عرض مشاركة واحدة
  #218  
قديم 12-08-2022, 06:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,215
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد





تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(204)
الحلقة (218)
صــ 224إلى صــ 231






وقوله : "ورحمة " ، يعني : ولهم مع المغفرة ، التي بها صفح عن ذنوبهم وتغمدها ، رحمة من الله ورأفة . [ ص: 223 ]

ثم أخبر تعالى ذكره - مع الذي ذكر أنه معطيهم على اصطبارهم على محنه ، تسليما منهم لقضائه ، من المغفرة والرحمة - أنهم هم المهتدون ، المصيبون طريق الحق ، والقائلون ما يرضى عنهم والفاعلون ما استوجبوا به من الله الجزيل من الثواب .

وقد بينا معنى "الاهتداء " ، فيما مضى ، فإنه بمعنى الرشد للصواب .

وبمعنى ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

2329 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : " الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون " قال : أخبر الله أن المؤمن إذا سلم الأمر إلى الله ، ورجع واسترجع عند المصيبة ، كتب له ثلاث خصال من الخير : الصلاة من الله ، والرحمة ، وتحقيق سبيل الهدى . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من استرجع عند المصيبة ، جبر الله مصيبته ، وأحسن عقباه ، وجعل له خلفا صالحا يرضاه .

2330 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، [ ص: 224 ] عن أبيه ، عن الربيع في قوله : "أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة " ، يقول : الصلوات والرحمة على الذين صبروا واسترجعوا .

2331 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان العصفري ، عن سعيد بن جبير قال : ما أعطي أحد ما أعطيت هذه الأمة "الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة " ، ولو أعطيها أحد لأعطيها يعقوب عليه السلام ، ألم تسمع إلى قوله : ( يا أسفى على يوسف ) [ سورة يوسف : 84 ] .
القول في تأويل قوله تعالى ( إن الصفا والمروة من شعائر الله )

قال أبو جعفر : "والصفا " جمع "صفاة " ، وهي الصخرة الملساء ، ومنه قول الطرماح :


أبى لي ذو القوى والطول ألا يؤبس حافر أبدا صفاتي
[ ص: 225 ]

وقد قالوا إن "الصفا " واحد ، وأنه يثنى "صفوان " ، ويجمع "أصفاء " و"صفيا ، وصفيا " ، واستشهدوا على ذلك بقول الراجز


كأن متنيه من النفي مواقع الطير على الصفي


وقالوا : هو نظير "عصا وعصي [ وعصي ، وأعصاء ] ، ورحا ورحي [ ورحي ] وأرحاء " .

وأما "المروة " ، فإنها الحصاة الصغيرة ، يجمع قليلها "مروات " ، وكثيرها "المرو " ، مثل "تمرة وتمرات وتمر " ، قال الأعشى ميمون بن قيس : [ ص: 226 ]


وترى بالأرض خفا زائلا فإذا ما صادف المرو رضح


يعني ب "المرو " : الصخر الصغار ، ومن ذلك قول أبي ذؤيب الهذلي :


حتى كأني للحوادث مروة بصفا المشرق كل يوم تقرع


ويقال " المشقر " .

وإنما عنى الله تعالى ذكره بقوله : "إن الصفا والمروة " ، في هذا الموضع : الجبلين المسميين بهذين الاسمين اللذين في حرمه ، دون سائر الصفا والمرو . ولذلك أدخل فيهما "الألف واللام " ، ليعلم عباده أنه عنى بذلك الجبلين المعروفين بهذين الاسمين ، دون سائر الأصفاء والمرو .

وأما قوله : "من شعائر الله " ، فإنه يعني : من معالم الله التي جعلها تعالى ذكره لعباده معلما ومشعرا يعبدونه عندها ، إما بالدعاء ، وإما بالذكر ، وإما بأداء ما فرض عليهم من العمل عندها . ومنه قول الكميت :


نقتلهم جيلا فجيلا تراهم شعائر قربان بهم يتقرب
[ ص: 227 ]

وكان مجاهد يقول في الشعائر بما : -

2332 - حدثني به محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " إن الصفا والمروة من شعائر الله " قال : من الخبر الذي أخبركم عنه .

2333 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

فكأن مجاهدا كان يرى أن الشعائر ، إنما هو جمع "شعيرة " ، من إشعار الله عباده أمر الصفا والمروة ، وما عليهم في الطواف بهما . فمعناه : إعلامهم ذلك .

وذلك تأويل من المفهوم بعيد . وإنما أعلم الله تعالى ذكره بقوله : " إن الصفا والمروة من شعائر الله " عباده المؤمنين أن السعي بينهما من مشاعر الحج التي سنها لهم ، وأمر بها خليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، إذ سأله أن يريه مناسك الحج . وذلك وإن كان مخرجه مخرج الخبر ، فإنه مراد به الأمر . لأن الله تعالى ذكره قد أمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم باتباع ملة إبراهيم عليه السلام ، فقال له : ( ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ) [ سورة النحل : 123 ] ، وجعل تعالى ذكره إبراهيم إماما لمن بعده . فإذ كان صحيحا أن الطواف والسعي بين الصفا والمروة من شعائر الله ومن مناسك الحج ، فمعلوم أن إبراهيم صلى الله [ ص: 228 ] عليه وسلم قد عمل به وسنه لمن بعده ، وقد أمر نبينا صلى الله عليه وسلم وأمته باتباعه ، فعليهم العمل بذلك ، على ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
القول في تأويل قوله تعالى ( فمن حج البيت أو اعتمر )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : "فمن حج البيت " ، فمن أتاه عائدا إليه بعد بدء . وكذلك كل من أكثر الاختلاف إلى شيء فهو "حاج إليه " ، ومنه قول الشاعر :


لأشهد من عوف حلولا كثيرة يحجون سب الزبرقان المزعفرا
[ ص: 229 ]

يعني بقوله : "يحجون " ، يكثرون التردد إليه لسؤدده ورياسته . وإنما قيل للحاج "حاج " ، لأنه يأتي البيت قبل التعريف ، ثم يعود إليه لطواف يوم النحر بعد التعريف ، ثم ينصرف عنه إلى منى ، ثم يعود إليه لطواف الصدر . فلتكراره العود إليه مرة بعد أخرى قيل له : "حاج " .

وأما "المعتمر " ، فإنما قيل له : "معتمر " ، لأنه إذا طاف به انصرف عنه بعد زيارته إياه . وإنما يعني تعالى ذكره بقوله : "أو اعتمر " ، أو اعتمر البيت ، ويعني ب "الاعتمار " الزيارة . فكل قاصد لشيء فهو له "معتمر " ، ومنه قول العجاج :


لقد سما ابن معمر حين اعتمر مغزى بعيدا من بعيد وضبر


يعني بقوله : "حين اعتمر " ، حين قصده وأمه .
[ ص: 230 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فلا جناح عليه أن يطوف بهما )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "فلا جناح عليه أن يطوف بهما " ، يقول : فلا حرج عليه ولا مأثم في طوافه بهما .

فإن قال قائل : وما وجه هذا الكلام ، وقد قلت لنا ، إن قوله : "إن الصفا والمروة من شعائر الله " ، وإن كان ظاهره ظاهر الخبر ، فإنه في معنى الأمر بالطواف بهما ؟ فكيف يكون أمرا بالطواف ، ثم يقال : لا جناح على من حج البيت أو اعتمر في الطواف بهما ؟ وإنما يوضع الجناح عمن أتى ما عليه بإتيانه الجناح والحرج ؟ والأمر بالطواف بهما ، والترخيص في الطواف بهما ، غير جائز اجتماعهما في حال واحدة ؟

قيل : إن ذلك بخلاف ما إليه ذهبت . وإنما معنى ذلك عند أقوام : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما اعتمر عمرة القضية ، تخوف أقوام كانوا يطوفون بهما في الجاهلية قبل الإسلام لصنمين كانا عليهما تعظيما منهم لهما ، فقالوا : وكيف نطوف بهما ، وقد علمنا أن تعظيم الأصنام وجميع ما كان يعبد من ذلك من دون الله ، شرك ؟ ففي طوافنا بهذين الحجرين أحرج ذلك ، لأن الطواف بهما في الجاهلية إنما كان للصنمين اللذين كانا عليهما ، وقد جاء الله بالإسلام اليوم ، ولا سبيل إلى تعظيم شيء مع الله بمعنى العبادة له!

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.17 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.18%)]