عرض مشاركة واحدة
  #340  
قديم 13-08-2022, 12:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الرابع
الحلقة (338)
سُورَةُ الْحَجِّ
صـ 460 إلى صـ 467







[ ص: 460 ] وقال ابن قدامة في المغني بعد أن ذكر أن هذا هو الصحيح من مذهب أحمد . وهذا قول ابن الزبير ، وعائشة ، وعلقمة ، وسالم ، وطاوس ، والنخعي ، وعبد الله بن الحسين ، وخارجة بن زيد ، والشافعي ، وأبي ثور ، وأصحاب الرأي ، وروي أيضا عن ابن عباس ، وعن أحمد أنه يحل له كل شيء إلا الوطء في الفرج ; لأنه أغلظ المحرمات ، ويفسد النسك ، بخلاف غيره . وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : يحل له كل شيء إلا النساء ، والطيب . وروي ذلك عن ابن عمر ، وعروة بن الزبير ، وعباد بن عبد الله بن الزبير ، لأنه من دواعي الوطء فأشبه القبلة ، وعن عروة : أنه لا يلبس القميص ، ولا العمامة ، ولا يتطيب ، وروي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا انتهى كلام صاحب المغني .

وإذا عرفت أقوال أهل العلم في المسألة ، فهذه تفاصيل أدلتهم .

أما حجة مالك في أن التحلل الأول يحل به ما سوى النساء والصيد والطيب : أما بالنسبة إلى الصيد ، فلم أر له مستندا من النقل ، إلا أمرين :

أحدهما : أثر مروي عن مكحول ، عن عمر رضي الله عنه أنه قال : إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء والطيب والصيد : ذكر هذا الأثر صاحب المهذب ، وقال النووي في شرحه : وأما الأثر المذكور عن عمر رضي الله عنه فهو مرسل . لأن مكحولا لم يدرك عمر فحديثه عنه منقطع ومرسل . والله أعلم .

والثاني : التمسك بظاهر قوله تعالى : لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم [ 5 \ 95 ] لأن حرمة الجماع المتفق عليها بعد رمي جمرة العقبة دليل على بقاء إحرامه في الجملة ، فيشمله عموم لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ، لأنه لو زال حكم إحرامه بالكلية ، لما حرم عليه الوطء .

وأما حجته أعني مالكا بالنسبة إلى النساء والطيب ، فهي ما روى في موطئه عن نافع ، وعبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس بعرفة ، وعلمهم أمر الحج ، وقال لهم فيما قال : إذا جئتم منى ، فمن رمى الجمرة فقد حل له ما حرم على الحاج إلا النساء ، والطيب لا يمس أحد نساء ، ولا طيبا حتى يطوف بالبيت ا هـ .

ومما يستدل به لمالك على ذلك ما رواه الحاكم في المستدرك : حدثنا أبو [ ص: 461 ] عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ ، ثنا إبراهيم بن عبد الله ، أنبأ زيد بن هارون ، أنبأ يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن عبد الله بن الزبير قال : من سنة الحج أن يصلي الإمام الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء الآخرة ، والصبح بمنى ، ثم يغدو إلى عرفة ، الحديث ، وفيه : فإذا رمى الجمرة الكبرى حل له كل شيء حرم عليه إلا النساء ، والطيب حتى يزور البيت ا هـ . ثم قال : هذا حديث على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، ولم يتعقبه عليه الذهبي .

هذا هو حاصل حجة مالك وأصحابه في أن التحلل الأول يحل به ، ما عدا النساء والصيد ، والطيب ، وقد قدمنا أن الطيب بعد رمي الجمرة مكروه عنده لا حرام .

وأما حجة من قال : إنه إن رمى جمرة العقبة وحلق : حل له كل شيء إلا النساء : كأحمد ، والشافعي ومن وافقهما ، فمنها حديث عائشة المتفق عليه ، قالت : كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه حين يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت . هذا لفظ البخاري في صحيحه ، ولفظ مسلم في صحيحه عن عائشة قالت : طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه حين أحرم ، ولحله قبل أن يطوف بالبيت ، وفي لفظ : طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي لحرمه حين أحرم ، ولحله حين أحل . قبل أن يطوف بالبيت . وقد ذكر مسلم لهذا الحديث ألفاظا متعددة متقاربة معناها واحد .

منها قالت : طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه حين أحرم ولحله قبل أن يفيض بأطيب ما وجدت .

ومن أدلتهم على ذلك : ما رواه الإمام أحمد ، والنسائي ، وابن ماجه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء . قال رجل : والطيب ؟ فقال ابن عباس : أما أنا فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضمخ رأسه بالمسك ، أفطيب ذلك أم لا ؟ قال النووي في شرح المهذب في حديث ابن عباس هذا : وقد روى النسائي بإسناده ، عن الحسن بن عبد الله العرني ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا رمى الجمرة فقد حل له كل شيء إلا النساء " هكذا رواه النسائي ، وابن ماجه مرفوعا ، وإسناده جيد ، إلا أن يحيى بن معين وغيره ، قالوا : يقال : إن الحسن العرني لم يسمع ابن عباس ، ورواه البيهقي موقوفا على ابن عباس . انتهى كلام النووي رحمه الله .

والذي رأيته في سنن النسائي ، وابن ماجه : أن حديث الحسن العرني المذكور موقوف عندهما على ابن عباس ، إلا ما ذكره من أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يتضمخ بالمسك . وقال [ ص: 462 ] ابن حجر في تهذيب التهذيب في الحسن العرني المذكور ، قال أحمد : لم يسمع من ابن عباس شيئا ، وقال أبو حاتم : لم يدركه ا هـ . والعرني بضم العين ، وفتح الراء ثم نون : نسبة إلى عرينة بطن من بجيلة .

ومن أدلتهم على ذلك : ما رواه أبو داود في سننه من طريق الحجاج بن أرطاة ، عن الزهري ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء " ا هـ .

ومعلوم أن هذا الحديث ضعيف من وجهين :

أحدهما : هو ما قدمنا من تضعيف الحجاج بن أرطاة .

والثاني : أن الحجاج المذكور لم يسمع من الزهري . وقد قال أبو داود في سننه بعد أن ساق هذا الحديث : هذا حديث ضعيف : الحجاج لم ير الزهري ولم يسمع منه ، وقال النووي في شرح المهذب في هذا الحديث : أما حديث عائشة رضي الله عنها فرواه أبو داود بإسناد ضعيف جدا من رواية الحجاج بن أرطاة ، وقال : هو حديث ضعيف اهـ .

هذا هو حاصل حجة من قال : إنه يحل له بعد رمي جمرة العقبة كل شيء إلا النساء ، وأما ما ذكرنا عن الشافعي : من أنه يحل له كل شيء إلا النساء باثنين من ثلاثة : هي الرمي ، والحلق ، والطواف ، وتحل النساء بالثالث منها ، بناء على أن الحلق نسك ، وعلى أنه ليس بنسك يحل له كل شيء إلا النساء بواحد من اثنين ، هما : الرمي ، والطواف وتحل له النساء بالثاني منهما لم نعلم له نصا يدل عليه ، هكذا والظاهر أنه رأى هذه الأشياء لها مدخل في التحلل ، وقد دل النص الصحيح على حصول التحلل الأول بعد الرمي والحلق ، فجعل هو الطواف كواحد منهما . والله تعالى أعلم .

قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : التحقيق أن الطيب يحل له بالتحلل الأول ، لحديث عائشة المتفق عليه الذي هو صريح في ذلك . وكذلك لبس الثياب ، وقضاء التفث ، وأن الجماع لا يحل إلا بالتحلل الأخير ، وأما حلية الصيد بالتحلل الأول فهي محل نظر ; لأن الأحاديث التي فيها التصريح ، بأنه يحل له كل شيء إلا النساء ، قد علمت ما فيها من الكلام ، وحديث عائشة المتفق عليه لم يتعرض لحل الصيد .

وظاهر قوله : لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم يمكن أن يتناول ما بعد التحلل الأول ; لأن حرمة الجماع تدل على أنه متلبس بالإحرام في الجملة ، وإن كان قد حل له بعض [ ص: 463 ] ما كان حراما عليه ، والله تعالى أعلم .
المسألة الحادية عشرة

في أحكام الرمي

اعلم أنا قدمنا في الكلام على الإفاضة من مزدلفة إلى منى بعض أحكام رمي جمرة العقبة ، فبينا كلام العلماء في حكمه ، وفي أول وقته وآخره ، وذكرنا بعض الأحكام المتعلقة برميها قريبا ، والآن سنذكر إن شاء الله المهم من أحكام الرمي .

اعلم أن الرمي في أيام التشريق واجب يجبر بدم عند جماهير العلماء على اختلاف بينهم في تعدد الدماء فيه ، وعدم تعددها ، ولا خلاف بينهم في أنه ليس بركن لأن الحج يتم قبله ، ويتحلل صاحبه التحلل الأصغر والأكبر ، فيحل له كل شيء حرم عليه بالإحرام ، فحجه تام إجماعا قبل رمي أيام التشريق ، ولكن رميها واجب يجبر بدم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى فيها ، وقال " لتأخذوا عني مناسككم " .
فروع تتعلق بهذه المسألة

الفرع الأول : اعلم أن التحقيق أنه لا يجوز الرمي في أيام التشريق إلا بعد الزوال لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .

ففي صحيح مسلم من حديث جابر قال : " رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضحى ، وأما بعد فإذا زالت الشمس " هذا لفظ مسلم عنه في صحيحه ، وحديث جابر هذا الذي رواه مسلم في صحيحه موصولا باللفظ الذي ذكرنا ، رواه البخاري تعليقا مجزوما به بلفظ : وقال جابر : " رمى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر ضحى ، ورمى بعد ذلك بعد الزوال " ، ثم ساق البخاري رحمه الله بسنده عن ابن عمر قال : كنا نتحين ، فإذا زالت الشمس رمينا .

وقال ابن حجر في ( ( فتح الباري ) ) في قول ابن عمر : كنا نتحين . الحديث ، فأعلمه بما كانوا يفعلونه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو دليل على أن الحافظ ابن حجر يرى قول ابن عمر : كنا نتحين ، فإذا زالت الشمس رمينا ، له حكم الرفع ، وحديث جابر الصحيح المذكور قبله صريح في الرفع ، وروى الإمام أحمد ، وأبو داود ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : " أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر يوم حين صلى الظهر ، ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس " الحديث ، وفي إسناده محمد بن إسحاق ، صاحب المغازي ، وهو مدلس ، وقد قال ابن إسحاق المذكور في الإسناد المذكور ، عن [ ص: 464 ] عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، والمدلس إذا عنعن لم تقبل روايته عند أهل الحديث ، وقد قدمنا مرارا أن من يحتج بالمرسل ، يحتج بعنعنة المدلس من باب أولى ، وأن المشهور عن أبي حنيفة ، ومالك ، وأحمد : الاحتجاج بالمرسل . وروى الإمام أحمد ، وابن ماجه ، والترمذي وحسنه عن ابن عباس قال : " رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمار حين زالت الشمس " .

وبهذه النصوص الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم تعلم أن قول عطاء ، وطاوس بجواز الرمي في أيام التشريق قبل الزوال ، وترخيص أبي حنيفة في الرمي يوم النفر قبل الزوال ، وقول إسحاق : إن رمى قبل الزوال في اليوم الثالث أجزأه ، كل ذلك خلاف التحقيق لأنه مخالف لفعل النبي صلى الله عليه وسلم الثابت عنه المعتضد بقوله : " لتأخذوا عني مناسككم " ، ولذلك خالف أبا حنيفة في ترخيصه المذكور صاحباه محمد ، وأبو يوسف ، ولم يرد في كتاب الله ، ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم شيء يخالف ذلك ، فالقول بالرمي قبل الزوال أيام التشريق لا مستند له ألبتة مع مخالفته للسنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم ، فلا ينبغي لأحد أن يفعله ، والعلم عند الله تعالى .
الفرع الثاني : اعلم أنه يجب الترتيب في رمي الجمار أيام التشريق ، فيبدأ بالجمرة الأولى التي تلي مسجد الخيف ، فيرميها بسبع حصيات مثل حصى الخذف ، يكبر مع كل حصاة ، ثم يقف ، فيدعو طويلا ، ثم ينصرف إلى الجمرة الوسطى ، فيرميها كالتي قبلها ، ثم يقف ، فيدعو طويلا ، ثم ينصرف إلى جمرة العقبة ، فيرميها كذلك ، ولا يقف عندها بل ينصرف إذا رمى وهذا الترتيب على النحو الذي ذكرنا هو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمر بأخذ المناسك عنه . فعلينا أن نأخذ عنه من مناسكنا الترتيب المذكور . ففي صحيح البخاري رحمه الله من حديث ابن عمر رضي الله عنهما : أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات ، يكبر على إثر كل حصاة ، ثم يتقدم ، حتى يسهل ، فيقوم مستقبل القبلة ، فيقوم طويلا ، ويدعو ويرفع يديه ، ثم يرمي الوسطى ، ثم يأخذ ذات الشمال فيستهل ، ويقوم مستقبل القبلة فيقوم طويلا ، ويدعو ويرفع يديه ، ويقوم طويلا ، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ، ولا يقف عندها ، ثم ينصرف فيقول : هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله ا هـ .

روى البخاري هذا الحديث في ثلاثة أبواب متوالية ، وهو نص صحيح صريح في الترتيب المذكور ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " لتأخذوا عني مناسككم " فإن لم يرتب الجمرات ، بأن بدأ بجمرة العقبة لم يجزئه الرمي منكسا لأنه خالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم وفي الحديث : " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " ، وتنكيس الرمي عمل ليس من أمرنا ، فيكون مردودا ، وبهذا قال [ ص: 465 ] مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وجمهور أهل العلم ، وقال أبو حنيفة : الترتيب المذكور سنة ، فإن نكس الرمي أعاده وإن لم يعد أجزأه ، وهو قول الحسن ، وعطاء ، واحتجوا بأدلة لا تنهض . وعلى الصحيح الذي هو قول الجمهور : إن الترتيب شرط لو بدأ بجمرة العقبة ، ثم الوسطى ، ثم الأولى ، أو بدأ بالوسطى ، ورمى الثلاث لم يجزه إلا الأولى لعدم الترتيب في الوسطى ، والأخيرة ، فعليه أن يرمي الوسطى ، ثم الأخيرة ، ولو رمى جمرة العقبة . ثم الأولى ، ثم الوسطى أعاد جمرة العقبة وحدها هذا هو الظاهر .

واعلم أن العلماء اختلفوا في مسائل كثيرة من مسائل الرمي ، ليس فيها نص ، وسنذكر هنا بعض ذلك مما يظهر لنا أنه أقرب للصواب ، مع الاختصار ، لعدم النصوص في ذلك .

فمن ذلك : أن الأقرب فيما يظهر لنا أنه لا بد من رمي الحصاة بقوة ، فلا يكفي طرحها ، ولا وضعها باليد في المرمى ; لأن ذلك ليس برمي في العرف خلافا لمن قال : إنه رمي ، وأنه لا بد من وقوع الحصاة في نفس المرمى ، وهو الجمرة التي يحيط بها البناء واستقرارها فيه خلافا لمن قال : إنها إن وقعت في المرمى ، ثم تدحرجت حتى خرجت منه : أنه يجزئه ، وأنها لو ضربت شيئا دون المرمى ، ثم طارت ، وسقطت في المرمى : أن ذلك يجزئه بخلاف ما لو جاءت في محمل ، أو في ثوب رجل ، فتحرك المحمل ، أو الرجل ، فسقطت في المرمى ، فإنها لا تجزئ ، وكذلك لو جاءت دون المرمى ، فأطارت حصاة أخرى ، فجاءت هذه الحصاة الأخرى في المرمى ، فإنها لا تجزئه . لأن الحصاة التي رماها لم تسقط في المرمى ، وإنما وقعت فيه الحصاة التي أطارتها ، وأنها إن أخطأت المرمى ، ولكن سقطت قريبا منه أن ذلك لا يجزئه ، خلافا لمن قال : يجزئه ، وأنه لا ينبغي أن يرمي إلا بالحجارة ، فلا ينبغي الرمي بالمدر ، والطين ، والمغرة ، والنورة ، والزرنيخ ، والملح ، والكحل ، وقبضة التراب ، والأحجار النفيسة : كالياقوت ، والزبرجد ، والزمرد ، ونحو ذلك ، خلافا لمن أجاز الرمي بذلك .

ولا يجوز الرمي بالخشب ، والعنبر ، واللؤلؤ ، والجواهر ، والذهب ، والفضة ، والأقرب أيضا أن الحصاة إن وقعت في شقوق البناء المنتصب في وسط الجمرة ، وسكنت فيها أنها لا تجزئ ، لأنها وقعت في هواء المرمى ، لا في نفس المرمى خلافا لمن قال : إنها تجزئه ، والأقرب أنه لا يلزم غسل الحصى لعدم الدليل على ذلك ، وأنه لو رمى بحصاة نجسة أجزأه ذلك لصدق اسم الرمي عليه ، وعدم نص على اشتراط طهارة [ ص: 466 ] الحصى مع كراهة ذلك عند بعض أهل العلم ، وقول بعضهم : بعدم الإجزاء ، والأقرب أنه لو رمى بحصاة قد رمى بها أنها تجزئه لصدق اسم الرمي عليها ، وعدم النص على منع ذلك ، ولا على عدم إجزائه ولكن الأحوط في الجميع الخروج من الخلاف ، كما قال بعضهم :


وأن الأورع الذي يخرج من خلافهم ولو ضعيفا فاستبن

وفي كتب الفروع هنا أشياء تركناها لكثرتها .

تنبيه

اعلم أن العلماء اختلفوا في المعنى الذي منه الجمرة ، فقال بعض أهل العلم : الجمرة في اللغة : الحصاة ، وسميت الجمرة التي هي موضع الرمي بذلك ، لأنها المحل الذي يرمى فيه بالحصى ، وعلى هذا فهو من تسمية الشيء باسم ما يحل فيه ، وهو أسلوب عربي معروف ، وهو عند البلاغيين من نوع ما يسمونه المجاز المرسل ، والتجمير رمي الحصى في الجمار ، ومنه قول ابن أبي ربيعة :


بدا لي منها معصم يوم جمرت وكف خضيب زينت ببنان
فوالله ما أدري وإني لحاسب بسبع رميت الجمر أم بثمان


والمجمر بصيغة اسم المفعول مضعفا : هو الموضع الذي ترمى فيه الجمار ، ومنه قول حذيفة بن أنس الهذلي :


لأدركهم شعث النواصي كأنهم سوابق حجاج توافي المجمرا


وقال بعض أهل العلم : أصل الجمرة من التجمر بمعنى التجمع ، تقول العرب : تجمر القوم ، إذا اجتمعوا ، وانضم بعضهم إلى بعض ، وجمرهم الأمر : أحوجهم إلى التجمر ، وهو التجمع ، وجمر الشيء : جمعه ، وجمر الأمير الجيش ، إذا أطال حبسهم مجتمعين بالثغر ، ولم يأذن لهم في الرجوع والتفرق ، وروى الربيع : أن الشافعي أنشده في ذلك قول الشاعر :


وجمرتنا تجمير كسرى جنوده ومنيتنا حتى نسينا الأمانيا


والجمار : القوم المجتمعون ، ومنه قول الأعشى :


فمن مبلغ وائلا قومنا وأعني بذلك بكرا جمارا


[ ص: 467 ] ؛ أي : مجتمعين ، وعلى هذا فاشتقاق الجمرة من التجمر بمعنى التجمع ; لاجتماع الحجيج عندها يرمونها ، وقيل : لأن الحصى يتجمع فيها ، وقيل : اشتقاق الجمرة من أجمر إذا أسرع ; لأن الناس يأتون مسرعين لرميها . وقيل : أصلها من جمرته إذا نحيته ، وأظهرها القول الأول والثاني ، والعلم عند الله تعالى .
الفرع الثالث : في آخر وقت الرمي أيام التشريق .

قد علمت أن أول وقت رميها بعد الزوال ، ولا خلاف بين العلماء ، أن بقية اليوم وقت للرمي إلى الغروب .

واختلفوا فيما بعد الغروب ، فمنهم من يقول : إن غربت الشمس ، ولم يرم رمى بالليل ، وبعضهم يقول : الليل قضاء ، وبعضهم يقول : أداء ، وقد قدمنا أقوالهم ، وحججهم في الكلام على رمي جمرة العقبة ، ومنهم من يقول : لا يرمي بالليل ، بل يؤخر الرمي حتى تزول الشمس من الغد كما قدمناه مع إجماعهم على فوات وقت الرمي بغروب اليوم الثالث عشر من ذي الحجة الذي هو رابع يوم النحر .

واعلم أن هذا الحكم له حالتان :

الأولى : حكم الرمي في الليلة التي تلي اليوم الذي فاته الرمي فيه من أيام التشريق .

والثانية : الرمي في يوم آخر من أيام التشريق .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.79 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.16 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.71%)]