عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 28-08-2022, 06:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,409
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصيام)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (207)

صـــــ(1) إلى صــ(24)





فضيلة صيام يوم عرفة لغير الحاج
قال رحمه الله: [ويوم عرفة لغير حاج بها].
أي: ويسن صيام يوم عرفة لغير حاج بها.
أي: أن فضيلة صيام يوم عرفة ثبتت بها السُّنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن صام يوم عرفة فإنه يكفر السنة الماضية والسنة الباقية قال وفي الحديث: ( أحتسب عند الله أن يكفر السنة الماضية والسنة الباقية ) .
ولكن الحاج الأفضل له أن يفطر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم شرب قدح اللبن وهو واقف بعرفة صلوات الله وسلامه عليه، وذلك لما اختصم الصحابة هل هو صائم أو مفطر، فبُعث إليه بقدح من لبن فشربه صلوات الله وسلامه عليه وهو قائم يدعو عشية عرفة.
فدل هذا على أن السُّنة والأفضل والأكمل أن لا يصوم، وقد جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها كانت تصوم يوم عرفة، ولكن الأفضل كما روى مالك في الموطأ: (كانت تصوم يوم عرفة حتى إذا ابيض ما بينها وبين الحاج - يعني دفع الناس من عرفة وأفاضوا - دعت بفطورها فأفطرت).
ولا شك أن الأفضل والسنة والأكمل للحاج أن لا يصوم يوم عرفة؛ والسبب في ذلك أنه إذا صام يوم عرفة فإنه يضعف عن الدعاء، ويضعف عن الذكر، وتأتي ساعات العشي التي هي أفضل ما في الموقف والإنسان منهك، وقد يشتغل بتهيئة فطوره قبل غروب الشمس، وهذا الوقت وقت دعاء وابتهال ومناجاة لله عز وجل، ولذلك كان التقوي بالفطر أفضل؛ لأنه يحقق المقصود من النسك من إصابة الدعاء ورجاء الإجابة في مثل هذا الموقف.
ومن هنا كانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم الفطر، قال العلماء: الأفضل أن يحج الإنسان راكباً مع أن الحج ماشياً أكثر مشقة وأكثر تعباً، والأصول تقتضي أنه أعظم أجراً؛ لكنهم قالوا: الأفضل أن يكون راكباً؛ لأنه إذا كان راكباً قوي على العبادة وتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم.
أفضل صوم التطوع صيام يوم وإفطار يوم
قال رحمه الله: [وأفضله صوم يوم وفطر يوم].
أي: وأفضل صيام التطوع صوم يوم وفطر يوم، وبذلك ثبتت السُّنة الصحيحة كما في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( أحب الصيام إلى الله صيام نبي الله داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ) وهذا أقصى ما يكون من صيام النافلة، ولا أفضل من هذا الصيام، أي: لا يشرع أن يصوم الأيام كلها، ولذلك قال: ( لا صام من صام الأبد ) .
فلا يجوز صيام الدهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك؛ وإنما يصوم الإنسان يوماً ويفطر يوماً، وهذا يدل على سماحة هذا الدين ويسره، وأنه لا خير في التنطع والتشدد في العبادات.
ولذلك لما قال الرجل: أما أنا فأصوم ولا أفطر قال عليه الصلاة والسلام: ( هلك المتنطعون ) فلا يجوز يسرد المرء الصوم؛ وإنما يصوم يوماً ويفطر يوماً، وهو أقصى ما يؤذن فيه من صيام التطوع؛ لأن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أنه يطيق أكثر من صيام يوم وإفطار يوم قال عليه الصلاة والسلام: ( لا أفضل من هذا ) .
فأمره أن يقتصر على هذه الفضيلة التي هي غاية الصوم، وهي أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، ويستوي في ذلك أن يوافق يوم الإثنين أو لا يوافقه، فإذا كان الإنسان يريد أن يصوم يوماً ويفطر يوماً فإنه يتمسك بذلك ويسير عليه، سواء وافق الإثنين والخميس أو خالفهما؛ لأنه يحصل على أعلى المراتب في الصيام.
ولذلك يقولون: يغتفر ما دونها من الفضائل، وتصبح مندرجة تحت هذا الصوم تحقيقاً لفضيلة الشرع؛ لأنه لو أدخل الإثنين بأن يكون صائماً يوم الأحد ثم أتبعه بالإثنين فإنه حينئذٍ تفوته فضيلة هي أكمل من صيام الإثنين، لأنه إذا صام الإثنين فكأنه صام الأبد لأنه يعتبر كأنه سرد الصوم.
وقال بعض العلماء: يجمع بين الفضيلتين فيصوم يوماً ويفطر يوماً، ويصوم الإثنين والخميس إن لم يوافقهما الصيام، وهذا القول الثاني له وجه، فلو صام يوماً وأفطر يوماً وصام الإثنين والخميس فلا حرج عليه، كما لو لم يوافق صومه يوم عرفة ويوم عاشوراء، فإنهم يقولون: يصوم ذلك اليوم ولا حرج عليه.
إفراد رجب بصوم وغيره
قال رحمه الله: [ويكره إفراد رجب].
كانت العرب تعظم شهر رجب في الجاهلية، فبقيت هذه العادة في الإسلام، فنُهي عن إفراد رجب وتخصيصه بالعبادات، وكان عمر رضي الله عنه وأرضاه يضرب على أيدي المترجبين، أي الذين يفضلون شهر رجب ويخصونه بالصيام ويلزمهم بالفطر، وكان رضي الله عنه شديداً عليهم في ذلك، وحُق له ذلك إحياءً للسُّنة وإماتة للبدعة، فلم يكن عليه الصلاة والسلام يخص شهر رجب بفضائل.
وتوسع الناس في ذلك حتى فضلوا هذا الشهر على غيره من الشهور، ولا شك أنه من الأشهر الحرم، ولكن لا يُخص بالعبادات، ولا يخص بالأذكار، ولا يخص بالصلوات، ولا يعتقد في أيامه ولا في لياليه؛ لأنه لم تثبت بذلك نصوص صحيحة لا في الكتاب ولا في السنة.
والأحاديث التي وردت في تخصيص شهر رجب بالصيام والقيام والفضائل في منتصفه، وفي ليلة سبع وعشرين، كلها من الأحاديث الضعيفة، بل المكذوبة والموضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي لا يجوز لمسلم أن يعتقد نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلاً عن أن يتدين ويتقرب إلى الله عز وجل بها.
فلا يجوز له أن يفرد شهر رجب بالصيام، لكن لو صام فيه الإثنين والخميس، وكذلك أيام البيض فلا حرج؛ لأن هذا في رجب وغيره على حدٍ سواء.
إفراد يوم الجمعة بصوم
قال رحمه الله: [والجمعة].
أي: وكذلك الجمعة لا يجوز إفرادها بصوم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل على أم المؤمنين وهي صائمة سألها: ( هل صمت الخميس؟ قالت: لا، قال: وهل تريدين أن تصومي الغد ؟ قالت: لا قال: فأفطري ) فأمرها بالفطر.
وهذا يدل على حرمة تخصيص يوم الجمعة بصيام، لأن هذا يؤدي إلى الغلو فيه.
وقال بعض العلماء: بل النهي لأن يوم الجمعة يوم فيه صلاة فإذا صام ضعف عن الصلاة، والأقوى أن العلة هي الاعتقاد في اليوم والمبالغة فيه، بدليل أنه لو كان من أجل الجمعة لكان مشروعاً للنساء؛ لأنه لا جمعة عليهن.
وبناءً على ذلك فالذي يقوى ويترجح أن العلة هي الغلو في اليوم، وهو يوم عيد للمسلمين، وهو أفضل أيام الأسبوع كما لا يخفى، وبعض العلماء يقول: إن العلة كونه عيداً والعيد لا يصام، لكن ما ذكرناه من خوف الغلو في هذا اليوم هو الأولى والأحرى.
وإذا نذر المسلم صوم يوم من الشهر كالخامس عشر أو الثاني عشر أو الثالث عشر ووافق نذره يوم الجمعة جاز له؛ لأنه فرض، وهكذا إذا صام يوماً قبله وهو يوم الخميس أو يوماً بعده وهو يوم السبت فإنه لا حرج عليه.
إفراد يوم السبت بصوم
قال رحمه الله: [والسبت].
أي: وكذلك يحرم أن يخص السبت بصوم؛ وذلك لأن اليهود تعظم هذا اليوم، فإذا صام يوم السبت كان كما لو قصد الجمعة؛ لأنه إذا حُظر علينا أن نصوم يوم الجمعة وهو يوم عيدنا، كذلك يحظر علينا أن نخص يوم السبت بصيام لما فيه من معنى التعظيم كما ذكرنا في الجمعة.
لكن لو أن يوم السبت وافق يوماً من الأيام البيض فإنه يشرع صيامه، وهكذا لو صام الجمعة وأحب أن يصوم معها السبت فلا حرج عليه، لأن النصوص صحيحة في الدلالة على ذلك.
وأما نهيه عليه الصلاة والسلام في قوله: ( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ) فهو حديث تكلم العلماء على سنده وفيه اضطراب، والعمل عند جمع من أهل العلم على ضعفه لقوة الاضطراب فيه، لكن على القول بتحسينه فإن القاعدة تقول: (إن الحديث الحسن لا يُعارض ما هو أصح منه).
والأدلة صحيحة صريحة في صيام يوم عاشوراء ويوم عرفة، وهي ثابتة في الصحيحين، ولا شك أن الحديث الحسن لا يرتقي إلى معارضة الحديث الثابت الصحيح، كما قال بعض الفضلاء في الحديث الحسن: وهو في الحجة كالصحيح ودونه إن صير للترجيح فإذا جئنا ننظر إلى قوله: ( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ) مع أمره عليه الصلاة والسلام بصيام يوم عاشوراء وندبه إلى صيام يوم عرفة، فإننا نرى أن هذه النصوص أقوى وأسعد وأوفق للسُّنة، وأما المبالغة في النهي إلى درجة أن البعض منع بعض الناس في الأعوام الماضية أن يصوم يوم عرفة؛ لأنه وافق السبت؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك فهذا ضعيف؛ لأنه تقديم للحديث المختلف في إسناده على الأحاديث التي هي أصح وأثبت.
إضافة إلى أن عمل جماهير السلف رحمة الله عليهم من الأمة والعلماء والأجلاء، على أنه لا حرج في صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء ولو وافقت يوم السبت، ولم يمنع ذلك أحدٌ منهم إذا وافقت يوم السبت ولم ينص على المنع منه.
إضافة إلى أن السُّنة لم تنص على ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً ) ومن المعلوم أن صوم عرفة وعاشوراء قد يوافق السبت فقد ندب إلى صيامهما، ولم يقل: إلا أن يوافق السبت، وهو عليه الصلاة والسلام أرعى لحرمات الله.
ومذهب بعض المحدثين وأئمة أهل الحديث كـ أبي داود وغيره: أن النهي عن صيام يوم السبت منسوخ، وقد أشار إلى ذلك بعد روايته للحديث.
النهي عن صيام يوم الشك
قال رحمه الله: [والشك].
المراد بذلك يوم الشك، وهو اليوم الثلاثين من شعبان؛ لأنه يشك فيه هل هو من رمضان أو ليس من رمضان، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة كحديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين ) وفي الحديث الصحيح: ( من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ) .
وأشار المصنف إلى هذه المسألة هنا؛ لأن صيام يوم الشك يكون على سبيل النافلة في حالة تحقق أنه من شعبان.
حكم صيام أعياد الكفار
قال رحمه الله: [وعيد الكفار].
أي: ولا يجوز صوم يوم عيد الكفار؛ لأنه تعظيم له، ولا يجوز للمسلم أن يشابه الكفار في تعظيمهم لأيام أعيادهم.
حرمة صوم العيدين فرضاً ونفلاً
[ويحرم صوم العيدين ولو في فرض].
أي: ويحرم على المسلم أن يصوم يومي العيد، والمراد بذلك يوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى؛ وذلك لأنهما يوم ضيافة من الله سبحانه وتعالى، فيوم عيد الفطر يفطر الناس فيه من الصوم، ويوم عيد الأضحى فإن المسلم يأكل من أضحيته التي تقرب فيها لله سبحانه وتعالى.
ويحرم عليه أن يصوم يوم النحر ويوم الفطر ولو كان في صيام فرض، فلو كان عليه كفارة قتل فصام شهر شعبان كاملاً ثم صام رمضان ثم أراد أن يستتم الشهر الثاني بشوال فإنه يفطر يوم العيد ثم يصوم اليوم الثاني من العيد ويُتابع صيامه بعد ذلك.
وعلى هذا فلو نذر وقال: لله علي أن أصوم يوم عيد الفطر أو يوم عيد النحر فإنه لا يصوم اليومين؛ لأنه معصية وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم هذين اليومين.
النهي عن صيام أيام التشريق لغير الحاج المتمتع والقارن

[وصيام أيام التشريق إلا عن دم متعة وقران].
ولا يصام أيام التشريق كما في حديث عبد الله بن حذافة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن ينادي: ( إن أيام منى أيام أكل وشرب ) وفي رواية ( وبعال ) فهي أيام أكل وشرب فلا يصومها الإنسان، إلا الحاج الذي لم يجد دم المتعة ولا دم القران، فإنه يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة أيام إذا رجع إلى أهله.
فالثلاثة الأيام من الحج يصومها إذا أحرم بحجه في اليوم السادس كأن يصوم اليوم السادس والسابع والثامن، فإذا لم يتيسر له ذلك فإنه يصوم أيام التشريق، ويشمل ذلك اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر.
الأسئلة
جواز جعل أيام البيض من الست من شوال


السؤال
علمنا أنه يجوز إدراج الإثنين والخميس تحت ست من شوال، ولكن ماذا عن الأيام البيض أثابكم الله؟

الجواب
لو صام الثلاثة الأيام البيض، ونواها عن ست من شوال فإنه يجزيه وحينئذ يحصل الاندراج، وقال بعض العلماء: إنها مقصودة لشهر شوال فلا يحصل الاندراج، لكن الأشبه والأقوى أنه يحصل الاندراج، وهذا آخر ما رجعت إليه في المسألة.
والله تعالى أعلم.

حكم القبلة للمعتكف

السؤال
ما حكم القبلة بالنسبة للمعتكف أثابكم الله؟


الجواب
القبلة للمعتكف لا تجوز؛ لأن الله عز وجل قال: { وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } [البقرة:187] وهذا أمر يخطئ فيه بعض طلاب العلم، يظن أنه كما جازت القبلة للصائم أنها تجوز للمعتكف، وفي المعتكف شيء ليس في الصائم، ولذلك انعقد الإجماع على أنه لا يقبل المعتكف زوجه؛ لأن في الاعتكاف شغلاً عن الزوجة وغيرها.
وقد قال تعالى: { وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } [البقرة:187] وقد كان عليه الصلاة والسلام يدخل بيته ولم يقبل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وإنما كان يمضي لحاجته فإذا فرغ انطلق إلى مسجده، فالمعتكف لا يجوز له أن يقبل المرأة ولا أن يباشرها، وإذا قبلها قال جمع من العلماء: فسد اعتكافه وبطل.
والله تعالى أعلم.
حكم إفطار المؤذن قبل الأذان

السؤال
هل المؤذن يفطر قبل الأذان أو بعد أن يؤذن أثابكم الله؟


الجواب
هذه المسألة في الحقيقة تنبني على التقديم عند ازدحام الفضائل، فالسنة أن يبادر الإنسان بالفطر، فالمؤذن إذا بادر بالفطر فإننا نقول: يأكل التمرة أو يحتسي من الماء ثم يؤذن، فهذا وجه من يقول: يفطر ثم يؤذن؛ لأن ظاهر السنة تعجيل الفطر.
هناك وجه ثانٍ: أنه يؤذن ثم يفطر؛ لأنه إذا أذن أصاب الناس السنة وتأخر فرد عن إصابة هذه السنة، فيقولون: الأفضل أن يبادر بالأذان؛ لأنه إذا بادر بالأذان كان تحصيل سنة التعجيل لأمة؛ لكنه لو بادر بالفطر، كان تحصيل هذه السنة لواحد وفرد.
وهذا الوجه أقوى، ويعتبره العلماء مستثنى من قاعدة: (لا إيثار في القربات)؛ لأن الأفضل أن الشخص يصيب الفضيلة لنفسه، لكنه حينما يؤذن يحصل أجور من بادر بالفطر فيكون له مثل أجورهم، فحينئذ يزول الإشكال ولا يكون هذا من باب الإيثار في القرب.
فالذي تطمئن إليه النفس أنه يبادر بالأذان، ثم بعد ذلك يفطر، لما ذكرناه.
والله تعالى أعلم.

حكم من أفطر من النفل إبراراً لمن أقسم عليه


السؤال
إذا أقسم عليَّ إنسان أن آكل معه، وكنت صائماً صيام نفل، هل أبر بقسمه أم أواصل صومي أثابكم الله؟


الجواب
لاشك أن برك بالقسم أفضل، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث البراء : ( أمرنا بسبع ونهانا عن سبع )، ومن السبع التي أمر بها كما في الصحيحين إبرار المقسم، فإذا أقسم عليك أخوك فإنك تبر قسمه وتنال الأجرين: أجر الصيام بوجود العذر، وأجر إبرار أخيك المسلم في قسمه، إضافة إلى ما تحصله من كسب وده ومحبته، وذلك مندوب ومطلوب شرعاً.
والله تعالى أعلم.
حكم صيام من حاضت قبل المغرب بقليل

السؤال
امرأة حاضت قبيل المغرب بقليل هل تواصل صومها أم تفطر أثابكم الله؟


الجواب
إذا حاضت المرأة قبل المغرب بقليل فإنها تفطر؛ وذلك لأن الحائض لا تصوم ولا يصح منها الصوم، وهي مفطرة شاءت أم أبت، وعلى هذا فإنها تعتبر في حكم المفطر ولا تتشبه بالصائم؛ لأنه لا وجه لها أن تتشبه بالصائم، بل الأفضل أن تفطر وتصيب الأجر حيث امتثلت أمر الله عز وجل لها بالفطر.
والله تعالى أعلم.
تقديم طاعة الوالدين على صيام النوافل

السؤال
ما الحكم إذا تعارض صيام التطوع مع بر الوالد، وهل يجوز للوالد منع الابن من صيام النفل شفقة عليه أثابكم الله؟

الجواب
بر الوالدين من أفضل الطاعات وأجل القربات، وقد تتهم الناس إذا نصحوك أو نهوك عن أمر يريدون الخير لك، لأنك ربما اشتبهت في نصيحتهم، ولكن الوالد والوالدة لا يمكن أن تتهمهما في نصيحتهما، ولا في أي أمر يمنعانك أو يأمرانك به؛ لأنهما جبلا على محبة الخير لك، وخلق الله في قلبيهما من الرحمة والحنان والعطف ما يزيل الشبهة والشك والتهمة.
وبناءً على ذلك فإن الوالد قد يمنعك من الصيام شفقة عليك؛ لما يرى من نحول جسمك أو ضعف بدنك، أو خوفاً عليك من أن تمل الطاعة، أو نحو ذلك من المقاصد التي قد يؤجر بحسن نيته فيها.
وعلى هذا إذا وجدت من والديك العزيمة على أن تفطر فأفطر، فإنك تصيب البر، وهو آكد من صيامك؛ لأن صيامك نافلة، وتحصيلك لبر والديك فريضة، فقد دلت على ذلك السنة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: (لما نادت أم جريج العابد جريحاً وهو في الصلاة، فقال: ربي أمي وصلاتي، أي: لست أدري هل أجيب أمي أو أتم صلاتي، فأتم صلاته فدعت عليك.
وقد بوب الإمام النووي رحمه الله: باب إذا دعاه والداه أو أحدهما وهو في النافلة قطعها وأجاب، والسبب في ذلك أن بر الوالدين فرض، والنافلة نافلة ليست بعزيمة، وأحب ما تتقرب به الفريضة، وهي مقدمة على النافلة.
ولو كان البر نافلة لكان التنفل بالبر أفضل من التنفل بالنوافل الأخرى، والسبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( لما سئل عن أحب الأعمال إلى الله قال: الصلاة على وقتها قيل له: ثم أي؟ قال: بر الوالدين ) ولم يفرق فيه بين الفريضة والنافلة، وعلى هذا فإنك تجيب و الديك، فإن قال الوالد: لا تصم الإثنين والخميس؛ شفقة عليك وخوفاً على صحتك، فإنك تبره وحينئذٍ يكتب لك أجر الصيام لأنه حبسك عذر البر، ويكتب لك أجر البر، وأنت على خير، وكم من إنسان صرف عن طاعة لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى، فما من إنسان يبر والديه في الغالب ما لم يأمر بمعصية إلا كان عاقبته خيراً.
والإنسان قد يغلبه حب الخير فيترك الفريضة بالنافلة، ولا شك أن بر الوالدين غالباً ما يأتي بأحسن العواقب وأفضلها، وقد تصرف عن النافلة بخير أعظم من ذلك، وقد يعلم الله عز وجل أنك لو داومت على خير لفتنت به بالعجب أو بالغرور.
فذات مرة اتصل بي رجل وهو يريد أن يتزوج بامرأة صالحة، وقال: إن أمه لا ترضى عن هذه المرأة، وإنها تريد امرأة قريبة له ولكنها أقل صلاحاً من هذه المرأة، فقال: نفسي تميل إلى هذه المرأة الصالحة، ولكن الوالدة تلح على ابنة خالتي؛ لأنها بنت أختها، قال: فأجد في نفسي الضيق أن أترك هذه الصالحة وأبر والدتي.
فقلت له: فيما يظهر من نصوص الشرع ما دام أن هذه بنت الخالة لا ترتكب الحرام، وأنها محافظة على أصول دينها ولكنها ليست في مرتبة الكمال، فبرك لوالدتك أفضل، فما زال يلح حتى تكرر منه السؤال ثلاث أو أربع مرات، وما زلت أحثه على بر والدته، وشاء الله أن يبر والدته وأن يترك المرأة التي كانت أصلح وعلى خير واستقامة، وانصرف إلى بنت خالته، وتزوجت المرأة الصالحة، ويشاء الله عز وجل بعد عام كامل أن ألتقي به في سفر وإذا به يكب عليَّ يسلم ويبكي، قال: والله يا شيخ! لقد سألتك عن أمر كذا وكذا إن كنت لا تذكره فإني أذكرك به، لقد شاء الله عز وجل أن تتزوج هذه المرأة الصالحة وأن أتزوج بنت خالتي، فوضع الله لي البركة في بنت الخالة، فصلحت واهتدت وحصل منها الخير الكثير، وشاء الله أن المرأة الصالحة أنه بعد زواجها بشهرين أن انتكست والعياذ بالله، وأصبحت من أفسق النساء حتى إنها اتهمت.
فالله عز وجل لحكمة يوقفك على شيء تهواه وتحبه، وقد تتحمس لعاطفة الدين وأنت على خير وأنت تريد نية الخير، ولكن الله يقيض لك أماً تدعوك إلى برها ويقيض الله لك والداً يدعوك إلى بره، فقد ترى أن هذه المرأة صالحة، ولكن علم الله أن خاتمتها ليست بحسنة، أو تراها صالحة ولكن علم الله أن ذريتها ليست بصالحة، فيقيض الله لك الوالد أو الوالدة يقفان في وجهك ويصرفانك عما هو أجود، فقد ترى بنت الخالة أو بنت العم أقل صلاحاً، وقد تبتلى في آخر عمرك ببلية وتكون بنت العم أصبر على بليتك، وقد تكون بنت العم التي تراها أقل التزاماً أو أقل طاعة، قد يجعل الله لك منها ذرية ونسلاً صالحاً.
فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا البر وأن يعيذنا من العقوق، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضى.
إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.37 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.74%)]