتلال الأراضي والاقتصاد، وعلاقة السيطرة والهيمنة والبقاء للأقوى، وكأننا نعيش في غابة، وعلاقة التدخل السافر في الشؤون الداخلية للبلاد، وعلاقة الطمع والاستغلال والنهب والسلب لحقوق كل الشرق بحجج واهية، وشن الحروب بذرائع باطلة، واختلاق التهم؛ كوصف الشرق بالإرهاب، والهمجية، والتخلف، والرجعية.


ثانيًا: وجود الشفافية في حوار الراوي، وهو (الكاتب) نفسه، في نقل صورة الغرب، ولم يركز بؤرة اهتمامه على الصور السلبية مثلما يفعل الكثير من كتاب الغرب، وإنما ركز جل اهتمامه على الصور الإيجابية، والعطف، والشفقة، والرحمة، والمساعدة، من خلال موظفة محطة القطار، أو السيدة المسنة التي شرحت لهم ما كانوا يحتاجونه.


ثالثًا: لقد أبدع الكاتب في تصوير ووصف التفاصيل، مما جعل القارئ يستمتع بهذا الوصف وكأنه عاش هذه اللحظات الرائعة، وشاهد هذا القطار، ووصف ما يحيط به من جمال التفصيل وروعة المناظر.


[1] نشرت القصة في مجلة الثقافة أكتوبر 1973، وأعيد نشرها في مجموعة عودة الابن الضال 1993.

[2] المصدر نفسه.

[3] المصدر نفسه.

[4] نشرت القصة في مجلة الثقافة، أكتوبر 1973، وأعيد نشرها في مجموعة عودة الابن الضال 1993.

[5] المصدر نفسه.

[6] نشرت القصة في مجلة الثقافة، أكتوبر 1973، وأعيد نشرها في مجموعة عودة الابن الضال 1993.

[7] نشرت القصة في مجلة الثقافة، أكتوبر 1973، وأعيد نشرها في مجموعة عودة الابن الضال 1993.

[8] المصدر نفسه.

[9]نشرت القصة في مجلة الثقافة، أكتوبر 1973، وأعيد نشرها في مجموعة عودة الابن الضال 1993.

[10] نشرت القصة في مجلة الثقافة، أكتوبر 1973، وأعيد نشرها في مجموعة عودة الابن الضال 1993.

[11] المصدر نفسه.

[12] نشرت القصة في مجلة الثقافة، أكتوبر 1973، وأعيد نشرها في مجموعة عودة الابن الضال 1993.


[13] المصدر السابق.

[14] نشرت القصة في مجلة الثقافة، أكتوبر 1973، وأعيد نشرها في مجموعة عودة الابن الضال 1993.

[15] نشرت القصة في مجلة الثقافة، أكتوبر 1973، وأعيد نشرها في مجموعة عودة الابن الضال 1993.

[16] المصدر نفسه.

[17] نشرت القصة في مجلة الثقافة، أكتوبر 1973، وأعيد نشرها في مجموعة عودة الابن الضال 1993.

[18] نشرت القصة في مجلة الثقافة، أكتوبر 1973، وأعيد نشرها في مجموعة عودة الابن الضال 1993.

[19] نشرت القصة في مجلة الثقافة، أكتوبر 1973، وأعيد نشرها في مجموعة عودة الابن الضال 1993.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.20 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.18%)]