عرض مشاركة واحدة
  #214  
قديم 12-08-2022, 07:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,714
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد





تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(200)
الحلقة (214)
صــ 192إلى صــ 199





قيل : ذلك من الكلام الذي تخرجه العرب مخرج الأمر أو النهي للمخاطب به ، والمراد به غيره ، كما قال جل ثناؤه : ( يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين ) [ سورة الأحزاب : 1 ] ، ثم قال : ( واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا ) [ ص: 192 ] [ سورة الأحزاب : 2 ] . فخرج الكلام مخرج الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم والنهي له ، والمراد به أصحابه المؤمنون به . وقد بينا نظير ذلك فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولكل وجهة هو موليها )

قال أبو جعفر : يعني بقوله تعالى ذكره : "ولكل" ، ولكل أهل ملة ، فحذف "أهل الملة" واكتفى بدلالة الكلام عليه ، كما : -

2274 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : "ولكل وجهة" قال : لكل صاحب ملة .

2275 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : "ولكل وجهة هو موليها" ، فلليهودي وجهة هو موليها ، وللنصراني وجهة هو موليها ، وهداكم الله عز وجل أنتم أيها الأمة للقبلة التي هي قبلته .

2276 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قلت لعطاء قوله : "ولكل وجهة هو موليها " قال : لكل أهل دين ، اليهود والنصارى . قال ابن جريج ، قال مجاهد : لكل صاحب ملة .

2277 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : "ولكل وجهة هو موليها " قال : لليهود قبلة ، وللنصارى قبلة ، ولكم قبلة . يريد المسلمين .

2278 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : [ ص: 193 ] حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "ولكل وجهة هو موليها " ، يعني بذلك أهل الأديان : يقول : لكل قبلة يرضونها ، ووجه الله تبارك وتعالى اسمه حيث توجه المؤمنون . وذلك أن الله تعالى ذكره قال : ( فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم ) [ سورة البقرة : 115 ]

2279 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "ولكل وجهة هو موليها " ، يقول : لكل قوم قبلة قد ولوها .

فتأويل أهل هذه المقالة في هذه الآية : ولكل أهل ملة قبلة هو مستقبلها ، ومول وجهه إليها .

وقال آخرون بما : -

2280 - حدثنا به الحسن بن يحيى قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : "ولكل وجهة هو موليها" قال : هي صلاتهم إلى بيت المقدس ، وصلاتهم إلى الكعبة .

وتأويل قائل هذه المقالة : ولكل ناحية وجهك إليها ربك يا محمد قبلة ، الله عز وجل موليها عباده .

وأما "الوجهة" ، فإنها مصدر مثل "القعدة " و"المشية " ، من "التوجه " . وتأويلها : متوجه ، يتوجه إليه بوجهه في صلاته ، كما : -

2281 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "وجهة " قبلة . [ ص: 194 ]

2282 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

2283 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : "ولكل وجهة " قال : وجه .

2284 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : "وجهة " ، قبلة .

2285 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير قال : قلت لمنصور : " ولكل وجهة هو موليها " قال : نحن نقرأها ( ولكل جعلنا قبلة يرضونها ) .

وأما قوله : "هو موليها" ، فإنه يعني هو مول وجهه إليها ومستقبلها ، كما : -

2286 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "هو موليها " قال : هو مستقبلها .

2287 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

ومعنى "التولية" هاهنا الإقبال ، كما يقول القائل لغيره : "انصرف إلي" بمعنى : أقبل إلي . "والانصراف" المستعمل ، إنما هو الانصراف عن الشيء ، ثم يقال : "انصرف إلى الشيء" ، بمعنى : أقبل إليه منصرفا عن غيره . وكذلك يقال : "وليت عنه " ، إذا أدبرت عنه . ثم يقال : "وليت إليه" ، بمعنى أقبلت إليه موليا عن غيره . [ ص: 195 ]

والفعل - أعني "التولية" - في قوله : "هو موليها " لل "كل" . و"هو " التي مع "موليها" ، هو "الكل" ، وحدت للفظ "الكل" .

فمعنى الكلام إذا : ولكل أهل ملة وجهة ، الكل منهم مولوها وجوههم .

وقد روي عن ابن عباس وغيره أنهم قرأوها : "هو مولاها " ، بمعنى أنه موجه نحوها . ويكون "الكل " حينئذ غير مسمى فاعله ، ولو سمي فاعله ، لكان الكلام : ولكل ذي ملة وجهة ، الله موليه إياها ، بمعنى : موجهه إليها .

وقد ذكر عن بعضهم أنه قرأ ذلك : "ولكل وجهة" بترك التنوين والإضافة . وذلك لحن ، ولا تجوز القراءة به . لأن ذلك - إذا قرئ كذلك - كان الخبر غير تام ، وكان كلاما لا معنى له . وذلك غير جائز أن يكون من الله جل ثناؤه .

والصواب عندنا من القراءة في ذلك : " ولكل وجهة هو موليها " ، بمعنى : ولكل وجهة وقبلة ، ذلك الكل مول وجهه نحوها . لإجماع الحجة من القراء على قراءة ذلك كذلك ، وتصويبها إياها ، وشذوذ من خالف ذلك إلى غيره . وما جاء به النقل مستفيضا فحجة ، وما انفرد به من كان جائزا عليه السهو والغلط ، فغير جائز الاعتراض به على الحجة .
[ ص: 196 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فاستبقوا الخيرات )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "فاستبقوا" ، فبادروا وسارعوا ، من "الاستباق" ، وهو المبادرة والإسراع ، كما : -

2288 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : "فاستبقوا الخيرات " ، يقول : فسارعوا في الخيرات .

وإنما يعني بقوله : "فاستبقوا الخيرات " ، أي : قد بينت لكم أيها المؤمنون الحق ، وهديتكم للقبلة التي ضلت عنها اليهود والنصارى وسائر أهل الملل غيركم ، فبادروا بالأعمال الصالحة ، شكرا لربكم ، وتزودوا في دنياكم لآخرتكم ، فإني قد بينت لكم سبل النجاة ، فلا عذر لكم في التفريط ، وحافظوا على قبلتكم ، فلا تضيعوها كما ضيعتها الأمم قبلكم ، فتضلوا كما ضلت ؛ كالذي : -

2289 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "فاستبقوا الخيرات" ، يقول : لا تغلبن على قبلتكم .

2290 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : "فاستبقوا الخيرات " قال : الأعمال الصالحة . [ ص: 197 ]
القول في تأويل قوله تعالى ( أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير ( 148 ) )

قال أبو جعفر : ومعنى قوله : "أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا " ، في أي مكان وبقعة تهلكون فيه ، يأت بكم الله جميعا يوم القيامة ، إن الله على كل شيء قدير ، كما : -

2291 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : "أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا" ، يقول : أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا يوم القيامة .

2291 م - حدثنا موسى قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا " ، يعني : يوم القيامة .

قال أبو جعفر : وإنما حض الله عز وجل المؤمنين بهذه الآية على طاعته والتزود في الدنيا للآخرة ، فقال جل ثناؤه لهم : استبقوا أيها المؤمنون إلى العمل بطاعة ربكم ، ولزوم ما هداكم له من قبلة إبراهيم خليله وشرائع دينه ، فإن الله تعالى ذكره يأتي بكم وبمن خالف قبلتكم ودينكم وشريعتكم جميعا يوم القيامة ، من حيث كنتم من بقاع الأرض ، حتى يوفي المحسن منكم جزاءه بإحسانه ، والمسيء عقابه بإساءته ، أو يتفضل فيصفح .

وأما قوله : "إن الله على كل شيء قدير" ، فإنه تعالى ذكره يعني : إن الله تعالى على جمعكم - بعد مماتكم - من قبوركم إليه ، من حيث كنتم وكانت قبوركم وعلى غير ذلك مما يشاء ، قدير . فبادروا خروج أنفسكم بالصالحات من الأعمال قبل مماتكم ليوم بعثكم وحشركم .
[ ص: 198 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون ( 149 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "ومن حيث خرجت " ، ومن أي موضع خرجت إلى أي موضع وجهت ، فول يا محمد وجهك - يقول : حول وجهك . وقد دللنا على أن "التولية " في هذا الموضع شطر المسجد الحرام ، إنما هي : الإقبال بالوجه نحوه . وقد بينا معنى "الشطر" فيما مضى .

وأما قوله : "وإنه للحق من ربك" ، فإنه يعني تعالى ذكره : وإن التوجه شطره للحق الذي لا شك فيه من عند ربك ، فحافظوا عليه ، وأطيعوا الله في توجهكم قبله .

وأما قوله : "وما الله بغافل عما تعملون " ، فإنه يقول : فإن الله تعالى ذكره ليس بساه عن أعمالكم ، ولا بغافل عنها ، ولكنه محصيها لكم ، حتى يجازيكم بها يوم القيامة .
[ ص: 199 ]

القول في تأويل قوله تعالى ذكره ( ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره )

قال أبو جعفر : يعني بقوله تعالى ذكره ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام من أي مكان وبقعة شخصت فخرجت يا محمد ، فول وجهك تلقاء المسجد الحرام ، وهو شطره .

ويعني بقوله : "وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم " ، وأينما كنتم أيها المؤمنون من أرض الله ، فولوا وجوهكم في صلاتكم تجاهه وقبله وقصده .
القول في تأويل قوله تعالى ( لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني )

قال أبو جعفر : فقال جماعة من أهل التأويل : عنى الله تعالى ب "الناس" في قوله : "لئلا يكون للناس" ، أهل الكتاب .

ذكر من قال ذلك :

2292 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "لئلا يكون للناس عليكم حجة" ، يعني بذلك أهل الكتاب . قالوا - حين صرف نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة البيت الحرام - : اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه!

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.09 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.98%)]