عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 14-08-2022, 11:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ يُوسُفَ
الحلقة (307)
صــ 227 إلى صــ 233





فإن قيل : لم حتم على وقوع التأويل ، وربما صدق تأويل الرؤيا وكذب ؟ فعنه جوابان :

[ ص: 227 ] أحدهما : أنه حتم ذلك لوحي أتاه من الله ، وسبيل المنام المكذوب فيه أن لا يقع تأويله ، فلما قال : " قضي الأمر " ، دل على أنه بوحي .

والثاني : أنه لم يحتم ، بدليل قوله : " وقال للذي ظن أنه ناج منهما " ، قال أصحاب هذا الجواب : معنى " قضي الأمر " : قطع الجواب الذي التمستماه من جهتي ، ولم يعن أن الأمر واقع بكما . وقال أصحاب الجواب الأول : الظن هاهنا بمعنى العلم .
وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين

قوله تعالى : " وقال للذي ظن أنه ناج منهما " يعني الساقي .

وفي هذا الظن قولان :

أحدهما : أنه بمعنى العلم ، قاله ابن عباس . والثاني : أنه الظن الذي يخالف اليقين ، قاله قتادة .

قوله تعالى : " اذكرني عند ربك " أي : عند صاحبك ، وهو الملك ، وقل له : إن في السجن غلاما حبس ظلما . واسم الملك الوليد بن الريان .

قوله تعالى : " فأنساه الشيطان ذكر ربه " فيه قولان :

أحدهما : فأنسى الشيطان الساقي ذكر يوسف لربه ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال ابن إسحاق .

والثاني : فأنسى الشيطان يوسف ذكر ربه ، وأمره بذكر الملك ابتغاء الفرج من عنده ، قاله مجاهد ، ومقاتل ، والزجاج ، وهذا نسيان عمد ، لا نسيان سهو ، وعكسه القول الذي قبله .

[ ص: 228 ] قوله تعالى : " فلبث في السجن بضع سنين " أي : غير ما كان قد لبث قبل ذلك ، عقوبة له على تعلقه بمخلوق .

وفي البضع تسعة أقوال :

أحدها : ما بين السبع والتسع ، روى ابن عباس أن أبا بكر لما ناحب قريشا عند نزول الم غلبت الروم [الروم 1،2] قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا احتطت ، فإن البضع ما بين السبع إلى التسع " . والثاني : اثنتا عشرة سنة ، قاله الضحاك عن ابن عباس . والثالث : سبع سنين ، قاله عكرمة . والرابع : أنه ما بين الخمس إلى السبع ، قاله الحسن . والخامس : أنه ما بين الأربع إلى التسع ، قاله مجاهد . والسادس : ما بين الثلاث إلى التسع ، قاله الأصمعي ، والزجاج . والسابع : أن يكون البضع بين الثلاث والتسع والعشر ، قاله قتادة . والثامن : أنه ما دون العشرة ، قاله الفراء ، وقال الأخفش : البضع : من واحد إلى عشرة . والتاسع : أنه ما لم يبلغ العقد ولا نصفه ، قاله أبو عبيدة . قال ابن قتيبة : يعني ما بين الواحد إلى الأربعة . وروى الأثرم عن أبي عبيدة : البضع : ما بين ثلاث وخمس .

وفي جملة ما لبث في السجن ثلاثة أقوال :

أحدها : اثنتا عشرة سنة ، قاله ابن عباس . والثاني : أربع عشرة ، قاله الضحاك . والثالث : سبع سنين ، قاله قتادة . قال مالك بن دينار : لما قال يوسف [ ص: 229 ] للساقي " اذكرني عند ربك " ، قيل له : يا يوسف ، أتخذت من دوني وكيلا ؟ لأطيلن حبسك ، فبكى ، وقال : يارب ، أنسى قلبي كثرة البلوى ، فقلت كلمة ، فويل لإخوتي .
وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون

قوله تعالى : " وقال الملك " يعني ملك مصر الأكبر " إني أرى " يعني في المنام ، ولم يقل : رأيت ، وهذا جائز في اللغة أن يقول القائل : أرى ، بمعنى رأيت . قال وهب بن منبه : لما انقضت المدة التي وقتها الله تعالى ليوسف في حبسه ، دخل عليه جبريل إلى السجن ، فبشره بالخروج وملك مصر ولقاء أبيه ، فلما أمسى الملك من ليلتئذ ، رأى سبع بقرات سمان خرجن من البحر ، في آثارهن سبع عجاف ، فأقبلت العجاف على السمان ، فأخذن بأذنابهن فأكلنهن إلى القرنين ، ولم يزد في العجاف شيء ، ورأى سبع سنبلات خضر وقد أقبل عليهن سبع يابسات فأكلنهن حتى أتين عليهن ، ولم يزدد في اليابسات شيء ، فدعا أشراف قومه فقصها عليهم ، فقالوا : " أضغاث أحلام " . قال الزجاج : والعجاف : التي قد بلغت في الهزال الغاية . والملأ : الذين يرجع إليهم في الأمور ويقتدى برأيهم ، واللام في قوله : " للرؤيا " دخلت على المفعول للتبيين ، المعنى : إن كنتم تعبرون . ثم بين باللام فقال : " للرؤيا " . ومعنى عبرت الرؤيا وعبرتها : أخبرت بآخر ما يؤول إليه أمرها ، واشتقاقه من عبر النهر ، وهو شاطئ النهر ، فتأويل عبرت النهر : بلغت إلى عبره ، أي : إلى شطه ، وهو آخر عرضه .

[ ص: 230 ] وذكر ابن الأنباري في اللام قولين :

أحدهما : أنها للتوكيد . والثاني : أنها أفادت معنى " إلى " والمعنى : إن كنتم توجهون العبارة إلى الرؤيا .
قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين

قوله تعالى : " قالوا أضغاث أحلام " قال أبو عبيدة : واحدها ضغث مكسورة ، وهي ما لا تأويل له من الرؤيا تراه جماعات ، تجمع من الرؤيا كما يجمع الحشيش ، فيقال : ضغث ، أي : ملء كف منه . وقال الكسائي : الأضغاث : الرؤيا المختلطة . وقال ابن قتيبة : " أضغاث أحلام " أي : أخلاط مثل أضغاث النبات يجمعها الرجل ، فيكون فيها ضروب مختلفة . وقال الزجاج : الضغث في اللغة : الحزمة والباقة من الشيء ، كالبقل وما أشبهه ، فقالوا له : رؤياك أخلاط أضغاث ، أي : حزم أخلاط ، ليست برؤيا بينة ، " وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين " أي : ليس للرؤيا المختلطة عندنا تأويل . وقال غيره : وما نحن بتأويل الأحلام الذي هذا وصفها بعالمين . والأحلام : جمع حلم ، وهو ما يراه الإنسان في نومه مما يصح ومما يبطل .
وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون

[ ص: 231 ] قوله تعالى : " وقال الذي نجا منهما " يعني الذي تخلص من القتل من الفتيين ، وهو الساقي ، و " ادكر " أي : تذكر شأن يوسف وما وصاه به ، قال الزجاج : وأصل ادكر : اذتكر ، ولكن التاء أبدلت منها الدال ، وأدغمت الذال في الدال . وقرأ الحسن : " واذكر " بالذال المشددة . وقوله : " بعد أمة " أي : بعد حين ، وهو الزمان الذي لبثه يوسف بعده في السجن ، وقد سبق بيانه . وقرأ ابن عباس ، والحسن " بعد أمة " أراد : بعد نسيان .

فإن قيل : هذا يدل على أن الناسي في قوله : " فأنساه الشيطان ذكر ربه " هو الساقي ، ولا شك أن من قال : إن الناسي يوسف يقول : لم ينس الساقي .

فالجواب أن من قال : إن يوسف نسي ، يقول : معنى قوله : " وادكر " ذكر ، كما تقول العرب : احتلب بمعنى حلب ، واغتدى بمعنى غدا ، فلا يدل إذا على نسيان سبقه . وقد روى أبو صالح عن ابن عباس أنه قال : إنما لم يذكر الساقي خبر يوسف للملك حتى احتاج الملك إلى تأويل رؤياه ، خوفا من أن يكون ذكره ليوسف سببا لذكره الذنب الذي من أجله حبس ، ذكر هذا الجواب ابن الأنباري .

قوله تعالى : " أنا أنبئكم بتأويله " أي : من جهة يوسف " فأرسلون " أثبت الياء فيها وفي ولا تقربون [يوسف :60] أن تفندون [يوسف :94] يعقوب في الحالين ، فخاطب الملك وحده بخطاب الجميع ، تعظيما ، وقيل : خاطبه وخاطب أتباعه . وفي الكلام اختصار ، المعنى : فأرسلوه فأتى يوسف فقال : يا يوسف يا أيها الصديق . والصديق : الكثير الصدق ، كما يقال : فسيق ، وسكير ، وقد سبق بيانه [النساء :69] .

[ ص: 232 ] قوله تعالى : " لعلي أرجع إلى الناس " يعني الملك وأصحابه والعلماء الذين جمعهم لتعبير رؤياه . وفي قوله : " لعلهم يعلمون " قولان :

أحدهما : يعلمون تأويل رؤيا الملك . والثاني : يعلمون بمكانك فيكون سبب خلاصك .

وذكر ابن الأنباري : في تكرير " لعلي " قولين : أحدهما : أن " لعل " الأولى متعلقة بالإفتاء . والثانية مبنية على الرجوع . وكلتاهما بمعنى " كي " .

والثاني : أن الأولى بمعنى " عسى " ، والثانية بمعنى " كي " فأعيدت لاختلاف المعنيين ، وهذا هو الجواب عن قوله : لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون [يوسف :63] . قال المفسرون : كان سيده العزيز قد مات . واشتغلت عنه امرأته . وقال بعضهم : لم يكن العزيز قد مات ، فقال يوسف للساقي : قل للملك : هذه سبع سنين مخصبات ، ومن بعدهن سبع سنين شداد ، إلا أن يحتال لهن ، فانطلق الرسول إلى الملك فأخبره . فقال له الملك : ارجع إليه فقل : له كيف يصنع ؟ فقال : " تزرعون سبع سنين دأبا " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم " دأبا " ساكنة الهمزة ، إلا أن أبا عمرو كان إذا أدرج القراءة لم يهمزها . وروى حفص عن عاصم " دأبا " بفتح الهمزة . قال أبو علي : الأكثر في " دأب " الإسكان ، ولعل الفتح لغة ، ومعنى " دأبا " أي : زراعة متوالية على عادتكم ، والمعنى : تزرعون دائبين . فناب " دأب " عن " دائبين " . وقال الزجاج : المعنى : تدأبون دأبا ، ودل على تدأبون " تزرعون " والدأب : الملازمة للشيء والعادة .

فإن قيل : كيف حكم بعلم الغيب ، فقال : " تزرعون " ولم يقل : إن شاء الله ؟ فعنه أربعة أجوبة :

[ ص: 233 ] أحدها : أنه كان بوحي من الله عز وجل . والثاني : أنه بنى على علم ما علمه الله من التأويل الحق ، فلم يشك . والثالث : أنه أضمر " إن شاء الله " كما أضمر إخوته في قولهم : ونمير أهلنا ونحفظ أخانا [يوسف :65] فأضمروا الاستثناء في نياتهم لأنهم على غير ثقة مما وعدوا ، ذكره ابن الأنباري . والرابع : أنه كالآمر لهم ، فكأنه قال : ازرعوا .

قوله تعالى : " فذروه في سنبله " فإنه أبقى له ، وأبعد من الفساد ، والشداد : المجدبات التي تشتد على الناس . " يأكلن " أي : يذهبن ما قدمتم لهن في السنين المخصبات ، فوصف السنين بالأكل ، وإنما يؤكل فيها ، كما يقال : ليل نائم .

قوله تعالى : " إلا قليلا مما تحصنون " أي : تحرزون وتدخرون .
ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون

قوله تعالى : " ثم يأتي من بعد ذلك عام " إن قيل : لم أشار إلى السنين وهي مؤنثة بـ " ذلك " ؟

فعنه جوابان ذكرهما ابن القاسم :

أحدهما : أن السبع مؤنثة ، ولا علامة للتأنيث في لفظها ، فأشبهت المذكر ، كقوله : السماء منفطر به [المزمل :18] فذكر منفطرا لما لم يكن في السماء علم التأنيث ، قال الشاعر :


فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها


فذكر " أبقل " لما وصفنا .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 49.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 48.77 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.27%)]