عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 12-08-2022, 07:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد





تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(222)
الحلقة (236)
صــ 353إلى صــ 359


وأما " الصابرين " فنصب ، وهو من نعت " من " على وجه المدح . لأن من شأن العرب - إذا تطاولت صفة الواحد - الاعتراض بالمدح والذم بالنصب أحيانا ، وبالرفع أحيانا ، كما قال الشاعر : [ ص: 353 ]


إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم
وذا الرأي حين تغم الأمور بذات الصليل وذات اللجم


فنصب " ليث الكتيبة " وذا " الرأي " على المدح ، والاسم قبلهما مخفوض لأنه من صفة واحد ، ومنه قول الآخر :


فليت التي فيها النجوم تواضعت على كل غث منهم وسمين
غيوث الورى في كل محل وأزمة أسود الشرى يحمين كل عرين


وقد زعم بعضهم أن قوله : " والصابرين في البأساء " ، نصب عطفا على " السائلين " . [ ص: 354 ] كأن معنى الكلام كان عنده : وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين ، وابن السبيل والسائلين والصابرين في البأساء والضراء . وظاهر كتاب الله يدل على خطأ هذا القول ، وذلك أن " والصابرين في البأساء والضراء " ، هم أهل الزمانة في الأبدان ، وأهل الإقتار في الأموال . وقد مضى وصف القوم بإيتاء - من كان ذلك صفته - المال في قوله : " والمساكين وابن السبيل والسائلين " ، وأهل الفاقة والفقر ، هم أهل " البأساء والضراء " ، لأن من لم يكن من أهل الضراء ذا بأساء ، لم يكن ممن له قبول الصدقة ، وإنما له قبولها إذا كان جامعا إلى ضرائه بأساء ، وإذا جمع إليها بأساء ، كان من أهل المسكنة الذين قد دخلوا في جملة " المساكين " الذين قد مضى ذكرهم قبل قوله : " والصابرين في البأساء " . وإذا كان كذلك ، ثم نصب "الصابرين في البأساء " بقوله " وآتى المال على حبه " ، كان الكلام تكريرا بغير فائدة معنى . كأنه قيل : وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين . والله يتعالى عن أن يكون ذلك في خطابه عباده . ولكن معنى ذلك : ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر ، والموفون بعهدهم إذا عاهدوا ، والصابرين في البأساء والضراء . " والموفون " رفع لأنه من صفة " من " ، و" من " رفع ، فهو معرب بإعرابه . " والصابرين " نصب - وإن كان من صفته - على وجه المدح الذي وصفنا قبل .
القول في تأويل قوله تعالى ( وحين البأس )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " وحين البأس " ، والصابرين في وقت البأس ، وذلك وقت شدة القتال في الحرب ، كما : -

2548 - حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي قال : حدثنا أبي قال : [ ص: 355 ] حدثنا أسباط ، عن السدي ، عن مرة عن عبد الله في قول الله : " وحين البأس " قال : حين القتال .

2549 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، عن مرة ، عن عبد الله مثله .

2550 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وحين البأس " القتال .

2551 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد عن قتادة قوله : " وحين البأس " ، أي عند مواطن القتال .

2552 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : " وحين البأس " ، القتال .

2553 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع " وحين البأس " ، عند لقاء العدو .

2554 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا عبيدة عن الضحاك : " وحين البأس " ، القتال

2555 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا عبيد بن الطفيل أبو سيدان قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : " وحين البأس " قال : القتال .
[ ص: 356 ] القول في تأويل قوله تعالى ( أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ( 177 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " أولئك الذين صدقوا " ، من آمن بالله واليوم الآخر ، ونعتهم النعت الذي نعتهم به في هذه الآية . يقول : فمن فعل هذه الأشياء فهم الذين صدقوا الله في إيمانهم ، وحققوا قولهم بأفعالهم - لا من ولى وجهه قبل المشرق والمغرب وهو يخالف الله في أمره ، وينقض عهده وميثاقه ، ويكتم الناس بيان ما أمره الله ببيانه ، ويكذب رسله .

وأما قوله : " وأولئك هم المتقون " ، فإنه يعني : وأولئك الذين اتقوا عقاب الله ، فتجنبوا عصيانه ، وحذروا وعده ، فلم يتعدوا حدوده . وخافوه ، فقاموا بأداء فرائضه .

وبمثل الذي قلنا في قوله : " أولئك الذين صدقوا " ، كان الربيع بن أنس يقول :

2556 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع : " أولئك الذين صدقوا " قال : فتكلموا بكلام الإيمان ، فكانت حقيقته العمل ، صدقوا الله . قال : وكان الحسن يقول : هذا كلام الإيمان ، وحقيقته العمل ، فإن لم يكن مع القول عمل فلا شيء .
[ ص: 357 ] القول في تأويل قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " كتب عليكم القصاص في القتلى " ، فرض عليكم .

فإن قال قائل : أفرض على ولي القتيل القصاص من قاتل وليه؟

قيل : لا ، ولكنه مباح له ذلك ، والعفو ، وأخذ الدية .

فإن قال قائل : وكيف قال : " كتب عليكم القصاص " ؟

قيل : إن معنى ذلك على خلاف ما ذهبت إليه ، وإنما معناه : يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى أي أن الحر إذا قتل الحر ، فدم القاتل كفء لدم القتيل ، والقصاص منه دون غيره من الناس ، فلا تجاوزوا بالقتل إلى غيره ممن لم يقتل ، فإنه حرام عليكم أن تقتلوا بقتيلكم غير قاتله .

والفرض الذي فرض الله علينا في القصاص ، هو ما وصفت من ترك المجاوزة بالقصاص قتل القاتل بقتيله إلى غيره ، لا أنه وجب علينا القصاص فرضا وجوب فرض الصلاة والصيام ، حتى لا يكون لنا تركه . ولو كان ذلك فرضا لا يجوز لنا تركه ، لم يكن لقوله : " فمن عفي له من أخيه شيء " ، معنى مفهوم . لأنه لا عفو بعد القصاص فيقال : " فمن عفي له من أخيه شيء " .

وقد قيل : إن معنى القصاص في هذه الآية ، مقاصة ديات بعض القتلى بديات بعض . وذلك أن الآية عندهم نزلت في حزبين تحاربوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقتل بعضهم بعضا ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلح بينهم بأن تسقط ديات نساء أحد الحزبين بديات نساء الآخرين ، وديات رجالهم [ ص: 358 ] بديات رجالهم ، وديات عبيدهم بديات عبيدهم ، قصاصا . فذلك عندهم معنى " القصاص " في هذه الآية .

فإن قال قائل : فإنه تعالى ذكره قال : " كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " ، فما لنا أن نقتص للحر إلا من الحر ، ولا للأنثى إلا من الأنثى؟

قيل : بل لنا أن نقتص للحر من العبد ، وللأنثى من الذكر بقول الله تعالى ذكره : ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ) [ سورة الإسراء : 33 ] ، وبالنقل المستفيض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :

2557 - المسلمون تتكافأ دماؤهم .

فإن قال : فإذ كان ذلك ، فما وجه تأويل هذه الآية؟

قيل : اختلف أهل التأويل في ذلك . فقال بعضهم : نزلت هذه الآية في قوم كانوا إذا قتل الرجل منهم عبد قوم آخرين ، لم يرضوا من قتيلهم بدم قاتله ، من أجل أنه عبد ، حتى يقتلوا به سيده . وإذا قتلت المرأة من غيرهم رجلا لم يرضوا من دم صاحبهم بالمرأة القاتلة ، حتى يقتلوا رجلا من رهط المرأة وعشيرتها . فأنزل الله هذه الآية ، فأعلمهم أن الذي فرض لهم من القصاص أن يقتلوا بالرجل الرجل القاتل دون غيره ، وبالأنثى الأنثى القاتلة دون غيرها من الرجال ، وبالعبد العبد القاتل دون غيره من الأحرار ، فنهاهم أن يتعدوا القاتل إلى غيره في القصاص .

ذكر من قال ذلك :

2558 - حدثني محمد بن المثنى قال : حدثنا أبو الوليد - وحدثني المثنى [ ص: 359 ] قال : حدثنا الحجاج - قالا حدثنا حماد ، عن داود بن أبي هند عن الشعبي في قوله : " الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " قال : نزلت في قبيلتين من قبائل العرب اقتتلتا قتال عمية ، فقالوا : نقتل بعبدنا فلان ابن فلان ، وبفلانة فلان بن فلان ، فأنزل الله : " الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " .

2559 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " قال : كان أهل الجاهلية فيهم بغي وطاعة للشيطان ، فكان الحي إذا كان فيهم عدة ومنعة ، فقتل عبد قوم آخرين عبدا لهم ، قالوا : لا نقتل به إلا حرا! تعززا ، لفضلهم على غيرهم في أنفسهم . وإذا قتلت لهم امرأة قتلتها امرأة قوم آخرين قالوا : لا نقتل بها إلا رجلا! فأنزل الله هذه الآية يخبرهم أن العبد بالعبد والأنثى بالأنثى ، فنهاهم عن البغي . ثم أنزل الله تعالى ذكره في سورة المائدة بعد ذلك فقال : ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص ) [ سورة المائدة : 45 ] .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.18 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.55 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.08%)]