الموضوع: ثقافة الأهداف
عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 21-08-2022, 06:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,700
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ثقافة الأهداف

ثقافة الأهداف


نسمة السيد ممدوح





وقد قدمت بعض الإجابات حلولاً لتلك المشكلة، كان منها:
توفير قدر أكبر من الحرية الفكرية للشباب، وتشجيعهم على التفكير واتخاذ القرار.
مساعدة الشباب على الاستقلال المادي من سن مبكرة.
التدريب على الاختيار من سن مبكرة.
تزويد الشباب بالمعلومات الواقعية.

يعتبر نقصُ الثقافة في العلوم والمعارف البشرية، وبخاصة علوم تطوير الذات والتنمية البشرية، من أهم مشكلات المجتمعات العربية، وبما أننا نتحدَّث عن طريقة رسم الهدف الجامعي وضرورة اتخاذ القرار، فمن المفيد أن نتذكَّر جيدًا ما قاله د. براين في نموذجه المكوَّن من 12 خطوة لتحقيق الأهداف، الذي بدأ بضرورة معرفة ما تريده وترغب به بشدة، وهنا نجد أن الأشخاص المتفوِّقين يسقطون ضحيةَ إهمال المجتمعات ونقص إدراكها؛ فالشخص المتفوق يسقط ضحية الحيرة؛ لكثرة مواهبه ومهاراته، ويكون من الصعب عليه أن يُحدِّد ميوله بدقة ووضوح، فالأطفال المتفوِّقون في الصفوف الدراسية يُتقِنون مهارات الموادِّ التعليمية على اختلافها، وإن لم يحملوا بداخلهم ميلاً حقيقيًّا لكل مادة، وهنا يأتي دَور الأسرة والمدرسة والمجتمع في تعليم هؤلاء كيف يستقرئون أنفسهم، ويكشفون عن ميولهم التي تزيد قدراتهم وتُضاعِفُها.

إن استقراء الذات هو الخطوة الأولى دائمًا؛ يقول د. إبراهيم الفقي في كتابه "فن اتخاذ القرار":
"يجب أن تعلم أن القرار يُبنَى على قيم الشخص المقرِّر، وعلى اعتقاده، وعلى مفهومه الذاتي، وعلى إدراكه للأشياء، بالإضافة إلى المؤثرات الخارجية"، هذا يعني أن القرار يبنى على أربعة عوامل ذاتية، وعامل واحد خارجي، ويتفق هذا الرأي مع المستويات الخمسة للشخصية التي تحدثنا عنها سابقًا، والتي تبدأ بالقِيَم، ثم المعتقدات، ثم التوقعات، ثم التوجهات، وأخيرًا السلوك، وعلى هذا عليك كي تتخذ قرارًا سليمًا أن تستقرئ ذاتك، وتعرف مستويات شخصيتك، ومن ثم تتخذ قرارك بما يتوافق مع قيمك ومعتقداتك وتوجهاتك.

وهناك مراحل ثلاث لاتخاذ القرار السليم، وهي:
مرحلة التفكير: فلا بد أن تبدأ بالتفكير المنطقي، وهذا التفكير يحتاج إلى المعلومات والمعرفة، فعندما ترغب في اتخاذ قرار ما كقرار دخول الجامعة أو لا، أو قرار الالتحاق بكلية دون غيرها، عليك أن تجمع المعلومات حول الموضوع، ضع مشاعرك جانبًا بشكل مؤقت.

مرحلة الأحاسيس: الآن شارك أحاسيسك، فعندما تُبنى الأحاسيس على منطق معين يكون القرار أفضل، لكن لو أتت الأحاسيس في المقدمة، فهنا تكون الخطورة.

الإلهام الداخلي أو البديهة: الإلهام هو صوت داخلي يخاطب الإنسان أثناء اتخاذه القرار بأمر ما، وهذا الصوت عادة يكون صوابًا، وهناك فَرْق بين البديهة والتحدث مع الذات؛ فالإنسان إذا سمِع الصوت سلبيًّا واعتبره ضده فهذا هو التحدث مع الذات، أما البديهة، فهي شعور يُوصِلك لراحة داخلية.

يقول د. إبراهيم الفقي:
"كي يستطيع الإنسان أن يتخذ أفضل قرار عليه أن يصل بعقله إلى مرحلة الألفا، ولكي نصل لهذه المرحلة لا بد أن نعلم وظائف العقل الواعي ووظائف العقل اللا واعي".

ماذا يقصد د. إبراهيم بمرحلة الألفا؟!
يشير د. إبراهيم إلى نشاطات العقل تبعًا لنشاطات المخ، ويقسم تلك النشاطات إلى أربع مراحل؛ هي:
مرحلة البيتا BETA: في تلك المرحلة تكون ذبذبات المخ عالية جدًّا وخطيرة، تتراوح ما بين 14 و28 دورة، وفيها يكون المخ منشغلاً بأكثر من شيء؛ كالأفكار والمؤثرات الخارجية التي تحيط بالشخص، وهي أسوأ مرحلة يمكن للفرد أن يتخذ فيها قرارًا ما.

مرحلة الألفا ALPHA: وهي أفضل مرحلة لاتخاذ القرار، تتراوح فيها ذبذبات المخ ما بين 7 و14 دورة في الثانية.

مرحلة الثيتا THETA: وفيها يكون الشخص مسترخيًا تمامًا؛ حيث ينام ويحلم، ويعلم أنه يحلم، وتكون ذبذبات المخ فيها ما بين 3 و 7 دورات في الثانية.

مرحلة الدلتا DELTA: وهي مرحلة النوم أو الميتة الصغرى، وتكون ذبذبات المخ فيها ضعيفة جدًّا من 1 إلى 3 دورات في الثانية.

وبما أن مرحلة الألفا هي الأنسب لاتخاذ القرار، فعليك أن تُنمِّي ثقافتك، وتتدرب على كيفية الوصول لتلك المرحلة، ويتم ذلك من خلال جلسات الاسترخاء والتنفس العميق الهادئ لعدة دقائق، عندها يهدأ العقل ويصفو الذهن، ويكون بإمكانك مراجعةُ ما لديك من معلومات حول الموضوع، ومن ثَمَّ استقراء أحاسيسك، ثم الإنصات لصوت الإلهام بداخلك، وأخيرًا اتخاذ القرار المناسب في حياتك، وتذكر أن قرارك ينبعُ في أربع أخماسِه من داخلك أنت، وَفْقًا لقِيَمك ومعتقداتك وتصورك الذاتي لنفسك ولِما حولك، والخُمس الأخير يأتي من المحيطين بك، وتذكر أيضًا أنك لن تنجح في تحقيق أهداف يريدها لك غيرك، لأجل هذا استقرئ نفسك وحدِّدْ هدفك واتخذ قرارك.

أيهما يسبق الآخر: النجاح الشخصي أم المِهْني؟
النجاح هو القدرة على تحقيق الأهداف المحددة مسبقًا، وبما أن حياة الفرد ذات جوانب متعددة؛ فإن النجاح الحقيقي يعني نجاحًا متوازنًا في كافة الجوانب، لأجل هذا عرَّف د. إبراهيم الفقي النجاحَ بأنه القدرة على تحقيق التوازن بين جوانب الحياة الخمسة، وهي: الروحاني، الشخصي، المِهْني، الصحي، والمادي.

ولقد اخترنا في تلك الدراسة المصغَّرة جانبينِ شديدَي التداخل فيما بينهما، وهما الجانب الشخصي بما يحمله من عَلاقات أُسرِية، وزواج، وتكوين أسرة، وبين الجانب المهني وما يحمله من تطوير الذات من الناحية المِهْنية، واكتساب المعارف الجديدة، وتنمية المهارات والارتقاء الوظيفي، ولقد توجَّهْنا لعيِّنة الدراسة بعدة تساؤلات حول تلك النقطة، وتجدر الإشارة هنا إلى أن نسبة الذكور في عيِّنة الدراسة كانت 35% مقابل 65% إناث، كما كانت نسبة المتزوِّجين من بين أفراد العينة الإيجابيين ممَّن قدموا إجابات تجاه الأسئلة المقدَّمة إليهم 42% مقابل 57% غير متزوجين.

وقد تباينت الإجاباتُ وانقسمت إلى ثلاثة اتجاهات فيما يتعلق بالعَلاقة بين النجاح المهني والنجاح الشخصي، وأيهما يسبق الآخر على النحو التالي:
1 - رأى أصحاب هذا الاتجاه أن النجاح المِهْني هو الأهمُّ، ومن الضروري أن يسبق النجاح الشخصي.

2 - يميل أصحاب الاتجاه الثاني إلى أن النجاح الشخصي قد يعوقُ أحيانًا النجاح الوظيفي.

3 - كان هذا الاتجاه أكثر اعتدالاً من سابقيه، وركز على أهمية التوازن بين الاثنين.

وقد أشارت الإجابات إلى العَلاقة بين هذا التفضيل وبين الجنس؛ حيث مالت بعضُ الإجابات المقدَّمة من الإناث إلى تأكيد أفضلية النجاح الشخصي والاستقرار وتكوين أسرة، كما أشارت إلى كون النجاح الوظيفي في حياة المرأة يمثل نوعًا من الرفاهية، وأشارت بعض السيدات إلى أن الظروف الاجتماعية هي التي حددت مصيرَهن في الماضي، وفرضت الأولوية للنجاح الشخصي، مما يعني إبراز عاملٍ جديد في التفضيل، وهو الظروف الخارجية والوضع الاجتماعي، كما رأت بعض الفتيات أن السعي للاستقرار قد يعني فشلاً مستقبليًّا في المجال المِهْني، والرأي الأخير يُضِيف عاملاً جديدًا، وهو طبيعة الشخصية وإدراكها لِمَا حولها وتقديرها لذاتها.

أما عن الذكور من أفراد العينة، فقد جاءت الإجابات أكثر ميلاً لتفضيل النجاح المهني، في حين وردت إجابات تشير للتوازن، ومن بين تلك الإجابات ما ذكره السيد جمال محمود - 56 سنة (متزوج، وأب لثلاثة أطفال) -: "بالنسبة لي أسعى دائمًا للتوازن في كل مجالات حياتي، فلا أحاول أن أحقق أعلى الدرجات والوصول للقمة في مجال واحد، ولكن يكفيني تحقيق النجاح وليس التفوق، فأنا أعلم جيدًا أنه ليس هناك إنسان متميز وموهوب ومحقق لأعلى درجات النجاح في مجال، إلا وكان ذلك على حساب بعض المجالات الحياتية الأخرى؛ لذا أحاول أن أُمسِك بجميع الأطراف معًا، فأعطي وقتًا لعملي، وقتًا لأولادي، ووقتًا لبيتي، ووقتًا لزوجتي"، وهذا بذاته ما ذكره د. إبراهيم الفقي عن التوازن وما ناقشناه مسبقًا.

إذًا عوامل التفضيل بين أفراد العيِّنة، وكما أظهرتها الدراسة تتمثل في:
الجنس ونظرة المجتمع لدور الرجل والمرأة.
الظروف الخارجية التي تُفرَض على الشخص ولا يملك تغييرها.
طبيعة الشخصية وإدراكها لما حولها وتقديرها لذاتها.

وعندما توجَّهنا لأفراد العينة من المتزوجين بالسؤال عما كانت عليه أوضاعهم، ومدى النجاح الذي حققوه سابقًا من الناحية المِهْنية حين أقبلوا على الزواج، فقد جاءت الإجابات سلبية في أغلبها، ويبدو أن مفهوم النجاح ومقياسه لا يزال مُشوَّشًا وبشدة في الأذهان، أو أن هناك خوفًا مترسبًا نتيجةً للثقافة السائدة، يدفع بالأفراد لالتزامِ الصمت حذرًا على الأغلب.

ومع عدم وضوحِ الرؤية لدى أغلبيةِ أفراد العيِّنة فيما يتعلق بتحديد الأهداف، وبالتالي تحقيقها أو تكوين الطموح والشعور بالنجاح، فقد طرَحْنا سؤالاً جديدًا في محاولةٍ لاستكشاف الأمر بدقة أعلى، فتوجَّهنا إليهم بالسؤال عن دور شريك الحياة، وما يتوقع منه كمساعد للطرف الآخر في تحقيق النجاح المهني، بكلمات أخرى:
ماذا يطلب الزوج في زوجته كمساعد؟
وماذا تطلب الزوجة في زوجها كمساعد؟
وهل الدعم المطلوب يتمثل في الدعم المادي أم المعنوي أم كليهما؟

وفي الإجابة على هذا السؤال كان التفاعلُ الأكبر من نصيب الإناث، وجاء التركيز على الدعم المعنوي متمثلاً في عدة صور، هي: القَبول، المساندة، تفهم طبيعة عمل الشريك بمزاياه وعيوبه، وقد أبرزت الإجابات التخوُّف السائد في المجتمعات العربية من رفض الزوج لتقدُّمِ الزوجة المِهني، أو محاولة الإحباط أو الفشل التي قد تصدر عن قصد أو بدون.

أما عن الذكور، فجاءت الاستجابات ضعيفة جدًّا عدا استجابة واحدة، أكدت على الدعم المعنوي والمهني كذلك، على النحو التالي:
"زوجتي هي العامل الأساسي والمساعد على نجاح المنظومة ككل، فبدون مساعدتها وتفهمها ما كنت وصلتُ للنجاح الذي يرضيني الآن، فبمساعدتِها وخبرتها أيضًا بالعمل الإداري ساعدَتْني في تطويرِ منظومة العمل والحفظ والفهرسة على الحاسب الآلي، وساعدتني في عمل الفواتير الحسابية وإرسالها للعملاء عن طريق الإيميل، وكانت تُوفِّر لي الوقت اللازم للعمل قليلاً بالمنزل بعد نوم الأولاد، وكانت تشاركني حتى ننتهيَ من العمل بكل دقة، كنت أترك لها المراسلات والمخاطبات والحسابات، وأقوم أنا بتنظيمِ العمل وتحديد المواد والموارد المطلوبة، ونقل العمال ومتابعتهم، وهكذا؛ لذلك فأنا أؤكد أنها العامل الرئيسي وراء نجاحي الوظيفي".

ومن خلال تلك الإجابة نجد أن الدعم الذي وصف فيها يتمثل في عدة نقاط:
الدعم العاطفي والمعنوي.
توفير وتهيئة الجو المناسب للعمل.
المشاركة الفعالة واقتسام المهام.
قيام الزوجة بدور السكرتيرة المنزلية، وهذا يتطلب زوجة واعية متعلمة ونشيطة.

من المفيد أن نُؤكِّد أن هذا التصوُّر قد ورد من أحد أفراد العيِّنة من المتزوجين، مما يعني توافرَ عامل الخبرة والتجرِبة الحيَّة، بعيدًا عن مجرَّد التصورات العقلية البعيدة عن أرض الواقع، ويعني أيضًا أن تحقيقَ التوازن والمساعدة بتلك الصورة حقيقةٌ يمكن الوصول إليها، لا حُلمًا على الأوراق.

في إجابات أخرى ظهر الغموض، ومن أمثلة ذلك: "دور المساعد والمساند وليس الشريك" - "شريك بمعنى الكلمة"، وبمثل تلك الإجابات يَبْرُز عدم الوضوح والتحديد، وعندما لا تملك تصوُّرًا واضحًا لِمَا تطلبه في شريك حياتك فمن المحتمل جدًّا أنك لن تحصل على الشريك الذي تتمنَّاه، وبالتالي يعني إخفاقك في هدفٍ رئيسي في جانب حياتك الشخصية، مما يعني تهديدًا لأهدافك في الجانب المهني وغيره من الجوانب.

وعندما نتحدَّث عن عدم التحديد نجدُ أن ما يطلُبُه الأشخاص وما يعتقدونه أهدافًا يرغبون بتحقيقِها في المجال المهني ليست سوى أمنياتٍ، فعندما تضعُ هدفًا مشابهًا لـ: "عليَّ أن أحظى بوظيفة جيدة وأبني مستقبلي ثم أتزوج"، هذا ليس هدفًا على الإطلاق، وإنما هو أمنية كما أسماها د. براين؛ فالهدف ليس واضحًا أبدًا، ولا يمكن قياسه!

فما هي الوظيفة المناسبة؟ وما صفاتها؟
ومتى ستقنع بأنك في وظيفة مناسبة، ثم تنتقل لتحقيق الهدف الثاني وهو الزواج؟

وبما أن الإجابات السابقة قد أوضحت عدم التحديد لما يطلبه الفرد من شريك حياته، فقد حاولنا استكشاف ما يريده من وظيفته، وما هي الوظيفة المناسبة بالنسبة له، وقد تباينت صفات الوظيفة المناسبة، ومنها:
أن تكون الوظيفة مناسبة لإمكانيات الشخص ومواصفاته الشخصية، ومنها الجنس.
العائد المادي الجيد.
أن توفر الوظيفة فرصًا للترقي.
أن تكون الوظيفة مناسبة لمكان الإقامة.
أن تكون الوظيفة مناسبة مستقبليًّا.
أن تكون الوظيفة موافقة لمجال الدراسة.

ويظهر عدم التحديد مرة أخرى في الإجابات، فعند ذكر العائد المادي الجيد لا يعتبر مقياسًا محددًا لوظيفة مناسبة، وإنما الأنسب أن يُحدِّد الشخص راتبًا معينًا يسعى للوصول إليه، أما فرص الترقي وموافقة الدراسة فقد تبدو محددات نوعًا ما.

من المفيد أن نشير إلى أن بعضَ الإجابات أشارت إلى كون الوظيفة مرحلة، وليست غاية بحد ذاتها، وأن كل مرحلة من مراحل الحياة توافقها وظيفة معينة، وهذا يعني أن التطور المهني والوظيفي يجب أن يسير جنبًا إلى جنب مع بقية جوانب الحياة، وألا ينفرد وحده باهتمام الشخص أو بالأهداف العريضة.

وعندما تملك هدفًا وظيفيًّا ضخمًا فتلك خطورة، وهناك احتمال أن تنجح أو تفشل في تحقيق هذا الهدف الضخم، لأجل هذا شاركنا أفراد العينة بالإجابة على السؤال، وأظهرت الإجابات أن الأهداف الكبيرة يمكن تحقيقُها شرط التقدير الجيد لإمكانيات الشخص، ومن ثَمَّ التخطيط الجيد، وتقسيم الأهداف الكبيرة لأهداف صغيرة يمكن إنجازها، من جهة أخرى رأى البعض أن الأهداف الضخمة قد تُعجِّل بنهاية صاحبها إذا افتقرت إلى الواقعية والتخطيط أو تحققت بطرق غير مشروعة.

وعودة إلى التوازن بين جوانب الحياة والتوفيق بينها، نجد اختلافًا في إجابات أفراد العيِّنة حول السؤال: "الأهداف في تقديرك متوالية أم متوازية؟":
ومال البعض إلى تأييد فكرة التوالي، في حين مال البعض الأخر إلى تأييد التوازي، وكان من بين عواملِ التفضيل هنا إمكانيات الفرد وقدرته الشخصية على تحقيق الأهداف، وإن كنا نتحدَّث عن جوانب الحياة الخمسة ووجود أهداف في كل جانب، فالأقرب للواقع هو أن نقول بوجود أهدافٍ متوازية وأهداف متوالية، فالأهداف تأتي على هيئة مجموعات متتالية، بحيث تضمُّ كل مجموعةٍ عددًا من الأهداف في أكثر من مجال، كأن تحمل هدفًا شخصيًّا، وآخر مِهْنيًّا، وثالثًا روحانيًّا، ورابعًا صحيًّا، وتحققهم معًا خلال 6 أشهر، ثم تنتقل بعدها لمجموعة أهداف أخرى، وهكذا، الحياة خطة طويلة الأمد، وأنت مَن تضع خطتك بنفسك.

ما هي السعادة؟
عندما نتحدَّث عن موضوعات تطوير الذات والتنمية البشرية، فإن الهدف الذي ننشده دومًا هو الإجابة على السؤال: "كيف تكون سعيدًا؟"، ولقد تباينت التعريفاتُ المُقدَّمة لمعنى السعادة ومفهومها، مما يعني اختلافًا متوقعًا في الإجابة على هذا السؤال.

وبالنسبة للسعادة نجد رأيًا لأرسطو في كتاب الأهداف للدكتور براين يقول:
"لقد ذكر أرسطو أن الهدف أو الغاية الأساسية من حياة الإنسان هو أن تحقق سعادتك، أنت تصبح أكثرَ المخلوقات سعادةً، عندما تنسجم تصرفاتك الخارجية مع قيمك الداخلية، عندما تعيش في محاذاة كاملة مع ما تعتبره جيدًا وصحيحًا وحقيقيًّا، سوف تشعر تلقائيًّا بالسعادة والإيجابية تجاه نفسك وتجاه عالمك"، باختصار يمكن أن نقول: إن السعادة عند أرسطو تعني الانسجام الخارجي والداخلي.

في علم النفس نجد أن درجة تقديرِك لذاتك تُحدِّد سعادتك، بمعنى آخر: تقديرك لذاتك = سعادتك، ومعنى تقدير الذات: درجة حبِّك لنفسك، كيف ترى نفسك من الداخل؟ إلى أي مدى تحبها؟ إن صورتك الذاتية تُؤثِّر في حياتك وتعاملاتك، وتلك الصورة تتشكَّل من فضائلك، قيمك، أهدافك، أحلامك، أمانيك وطموحاتك، وهذا يعني أن سلوكك كلما اتفق مع قيمك ومع ما تراه سلوكًا مثاليًّا، فسيزيد من تقديرِك لذاتك، ويرفع درجة سعادتك، والعكس صحيح.

يُشِير البعض إلى أن السعادة هي مجموعُ ما تشعرُ به من سعادةٍ وارتياحٍ ورضا في جوانب حياتك المختلفة؛ فسعادتُك الحقيقية هي مجموعُ سعادتِك في عملك ومع أسرتك وعَلاقتك بربك، وهكذا.

وعودة لأفراد العيِّنة نجد أن مفهوم السعادة لديهم قد تباين واختلف، ومن بين ما أظهرته الدراسة:
السعادة هي الرضا.
السعادة هي راحة البال.
السعادة هي الهدوء والطمأنينة.
السعادة هي تحقيق الذات وبلوغ الأهداف.
السعادة هي النجاح.

والسعادة لدى د. إبراهيم الفقي هي تحقيقُ النجاح في جوانب الحياة الخمسة باتزانٍ، هذا يعني ضرورة أن تكون متزنًا وواضحًا ومحددًا وصادقًا مع نفسك، وأن تُنمِّي ثقافتك، وتطور مهاراتك فيما يتعلق باستكشافِ النفس واستقرائها ومصارحتها، وأن تتعلَّم كيف تضع أهدافك، وكيف تحققها، كيف تنظم وقتك، أن تتعلم ما تريد وكيف تحقق ما تريد، وأخيرًا اعلم أن أفكارك تحدد شعورك في النهاية، والأفكار السعيدة تجعلك سعيدًا، والأفكار التعيسة تجعلك تعيسًا، فراقب أفكارك جيدًا.

الخاتمة:
بدا واضحًا من خلال تلك الدراسة الاستكشافية ما تعانيه مجتمعاتُنا العربية من نقصٍ شديد في مجال المعرفة البشرية، وبخاصة فيما يتعلق بموضوعات التنمية البشرية وتطوير الذات، وقد أدى هذا النقص إلى اختلاط المفاهيم في الأذهان وعدم وضوح الرؤية، وبالتالي تبدَّد الوقت، وتشتت الجهد، وحصل الفشل في تحقيق الأهداف والغايات.

إن شبابَ اليوم بحاجة إلى عناية ورعاية المؤسسات التعليمية، ويبدو أن من المفيد جدًّا دمجَ موضوعاتِ التنمية البشرية بشكل جدِّي في المواد الدراسية، أو تخصيص حصص دراسية، أو ندوات أسبوعية؛ لبحث مثل تلك الموضوعات بمساعدة مدرِّبين معتمَدِين في هذا المجال، كما أنه منوطٌ بوسائل الإعلام أن تعمل على نشر تلك الثقافة المتحضرة وتعليمها للأسر والأفراد في المجتمع.

إن معرفة الفرد لما يريده حقًّا بدقة ووضوح يزيد من فرص وإمكانيات بلوغه لهدفه، ونجاح الأفراد في تحقيق أهدافهم يعني نجاح المجتمع ككل في بلوغ أهدافه، إن عملية التخطيط ووضع الأهداف والسعي إليها يجعل الفرد في حالة ديناميكية دائمة، مما يعني تطورًا وجديدًا في كل لحظة.

إن نجاح المجتمع وتقدُّمه مرهونٌ بتطوير أفراده داخليًّا أولاً، علينا أن نبني أنفسنا ونبني أبناءنا، مما يؤهلنا ويؤهلهم لرفع الراية، وإكمال المسيرة، والتقدم للأمام، والأهداف العظيمة يمكن تحقيقها شرطَ أن يتم التخطيط لها بشكل صحيح، تخطيطًا واعيًا مدروسًا ومصحوبًا بالرغبة الشديدة والإلزام الحقيقي.

المصادر:
د. إبراهيم الفقي، سيطر على حياتك، ميديا برو والراية، 2010.
د. إبراهيم الفقي، فن اتخاذ القرار، ميديا برو، 2010.
د. إبراهيم الفقي، المفاتيح العشر للنجاح، ميديا برو والراية، 2009.
د. براين تريسي، الأهداف، الطبعة الثانية، مكتبة جرير، 2013.
موسوعة ويكبيديا www.wikipedia.org.
ثقافة أون لاين www.thaqafaonline.com.
د. محمد فتحي، الرجل الطموح: صفات ومواصفات، موقع نوافذ الإلكتروني.
www.Islamtoday.net/nawafeth، 2011.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.73 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.78%)]