عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 26-08-2022, 03:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ آل عمران
المجلد الخامس
الحلقة( 172)

من صــ 71 الى صـ 80



(من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون (113)
[فصل: الرد على النصارى في احتجاجهم بأن الله مدحهم في قوله (من أهل الكتاب أمة قائمة)]

وأما قوله - تعالى -: {من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون} [آل عمران: 113] (113) {يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين} [آل عمران: 114] فهذه الآية لا اختصاص فيها للنصارى بل هي مذكورة بعد قوله - تعالى -: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون} [آل عمران: 110] (110) {لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون} [آل عمران: 111] (111) {ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون} [آل عمران: 112] ثم قال {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة} [آل عمران: 113]ومعلوم أن الصفة المذكورة في قوله: {ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق} [آل عمران: 112] صفة اليهود وكذلك قوله:
{وضربت عليهم المسكنة} [آل عمران: 112] فقوله عقب ذلك {من أهل الكتاب أمة قائمة} [آل عمران: 113] لا بد أن يكون متناولا لليهود ثم قد اتفق المسلمون والنصارى على أن اليهود مع كفرهم بالمسيح ومحمد - صلى الله عليه وسلم - ليس فيهم مؤمن وهذا معلوم بالاضطرار من دين محمد - صلى الله عليه وسلم - والآية إذا تناولت النصارى كان حكمهم في ذلك حكم اليهود والله تعالى إنما أثنى على من آمن من أهل الكتاب كما قال - تعالى -:

{وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب} [آل عمران: 199] وقد ذكر أكثر العلماء أن هذه الآية الأخرى في آل عمران نزلت في النجاشي ونحوه ممن آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لكنه لم تمكنه الهجرة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا العمل بشرائع الإسلام لكون أهل بلده نصارى لا يوافقونه على إظهار شرائع الإسلام وقد قيل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما صلى عليه لما مات لأجل هذا، فإنه لم يكن هناك من يظهر الصلاة عليه في جماعة كثيرة ظاهرة كما يصلي المسلمون على جنائزهم.

ولهذا جعل من أهل الكتاب مع كونه آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بمنزلة من يؤمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في بلاد الحرب ولا يتمكن من الهجرة إلى دار الإسلام ولا يمكنه العمل بشرائع الإسلام الظاهرة بل يعمل ما يمكنه ويسقط عنه ما يعجز عنه كما قال - تعالى -: {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة} [النساء: 92] فقد يكون الرجل في الظاهر من الكفار وهو في الباطن مؤمن كما كان مؤمن آل فرعون.

قال - تعالى -:{وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب} [غافر: 28] (28) {ياقوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد} [غافر: 29] (29) {وقال الذي آمن ياقوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب} [غافر: 30] (30) {مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد} [غافر: 31] (31) {ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد} [غافر: 32] (32) {يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد} [غافر: 33] (33) {ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب} [غافر: 34] (34)
{الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار} [غافر: 35] (35) {وقال فرعون ياهامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب} [غافر: 36] (36) {أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب} [غافر: 37] (37) {وقال الذي آمن ياقوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد} [غافر: 38] (38) {ياقوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار} [غافر: 39] (39) {من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب} [غافر: 40] (40) {ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار} [غافر: 41] (41) {تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار} [غافر: 42] (42) {لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار} [غافر: 43] (43) {فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد} [غافر: 44] (44) {فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب} [غافر: 45] (45) {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} [غافر: 46].

فقد أخبر سبحانه أنه حاق بآل فرعون سوء العذاب وأخبر أنه كان من آل فرعون رجل مؤمن يكتم إيمانه وأنه خاطبهم بالخطاب الذي ذكره فهو من آل فرعون باعتبار النسب والجنس والظاهر وليس هو من آل فرعون الذين يدخلون أشد العذاب وكذلك امرأة فرعون ليست من آل فرعون هؤلاء قال الله تعالى {وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين} [التحريم: 11] وامرأة الرجل من آله بدليل قوله: {إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين} [الحجر: 59] (59) {إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين} [الحجر: 60] وهكذا أهل الكتاب فيهم من هو في الظاهر منهم وهو في الباطن يؤمن بالله ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - يعمل بما يقدر عليه ويسقط عنه ما يعجز عنه علما وعملا: و {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة: 286] وهو عاجز عن الهجرة إلى دار الإسلام كعجز النجاشي.

وكما أن الذين يظهرون الإسلام فيهم من هم في الظاهر مسلمون وفيهم من هو منافق كافر في الباطن إما يهودي وإما نصراني وإما مشرك وإما معطل.
كذلك في أهل الكتاب والمشركين من هو في الظاهر منهم ومن هو في الباطن من أهل الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - يفعل ما يقدر على علمه وعمله ويسقط ما يعجز عنه في ذلك.

وفي حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: «لما مات النجاشي قال: النبي - صلى الله عليه وسلم - استغفروا لأخيكم فقال بعض القوم: تأمرنا أن نستغفر لهذا العلج يموت بأرض الحبشة فنزلت {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم} [آل عمران: 199]».
ذكره ابن أبي حاتم وغيره بأسانيدهم وذكره حماد بن سلمة عن ثابت عن الحسن البصري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «استغفروا لأخيكم النجاشي» فذكر مثله.

وكذلك ذكر طائفة من المفسرين عن جابر بن عبد الله وابن عباس وأنس وقتادة أنهم قالوا: «نزلت هذه الآية في النجاشي ملك الحبشة واسمه أصحمة وهو بالعربية عطية وذلك أنه لما مات نعاه جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم - في اليوم الذي مات فيه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم قالوا: من هو؟ قال: النجاشي فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى البقيع وزاد بعضهم: وكشف له من المدينة إلى أرض الحبشة فأبصر سرير النجاشي وصلى عليه وكبر أربع تكبيرات واستغفر له وقال لأصحابه: استغفروا له فقال المنافقون: انظروا إلى هذا يصلي على علج حبشي نصراني لم يره قط وليس على دينه، فأنزل الله تعالى {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب} [آل عمران: 199]» وقد ذهبت طائفة من العلماء إلى أنها نزلت فيمن كان على دين المسيح - عليه السلام - إلى أن بعث محمد - صلى الله عليه وسلم - فآمن به كما نقل ذلك عن عطاء.
وذهبت طائفة إلى أنها نزلت في مؤمني أهل الكتاب كلهم.
والقول الأول أجود، فإن من آمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وأظهر الإيمان به وهو من أهل دار الإسلام يعمل ما يعمله المسلمون ظاهرا وباطنا فهذا من المؤمنين وإن كان قبل ذلك مشركا يعبد الأوثان فكيف إذا كان كتابيا؟ وهذا مثل عبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وغيرهما وهؤلاء لا يقال أنهم من أهل الكتاب كما لا يقال في المهاجرين والأنصار أنهم من المشركين وعباد الأوثان ولا يمكن أحد من المنافقين ولا من غيرهم من أن يصلي على واحد منهم بخلاف من هو في الظاهر منهم وفي الباطن من المؤمنين.
وفي بلاد النصارى من هذا النوع خلق كثير يكتمون إيمانهم إما مطلقا وإما يكتمونه عن العامة ويظهرونه لخاصتهم وهؤلاء قد يتناولهم قوله - تعالى -: {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله} [آل عمران: 199] الآية.
فهؤلاء لا يدعون الإيمان بكتاب الله ورسوله لأجل مال يأخذونه كما يفعل كثير من الأحبار والرهبان الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدونهم عن سبيل الله فيمنعونهم الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم.

وأما قوله - تعالى -: {من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون} [آل عمران: 113] (113) {يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين} [آل عمران: 114] فهذه الآية تتناول اليهود أقوى مما تتناول النصارى ونظيرها قوله - تعالى -: {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} [الأعراف: 159] وهذا مدح مطلق لمن تمسك بالتوراة ليس في ذلك مدح لمن كذب المسيح ولا فيها مدح لمن كذب محمدا - صلى الله عليه وسلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.45 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.79%)]