عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 26-08-2022, 12:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,565
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد



تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(254)
الحلقة (268)
صــ 15إلى صــ 22






قال أبو جعفر : فأما الذين قرءوا ذلك برفع"العمرة" ، فإنهم قالوا : لا وجه لنصبها ، فالعمرة إنما هي زيارة البيت ، ولا يكون مستحقا اسم معتمر إلا وهو له زائر . قالوا : وإذا كان لا يستحق اسم معتمر إلا بزيارته وهو متى بلغه فطاف به وبالصفا والمروة ، فلا عمل يبقى بعده يؤمر بإتمامه بعد ذلك ، كما يؤمر بإتمامه الحاج بعد بلوغه والطواف به وبالصفا والمروة بإتيان عرفة والمزدلفة والوقوف بالمواضع التي أمر بالوقوف بها ، وعمل سائر أعمال الحج الذي هو من تمامه بعد إتيان البيت [ ص: 15 ] لم يكن لقول القائل للمعتمر : " أتم عمرتك" وجه مفهوم . وإذا لم يكن له وجه مفهوم . فالصواب من القراءة في"العمرة" الرفع على أنه من أعمال البر لله ، فتكون مرفوعة بخبرها الذي بعدها ، وهو قوله : " لله" .

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا ، قراءة من قرأ بنصب" العمرة" على العطف بها على" الحج" ، بمعنى الأمر بإتمامهما له .

ولا معنى لاعتلال من اعتل في رفعها بأن" العمرة" زيارة البيت ، فإن المعتمر متى بلغه ، فلا عمل بقي عليه يؤمر بإتمامه . وذلك أنه إذا بلغ البيت فقد انقضت زيارته وبقي عليه تمام العمل الذي أمره الله به في اعتماره ، وزيارته البيت ، وذلك هو الطواف بالبيت ، والسعي بين الصفا والمروة ، وتجنب ما أمر الله بتجنبه إلى إتمامه ذلك ، وذلك عمل - وإن كان مما لزمه بإيجاب الزيارة على نفسه - غير الزيارة . هذا ، مع إجماع الحجة على قراءة "العمرة" بالنصب ، ومخالفة جميع قرأة الأمصار قراءة من قرأ ذلك رفعا ، ففي ذلك مستغنى عن الاستشهاد على خطأ من قرأ ذلك رفعا .

وأما أولى القولين اللذين ذكرنا بالصواب في تأويل قوله : " والعمرة لله" على قراءة من قرأ ذلك نصبا فقول عبد الله بن مسعود ، ومن قال بقوله من أن معنى ذلك : وأتموا الحج والعمرة لله إلى البيت بعد إيجابكم إياهما لا أن ذلك أمر من الله عز وجل - بابتداء عملهما والدخول فيهما وأداء عملهما بتمامه - بهذه الآية .

وذلك أن الآية محتملة للمعنيين اللذين وصفنا : من أن يكون أمرا من الله عز وجل بإقامتهما ابتداء وإيجابا منه على العباد فرضهما ، وأن يكون أمرا منه بإتمامهما بعد [ ص: 16 ] الدخول فيهما ، وبعد إيجاب موجبهما على نفسه ، فإذ كانت الآية محتملة للمعنيين اللذين وصفنا ، فلا حجة فيها لأحد الفريقين على الآخر ، إلا وللآخر عليه فيها مثلها . وإذ كان كذلك ولم يكن بإيجاب فرض العمرة خبر عن الحجة للعذر قاطعا ، وكانت الأمة في وجوبها متنازعة - لم يكن لقول قائل : " هي فرض" بغير برهان دال على صحة قوله - معنى ، إذ كانت الفروض لا تلزم العباد إلا بدلالة على لزومها إياهم واضحة .

فإن ظن ظان أنها واجبة وجوب الحج ، وأن تأويل من تأول قوله : " وأتموا الحج والعمرة لله" بمعنى : أقيموا حدودهما وفروضهما أولى من تأويلنا ، بما : -

3222 - حدثني به حاتم بن بكير الضبي ، قال : حدثنا أشهل بن حاتم الأرطبائي ، قال : حدثنا ابن عون ، عن محمد بن جحادة ، عن رجل ، عن زميل له ، عن أبيه - وكان أبوه يكنى أبا المنتفق - قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة ، فدنوت منه ، حتى اختلفت عنق راحلتي وعنق راحلته ، فقلت : يا رسول الله أنبئني بعمل ينجيني من عذاب الله ويدخلني جنته ! قال : " اعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وأقم الصلاة المكتوبة ، وأد الزكاة المفروضة ، وحج واعتمر قال أشهل : وأظنه قال : "وصم رمضان ، وانظر ماذا تحب من الناس أن يأتوه إليك فافعله بهم ، وما تكره من الناس أن يأتوه إليك فذرهم منه" .

وما : - [ ص: 17 ]

3223 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، ومحمد بن أبي عدي ، عن شعبة ، عن النعمان بن سالم ، عن عمرو بن أوس ، عن أبي رزين العقيلي رجل من بني عامر قال : قلت يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن ، وقد أدركه [ ص: 18 ] الإسلام ، أفأحج عنه؟ قال : "حج عن أبيك واعتمر" .

وما : -

3224 - حدثني به يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أيوب ، عن أبي قلابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال : اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وأقيموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وحجوا واعتمروا واستقيموا يستقم لكم .

وما أشبه ذلك من الأخبار ، فإن هذه أخبار لا يثبت بمثلها في الدين حجة لوهي أسانيدها ، وأنها - مع وهي أسانيدها - لها في الأخبار أشكال تنبئ عن أن العمرة تطوع لا فرض واجب . وهو ما : - [ ص: 19 ]

3225 - حدثنا به محمد بن حميد ، ومحمد بن عيسى الدامغاني ، قالا حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن الحجاج بن أرطأة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه سئل عن العمرة أواجبة هي؟ فقال : "لا وأن تعتمروا خير لكم" .

3226 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير و حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : حدثنا شريك ، عن معاوية بن إسحاق ، عن أبي صالح الحنفي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحج جهاد ، والعمرة تطوع . [ ص: 20 ]

قال أبو جعفر : وقد زعم بعض أهل الغباء أنه قد صح عنده أن العمرة واجبة ، بأنه لم يجد تطوعا ، إلا وله إمام من المكتوبة . فلما صح أن العمرة تطوع وجب أن يكون لها فرض ، لأن الفرض إمام التطوع في جميع الأعمال .

فيقال لقائل ذلك : فقد جعل الاعتكاف تطوعا ، فما الفرض منه الذي هو إمام متطوعه؟

ثم يسأل عن الاعتكاف أواجب هو أم غير واجب؟

فإن قال : " واجب" ، خرج من قول جميع الأمة .

وإن قال : تطوع .

قيل : فما الذي أوجب أن يكون الاعتكاف تطوعا والعمرة فرضا ، من الوجه الذي يجب التسليم له؟

فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله .

وبما استشهدنا من الأدلة ، فإن أولى القراءتين بالصواب في" العمرة" قراءة من قرأها نصبا - وأن أولى التأويلين في قوله : " وأتموا الحج والعمرة لله" ، تأويل ابن عباس الذي ذكرنا عنه من رواية علي بن أبي طلحة عنه من أنه أمر من الله بإتمام أعمالهما بعد الدخول فيهما وإيجابهما على ما أمر به من حدودهما وسننهما - وأن أولى القولين في" العمرة" بالصواب قول من قال : " هي تطوع لا فرض" - وأن معنى الآية : وأتموا أيها المؤمنون الحج والعمرة لله بعد دخولكم فيهما وإيجابكموهما على أنفسكم ، على ما أمركم الله من حدودهما .

وإنما أنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية على نبيه عليه الصلاة والسلام في عمرة الحديبية التي صد فيها عن البيت ، معرفه والمؤمنين فيها ما عليهم في إحرامهم إن خلي بينهم وبين البيت ومبينا لهم فيها ما المخرج لهم من إحرامهم إن أحرموا ، فصدوا عن البيت . [ ص: 21 ]

ولذكر اللازم لهم من الأعمال في عمرتهم التي اعتمروها عام الحديبية ، وما يلزمهم فيها بعد ذلك في عمرتهم وحجهم ، افتتح بقوله : " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج " .

وقد دللنا فيما مضى على معنى" الحج والعمرة" بشواهد ، فكرهنا تطويل الكتاب بإعادته .
القول في تأويل قوله تعالى ( فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في " الإحصار" الذي جعل الله على من ابتلي به في حجه وعمرته ما استيسر من الهدي .

فقال بعضهم : هو كل مانع أو حابس منع المحرم وحبسه عن العمل الذي فرضه الله عليه في إحرامه ووصوله إلى البيت الحرام .

ذكر من قال ذلك :

3227 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد أنه كان يقول : "الحصر" الحبس كله . يقول : أيما رجل اعترض له في حجته أو عمرته فإنه يبعث بهديه من حيث يحبس . قال : وقال مجاهد في قوله : " فإن أحصرتم " فإن أحصرتم : يمرض إنسان أو يكسر ، أو يحبسه أمر فغلبه كائنا ما كان ، فليرسل بما استيسر من الهدي ، ولا يحلق رأسه ، ولا يحل ، حتى يوم النحر . [ ص: 22 ]

3228 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

3229 - حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، قال : الإحصار كل شيء يحبسه .

3230 - وحدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، عن سعيد ، عن قتادة أنه قال : في المحصر : هو الخوف والمرض والحابس . إذا أصابه ذلك بعث بهديه ، فإذا بلغ الهدي محله حل .

3231 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة قوله : " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي " قال : هذا رجل أصابه خوف أو مرض أو حابس حبسه عن البيت يبعث بهديه ، فإذا بلغ محله صار حلالا .

3232 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : كل شيء حبس المحرم فهو إحصار .

3233 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن إبراهيم قال أبو جعفر : أحسبه عن شريك ، عن إبراهيم بن المهاجر ، عن إبراهيم : " فإن أحصرتم " قال : مرض أو كسر أو خوف .

3234 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثني معاوية ، عن علي عن ابن عباس قوله : " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي " ، يقول : من أحرم بحج أو بعمرة ، ثم حبس عن البيت بمرض يجهده أو عذر يحبسه ، فعليه قضاؤها .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.23 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.85%)]