عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 26-08-2022, 04:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ آل عمران
المجلد الخامس
الحلقة( 175)

من صــ 101 الى صـ 110





والقول الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت لسبب نزل به ثم تركه عند عدم ذلك السبب النازل به فيكون القنوت مسنونا عند النوازل وهذا القول هو الذي عليه فقهاء أهل الحديث وهو المأثور عن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم فإن عمر رضي الله عنه لما حارب النصارى قنت عليهم القنوت المشهور: اللهم عذب كفرة أهل الكتاب. إلى آخره. وهو الذي جعله بعض الناس سنة في قنوت رمضان وليس هذا القنوت سنة راتبة لا في رمضان ولا غيره بل عمر قنت لما نزل بالمسلمين من النازلة ودعا في قنوته دعاء يناسب تلك النازلة كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قنت أولا على قبائل بني سليم الذين قتلوا القراء دعا عليهم بالذي يناسب مقصوده ثم لما قنت يدعو للمستضعفين من أصحابه دعا بدعاء. يناسب مقصوده. فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين تدل على شيئين: أحدهما: أن دعاء القنوت مشروع عند السبب الذي يقتضيه ليس بسنة دائمة في الصلاة.
الثاني: أن الدعاء فيه ليس دعاء راتبا بل يدعو في كل قنوت بالذي يناسبه كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم أولا وثانيا. وكما دعا عمر وعلي رضي الله عنهما لما حارب من حاربه في الفتنة فقنت ودعا بدعاء يناسب مقصوده والذي يبين هذا أنه لو كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت دائما ويدعو بدعاء راتب لكان المسلمون ينقلون هذا عن نبيهم فإن هذا من الأمور التي تتوفر الهمم والدواعي على نقلها وهم الذين نقلوا عنه في قنوته ما لم يداوم عليه وليس بسنة راتبة كدعائه على الذين قتلوا أصحابه ودعائه للمستضعفين من أصحابه ونقلوا قنوت عمر وعلي على من كانوا يحاربونهم.
فكيف يكون النبي صلى الله عليه وسلم يقنت دائما في الفجر أو غيرها ويدعو بدعاء راتب ولم ينقل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم لا في خبر صحيح ولا ضعيف بل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين هم أعلم الناس بسنته وأرغب الناس في اتباعها كابن عمر وغيره أنكروا حتى قال ابن عمر: " ما رأينا ولا سمعنا " وفي رواية " أرأيتكم قيامكم هذا: تدعون.
ما رأينا ولا سمعنا " أفيقول مسلم: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت دائما وابن عمر يقول: ما رأينا ولا سمعنا. وكذلك غير ابن عمر من الصحابة عدوا ذلك من الأحداث المبتدعة.

ومن تدبر هذه الأحاديث في هذا الباب علم علما يقينا قطعيا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقنت دائما في شيء من الصلوات كما يعلم علما يقينيا أنه لم يكن يداوم على القنوت في الظهر والعشاء والمغرب فإن من جعل القنوت في هذه الصلوات سنة راتبة يحتج بما هو من جنس حجة الجاعلين له في الفجر سنة راتبة. ولا ريب أنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت في هذه الصلوات؛ لكن الصحابة بينوا الدعاء الذي كان يدعو به والسبب الذي قنت له وأنه ترك ذلك عند حصول المقصود نقلوا ذلك في قنوت الفجر وفي قنوت العشاء أيضا.

والذي يوضح ذلك: أن الذين جعلوا من سنة الصلاة أن يقنت دائما بقنوت الحسن بن علي أو بسورتي أبي ليس معهم إلا دعاء عارض والقنوت فيها إذا كان مشروعا: كان مشروعا للإمام والمأموم والمنفرد؛ بل وأوضح من هذا أنه لو جعل جاعل قنوت الحسن أو سورتي أبي سنة راتبة في المغرب والعشاء لكان حاله شبيها بحال من جعل ذلك سنة راتبة في الفجر. إذ هؤلاء ليس معهم في الفجر إلا قنوت عارض بدعاء يناسب ذلك العارض ولم ينقل مسلم دعاء في قنوت غير هذا كما لم ينقل ذلك في المغرب والعشاء. وإنما وقعت الشبهة لبعض العلماء في الفجر؛ لأن القنوت فيها كان أكثر وهي أطول. والقنوت يتبع الصلاة وبلغهم أنه داوم عليه فظنوا أن السنة المداومة عليه ثم لم يجدوا معهم سنة بدعائه. فسنوا هذه الأدعية المأثورة في الوتر. مع أنهم لا يرون ذلك سنة راتبة في الوتر.
وهذا النزاع الذي وقع في القنوت له نظائر كثيرة في الشريعة: فكثيرا ما يفعل النبي صلى الله عليه وسلم لسبب فيجعله بعض الناس سنة ولا يميز بين السنة الدائمة والعارضة. وبعض الناس يرى أنه لم يكن يفعله في أغلب الأوقات فيراه بدعة ويجعل فعله في بعض الأوقات مخصوصا أو منسوخا إن كان قد بلغه ذلك مثل صلاة التطوع في جماعة.
فإنه قد ثبت عنه في الصحيح {أنه صلى بالليل وخلفه ابن عباس مرة وحذيفة بن اليمان مرة}. وكذلك غيرهما. وكذلك {صلى بعتبان بن مالك في بيته التطوع جماعة} {وصلى بأنس بن مالك وأمه واليتيم في داره} فمن الناس من يجعل هذا فيما يحدث من " صلاة الألفية " ليلة نصف شعبان والرغائب ونحوهما مما يداومون فيه على الجماعات.

ومن الناس من يكره التطوع؛ لأنه رأى أن الجماعة إنما سنت في الخمس كما أن الأذان إنما سن في الخمس. ومعلوم أن الصواب هو ما جاءت به السنة فلا يكره أن يتطوع في جماعة. كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. ولا يجعل ذلك سنة راتبة كمن يقيم للمسجد إماما راتبا يصلي بالناس بين العشاءين أو في جوف الليل كما يصلي بهم الصلوات الخمس كما ليس له أن يجعل للعيدين وغيرهما أذانا كأذان الخمس؛ ولهذا أنكر الصحابة على من فعل هذا من ولاة الأمور إذ ذاك.
(وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين (133) الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين (134)

قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:
وأما الصبر على المصائب ففيها أجر عظيم قال تعالى: {وبشر الصابرين} {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}. فالرجل إذا ظلم بجرح ونحوه فتصدق به كان الجرح مصيبة يكفر بها عنه ويؤجر على صبره وعلى إحسانه إلى الظالم بالعفو عنه؛ فإن الإحسان يكون بجلب منفعة وبدفع مضرة؛ ولهذا سماه الله صدقة. وقد قال تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين} {الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} فذكر: أنه يحب المحسنين والعافين عن الناس. وتبين بهذا أن هذا من الإحسان. والإحسان ضد الإساءة وهو فعل الحسن سواء كان لازما لصاحبه أو متعديا إلى الغير ومنه قوله: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها}.
فالكاظم للغيظ والعافي عن الناس قد أحسن إلى نفسه وإلى الناس؛ فإن ذلك عمل حسنة مع نفسه ومع الناس ومن أحسن إلى الناس فإلى نفسه. كما يروى عن بعض السلف أنه قال: ما أحسنت إلى أحد وما أسأت إلى أحد وإنما أحسنت إلى نفسي وأسأت إلى نفسي. قال تعالى: {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها} وقال تعالى: {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها}. ولو لم يكن الإحسان إلى الخلق إحسانا إلى المحسن يعود نفعه عليه لكان فاعلا إثما أو ضررا؛ فإن العمل الذي لا يعود نفعه على فاعله؛ إما حيث لم يكن فيه فائدة وإما شر من العبث؛ إذا ضر فاعله. والعفو عن الظالم أحد نوعي الصدقة: المعروف والإحسان إلى الناس. وجماع ذلك الزكاة. والله سبحانه دائما يأمر بالصلاة والزكاة وهي الصدقة.
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه أنه قال: {كل معروف صدقة} وذلك نوعان: أحدهما: اتصال نفع إليه. الثاني: دفع ضرر عنه. فإذا كان المظلوم يستحق عقوبة الظلم ونفسه تدعوه إليه فكف نفسه عن ذلك ودفع عنه ما يدعوه إليه من إضراره فهذا إحسان منه إليه وصدقة عليه والله تعالى يجزي المتصدقين ولا يضيع أجر المحسنين. فكيف يسقط أجر العافي وهذا عام في سائر ما للعبد من الحقوق على الناس؛ ولهذا إذا ذكر الله في كتابه حقوق العباد وذكر فيها العدل ندب فيها إلى الإحسان فإنه سبحانه يأمر بالعدل والإحسان. كما قال تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون}.
فجعل الصدقة على المدين المعسر بإسقاط الدين عنه خيرا للمتصدق من مجرد إنظاره.
وقال تعالى: {ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا} فسمى إسقاط الدية صدقة. وقال تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى} فجعل العفو عن نصف الصداق الواجب على الزوج بالطلاق قبل الدخول أقرب للتقوى من استيفائه. وعفو المرأة إسقاط نصف الصداق باتفاق الأمة.

وأما عفو الذي بيده عقدة النكاح. فقيل: هو عفو الزوج وأنه تكميل للصداق للمرأة وعلى هذا يكون هذا العفو من جنس ذلك العفو فهذا العفو إعطاء الجميع وذلك العفو إسقاط الجميع. والذي حمل من قال هذا القول عليه؛ أنهم رأوا أن غير المرأة لا يملك إسقاط حقها الواجب كما لا يملك إسقاط سائر ديونها. وقيل: الذي بيده عقدة النكاح. هو ولي المرأة المستقل بالعقد بدون استئذانها:كالأب للبكر الصغيرة وكالسيد للأمة وعلى هذا يكون العفوان من جنس واحد.

ولهذا لم يقل: إلا أن يعفون أو يعفوا هم والخطاب في الآية للأزواج. وقال تعالى حكاية عن لقمان أنه قال لابنه: {وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} وقال تعالى: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل} {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم} {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور}. فهناك في قول لقمان ذكر الصبر على المصيبة فقال: {إن ذلك من عزم الأمور} وهنا ذكر الصبر والعفو فقال: {إن ذلك لمن عزم الأمور} وذكر ذلك بعد قوله: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل} {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق} فذكر سبحانه الأصناف الثلاثة في باب الظلم الذي يكون بغير اختيار المظلوم؛ وهم: العادل والظالم والمحسن. فالعادل من انتصر بعد ظلمه وهذا جزاؤه أنه ما عليه من سبيل فلم يكن بذلك ممدوحا ولكن لم يكن بذلك مذموما. وذكر الظالم بقوله: {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق} فهؤلاء عليهم السبيل للعقوبة والاقتصاص.
وذكر المحسنين فقال: {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور}. والقرآن فيه جوامع الكلم. وهذا كما ذكر في آخر البقرة أصناف الناس في المعاملات التي تكون باختيار المتعاملين وهم ثلاثة: محسن وظالم وعادل. فالمحسن: هو المتصدق. والظالم: هو المربي. والعادل: هو البائع. فذكر هنا حكم الصدقات وحكم الربا وحكم المبايعات والمداينات. وكما أن من توهم أنه بالعفو يسقط حقه أو ينقص: غالط جاهل ضال؛ بل بالعفو يكون أجره أعظم؛ فكذلك من توهم أنه بالعفو يحصل له ذل ويحصل للظالم عز واستطالة عليه فهو غالط في ذلك.
كما ثبت في الصحيح وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ثلاث إن كنت لحالفا عليهن: ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما نقصت صدقة من مال وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله}. فبين الصادق المصدوق: أن الله لا يزيد العبد بالعفو إلا عزا وأنه لا تنقص صدقة من مال وأنه ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله. وهذا رد لما يظنه من يتبع الظن وما تهوى الأنفس من أن العفو يذله والصدقة تنقص ماله والتواضع يخفضه. وفي الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: {ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادما له ولا امرأة ولا دابة ولا شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله ولا نيل منه قط شيء فانتقم لنفسه؛ إلا أن تنتهك محارم الله فإذا انتهكت محارم الله لم يقم لغضبه شيء. حتى ينتقم لله}.

وخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن أكمل الأخلاق وقد كان من خلقه أنه لا ينتقم لنفسه وإذا انتهكت محارم الله لم يقم لغضبه شيء حتى ينتقم لله فيعفو عن حقه ويستوفي حق ربه. والناس في الباب أربعة أقسام: منهم من ينتصر لنفسه ولربه وهو الذي يكون فيه دين وغضب. ومنهم من لا ينتصر لا لنفسه ولا لربه وهو الذي فيه جهل وضعف دين. ومنهم من ينتقم لنفسه؛ لا لربه وهم شر الأقسام.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.07 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.51%)]