عرض مشاركة واحدة
  #291  
قديم 14-08-2022, 10:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,332
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ هُودٍ
الحلقة (291)
صــ 115 إلى صــ 121



قوله تعالى : " فلا تسألني ما ليس لك به علم " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر : " فلا تسألن " بفتح اللام ، وتشديد النون ، غير أن نافعا ، وابن عامر ، كسرا النون ، وفتحها ابن كثير ، وحذفوا الياء في الوصل والوقف . وقرأ عاصم ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، بسكون اللام وتخفيف النون ، غير أن أبا عمرو ، [ ص: 115 ] وأبا جعفر ، أثبتا الياء في الوصل ، وحذفاها في الوقف ، ووقف عليها يعقوب بالياء ، والباقون يحذفونها في الحالين . قال أبو علي : من كسر النون ، فقد عدى السؤال إلى مفعولين ، أحدهما : اسم المتكلم ، والآخر : الاسم الموصول ، وحذفت النون المتصلة بياء المتكلم لاجتماع النونات . وأما إثبات الياء في الوصل فهو الأصل ، وحذفها أخف ، والكسرة تدل عليها ، وتعلم أن المفعول مراد في المعنى .

ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه نسبته إليه ، وليس منه .

والثاني : في إدخاله إياه في جملة أهله الذين وعده نجاتهم .

والثالث : سؤاله في إنجاء كافر من العذاب .

قوله تعالى : " إني أعظك أن تكون من الجاهلين " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أن تكون من الجاهلين في سؤالك من ليس من حزبك .

والثاني : من الجاهلين بوعدي ، لأني وعدت بإنجاء المؤمنين .

والثالث : من الجاهلين بنسبك ، لأنه ليس من أهلك .
قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم

قوله تعالى : " يا نوح اهبط " قال ابن عباس : يريد : من السفينة إلى الأرض . " بسلام منا " أي : بسلامة .

قوله تعالى : " وبركات عليك " قال المفسرون : البركات عليه : أنه صار أبا للبشر جميعا ، لأن جميع الخلق من نسله . " وعلى أمم ممن معك " قال ابن عباس : يريد : من ولدك . قال ابن الأنباري : المعنى : من ذراري من معك ، والمراد : [ ص: 116 ] المؤمنون من ذريته . ثم ذكر الكفار ، فقال : " وأمم " أي : من الذرية أيضا ، والمعنى : وفيمن نصف لك أمم ، وفيمن نقص عليك أمره أمم . " سنمتعهم " أي : في الدنيا " ثم يمسهم منا عذاب أليم " في الآخرة . قال محمد بن كعب القرظي : لم يبق مؤمن ولا مؤمنة في أصلاب الرجال وأرحام النساء يومئذ إلى أن تقوم الساعة إلا وقد دخل في ذلك السلام والبركات ، ولم يبق كافر إلا دخل في ذلك المتاع والعذاب .
تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين

قوله تعالى : " تلك من أنباء الغيب " في المشار إليه بـ " تلك " قولان :

أحدهما : قصة نوح . والثاني : آيات القرآن ، والمعنى : تلك من أخبار ما غاب عنك وعن قومك .

فإن قيل : كيف قال هاهنا : " تلك " ، وفي مكان آخر " ذلك " ؟

فقد أجاب عنه ابن الأنباري ، فقال : " تلك " إشارة إلى آيات القرآن ، و " ذلك " إشارة إلى الخبر والحديث ، وكلاهما معروف في اللغة الفصيحة ، يقول [ ص: 117 ] الرجل : قد قدم فلان ، فيقول سامع قوله : قد فرحت به ، وقد سررت بها ، فإذا ذكر ، عنى القدوم ، وإذا أنث ، ذهب إلى القدمة .

قوله تعالى : " من قبل هذا " يعني القرآن . " فاصبر " كما صبر نوح على أذى قومه " إن العاقبة " أي : آخر الأمر بالظفر والتمكين " للمتقين " أي : لك ولقومك كما كان لمؤمني قوم نوح .

قوله تعالى : " إن أنتم إلا مفترون " أي : ما أنتم إلا كاذبون في إشراككم مع الله الأوثان . وما بعد هذا قد سبق تفسيره [يونس :72] إلى قوله : " يرسل السماء عليكم مدرارا " وهذا أيضا قد سبق تفسيره في سورة [الأنعام :61] . والسبب في قوله لهم ذلك ، أن الله تعالى حبس المطر عنهم ثلاث سنين ، وأعقم أرحام نسائهم ، فوعدهم إحياء بلادهم وبسط الرزق لهم إن آمنوا .

قوله تعالى : " ويزدكم قوة إلى قوتكم " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه الولد وولد الولد ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني : يزدكم شدة إلى شدتكم ، قاله مجاهد ، وابن زيد .

والثالث : خصبا إلى خصبكم ، قاله الضحاك .

قوله تعالى : " ولا تتولوا مجرمين " قال مقاتل : لا تعرضوا عن التوحيد مشركين .

قوله تعالى : " ما جئتنا ببينة " أي : بحجة واضحة . " وما نحن بتاركي آلهتنا " يعنون الأصنام . " عن قولك " أي : بقولك ، " والباء " و " عن " يتعاقبان .
إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم

[ ص: 118 ] قوله تعالى : " إن نقول " أي : ما نقول في سبب مخالفتك إيانا إلا أن بعض آلهتنا أصابك بجنون لسبك إياها ، فالذي تظهر من عيبها لما لحق عقلك من التغيير . قال ابن قتيبة : يقال عراني كذا ، واعتراني : إذا ألم بي . ومنه قيل لمن أتاك يطلب نائلك ، عار ، ومنه قول النابغة :


أتيتك عاريا خلقا ثيابي على خوف تظن بي الظنون


قوله تعالى : " إني أشهد الله " إلى آخر الآية . حرك ياء " إني " نافع . ومعنى الآية : إن كنتم تقولون : إن الآلهة عاقبتني لطعني عليها ، فإني على يقين من عيبها والبراءة منها ، وها أنا ذا أزيد في الطعن عليها ، " فكيدوني جميعا " أي : احتالوا أنتم وأوثانكم في ضري ، ثم لا تمهلون . قال الزجاج : وهذا من أعظم آيات الرسل ، أن يكون الرسول وحده ، وأمته متعاونة عليه ، فيقول لهم : كيدوني ، فلا يستطيع أحد منهم ضره ، وكذلك قال نوح لقومه : فأجمعوا أمركم وشركاءكم [يونس :71] . وقال محمد صلى الله عليه وسلم : فإن كان لكم كيد فكيدون [المرسلات :39] .

قوله تعالى : " إلا هو آخذ بناصيتها " قال أبو عبيدة : المعنى : أنها في قبضته وملكه وسلطانه .

فإن قيل : لم خص الناصية ؟

فالجواب : أن الناصية شعر مقدم الرأس ، فإذا أخذت بها من شخص ، فقد ملكت سائر بدنه ، وذل لك .

قوله تعالى : " إن ربي على صراط مستقيم " قال مجاهد : على الحق ، وقال غيره : في الكلام إضمار ، تقديره : إن ربي يدل على صراط مستقيم .

[ ص: 119 ] فإن قيل : ما وجه المناسبة بين قوله : " إلا هو آخذ بناصيتها " وبين كونه على صراط مستقيم ؟ فعنه جوابان :

أحدهما : أنه لما أخبر أنه آخذ بنواصي الخلق ، كان معناه : أنهم لا يخرجون عن قبضته ، فأخبر أنه على طريق لا يعدل عنه هارب ، ولا يخفى عليه مستتر .

والثاني : أن المعنى : أنه وإن كان قادرا عليهم ، فهو لا يظلمهم ، ولا يريد إلا العدل ، ذكرهما ابن الأنباري .
فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوما غيركم ولا تضرونه شيئا إن ربي على كل شيء حفيظ

قوله تعالى : " فإن تولوا " فيه قولان :

أحدهما : أنه فعل ماض ، معناه : فإن أعرضوا . فعلى هذا ، في الآية إضمار ، تلخيصه : فإن أعرضوا فقل لهم : قد أبلغتكم ، هذا مذهب مقاتل في آخرين .

والثاني : أنه خطاب للحاضرين ، وتقديره فإن تتولوا ، فاستثقلوا الجمع بين تاءين متحركتين ، فاقتصر على إحداهما ، وأسقطت الأخرى ، كما قال النابغة


المرء يهوى أن يعيـ ش وطول عيش قد يضره

[ ص: 120 ] تفنى بشاشته ويبـ
قى بعد حلو العيش مره

وتصرف الأيام حـ
تى ما يرى شيئا يسره


أراد : وتتصرف الأيام ، فأسقط إحدى التاءين ، ذكره ابن الأنباري .

قوله تعالى : " ويستخلف ربي قوما غيركم " فيه وعيد لهم بالهلاك . " إن ربي على كل شيء حفيظ " فيه قولان :

أحدهما : حفيظ على أعمال العباد حتى يجازيهم بها . والثاني : أن " على " بمعنى اللام ، فالمعنى : لكل شيء حافظ ، فهو يحفظني من أن تنالوني بسوء .
ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ

قوله تعالى : " ولما جاء أمرنا " فيه قولان :

أحدهما : جاء عذابنا ، قاله ابن عباس . والثاني : جاء أمرنا بهلاكهم

قوله تعالى : " نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا " فيه قولان :

أحدهما : نجيناهم من العذاب بنعمتنا . والثاني : نجيناهم بأن هديناهم إلى الإيمان ، وعصمناهم من الكفر ، روي القولان عن ابن عباس .

قوله تعالى : " ونجيناهم من عذاب غليظ " أي : شديد ، وهو ما استحقه قوم هود من عذاب الدنيا والآخرة .
وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد

قوله تعالى : " وتلك عاد " يعني القبيلة . " وعصوا رسله " لقائل أن يقول : إنما أرسل إليهم هود وحده ، فكيف ذكر بلفظ الجمع ؟

[ ص: 121 ] فالجواب من ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه قد يذكر لفظ الجمع ويراد به الواحد ، كقوله : أم يحسدون الناس [النساء :54] والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم وحده .

والثاني : أن من كذب رسولا واحدا فقد كذب الكل .

والثالث : أن كل مرة ينذرهم فيها هي رسالة مجددة وهو بها رسول .

قوله تعالى : " واتبعوا " أي : واتبع الأتباع أمر الرؤساء .

والجبار : الذي طال وفات اليد .

وللعلماء في الجبار أربعة أقوال :

أحدها : أنه الذي يقتل على الغضب ويعاقب على الغضب ، قاله الكلبي .

والثاني : أنه الذي يجبر الناس على ما يريد ، قاله الزجاج .

والثالث : أنه المسلط .

والرابع : أنه العظيم في نفسه ، المتكبر على العباد ، ذكرهما ابن الأنباري . والذي ذكرناه يجمع هذه الأقوال ، وقد زدنا هذا شرحا في [المائدة :22] .

وأما العنيد : فهو الذي لا يقبل الحق . قال ابن قتيبة : العنود ، والعنيد ، والعاند : المعارض لك بالخلاف عليك .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 48.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.38 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.31%)]