عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 14-08-2022, 11:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,786
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ يُوسُفَ
الحلقة (308)
صــ 234 إلى صــ 240




[ ص: 234 ] والثاني : أن " ذلك " إشارة إلى الجدب ، وهذا قول مقاتل ، والأول قول الكلبي . قال قتادة : زاده الله علم عام لم يسألوه عنه .

قوله تعالى : " فيه يغاث الناس " فيه قولان :

أحدهما : يصيبهم الغيث ، قاله ابن عباس . والثاني : يغاثون بالخصب ، ذكره الماوردي .

قوله تعالى : " وفيه يعصرون " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وعاصم : " يعصرون " بالياء . وقرأ حمزة ، والكسائي بالتاء ، فوجها الخطاب إلى المستفتين .

وفي قوله : " يعصرون " خمسة أقوال :

أحدها : يعصرون العنب والزيت والثمرات ، رواه العوفي عن ابن عباس . وبه قال قتادة ، والجمهور .

والثاني : يعصرون بمعنى يحتلبون ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . وروى ابن الأنباري عن أبيه عن أحمد بن عبيد قال : تفسير " يعصرون " يحتلبون الألبان لسعة خيرهم واتساع خصبهم ، واحتج بقول الشاعر :


فما عصمة الأعراب إن لم يكن لهم طعام ولا در من المال يعصر


أي : يحلب .

والثالث : ينجون ، وهو من العصر ، والعصر : النجاء ، والعصرة : المنجاة . ويقال : فلان في عصرة : إذا كان في حصن لا يقدر عليه ، قال الشاعر :

[ ص: 235 ]
صاديا يستغيث غير مغاث ولقد كان عصرة المنجود


أي : غياثا للمغلوب المقهور ، وقال عدي :


لو بغير الماء حلقي شرق كنت كالغصان بالماء اعتصاري


والرابع : يصيبون ما يحبون ، روي عن أبي عبيدة أيضا أنه قال : المعتصر : الذي يصيب الشيء ويأخذه ، ومنه هذه الآية . ومنه قول ابن أحمر :


فإنما العيش بريانه وأنت من أفنانه معتصر


والخامس : يعطون ويفضلون لسعة عيشهم ، رواه ابن الأنباري عن بعض أهل اللغة . وقرأ سعيد بن جبير : " يعصرون " بضم الياء وفتح الصاد . وقال الزجاج : أراد يمطرون من قوله : وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا [النبإ :14] .
وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأت العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين

[ ص: 236 ] قوله تعالى : " وقال الملك ائتوني به " قال المفسرون : لما رجع الساقي إلى الملك وأخبره بتأويل رؤياه ، وقع في نفسه صحة ما قال ، فقال : ائتوني بالذي عبر رؤياي ، فجاءه الرسول ، فقال : أجب الملك ، فأبى أن يخرج حتى تبين براءته مما قرف به ، فقال : " ارجع إلى ربك " يعني الملك " فاسأله ما بال النسوة " وقرأ ابن أبي عبلة : " النسوة " بضم النون ، والمعنى : فاسأل الملك أن يتعرف ما شأن تلك النسوة وحالهن ليعلم صحة براءتي ، وإنما أشفق أن يراه الملك بعين مشكوك في أمره أو متهم بفاحشة ، وأحب أن يراه بعد استقرار براءته عنده . وظاهر قوله : " إن ربي بكيدهن عليم " أنه يعني الله تعالى ، وحكى ابن جرير الطبري أنه أراد به سيده العزيز ، والمعنى : أنه يعلم براءتي . وقد روي عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه استحسن حزم يوسف وصبره عن التسرع إلى الخروج ، فقال صلى الله عليه وسلم : " إن الكريم بن الكريم بن الكريم [ابن الكريم] يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم لو لبثت في السجن ما لبث يوسف ، ثم جاءني الداعي لأجبت " .

وفي ذكره للنسوة دون امرأة العزيز أربعة أقوال :

أحدها : أنه خلطها بالنسوة ، لحسن عشرة فيه وأدب ، قاله الزجاج . والثاني : لأنها زوجة ملك ، فصانها . والثالث : لأن النسوة شاهدات عليها له . والرابع : لأن في ذكره لها نوع تهمة ، ذكر الأقوال الثلاثة الماوردي . قال المفسرون : فرجع الرسول إلى الملك برسالة يوسف ، فدعا الملك النسوة وفيهن [ ص: 237 ] امرأة العزيز ، فقال : " ما خطبكن " أي : ما شأنكن وقصتكن " إذ راودتن يوسف " .

فإن قيل : إنما راودته واحدة ، فلم جمعهن ؟ فعنه ثلاثة أجوبة :

أحدها : أنه جمعهن في السؤال ليعلم عين المراودة . والثاني : أن أزليخا راودته على نفسه ، وراوده باقي النسوة على القبول منها . والثالث : أنه جمعهن في الخطاب ، والمعنى لواحدة منهن ، لأنه قد يوقع على النوع وصف الجنس إذا أمن من اللبس ، يدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم للنساء : " إنكن أكثر أهل النار " ، فجمعهن في الخطاب والمعنى لبعضهن ، ذكره ابن الأنباري .

قوله تعالى : " قلن حاش لله " قال الزجاج : قرأ الحسن بتسكين الشين ، ولا اختلاف بين النحويين أن الإسكان غير جائز ، لأن الجمع بين ساكنين لا يجوز ، ولا هو من كلام العرب . فأعلم النسوة الملك براءة يوسف من السوء ، فقالت امرأة العزيز : " الآن حصحص الحق " أي : برز وتبين ، واشتقاقه في اللغة من الحصة ، أي : بانت حصة الحق وجهته من حصة جهة الباطل . وقال ابن القاسم : [ ص: 238 ] " حصحص " بمعنى وضح وانكشف ، تقول العرب : حصحص البعير في بروكه : إذا تمكن ، وأثر في الأرض ، وفرق الحصى .

وللمفسرين في ابتداء أزليخا بالإقرار قولان :

أحدهما : أنها لما رأت النسوة قد برأنه ، قالت : لم يبق إلا أن يقبلن على بالتقرير ، فأقرت ، قاله الفراء .

والثاني : أنها أظهرت التوبة وحققت صدق يوسف ، قاله الماوردي .
ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين

قوله تعالى : " ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب " قال مقاتل : " ذلك " بمعنى هذا . وقال ابن الأنباري : قال اللغويون هذا وذلك يصلحان في هذا الموضع وأشباهه ، لقرب الخبر من أصحابه ، فصار كالمشاهد الذي يشار إليه بهذا ، ولما كان متقضيا ، أمكن أن يشار إليه بذلك ، لأن المتقضي كالغائب .

واختلفوا في القائل لهذا على ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه يوسف ، وهو من أغمض ما يأتي من الكلام أن تحكي عن شخص شيئا ثم تصله بالحكاية عن آخر ، ونظير هذا قوله : يريد أن يخرجكم من أرضكم [الأعراف :110] هذا قول الملإ " فماذا تأمرون " قول فرعون ومثله وجعلوا أعزة أهلها أذلة [النمل :34] هذا قول بلقيس " وكذلك يفعلون " قول الله تعالى . ومثله من بعثنا من مرقدنا [يس :52] هذا قول الكفار ، فقالت الملائكة : " هذا ما وعد الرحمن " وإنما يجوز مثل هذا في الكلام ، لظهور الدلالة على المعنى .

[ ص: 239 ] واختلفوا ، أين قال يوسف هذا ؟ على قولين :

أحدهما أنه لما رجع الساقي إلى يوسف فأخبره وهو في السجن بجواب امرأة العزيز والنسوة للملك ، قال حينئذ : " ذلك ليعلم " رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال ابن جريج .

والثاني : أنه قاله بعد حضوره مجلس الملك ، رواه عطاء عن ابن عباس :

قوله تعالى : " ذلك ليعلم " أي : ذلك الذي فعلت من ردي رسول الملك ليعلم .

واختلفوا في المشار إليه بقوله : " ليعلم " وقوله " لم أخنه " على أربعة أقوال :

أحدها : أنه العزيز ، والمعنى : ليعلم العزيز أني لم أخنه في امرأته " بالغيب " أي : إذا غاب عني ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، والجمهور .

والثاني : أن المشار إليه بقوله : " ليعلم " الملك ، والمشار إليه بقوله : " لم أخنه " العزيز ، والمعنى : ليعلم الملك أني لم أخن العزيز في أهله بالغيب ، رواه الضحاك عن ابن عباس .

والثالث : أن المشار إليه بالشيئين ، الملك ، فالمعنى : ليعلم الملك أني لم أخنه ، يعني الملك أيضا ، بالغيب .

وفي وجه خيانة الملك في ذلك قولان :

أحدهما : لكون العزيز وزيره ، فالمعنى : لم أخنه في امرأة وزيره ، قاله ابن الأنباري .

والثاني : لم أخنه في بنت أخته ، وكانت أزليخا بنت أخت الملك ، قاله أبو سليمان الدمشقي .

[ ص: 240 ] والرابع : أن المشار إليه بقوله : " ليعلم " الله ، فالمعنى ليعلم الله أني لم أخنه ، روي عن مجاهد ، قال ابن الأنباري : نسب العلم إلى الله في الظاهر ، وهو في المعنى للمخلوقين ، كقوله : حتى نعلم المجاهدين منكم [محمد :31] .

فإن قيل : إن كان يوسف قال هذا في مجلس الملك ، فكيف قال : " ليعلم " ولم يقل : لتعلم ، وهو يخاطبه ؟

فالجواب : أنا إن قلنا : إنه كان حاضرا عند الملك ، فإنما آثر الخطاب بالياء توقيرا للملك ، كما يقول الرجل للوزير : إن رأى الوزير أن يوقع في قصتي . وإن قلنا : إنه كان غائبا ، فلا وجه لدخول التاء ، وكذلك إن قلنا : إنه عنى العزيز ، والعزيز غائب عن مجلس الملك حينئذ .

والقول الثاني : أنه قول امرأة العزيز ، فعلى هذا يتصل بما قبله ، والمعنى : ليعلم يوسف أني لم أخنه في غيبته الآن بالكذب عليه .

والثالث : أنه قول العزيز ، والمعنى : ليعلم يوسف أني لم أخنه بالغيب ، فلم أغفل عن مجازاته على أمانته ، حكى القولين الماوردي .

قوله تعالى : " وأن الله لا يهدي كيد الخائنين " قال ابن عباس : لا يصوب عمل الزناة ، وقال غيره : لا يرشد من خان أمانته ويفضحه في عاقبته .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 48.42 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.80 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.30%)]