عرض مشاركة واحدة
  #315  
قديم 15-08-2022, 12:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,140
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ يُوسُفَ
الحلقة (315)
صــ 283 إلى صــ 289



قوله تعالى : " لا تثريب عليكم اليوم " قال أبو صالح عن ابن عباس : لا أعيركم بعد اليوم بهذا أبدا . قال ابن الأنباري : إنما أشار إلى ذلك اليوم ، لأنه أول أوقات العفو ، وسبيل العافي في مثله أن لا يراجع عقوبة . وقال ثعلب : قد ثرب [ ص: 283 ] فلان على فلان : إذا عدد عليه ذنوبه . وقال ابن قتيبة : لا تعيير عليكم بعد هذا اليوم بما صنعتم ، وأصل التثريب : الإفساد ، يقال : ثرب علينا إذا أفسد ، وفي الحديث : " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ، ولا يثرب " أي : لا يعيرها بالزنى . قال ابن عباس : جعلهم في حل ، وسأل الله المغفرة لهم . وقال السدي : لما عرفهم نفسه ، سألهم عن أبيه ، فقالوا : ذهبت عيناه ، فأعطاهم قميصه ، وقال : " اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا " وهذا القميص كان في قصبة من فضة معلقا في عنق يوسف لما ألقي في الجب ، وكان من الجنة ، وقد سبق ذكره [يوسف :18،25،26،27،28] .

قوله تعالى : " يأت بصيرا " قال أبو عبيدة : يعود مبصرا .

فإن قيل : من أين قطع على الغيب ؟

فالجواب : أن ذلك كان بالوحي إليه ، قاله مجاهد .

قوله تعالى : " وأتوني بأهلكم أجمعين " قال الكلبي : كان أهله نحوا من سبعين إنسانا .
ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون

قوله تعالى : " ولما فصلت العير " أي : خرجت من مصر متوجهة إلى كنعان . وكان الذي حمل القميص يهوذا . قال السدي : قال يهوذا ليوسف : أنا الذي حملت القميص إلى يعقوب بدم كذب فأحزنته ، وأنا الآن أحمل قميصك لأسره ، فحمله ، قال ابن عباس : فخرج حافيا حاسرا يعدو ، ومعه سبعة أرغفة لم يستوف أكلها .

[ ص: 284 ] قوله تعالى : " قال أبوهم " يعني يعقوب لمن حضره من أهله وقرابته وولد ولده " إني لأجد ريح يوسف " . ومعنى أجد : أشم ، قال الشاعر :


وليس صرير النعش ما تسمعونه ولكنها أصلاب قوم تقصف وليس فتيق المسك ما تجدونه
ولكنه ذاك الثناء المخلف


فإن قيل : كيف وجد يعقوب ريحه وهو بمصر ؟ ولم يجد ريحه من الجب وبعد خروجه منه ، والمسافة هناك أقرب ؟

فعنه جوابان : أحدهما : أن الله تعالى أخفى أمر يوسف على يعقوب في بداية الأمر لتقع البلية التي يتكامل بها الأجر ، وأوجده ريحه من المكان النازح عند تقضي البلاء ومجيء الفرج .

والثاني : أن هذا القميص كان في قصبة من فضة معلقا في عنق يوسف على ما سبق بيانه ، فلما نشره فاحت روائح الجنان في الدنيا فاتصلت بيعقوب ، فعلم أن الرائحة من جهة ذلك القميص . قال مجاهد : هبت ريح فضربت القميص ، ففاحت روائح الجنة في الدنيا واتصلت بيعقوب فوجد ريح الجنة ، فعلم أنه ليس في الدنيا من ريح الجنة إلا ما كان من ذلك القميص ، فمن ثم قال : " إني لأجد ريح يوسف " . وقيل : إن ريح الصبا استأذنت ربها في أن تأتي يعقوب بريح يوسف قبل البشير فأذن لها ، فلذلك يستروح كل محزون إلى ريح الصبا ، ويجد المكروبون لها روحا ، وهي ريح لينة تأتي من ناحية المشرق ، قال أبو صخر الهذلي :


إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني نسيم الصبا من حيث يطلع الفجر


قال ابن عباس : وجد ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال ثمانين فرسخا .

[ ص: 285 ] قوله تعالى : " لولا أن تفندون " فيه خمسة أقوال :

أحدها : تجهلون ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال مقاتل .

والثاني : تسفهون ، رواه عبد الله بن أبي الهذيل عن ابن عباس ، وبه قال عطاء ، وقتادة ، ومجاهد في رواية . وقال في رواية أخرى : لولا أن تقولوا : ذهب عقلك

والثالث : تكذبون ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، والضحاك .

والرابع : تهرمون ، قاله الحسن ، ومجاهد في رواية . قال ابن فارس : الفند : إنكار العقل من هرم .

والخامس : تعجزون ، قاله ابن قتيبة . وقال أبو عبيدة : تسفهون وتعجزون وتلومون ، وأنشد :


يا صاحبي دعا لومي وتفنيدي فليس ما فات من أمر بمردود


قال ابن جرير : وأصل التفنيد : الإفساد ، وأقوال المفسرين تتقارب معانيها ، وسمعت الشيخ أبا محمد ابن الخشاب يقول : قوله : " لولا أن تفندون " فيه إضمار ، تقديره : لأخبرتكم أنه حي .

قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم

قوله تعالى : " قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم " قال ابن عباس : بنو بنيه خاطبوه بهذا ، وكذلك قال السدي : هذا قول بني بنيه ، لأن بنيه كانوا بمصر .

وفي معنى هذا الضلال ثلاثة أقوال :

[ ص: 286 ] أحدها : أنه بمعنى الخطإ ، قاله ابن عباس ، وابن زيد . والثاني : أنه الجنون ، قاله سعيد بن جبير . والثالث : الشقاء والعناء ، قاله مقاتل . يريد بذلك شقاء الدنيا .
فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم

قوله تعالى : " فلما أن جاء البشير " فيه قولان :

أحدهما : أنه يهوذا ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال وهب بن منبه ، والسدي ، والجمهور . والثاني : أنه شمعون ، قاله الضحاك .

فإن قيل : ما الفرق بين قوله هاهنا : " فلما أن جاء " وقال في موضع : فلما جاءهم [البقرة :89] .

فالجواب : أنهما لغتان لقريش خاطبهم الله بهما جميعا ، فدخول " أن " لتوكيد مضي الفعل ، وسقوطها للاعتماد على إيضاح الماضي بنفسه ، ذكره ابن الأنباري .

قوله تعالى : " ألقاه " يعني القميص " على وجهه " يعني يعقوب " فارتد بصيرا " ، الارتداد : رجوع الشيء إلى حال قد كان عليها . قال ابن الأنباري : إنما قال ارتد ، ولم يقل : رد ، لأن هذا من الأفعال المنسوبة إلى المفعولين ، كقولهم : طالت النخلة ، والله أطالها ، وتحركت الشجرة ، والله حركها : قال الضحاك : رجع إليه بصره بعد العمى ، وقوته بعد الضعف ، وشبابه بعد الهرم ، وسروره بعد الحزن .

وروى يحيى بن يمان عن سفيان قال : لما جاء البشير يعقوب ، قال : على أي دين تركت يوسف ؟ قال : على الإسلام ، قال : الآن تمت النعمة .

[ ص: 287 ] قوله تعالى : " ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون " فيه أقوال قد سبق ذكرها قبل هذا بقليل .

قوله تعالى : " يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا " سألوه يستغفر لهم ما أتوا ، لأنه نبي مجاب الدعوة . " قال سوف أستغفر لكم ربي " في سبب تأخيره لذلك ثلاثة أقوال :

أحدهما : أنه أخرهم لانتظار الوقت الذي هو مظنة الإجابة ، ثم فيه ثلاثة أقوال :أحدها : أنه أخرهم إلى ليلة الجمعة ، رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال وهب : كان يستغفر لهم كل ليلة جمعة في نيف وعشرين سنة . والثاني : إلى وقت السحر من ليلة الجمعة ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . قال طاووس : فوافق ذلك ليلة عاشوراء . والثالث : إلى وقت السحر ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال ابن مسعود ، وابن عمر ، وقتادة ، والسدي ، ومقاتل . قال الزجاج : إنما أراد الوقت الذي هو أخلق لإجابة الدعاء ، لا أنه ضن عليهم بالاستغفار ، وهذا أشبه بأخلاق الأنبياء عليهم السلام .

والقول الثاني : أنه دفعهم عن التعجيل بالوعد . قال عطاء الخراساني : طلب الحوائج إلى الشباب أسهل منها عند الشيوخ ، ألا ترى إلى قول يوسف : " لا تثريب عليكم اليوم " وإلى قول يعقوب : " سوف أستغفر لكم ربي " .

والثالث : أنه أخرهم ليسأل يوسف ، فإن عفا عنهم ، استغفر لهم ، قاله الشعبي . وروي عن أنس بن مالك أنهم قالوا : يا أبانا إن عفا الله عنا ، وإلا فلا [ ص: 288 ] قرة عين لنا في الدنيا ، فدعا يعقوب وأمن يوسف ، فلم يجب فيهم عشرين سنة ، ثم جاء جبريل فقال : إن الله قد أجاب دعوتك في ولدك ، وعفا عما صنعوا به ، واعتقد مواثيقهم من بعد على النبوة . قال المفسرون : وكان يوسف قد بعث مع البشير إلى يعقوب جهازا ومائتي راحلة ، وسأله أن يأتيه بأهله وولده ، فلما ارتحل يعقوب ودنا من مصر ، استأذن يوسف الملك الذي فوقه في تلقي يعقوب ، فأذن له ، وأمر الملأ من أصحابه بالركوب معه ، فخرج في أربعة آلاف من الجند ، وخرج معهم أهل مصر .

وقيل : إن الملك خرج معهم أيضا . فلما التقى يعقوب ويوسف ، بكيا جميعا فقال يوسف : يا أبت بكيت علي حتى ذهب بصرك ، أما علمت أن القيامة تجمعني وإياك ؟ قال : أي بني ، خشيت أن تسلب دينك فلا نجتمع .

وقيل : إن يعقوب ابتدأه بالسلام ، فقال : السلام عليكم يا مذهب الأحزان .
فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين

قوله تعالى : " فلما دخلوا على يوسف " يعني : يعقوب وولده .

وفي هذا الدخول قولان :

أحدهما : أنه دخول أرض مصر ، ثم قال لهم : " ادخلوا مصر " يعني البلد .

والثاني : أنه دخول مصر ، ثم قال لهم : " ادخلوا مصر " أي : استوطنوها .

وفي قوله : " آوى إليه أبويه " قولان :

أحدهما : أبوه وخالته ، لأن أمه كانت قد ماتت ، قاله ابن عباس والجمهور .

والثاني : أبوه وأمه ، قاله الحسن ، وابن إسحاق .

[ ص: 289 ] وفي قوله : " إن شاء الله آمنين " أربعة أقوال :

أحدها : أن في الكلام تقديما وتأخيرا ، فالمعنى : سوف أستغفر لكم ربي إن شاء الله ، إنه هو الغفور الرحيم ، هذا قول ابن جريج .

والثاني : أن الاستثناء يعود إلى الأمن . ثم فيه قولان : أحدهما : أنه لم يثق بانصراف الحوادث عنهم . والثاني : أن الناس كانوا فيما خلا يخافون ملوك مصر ، فلا يدخلون إلا بجوارهم .

والثالث : أنه يعود إلى دخول مصر ، لأنه قال لهم هذا حين تلقاهم قبل دخولهم ، على ما سبق بيانه .

والرابع : أن " إن " بمعنى : " إذ " كقوله : إن أردن تحصنا [النور: 33] . قال ابن عباس : دخلوا مصر يومئذ وهم نيف وسبعون من ذكر وأنثى . وقال ابن مسعود : دخلوا وهم ثلاثة وتسعون ، وخرجوا مع موسى وهم ستمائة ألف وسبعون ألفا .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 50.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 49.79 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.25%)]