عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 16-08-2022, 05:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,005
الدولة : Egypt
افتراضي محمد مشبال والصورة البلاغية الرحبة

محمد مشبال والصورة البلاغية الرحبة


د. جميل حمداوي



" إن البلاغة تتسع لرحابة الإبداع الأدبي الإنساني" محمد مشبال، أسرار النقد الأدبي، ص: 86.


المقدمة
يعتبر الباحث المغربي الدكتور محمد مشبال من أهم المهتمين بالبلاغة بصفة عامة، والصورة السردية والحجاجية بصفة خاصة، كما يبدوذلك جليا في مجموعة من مؤلفاته البلاغية، وبالأخص كتابه (مقولات بلاغية في تحليل الشعر)[1]، و(الصورة في الرواية)[2]، و(بلاغة النادرة)[3]، و(أسرار النقد الأدبي)[4]، و(الهوى المصري في المخيلة المغربية- دراسات في السرد المغربي الحديث )[5]، و( البلاغة والأصول: دراسة في أسس التفكير البلاغي عند العرب- نموذج ابن جني)[6]، و(البلاغة والسرد)[7]، بله عن مقالات نقدية كثيرة في البلاغة والحجاج والسرد، يصعب إحصاؤها واستقصاؤها وتجميعها في هذا الحيز المحدود.


بيد أن ما يهمنا، في إنتاجات الدكتور محمد مشبال، هورصد معيار الصورة السردية لديه تنظيرا وتطبيقا، بغية التعرف على مفهوم التصوير اللغوي عند الباحث، وتبيان مفهومه للصورة السردية الموسعة بصفة عامة، والصورة الروائية بصفة خاصة، سيما أن محمد مشبال من المكثرين في مجال البلاغة والسرد والحجاج على المستوى العربي، ومن المتميزين في هذا المجال تأليفا وكتابة وتتبعا وتكوينا وإشرافا.


إذاً، كيف تعامل محمد مشبال مع الصورة السردية الموسعة؟ وما آليات الصورة الروائية عند هذا الباحث نظرية وتطبيقا؟ هذا ما سوف نرصده في هذين المبحثين المتتاليين.

التصور النظري:
يدعومحمد مشبال، في كتابه القيم (أسرار النقد الأدبي)، إلى توسيع البلاغة على غرار دعوة أمين الخولي في كتابه (فن القول)، حينما أثبت بأن البلاغة " في حاجة إلى سعة شاملة، وبسطة وافرة.[8]" ومن ثم، تنبني دعوة محمد مشبال على دراسة النص بدل الجملة، وتوسيع البلاغة لدراسة النثر الأدبي والسرد العربي القديم (الخبر، والحكاية، والنادرة، والطرفة، والكذب، والأحجية، والنقد...)، بدل الاقتصار على فن الشعر فقط. كما تستند هذه الدعوة إلى دراسة السمات الفنية والجمالية والأسلوبية في إطار سياقها الكلي العام، مع دراسة الأساليب في بناها ودلالاتها ووظائفها وأبعادها الاجتماعية والإنسانية، ثم الانفتاح على جميع الأجناس والأنواع الأدبية، سواء أصيغت شعرا أم نثرا. وفي هذا يقول الباحث:
تقترح البلاغة المجددة أن تصبح وحدة التحليل متمثلة في النص بدل الجملة؛ وبذلك يغدوموضوع الدرس البلاغي القصيدة الكاملة أوالنص النثري بتمامه؛ وهوما يؤذن بانفتاح البلاغة على الأدب بمدلوله الإبداعي الحي.


تدعوالبلاغة المجددة إلى درس السمات الأسلوبية الجزئية في سياق المعنى الكلي للنص أوقصد الكاتب. وعلى هذا النحويتجاوز الدرس البلاغي البحث في الأسلوب بمدلوله اللغوي إلى البحث في المعاني الأدبية بماهي روح العمل الأدبي ولبابه.


تعمل البلاغة المجددة إلى درس الأساليب الفنية المعتمدة في العمل الأدبي؛ من حيث وظائفها الأدبية ودلالاتها الاجتماعية والإنسانية.


تقوم البلاغة المجددة على مبدأ دراسة وتحليل جميع الأنواع الأدبية شعرية ونثرية، قديمة وحديثة. وبهذا لن يقتصر الدرس البلاغي على معالجة الشعر أوفنون القول الأدبي القريبة منه كالخطابة والترسل، ولكن سيشمل أيضا أنواعا أدبية سردية كالمقامة والخبر والقصة والرواية. وسيكون أساس البحث في جميع هذه الأنواع، اعتبار ما تتقوم به من مكونات وسمات خاصة بكل نوع.[9]"


ومن ثم، فالبلاغة الرحبة أوالمتجددة هي التي تدرس مكونات الأنواع الأدبية وسماتها الفنية والجمالية. ومن هنا، فالمكونات هي عناصر ثابتة في الأدب، مثل: مكون الحدث، ومكون الشخصية، ومكون الفضاء، ومكن الوصف، ومكون الرؤية السردية، ومكون اللغة والأسلوب. في حين، تتميز السمات بكونها خصائص قد تحضر أوتغيب في نص إبداعي ما. وتشكل المكونات والسمات معا ما يسمى بالصورة السردية الموسعة أوبلاغة الصورة الرحبة. ومن هنا، "تستمد البلاغة مفهوم الرحابة من طبيعة تصورها للخطاب الأدبي؛ فهي إذ تتعامل مع الأسلوب لا تختزله في مكونات محدودة، كما أنها لا تختزل الأدب في الشعر، بل تتعاطى جميع الأنواع الأدبية، ولا تنحصر في التصنيف الشكلي للصور البلاغية المتعالية، بل يهمها استشراف ما ينطوي عليه العمل الأدبي من سمات تعبيرية منفتحة، وكشف ما ينضم عليه من دلالات وقيم إنسانية."[10]


هذا، ويشير الباحث إلى بلاغة عامة موسعة ورحبة، اقترنت بعلم السرد مع جيرار جنيت(G.Genette)، وبنظرية الأجناس والأنواع الأدبية مع جماعة (Groupe Mu). لكن المهم، في هذا كله، هوتوسيع البلاغة لتشمل الشعر والسرد معا. و" يبدوأن نعت بلاغة جماعة (مو) بأنها بلاغة عامة يجد مسوغه في طموحها إلى فتح البلاغة على مجال السرد؛ فهم وإن رأوا في اللحظة السيميولوجية مخاطرة إلا أنها تعد خطوة جديدة نحوبناء بلاغة معاصرة. فالوجوه البلاغية التي تترتب على الإجراءات الأساس في الانزياح، لا تقتصر على صيغة للتواصل اللغوي؛ فمنذ فترة تحدث نقاد الفن عن الاستعارة التشكيلية، وبناء عليه يمكن الحديث عن الوجوه البلاغية في الخطاب السردي؛ ويصدر أصحاب البلاغة العامة في نظرهم لبلاغة السرد عن مفهوم الانزياح الذي يحدد بلاغة الرواية بالقياس إلى معيار نظري يرى أن الخطاب شفاف إلى درجة ينساب فيها الحكي على نحومعيار طبيعي؛ وعليه فإن الخطاب الروائي المتسم بالانزياح لا يكف عن تذكيرنا بوجوده الخاص فيما يشبه الزجاج الصفيق الذي يستوقف النظر، ويحجب عنا رؤية ما يوجد خلفه. إننا نتعرف الوظيفة البلاغية في فعلها الجوهري المتمثل في جذب الانتباه إلى الرسالة نفسها وليس إلى العالم الواقعي أوالمتخيل. وتتحقق هذه الوظيفة بواسطة جملة من الانزياحات التي تحدث في مستويات الخطاب الروائي وهي (المدة الزمنية، وتسلسل الأحداث، والحتمية، والسببية، والفضاء، ووجهة النظر). وقد تم افتراض لكل مستوى من هذه المستويات درجات صفر أومعايير ثابتة يتم خرقها بواسطة الحذف والاستبدال والزيادة والقلب، حيث يترتب على ذلك مجموعة من الوجوه البلاغية السردية أوالروائية."[11]


وتتمثل أهمية هذه الجماعة في وعيها المبكر بأهمية توسيع البلاغة لتشمل السرد الروائي، بدراسة المكونات والسمات والنوع الأدبي، والتوقف عند خاصية الانزياح الشعري في النص السردي بصفة عامة، والروائي بصفة خاصة. وفي هذا السياق، يقول الباحث: " لكن ألا يجوز القول إن القواعد البلاغية الكلية المستخدمة في تحديد الوجه البلاغي، قد أنصفت الخطاب السردي الروائي؛ حيث تعاملت معه بناء على مكوناته النوعية (الزمن، والفضاء، والأحداث، ووجهة النظر...)، ولم تعبأ باللغة من حيث هي ألفاظ وتراكيب لا تحوز أية أهمية في السرد الروائي؛ وفي هذا اعتراف على الأقل بما أنجزته جماعة (مو) من خطوات على صعيد بلورة مفهوم البلاغة النوعية؟


صحيح أن هؤلاء لم يدمجوا الخطاب السردي في الخطاب اللغوي المطلق أوفي الخطاب الشعري، وأدركوا أن الرواية باعتبارها خطابا سرديا، تصوغ بلاغتها على أساس مكونات مختلفة عن الشعر، غير أن الإشكال الحقيقي لا يتمثل في مجرد تغيير المكونات واستبدالها؛ إن البلاغة النوعية ليست هيكلا أونموذجا فارغا يعبأ بمكونات الخطابات. كما أن السياق النوعي للرواية لا يتحدد بتلك المكونات السردية فقط؛ فهناك مكونات أخرى لم تكن لتؤخذ في الحسبان بالنظر إلى الطابع التجريدي الذي اكتسبه مفهوم الخطاب السردي في نموذجهم النظري، والذي جعله بعيدا عن مفهوم الجنس الروائي بمعناه النصي أوالتداولي. إن المهم عندهم هوالنموذج وليس النص، القواعد وليس السمات، التجريد وليس التحليل. تعمم البلاغة العامة قواعدها على عموم الخطابات، بصرف النظر عن ماهية هذه القواعد ووظائفها.[12]"


ويضيف الباحث قائلا: "إن الإشكال الذي واجهته جماعة (مو) يتمثل في سعيهم إلى تحديد البلاغة أوالوظيفة البلاغية تحديدا كليا، وهوما جعل تعميمهم أحاديا ومتعاليا، وفي النهاية نجده مقيدا بالسمة الجوهرية للجنس الشعري. نستطيع القول إن هؤلاء لم يحسموا مع مفهوم الوظيفة الشعرية سوى من جهة اللفظ والاصطلاح، أما جوهر المصطلح فقد ظل يتربص بهم ويوجههم حتى وهم يقرؤون الخطاب الروائي بمكوناته النوعية.[13]"


وعليه، يدعومحمد مشبال إلى منهج بلاغي منفتح ورحب، لا يتقيد بالوصفات البنيوية والسيميائية والعلمية الصارمة، فهويدافع عن المقاربة البلاغية التي تنطلق من داخل الإبداع الأدبي، وتعنى برصد فنياته وجمالياته، وتراعي مطالب الإنسان الوجدانية والفنية. والآتي، أنه يستفيد من تصورات أمين الخولي في مجال البلاغة. وفي هذا الصدد، يقول الباحث: " إنني لا أدعوهنا إلى العمل بمنهج أمين الخولي وخطته في التحليل البلاغي، ولكني أرى في تصوره للبلاغة مبادئ يمكن استثمارها في صياغة فكر بلاغي حديث يستجيب لحاجات القارئ المعاصر في تذوق الأعمال الأدبية وتفسيرها وتقييمها؛ إنه فكر بلاغي يقوم في جوهره على مبدأ التواصل الحي والمتجدد مع الإبداع الأدبي والقارئ، ولا يتنكر للمبادئ الجمالية التي رسختها مختلف المناهج والنظريات الأدبية والممارسات النقدية. هذا الفكر البلاغي لا يمكن تصوره بمنأى عن الإبداع الأدبي الذي يشكل نبعا متجددا يمده بالحيوية والحركة، ولآجل ذلك فهوليس من قبيل النظر الخالص، وفي المقابل ليس ممارسة منطلقة حرة لا تملك حدودا تقيدها وتجعلها معرفة منضبطة؛ فأي نظر بلاغي لا يمكن أن يستحيل إلى نموذج فكري مستساغ مالم تراع فيه حدود بلاغية. ولكن الإشكال يتمثل في طبيعة هذه الحدود أوالقيود؛ فالبلاغة الأدبية لا يمكنها أن تقف عند الحدود المرسومة سلفا أوتذعن بالضرورة للقواعد، مادامت تراهن على رؤية رحبة للبلاغة ترتكز على سياقات غير مألوفة في النظر البلاغي المقنن؛ هذا النظر الذي استهلكته مفهومات من قبيل "البيان" و"التحسين" و"الخرق".


تستوعب البلاغة الأدبية هذه المفهومات التقليدية، غير أنها تتعداها إلى المفهوم الرحب الذي يمثله الأدب باعتباره في الجوهر تشكلا شاسعا للوظائف اللغوية، حيث تغدومهمتها الكشف عن هذه الوظائف."[14]


وعليه، تتسم البلاغة برحابتها الواسعة. ومن ثم، فهي تتجاوز القيود والقواعد والتقنين العلمي الصارم، فهي، في اتساعها ورحابتها وشساعتها، أكثر من النص الأدبي والجمالي، فالبلاغة هي رؤية جمالية تستمد من داخل النص. إضافة إلى هذا، يتضمن النص الأدبي صوره البلاغية الضمنية التي تتحدد عبر سياقها النصي والذهني واللغوي والبلاغي. ويعني هذا أن" المحسنات اللفظية والصور البيانية وألوان الخرق الدلالي التي قننتها البلاغة القديمة والجديدة، لا تمثل سوى وظيفة من الوظائف المتعددة التي يفرزها الأدب، ويكشف عنها التحليل البلاغي. إن حدود البلاغة أوسع مما يمكن تقنينه في أبواب أونماذج. إنها تتسع لكل الإمكانات التعبيرية، وتنفتح على مطلق الصنعات الأدبية وشتى صيغ التصوير، وليس لها ضابط سوى وظيفتها الجمالية والإنسانية المتمثلة في تشكيل النص وتعميق الرؤية والاستحواذ على المتلقي واستجلاء القيم الإنسانية.


إن الحدود الرحبة التي تقوم عليها البلاغة الأدبية، تتمثل في استثمارها لعلاقات جمالية يفرزها الإبداع الأدبي؛ فمفهوم البلاغة لا يقوم بالضرورة على مرتكزات مقننة كذلك التي صنفها علماء البلاغة قديما وحديثا في أبواب معروفة، بل يمكن إضافة مرتكزات مستمدة من سياقات لم يتم تسخيرها في بلورة مفهوم البلاغة كسياق الجنس الأدبي أوالنوع الأدبي وسياق القراءة والسياق النصي.


يمكن إغناء مفهوم البلاغة إذن بالكشف عن علاقات جمالية محتملة بين الصور الأدبية وهذه السياقات؛ فالجنس الأدبي بمكوناته المخصوصة يمثل سياقا أومعيارا ضمنيا يوجه القراءة؛ هذا المعيار هوالذي يسمح لنا الآن بالكشف عن إمكانات تعبيرية جديدة وسمات بلاغية لا يمكن تعيينها سلفا، من قبيل ما تم الكشف عنه في بلاغة النثر مثل سمات "العجيب" و"الخارق" و"الطريف" و"الواقعي" و"الشاعري".


لاشك إذن أن استثمار مجموع العلاقات الجمالية التي تنسجها كافة السياقات التي ترتبط بها الصور البلاغية بأشكالها المختلفة، هوما يجعل البلاغة الأدبية تكتسب بعدا من أبعاد الرحابة التي تخرجها من الباب الضيق لبلاغة التصنيفات والخانات. وهي بلاغة رحبة إذ تؤثر الإصغاء للنص الأدبي واكتشاف ما يدخره من أساليب واستشراف ما ينطوي عليه من قيم وقدرة على تصوير الأحاسيس والمشاعر. وهي بلاغة رحبة حيث تستثمر الذوق والتجربة والتأمل والخبرة الأدبية والحياة في تفسير تركيب الصورة الأدبية ودلالاتها."[15]


هذا، ويدافع محمد مشبال عن مكون اللغة في مقاله (اللغة وبلاغة النثر الروائي)؛ لأن كثيرا من النقاد والدارسين انتقصوا من قيمة اللغة الروائية، باعتبارها خاصية ثانوية في العمل السردي، وليس مكونا أساسيا. لذا، أثبت الباحث بأن المقاربة البلاغية الرحبة لها خصوصية كبرى في دراسة الطاقة اللغوية ضمن السياق النصي والذهني والنوعي. وفي هذا يقول الباحث: " وعلى الرغم من أننا نصدر في تصورنا العام عن مفهوم رحب للبلاغة، إلا أننا نتوخى في هذه المقالة ربط البلاغة بالمكون اللغوي في الجنس الروائي الذي درج نقدنا العربي المعاصر على مقاربته بمناهج شكلية وبنيوية وإيديولوجية وسيميائية. إن البلاغة الرحبة إذ تستفيد من هذه المناهج، فإنها لا تتنكر لدور الطاقة اللغوية في الأعمال الروائية، إنها تقنية بلاغية وروائية ينبغي أن تراعى في التحليل والقراءة، كما تراعى المكونات البنائية السردية الكبرى."[16]


ويعني هذا أن مكون اللغة من أهم مكونات السياق النصي، وينبغي أن تدرس اللغة النثرية من خلال مناهج النقد الأدبي، وليس من خلال اللسانيات والأسلوبية مراعاة لخصوصية الوظيفة الأدبية التي يتضمنها النص الإبداعي. وبهذا، يولي الباحث الذوق أهمية كبرى في تلقي النصوص الأدبية، وتقبلها فنيا وجماليا، بدل الارتكان إلى المناهج الوصفية اللسانية والأسلوبية. ولا يعني هذا أن الصورة الروائية مقترنة بتوظيف الصور المجازية توظيفا مترفا، والإكثار منها كما وكيفا كما في الرواية الشاعرية، بل نجد روايات واقعية أكثر بلاغة وتصويرا وتجويدا من الرواية الشاعرية نفسها. ومن ثم، فإن " النقد الذي يرى أن الجنس الروائي تنهض بلاغته على المكون اللغوي ينبغي ألا يصدر عن نظرة معيارية تفضل الاستعارة على الكناية، وتعلي من قدر الرواية الحداثية على حساب الرواية الكلاسيكية؛ فحتى لوافترضنا أن الروائي لا يراهن على البنية اللغوية كما يصنع الشاعر أوالروائي المفتون بجماليات اللغة، فإن على الناقد أن يستثمر الطاقة اللغوية في أعماله الروائية التي يضطلع بدراستها.


والحق أن الناقد الذي يعنى ببلاغة العمل الروائي وقيمته الجمالية يدرك دور الطاقة اللغوية في تكوين هذا العمل. وقد تعرضت هذه الطاقة في الحقل النقدي تارة إلى الإهمال على نحوما صنع النقد الجديد والنقد الإيديولوجي، أوإلى الاستثمار غير الناجع على نحوما صنع معظم الأسلوبيين، تارة أخرى إلى التصريف كما فعل البنيويون، أوالإغناء الذي اضطلع به ميخائيل باختين عندما دعا إلى منهج جديد في التعامل مع لغة الرواية.


وجملة القول إن تحليل المكون اللغوي في النثر الروائي يستدعي إثارة مجموعة من القضايا المرتبطة بمناهج القراءة وأصول الخطاب النقدي وطبيعة الجنس الروائي."[17]


وإذا كان حميد لحمداني يرى أن اللغة في الرواية ثانوية، إذ يمكن أن يستغني عنها الروائي لحساب المكونات الأخرى كما في قوله هذا: " إن اللغة...في الحكي، وفي الرواية بشكل خاص غالبا ما تشكل مادة أولية فقط، لا ترتبط بها مباشرة دلالة العمل القصصي؛ فهذه الدلالة تتأسس على الأصح من خلال العلاقات القائمة بين الوقائع أوالأحداث، ويمكن القول بصورة أكثر وضوحا، بأن الروائي لا يتحدث باللغة، ولكن يتحدث بالوقائع والأعمال والأفكار، وقد يستغني الروائي استغناء شبه تام حتى عن المظهر اللفظي للغة التي تشكل في الواقع مادة أولية فقط في عمله، حتى أننا نراه يصدع اللغة ذاتها، ويقطعها بحيث تفقد جوهرها المجرد الذي يمثل القوانين اللغوية ذاتها.. إن أسلوب الرواية هوبالأساس أسلوب ذوطبيعة حدثية، وليس لغوية بالدرجة الأولى...فلغة الرواية...تتحول إلى لغة من طبيعة مخالفة يمكن جعلها معادلا للتركيب أوالبناء أوما يدعى عادة بالحبكة."[18]

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.57 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.95%)]