عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 14-08-2022, 11:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ يُوسُفَ
الحلقة (310)
صــ 248 إلى صــ 254



ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين
فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون

قوله تعالى : " ولما جهزهم بجهازهم " يقال : جهزت القوم تجهيزا : إذا هيأت [ ص: 248 ] لهم ما يصلحهم ، وجهاز البيت : متاعه . قال المفسرون : حمل لكل رجل منهم بعيرا ، وقال " ألا ترون أني أوفي الكيل " أي : أتمه ولا أبخسه ، " وأنا خير المنزلين " يعني : المضيفين ، وذلك أنه أحسن ضيافتهم . ثم أوعدهم على ترك الإتيان بأخيهم ، فقال : " فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي " وفيه قولان :

أحدهما : أنه يعني به : فيما بعد ، وهو قول الأكثرين .

والثاني : أنه منعهم الكيل في الحال ، قاله وهب بن منبه .
قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون

قوله تعالى : " قالوا سنراود عنه أباه " أي : نطلبه منه ، والمراودة : الاجتهاد في الطلب .

وفي قوله : " وإنا لفاعلون " ثلاثة أقوال :

أحدها : أن المعنى : وإنا لجاؤوك به ، وضامنون لك المجيء به ، هذا مذهب الكلبي .

والثاني : أنه توكيد ، قاله الزجاج ، فعلى هذا ، يكون الفعل الذي ضمنوه عائدا إلى المراودة ، فيصح معنى التوكيد .

والثالث : وإنا لمديمون المطالبة به لأبينا ، ومتابعون المشورة عليه بتوجيهه ، وهذا غير المراودة ، ذكره ابن الأنباري .

فإن قيل : كيف جاز ليوسف أن يطلب أخاه ، وهو يعلم مافي ذلك من إدخال الحزن على أبيه ؟ فعنه خمسة أجوبة :

أحدها : أنه يجوز أن يكون ذلك بأمر عن الله تعالى زيادة لبلاء يعقوب ليعظم ثوابه ، وهذا الأظهر .

[ ص: 249 ] والثاني : أنه طلبه لا ليحبسه ، فلما عرفه قال : لا أفارقك يا يوسف ، قال : لا يمكنني حبسك إلا أن أنسبك إلى أمر فظيع ، قال : افعل ما بدا لك ، قاله كعب .

والثالث : أن يكون قصد تنبيه يعقوب بذلك على حال يوسف .

والرابع : ليتضاعف سرور يعقوب برجوع ولديه .

والخامس : ليعجل سرور أخيه باجتماعه به قبل إخوته . وكل هذه الأجوبة مدخولة ، إلا الأول ، فإنه الصحيح . ويدل عليه ما روينا عن وهب بن منبه ، قال : لما جمع الله بين يوسف ويعقوب ، قال له : يعقوب بيني وبينك هذه المسافة القريبة ، ولم تكتب إلى تعرفني ؟! فقال : إن جبريل أمرني أن لا أعرفك ، فقال له : سل جبريل ، فسأله ، فقال : إن الله أمرني بذلك ، فقال : سل ربك ، فسأله ، فقال : قل ليعقوب خفت عليه الذئب ، ولم تؤمني ؟
وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون

قوله تعالى : " وقال لفتيانه " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وأبو بكر عن عاصم : " لفتيته " . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم : " لفتيانه " . قال أبو علي : الفتية جمع فتى في العدد القليل ، والفتيان في الكثير . والمعنى : قال لغلمانه : " اجعلوا بضاعتهم " وهي التي اشتروا بها الطعام " في رحالهم " ، والرحل : كل شيء يعد للرحيل . " لعلهم يعرفونها " أي : ليعرفوها " إذا انقلبوا " أي : رجعوا " إلى أهلهم لعلهم يرجعون " أي : لكي يرجعوا .

وفي مقصوده بذلك خمسة أقوال :

أحدها : أنه تخوف أن لا يكون عند أبيه من الورق ما يرجعون به مرة أخرى ، فجعل دراهمهم في رحالهم ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

[ ص: 250 ] والثاني : أنه أراد أنهم إذا عرفوها ، لم يستحلوا إمساكها حتى يردوها ، قاله الضحاك .

والثالث : أنه استقبح أخذ الثمن من والده وإخوته مع حاجتهم إليه ، فرده عليهم من حيث لا يعلمون سبب رده تكرما وتفضلا ، ذكره ابن جرير الطبري ، وأبو سليمان الدمشقي .

والرابع : ليعلموا أن طلبه لعودهم لم يكن طمعا في أموالهم ، ذكره الماوردي .

والخامس : أنه أراهم كرمه وبره ليكون أدعى إلى عودهم .
فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين

قوله تعالى : " فلما رجعوا إلى أبيهم " قال المفسرون : لما عادوا إلى يعقوب ، قالوا : يا أبانا ، قدمنا على خير رجل ، أنزلنا ، وأكرمنا كرامة ، لو كان رجلا من ولد يعقوب ما أكرمنا كرامته .

وفي قوله : " منع منا الكيل " قولان قد تقدما في قوله : فلا كيل لكم عندي [يوسف :61] .

فإن قلنا : إنه لم يكل لهم ، فلفظ " منع " بين .

وإن قلنا : إنه خوفهم منع الكيل ، ففي المعنى قولان :

أحدهما : حكم علينا بمنع الكيل بعد هذا الوقت ، كما تقول للرجل : دخلت والله النار بما فعلت .

[ ص: 251 ] والثاني : أن المعنى : يا أبانا يمنع منا الكيل إن لم ترسله معنا ، فناب " منع " عن " يمنع " كقوله : يحسب أن ماله أخلده [الهمزة :3] أي : يخلده ، وقوله : ونادى أصحاب النار [الأعراف :50] ، وإذ قال الله يا عيسى [المائدة :116] أي : وإذ يقول ، ذكرهما ابن الأنباري .

قوله تعالى : " فأرسل معنا أخانا نكتل " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر : " نكتل " بالنون . وقرأ حمزة ، والكسائي : " يكتل " بالياء . والمعنى : إن أرسلته معنا اكتلنا ، وإلا فقد منعنا الكيل .

قوله تعالى : " هل آمنكم عليه " أي : لا آمنكم إلا كأمني على يوسف ، يريد أنه لم ينفعه ذلك الأمن إذ خانوه . " فالله خير حفظا " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : " حفظا " ، والمعنى : خير حفظا من حفظكم . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم : " خير حافظا " بألف . قال أبو علي : ونصبه على التمييز دون الحال .
ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا [ ص: 252 ] حاجة في نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون

قوله تعالى : " ولما فتحوا متاعهم " يعني أوعية الطعام " وجدوا بضاعتهم " التي حملوها ثمنا للطعام " ردت " قال الزجاج : الأصل " رددت " ، فأدغمت الدال الأولى في الثانية ، وبقيت الراء مضمومة . ومن قرأ بكسر الراء جعل كسرتها منقولة من الدال ، كما فعل ذلك في : قيل ، وبيع ، ليدل على أن أصل الدال الكسر .

قوله تعالى : " ما نبغي " في " ما " قولان :

أحدهما : أنها استفهام ، المعنى : أي شيء نبغي وقد ردت بضاعتنا إلينا ؟

والثاني : أنها نافية ، المعنى : ما نبغي شيئا ، أي : لسنا نطلب منك دراهم نرجع بها إليه ، بل تكفينا هذه في الرجوع إليه ، وأرادوا بذلك تطييب قلبه ليأذن لهم بالعود . وقرأ ابن مسعود ، وابن يعمر ، والجحدري ، وأبو حيوة " ما تبغي " بالتاء على الخطاب ليعقوب .

قوله تعالى : " ونمير أهلنا " أي : نجلب لهم الطعام . قال ابن قتيبة : يقال : مار أهله يميرهم ميرا ، وهو مائر لأهله : إذا حمل إليهم أقواتهم من غير بلده .

قوله تعالى : " ونحفظ أخانا " فيه قولان :

أحدهما : نحفظ أخانا بنيامين الذي ترسله معنا ، قاله الأكثرون .

والثاني : ونحفظ أخانا شمعون الذي أخذه رهينة عنده ، قاله الضحاك عن ابن عباس .

قوله تعالى : " ونزداد كيل بعير " أي : وقر بعير ، يعنون بذلك نصيب أخيهم ، لأن يوسف كان لا يعطي الواحد أكثر من حمل بعير .

[ ص: 253 ] قوله تعالى : " ذلك كيل يسير " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : ذلك كيل سريع ، لا حبس فيه ، يعنون إذا جاء معنا ، عجل الملك لنا الكيل ، قاله مقاتل .

والثاني : ذلك كيل سهل على الذي نمضي إليه ، قاله الزجاج .

والثالث : ذلك الذي جئناك به كيل يسير لا يقنعنا ، قاله الماوردي .

قوله تعالى : " حتى تؤتون موثقا من الله " أي : تعطوني عهدا أثق به ، والمعنى : حتى تحلفوا لي بالله " لتأتنني به " أي : لتردنه إلي . قال ابن الأنباري : وهذه اللام جواب لمضمر ، تلخيصه : وتقولوا : والله لتأتنني به .

قوله تعالى : " إلا أن يحاط بكم " فيه قولان :

أحدهما : أن يهلك جميعكم ، قاله مجاهد .

والثاني : أن يحال بينكم وبينه فلا تقدرون على الإتيان به ، قاله الزجاج .

قوله تعالى : " فلما آتوه موثقهم " أي : أعطوه العهد ، وفيه قولان :

أحدهما : أنهم حلفوا له بحق محمد صلى الله عليه وسلم ومنزلته من ربه ، قاله الضحاك عن ابن عباس . والثاني : أنهم حلفوا بالله تعالى ، قاله السدي .

قوله تعالى : " قال الله على ما نقول وكيل " فيه قولان :

أحدهما : أنه الشهيد . والثاني : كفيل بالوفاء ، رويا عن ابن عباس .

قوله تعالى : " لا تدخلوا من باب واحد " قال المفسرون : لما تجهزوا للرحيل ، قال لهم يعقوب : " لا تدخلوا " يعني مصر " من باب واحد " .

وفي المراد بهذا الباب قولان :

أحدهما : أنه أراد بابا من أبواب مصر ، وكان لمصر أربعة أبواب ، قاله الجمهور .

[ ص: 254 ] والثاني : أنه أراد الطرق لا الأبواب ، قاله السدي ، وروى نحوه أبو صالح عن ابن عباس .

وفي ما أراد بذلك ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه خاف عليهم العين ، وكانوا أولي جمال وقوة ، وهذا قول ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة .

والثاني : أنه خاف أن يغتالوا لما ظهر لهم في أرض مصر من التهمة ، قاله وهب بن منبه .

والثالث : أنه أحب أن يلقوا يوسف في خلوة ، قاله إبراهيم النخعي .

قوله تعالى : " وما أغني عنكم من الله من شيء " أي : لن أدفع عنكم شيئا قضاه الله ، فإنه إن شاء أهلككم متفرقين ، ومصداقه في الآية التي بعدها " ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها " وهي إرادته أن يكون دخولهم كذلك شفقة عليهم . قال الزجاج : " إلا حاجة " استثناء ليس من الأول ، والمعنى : لكن حاجة في نفس يعقوب قضاها . قال ابن عباس : " قضاها " أي : أبداها وتكلم بها .

قوله تعالى : " وإنه لذو علم لما علمناه " فيه سبعة أقوال :

أحدها : إنه حافظ لما علمناه ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني : وإنه لذو علم أن دخولهم من أبواب متفرقة لا يغني عنهم من الله شيئا ، قاله الضحاك عن ابن عباس .

والثالث : وإنه لعامل بما علم ، قاله قتادة . وقال ابن الأنباري : سمي العمل علما ، لأن العلم أول أسباب العمل .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 50.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 49.82 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.24%)]