عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 26-08-2022, 04:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,565
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ آل عمران
المجلد الخامس
الحلقة( 180)

من صــ 151 الى صـ 160





(إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين (175)
وللشيخ - رحمه الله -:

في قوله تعالى {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} هذا هو الصواب الذي عليه جمهور المفسرين: كابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة والنخعي؛ وأهل اللغة كالفراء وابن قتيبة والزجاج وابن الأنباري وعبارة الفراء: يخوفكم بأوليائه كما قال: {لينذر بأسا شديدا من لدنه} ببأس شديد. وقوله: {لينذر يوم التلاق} وعبارة الزجاج: يخوفكم من أوليائه. قال ابن الأنباري: والذي نختاره في الآية يخوفكم أولياءه. تقول العرب: أعطيت الأموال: أي أعطيت القوم الأموال فيحذفون المفعول الأول ويقتصرون على ذكر الثاني.

وهذا لأن الشيطان يخوف الناس أولياءه تخويفا مطلقا ليس له في تخويف ناس بناس ضرورة فحذف الأول ليس مقصودا وهذا يسمى حذف اختصار كما يقال: فلان يعطي الأموال والدراهم. وقد قال بعض المفسرين: يخوف أولياءه المنافقين ونقل هذا عن الحسن والسدي وهذا له وجه سنذكره؛ لكن الأول أظهر لأن الآية إنما نزلت بسبب تخويفهم من الكفار كما قال قبلها: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا} الآيات.

ثم قال: {فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} فهي إنما نزلت فيمن خوف المؤمنين من الناس. وقد قال: {يخوف أولياءه} ثم قال: {فلا تخافوهم} والضمير عائد إلى أولياء الشيطان الذين قال فيهم: {فاخشوهم} قبلها.
وأما ذلك القول فالذي قاله فسرها من جهة المعنى وهو أن الشيطان إنما يخوف أولياءه بالمؤمنين؛ لأن سلطانه على أوليائه بخوف يدخل عليهم المخاوف دائما فالمخاوف منصبة إليهم محيطة بقولهم وإن كانوا ذوي هيئات وعدد وعدد فلا تخافوهم. وأما المؤمنون فهم متوكلون على الله لا يخوفهم الكفار أو أنهم أرادوا المفعول الأول: أي يخوف المنافقين أولياءه وإلا فهو يخوف الكفار كما يخوف المنافقين ولو أنه أريد أنه يخوف أولياءه: أي يجعلهم خائفين لم يكن للضمير ما يعود عليه وهو قوله: {فلا تخافوهم}.
وأيضا فهذا فيه نظر؛ فإن الشيطان يعد أولياءه ويمنيهم كما قال:تعالى: {وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم} وقال تعالى: {يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا}. ولكن الكفار يلقي الله في قلوبهم الرعب من المؤمنين والشيطان لا يختار ذلك. قال تعالي: {لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله} وقال: {إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب} وقال: {سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله}.

وفي حديث قرطبة أن جبريل قال: " إني ذاهب إليهم فمزلزل بهم الحصن " فتخويف الكفار والمنافقين وإرعابهم هو من الله نصرة للمؤمنين. ولكن الذين قالوا ذلك من السلف أرادوا أن الشيطان يخوف الذين أظهروا الإسلام فهم يوالون العدو فصاروا بذلك منافقين وإنما يخاف من الكفار المنافقون بتخويف الشيطان لهم كما قال تعالى: {ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون} وقال تعالى {فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت} الآيات.
إلى قوله: {يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم} فكلا القولين صحيح من حيث المعنى؛ لكن لفظ أوليائه هم الذين يجعلهم الشيطان مخوفين لا خائفين كما دل عليه سياق الآية ولفظها، والله أعلم.

وإذا جعلهم الشيطان مخوفين فإنما يخافهم من خوفه الشيطان منهم فجعله خائفا. فالآية دلت على أن الشيطان يجعل أولياءه مخوفين ويجعل ناسا خائفين منهم. ودلت الآية على أن المؤمن لا يجوز له أن يخاف أولياء الشيطان ولا يخاف الناس. كما قال تعالى: {فلا تخشوا الناس واخشون} بل يجب عليه أن يخاف الله فخوف الله أمر به وخوف الشيطان وأوليائه نهى عنه.
وقال تعالى: {لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني} فنهى عن خشية الظالم وأمر بخشيته والذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله. وقال: {وإياي فارهبون}. وبعض الناس يقول: يا رب إني أخافك وأخاف من لا يخافك وهذا كلام ساقط لا يجوز؛ بل على العبد أن يخاف الله وحده ولا يخاف أحدا لا من يخاف الله ولا من لا يخاف الله؛ فإن من لا يخاف الله أخس وأذل أن يخاف فإنه ظالم وهو من أولياء الشيطان فالخوف منه قد نهى الله عنه والله أعلم.
(ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض ... (180)
ثبت في " الصحيح " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد القطيفة تعس عبد الخميصة تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش}. وثبت عنه في " الصحيح " أنه قال: {ما من صاحب كنز إلا جعل له كنزه يوم القيامة شجاعا أقرع يأخذ بلهزمته أنا مالك أنا كنزك. وفي لفظ: إلا مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع يفر منه وهو يتبعه حتى يطوقه في عنقه وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة}. وفي حديث آخر: {مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع يتبع صاحبه حيثما ذهب وهو يفر منه: هذا مالك الذي كنت تبخل به فإذا رأى أنه لا بد له منه أدخل يده في فيه فيقضمها كما يقضم الفحل}. وفي رواية: {فلا يزال يتبعه فيلقمه يده فيقضمها ثم يلقمه سائر جسده}.

(فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير (184)

[فصل: ما يتناوله اسم الرسل في قوله (فقد كذب رسل من قبلك)]
قالوا: وقال في سورة آل عمران: {فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير} [آل عمران: 184] فأعني أيضا بالكتاب المنير الذي هو الإنجيل المقدس.
فيقال: قد تقدم أن الرسل تتناول قطعا الرسل الذين ذكرهم الله في القرآن لا سيما أولو العزم كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم، فإن هؤلاء مع محمد - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين - صلوات الله عليهم وسلامه - خصهم الله وفضلهم بقوله - تعالى -: {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا - ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما} [الأحزاب: 7 - 8]وفي قوله - تعالى -: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} [الشورى: 13] فالدين دين رسل الله دين واحد ; كما بينه الله في كتابه وكما ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد وأن أولى الناس بابن مريم لأنا إنه ليس بيني وبينه نبي».
ويتناول أيضا اسم الرسل من لم يسمهم بأعيانهم في القرآن قال - تعالى -: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا - ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما - رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما} [النساء: 163 - 165]
وقال - تعالى -: {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك} [غافر: 78] وأما الحواريون، فإن الله - تعالى - ذكرهم في القرآن ووصفهم بالإسلام واتباع الرسول وبالإيمان بالله ; كما أنزل في قوله - تعالى -: {فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون - ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين} [آل عمران: 52 - 53] وقال - تعالى -: {وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون} [المائدة: 111] وقال - تعالى -: {ياأيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين} [الصف: 14].
ولم يذكر الله تعالى في القرآن أنه أرسلهم البتة بل ذكر أنه ألهمهم الإيمان به وبرسوله وأنهم أمروا باتباع رسوله وقوله: {وإذ أوحيت إلى الحواريين} [المائدة: 111] لا يدل على النبوة، فإنه قال - تعالى -: {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه} [القصص: 7]
وأم موسى لم تكن نبية بل ليس في النساء نبية ; كما تقوله: عامة النصارى والمسلمين.
وقد ذكر إجماعهم على ذلك غير واحد مثل القاضيين أبي بكر بن الطيب وأبي يعلى بن أبي الفراء والأستاذ أبي المعالي الجويني وغيرهم ويدل على ذلك قوله - تعالى -: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى} [يوسف: 109] وقوله - تعالى -: {ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة} [المائدة: 75] فجعل غاية مريم الصديقية ; كما جعل غاية المسيح الرسالة.

وقد ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم» يعني من نساء الأمم قبلنا، وهذا يدل على أن أم موسى ليست ممن كمل من النساء فكيف تكون نبية، وقوله - تعالى -: {جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير} [آل عمران: 184] والكتاب اسم جنس كما تقدم يتناول كل كتاب أنزله الله تعالى، وقال - تعالى -: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير} [الحج: 8]

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.51 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.56%)]