إلحاق الولد بالفراش إذا لم ينفه صاحب الفراش
شرح حديث أبي هريرة: ( الولد للفراش وللعاهر الحجر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إلحاق الولد بالفراش إذا لم ينفه صاحب الفراش.أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الولد للفراش، وللعاهر الحجر ) ].
ثم أورد النسائي إلحاق الولد بالفراش إذا لم ينفه صاحب الفراش، والمقصود أنه: لم ينفه باللعان؛ لأن مجرد نفيه والتخلص منه بالكلام لا يكفي ولا يعول عليه، والشريعة جاءت بحفظ الأنساب والإبقاء عليها، وأنه إذا وجد الفراش فالولد للفراش، أي: لصاحب الفراش الذي يطأ المرأة التي هي فراش الرجل، فيكون الولد له ولا يكون لغيره، ولا ينتفي منه إلا بالملاعنة، وإلا فإن الأصل أن الولد للفراش، والعاهر الزاني ليس له ولد، وهو بفعله القبيح الشنيع لا يحصل مكاسب، ولا ينسب إليه ولد بسبب زناه، بل ليس له إلا الحجر، والمقصود بالحجر قيل: هو الخيبة والحرمان، وأنه لا يحصل شيئاً، بل يحصل الضرر، وقيل: إن المراد بالحجر أي: أنه يرمى بالحجارة، لكن ليس كل زانٍ يرمى بالحجارة؛ لأن الرمي بالحجارة إنما هو خاص بالمحصن، أما من يكون بكراً ولم يحصن فحده الجلد مائة والتغريب عاماً، وعلى هذا فيمكن أن يقال أنه الحجر في بعض الأحوال وليس دائماً وأبداً.
تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (الولد للفراش وللعاهر الحجر)
قوله: [ أخبرنا قتيبة ].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن سفيان عن الزهري ].
وقد مر ذكرهما.
[ عن سعيد وأبي سلمة ].
سعيد بن المسيب وقد مر ذكره، وأبو سلمة هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم كما أشرت إلى ذلك آنفاً، وهذا الإسناد فيه اثنان من فقهاء المدينة السبعة، واحد باتفاق الذي هو سعيد بن المسيب، والثاني على خلاف في السابع هل هو أبو سلمة هذا أو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
[ عن أبي هريرة ].
وقد مر ذكره.
حديث أبي هريرة: ( الولد للفراش وللعاهر الحجر) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الولد للفراش، وللعاهر الحجر ) ].ثم أورد حديث أبي هريرة من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم.
قوله: [ أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ].
هو إسحاق بن إبراهيم بن راهويه، وقد مر ذكره.
[ عن عبد الرزاق ].
هو ابن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن معمر عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة ].
وقد مر ذكر هؤلاء جميعاً.
شرح حديث عائشة: ( الولد للفراش وللعاهر الحجر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها قالت: ( اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في غلام فقال سعد: هذا يا رسول الله! ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلي أنه ابنه انظر إلى شبهه، وقال عبد بن زمعة: أخي ولد على فراش أبي من وليدته، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه فرأى شبهاً بيناً بـعتبة فقال: هو لك يا عبد، الولد للفراش وللعاهر الحجر، واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة فلم ير سودة قط ) ].ثم أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، في قصة اختصام سعد بن أبي وقاص، وعبد بن زمعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ابن وليدة زمعة، يعني: زمعة له أمة يطؤها وكان يذكر أنه يطؤها غيره، يعني: بالزنا، فكان عتبة بن أبي وقاص قال لأخيه سعد: إن ولد أو إذا أتت ابنة زمعة بولد فهو لي، عهد إليه به ليرعاه وليحافظ عليه، وقال عبد بن زمعة: إن هذا أخي ولد على فراش أبي من وليدته؛ لأن أمته التي يطؤها هي فراشه، وهذا ولدها، إذاً: هو ولد أبي، وسعد بن أبي وقاص قال: انظر إلى شبهه بأخي، والرسول صلى الله عليه وسلم رأى شبهاً بيناً بـعتبة، ولكنه ألحقه بصاحب الفراش ولو كان الشبه لغير صاحب الفراش؛ لأن من مقاصد الشريعة المحافظة على الأنساب ، فقضى به لـعبد بن زمعة من أجل المحافظة على النسب، ومن أجل أن صاحب الفراش أولى به من غيره، ممن حصل منه شيء غير مشروع وغير سائغ، فإلحاقه بصاحب الفراش هو الذي يصار إليه، ولما كان شبهه بيناً بـعتبة فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لـسودة: احتجبي منه، هو وإن كان أخوها من حيث الشرع ومن حيث المحافظة على النسب، لكن لما كان الشبه موجوداً بـعتبة فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشدها إلى أن تأخذ بما هو الأحوط والأصون، وألا تعتبره مثل إخوانها الذين لا إشكال فيهم؛ لأن إلحاقه بالفراش من أجل المحافظة على النسب، ومنع سودة وأمرها بأن تحتجب من أجل الشبه البين بـعتبة بن أبي وقاص.
والكلام هنا على الرجل الذي حصل منه الزنا ويريد الولد، يعني: ليس له ولد، وأما من ناحية الأم فالولد لها، ويلحق بها وليس مثل الزاني الذي لا يلحق به ولد، بل كما سبق أن مر بنا ألحقه بأمه، يعني: عند الملاعنة ألحقه بأمه، وابن الزنا يلحق بأمه ويضاف إلى أمه، ولكن بالنسبة للزاني هو الذي لا يستفيد من زناه شيئاً، وإنما له الحجارة أو له الخيبة أو الحجر الذي هو الرجم، لكن التذكير هنا على اعتبار أن الرجل هو الذي لا ينسب إليه الولد، بخلاف الأم فإنه ينسب إليها الولد، ومن جهة أيضاً أن غالب الكلام هو مع الرجال، والنساء تكون تبعاً لهم، ولهن أحكامهم فيما إذا لم يكن هناك شيء يخصص الرجال عن النساء في الأحكام، أو يميز الرجال عن النساء في بعض الأحكام، فعند ذلك لا تكون النساء مثلهم.
تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (الولد للفراش وللعاهر الحجر)
قوله: [ أخبرنا قتيبة عن الليث عن ابن شهاب عن عروة ].مر ذكر هؤلاء إلا عروة، وهو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، فقيه من فقهاء المدينة السبعة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
عائشة هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، التي أنزل الله براءتها مما رميت به من الإفك بآيات تتلى من سورة النور، وحفظ الله تعالى بها الكثير من سنة الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وهي ذات المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
شرح حديث عبد الله بن الزبير: ( الولد للفراش واحتجبي عنه يا سودة ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا جرير عن منصور عن مجاهد عن يوسف بن الزبير مولى لهم عن عبد الله بن الزبير قال: ( كانت لـزمعة جارية يطؤها هو، وكان يظن بآخر يقع عليها، فجاءت بولد شبه الذي كان يظن به فمات زمعة وهي حبلى، فذكرت ذلك سودة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش، واحتجبي منه يا سودة، فليس لك بأخ ) ].ثم أورد النسائي حديث عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنه، في قصة ابن وليدة زمعة، وهي مثل ما تقدم إلا أنه ما فيها ذكر اختصام سعد وعبد بن زمعة، وإنما فيه إخبار سودة رضي الله عنها للرسول صلى الله عليه وسلم بالذي حصل، فقال: ( الولد للفراش، واحتجبي منه يا سودة فليس لك بأخ ) يعني: ليس لها بأخ كالإخوان الذين تجري عليهم جميع الأحكام؛ لأن فيه شكاً وشبهة، فهو من أجل المحافظة على النسب ألحق نسبه بـزمعة، ولكن من حيث أحكام الأخوة من الدخول عليها، والسفر بها، والخلوة بها، وما إلى ذلك، لكون الشبه ليس بأبيها، فأمرها صلى الله عليه وسلم بالاحتجاب منه، وذلك احتياطاً؛ لأن الشبه بين بالشخص الذي اتهمت به وهو عتبة بن أبي وقاص.
تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن الزبير: (الولد للفراش واحتجبي عنه يا سودة ...)
قوله: [ أخبرنا إسحاق بن إبراهيم عن جرير ].إسحاق بن إبراهيم مر ذكره، وجرير هو ابن عبد الحميد الضبي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن منصور ].
هو منصور بن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن مجاهد ].
هو مجاهد بن جبر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يوسف بن الزبير ].
هو يوسف بن الزبير مولى لهم، وهو مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
[ عن عبد الله بن الزبير ].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم: عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
والحديث فيه هذا المقبول، ولكن الأحاديث الأخرى التي مرت هي في معناه ودالة على ما دل عليه، فيكون ثابتاً.
وقول الشارح عن عبارة: (ليس لك بأخ) باطلة. فهذا قول بعضهم: أن الرواية هذه التي فيها: ليس لك بأخ، أنها باطلة ومردودة، وهذا ليس بصحيح؛ لأنها ثابتة، ولكن قوله: (ليس لك بأخ) المقصود: ليس بأخ كالإخوان الذين تجري معهم جميع الأحكام؛ لأن الأخوة الشرعية من حيث أنه نسب إلى أبيها هما أخوان، ولكن الأخوة التي تترتب عليها الأحكام المعروفة ليست لهذا الذي أضيف إلى أبيها وألحق بأبيها، ولهذا أمرت بالاحتجاب، فالقول بأنها مردودة وأنها غير صحيحة هذا غير صحيح، ولكن هذا معناها.
يوسف بن الزبير قد توبع على الحديث كله، لكن هذه اللفظة هل جاءت من غيره؟ يعني: الحديث المتقدم ما فيه هذا اللفظ، والحديث الذي سيأتي ما فيه هذا اللفظ، ليست موجودة إلا من رواية يوسف بن الزبير.
ما أدري هو فيه عبارة أخرى ذكرها الشارح لما ذكرها ذكر لفظين في الروايات التي أشار إليها، قال: ليس لك بأخ أو ليس أخ لك ذكر روايات ليست رواية واحدة، لكن ما أدري من خرجها.
قال السيوطي: وزعم بعض الحنفية أنه إنما أمرها بالاحتجاب لأنه جاء في رواية: ( احتجبي منه فإنه ليس بأخ لك ) هي نفس هذه الرواية التي معنا، وقوله: (ليس بأخ لك) لا يعرف في هذا الحديث، بل هي زيادة باطلة مردودة.
حديث عبدالله بن مسعود: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا جرير عن مغيرة عن أبي وائل عن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الولد للفراش، وللعاهر الحجر ) قال أبو عبد الرحمن : ولا أحسب هذا عن عبد الله بن مسعود والله تعالى أعلم ].ثم أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: ( الولد للفراش، وللعاهر الحجر )، وهو مثل ما تقدم.
قوله: [ أخبرني إسحاق بن إبراهيم عن جرير عن مغيرة ].
مغيرة هو ابن مقسم الضبي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي وائل ].
أبو وائل هو شقيق بن سلمة، وهو ثقة، مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن مسعود الهذلي ].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وقال النسائي بعد ذلك: لا أحسب هذا الحديث عن ابن مسعود؛ لأن غير النسائي وكذلك النسائي رووه عن جماعة غير ابن مسعود ولم يروه عن ابن مسعود إلا النسائي، والنسائي قال: لا أحسبه عن عبد الله بن مسعود؛ لأن الذين رووه من الصحابة ليس فيهم ابن مسعود إلا في هذه الطريق، لكن لا يمنع أن يكون عن ابن مسعود وعن غيره، ولو كان من هذه الطريق الواحدة.
ثم أيضاً قوله: ( الولد للفراش، وللعاهر الحجر ) هذا لفظ ثابت بالأحاديث المختلفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة في الصحيحين وفي غيرهما.
فراش الأمة
شرح حديث عائشة: (الولد للفراش واحتجبي منه يا سودة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فراش الأمة.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت: ( اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في ابن زمعة قال سعد: أوصاني أخي عتبة إذا قدمت مكة فانظر ابن وليدة زمعة فهو ابني، فقال عبد بن زمعة : هو ابن أمة أبي ولد على فراش أبي، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شبهاً بيناً بـعتبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش، واحتجبي منه يا سودة ) ].
ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: فراش الأمة، يعني: أن الأمة إذا كانت فراشاً فإنه يلحق الولد بصاحب الفراش، كما يلحق به فيما يتعلق بالزوجة، لا فرق بين فراش الأمة الموطوءة، وبين الزوجة الموطوءة فحكمهما واحد من حيث أن كلاً منهما فراش، وكلاً منهما يحصل به الإلحاق بالنسب، والولد يكون للفراش، سواء كان ذلك الفراش زوجة أو أمة، مقصود النسائي من هذه الترجمة (فراش الأمة) أي أن ما يحصل من ولد فإنه يضاف إلى السيد الذي يطأ، كما أن ذلك يكون بالنسبة للزوجة لا فرق بينها وبين الأمة، بل كل منهما فراش، والولد ينسب إلى صاحب الفراش، سواء كان فراشه زوجة أو أمة.
وأورد النسائي حديث عائشة في قصة اختصام سعد بن أبي وقاص، وعبد بن زمعة وحكم النبي صلى الله عليه وسلم لـعبد بن زمعة من أجل الفراش.
الحديث سبق أن مر، وأورده هنا من أجل إثبات أن فراش الأمة كفراش الزوجة، وأن الولد ينسب إلى السيد إذا كان يطأ أمته، كما ينسب إليه لما يحصل من زوجته لا فرق بين الزوجة والأمة في ذلك.
تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (الولد للفراش واحتجبي منه يا سودة)
قوله: [ أخبرنا إسحاق بن إبراهيم عن سفيان ].إسحاق بن إبراهيم وسفيان بن عيينة مر ذكرهما.
[ عن الزهري عن عروة عن عائشة ].
الزهري وعروة وعائشة مر ذكرهم أيضاً.