عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 29-08-2022, 05:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التروبادور الأخير

قال: لأحملنَّك على الأدهم، قال: مثل الأمير حمَل على الأدهم، والكُميتِ، والأشقر، قال: إنه حديد، قال: لأن يكون حديدًا خير من أن يكون بليدًا".



فلمَّا حقَّقناه وعرضْتُه عليه، قال: مَن ساعدك فيه؟ قلتُ: أنا أعمل في "هجَر" للتَّحقيق، ومعنا الدكتور الطناحي مُشرفًا، فقال: إذًا ستضطلع.



لا يَعْرِفُ الفَضْلَ لأَهْلِ الفَضْلِ

إلا أُولو الفَضلِ منَ اهْل العقلِ



هيهاتَ يَدرِي الفَضلَ مَن ليسَ لَهُ

فَضلٌ، ولو كان مِنَ اهل النُّبْلِ






المُعَلِّم الرَّفيق:

وفي إحدى المحاضرات كنا نُناقش قضية تحديد وفاة أحد الشعراء والآراء التي قيلتْ فيها، فقلتُ مندفعًا ضَجِرًا من كثرة الأقوال والأدلة: يجب أن يُحسَمَ هذا التاريخ ولا يُترك هكذا!



فالتفت إليَّ التفاتةً مِلؤها رحمة الشيخ بتلميذه وقال: يا بُنَي، ليست هذه الصَّرامةُ في مجال الأدب والعلوم الإنسانية عامةً غير في علم العَروض والصَّرف والمتَّفَقِ عليه من النَّحوِ.



فإِذا رحِمتَ فأنت أمٌّ أو أبٌ

هذانِ في الدُّنيا هُما الرُّحَماءُ!






البارُّ برُفقاء الطريق:

وفي إحدى المرات ذهبْنا لمحاضرتنا في السنة التمهيدية، فوجدته ترك لنا اعتذارًا، ثم رأيناه خارجًا من أحد المكاتب المُجاوِرة ويملأ وجهه الحزن الشديد على نحوٍ لم نعهده على وجهه البشوش، وعلمنا منه أن رفيق دربه الطناحي تُوفِّي، وهو ذاهب لتشييعه.



مَنْ كانَ مِثلِي للحبيبِ مفارقًا

لا تعذلُوهُ فالكلامُ كِلامُ



نعمَ المساعدُ دَمْعيَ الجاري على

خَدَّيَّ، إلا أنَّه نمَّامُ






خافضُ الجناح:

ودخل علينا مكتبه طالبٌ كان ممتَّعًا بطول سنوات دراسته في الدار، ولكنَّه كان عاشقًا لـ"أبو همام"، فدخل وانكبَّ على يده مقبِّلا ومهنئًا لـ"أبو همام" على لقاء تليفزيونيٍّ له، وأبو همام يتأبَّى ويربتُ على كتفه، وأطال الطالب في التهنئة حتى مللْنا نحن ولم يملَّ هو ولم يقلَّ تبسُّمه!



يُريك على الرِّضا والسخْطِ وَجْهًا

تروقُ به البشاشَةُ والقطوبُ






ملتزمٌ بما لا يلزم:

يكاد يكون لزوم ما لا يلزم صفة عامة في تلاميذ محمود شاكر، فهذا أبو همام لزم ما لا يلزم في القافية والشعر العمودي، وهذا عبدالرحمن العثيمين ألزم نفسه بالضبط الكامل للنصوص التي يُحقِّقها، حتى مقدِّمات تحقيقها كان يَضبِطها إعرابًا وبِنْية، غير أني لم أفطن لمثل ذلك عند الطناحي وعبدالفتاح الحلو - رحمهم الله جميعًا!



لَزِمتُ الصَّعْبَ في الآدابِ إنِّي

لأَجْدَرُ باللُّزومِ من المَعَرِّي






حارسُ المعبدَين:

الفجيعة في "أبو همام" ليست في شخصِه فقط؛ بل لأنه كان بقية تلاميذ العملاقين: عباس العقاد، ومحمود محمد شاكر، الذين اخترمهم الموت واحدًا تلوَ الآخر، حفظ الله لنا بقيتهم الحساني حسن عبدالله!



وأزعم أن إلزام "أبو همام" نفسه بما لا يلزمه في شعره وفِكرِه، وإخلاصه الشديد في حراسة المعبدين؛ معبد العقاد وشاكر = أضاع علينا إبداعًا كثيرًا، رحمه الله ما أشدَّ وفاءه!



أَنتَ الذي حَرَسَ (الآدابَ) صارمُهُ

لذاكَ مدحُك في السَّاعاتِ نَتْلُوهُ









[1] باحث في الفكر الإسلامي - [email protected].




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.55 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.93 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.21%)]